إن كنت في حالة ضياع فعليك بتفقد قيمك!

تشوَّه مفهوم "القِيم" في مجتمعاتنا، وباتت كل من المادة والمظاهر الخارجية المتحكم الأساس في حياتنا؛ فلا قيمة لمَن يملك جيوباً فارغة، أو منزلاً بسيطاً، أو دخلاً زهيداً، وبالمقابل؛ ارتفعت قيمة مَن يملك المال، والسلطة، والممتلكات إلى اللانهاية، فاضطربَت بوصلة الإنسان، فبدلاً من استمداد قيمته من رضا الله والقيام بالأعمال الصالحة؛ قام بِرَهن قيمته إلى المال والسلطة، حيث اختلطَت الأمور وضاع الناس ما بين قِيم الغاية وقيم الوسيلة، فباتَ المال قيمة غاية، وغدت قيمة مساعدة الآخرين غباءً.



نحن نمضي الحياة بطريقة عشوائية، مستسلمين لكمِّ المشاعر السلبية التي تنتابنا، تاركين المجال للظروف الخارجية بالسيطرة علينا وإِنهاكنا، فيقول قائل: "عن أيَّة قِيم تتحدث وظروف الواقع آخذة بالتراجع والتشوه؟". لقد أوكَلنا مَهمة اختيار مسارات حياتنا إلى الناس، محاولين إقناع أنفسنا بما انتقاه لنا غيرنا، متجاهلين صوتنا الداخلي الصادق الرافض للانقياد والطامح بالقيادة، فنبتعد عن أنفسنا رويداً رويداً، ونصبح غرباء عن أنفسنا، ونعيش الضياع والتشتت دون أن نعرف السبب الحقيقي لذلك، ونندم على اتخاذ قرارات معيَّنة في حياتنا لِنعود ونقتَرف نفس الخطأ مبتعدين عن قِيمنا الأصلية، ونبقى بقية عمرنا في دوامة من الضياع، وفي دائرة مفرغة من الحاجة؛ الحاجة إلى السلام الداخلي والسعادة.

لماذا نفعل هذا بأنفسنا؟ ولماذا لا نقترب من قِيمنا ونتماهى معها؟ هل سنقضي الحياة متبنِّين قِيم الآخرين ومعتقداتهم؟ وماذا عن قِيمنا الخاصة بنا؟ ألم يحن الوقت للاعتراف الصريح بالقِيم الممثِّلة لنا، والقادرة على جعلنا نعيش جنة الدنيا، وبهجتها؟

الحياة أجمل بكثير إن عشتَها متقاطعاً مع قيمك، ولكي تصل إلى التقاطع الأمثل؛ ابقَ معنا خلال هذا المقال.

ما هي القيم؟

هي الأمور الأكثر أهمية في حياتنا، والذي يؤدي اكتشافها إلى السعادة وراحة البال والاستقرار النفسي، في حين يؤدي البعد عنها إلى الكآبة والضياع والتشتت.

تشوُّه القيم:

خُلِق الإنسان مكرَّماً، بحيث يستمد قيمته من الله تعالى، ومن تفعيل الخير والنية الحسنة على كوكب الأرض، فعندما ابتعدَ الناس عن المصدر الحقيقي للطاقة؛ أُصيبوا بالضياع، وباتوا يشحنون أنفسهم من المصادر الخاطئة، ومن هنا نشأ التعلق المَرَضي، حيث علَّق الناس سعادتهم وراحة بالهم على شيء ما بعينه، الأمر الذي جعلهم تعساء، منتظرين قدوم الشيء لكي يفرحوا، وكأنَّهم يرسلون رسالة إلى الكون مفادها: "نحن لا قيمة لنا حتى يتحقق ذلك الأمر"، وبالتالي تتحوَّل ذبذباتهم إلى ذبذبات سلبية بفعل مشاعر التوتر والقلق والانتظار، مما يعيق عملية جذبهم لما يريدون، حيث لا يجذب الشيء السلبي إلا مثيله، فلا تتوقَّع أن تجذب هدفك والطاقة الكامنة بداخلك ومشاعرك السلبية.

من جهة أخرى، يحقق الإنسان ذو القيم الثابتة جذباً رائعاً لكل ما يريد، فهو ممتلئ من الداخل ويشعر بقيمته ووجوده لمجرد كونه إنسان وبغضِّ النظر عن امتلاكه للسيارات والمنازل الفاخرة، ويجد نفسه بأنَّه مَن يصنع الهدف وليس العكس، ويستطيع تخيُّل الهدف وعيش بهجته قبل حدوثه، مما يُبقِيه في حالة شعورية إيجابية متماهية مع الهدف المخطَّط له، الأمر الذي يساعد في جذبه.

إقرأ أيضاً: هل مللت من حياتك؟ إليك كيفية جعلها مثيرة من جديد

أركان القيم الأكثر تأثيراً في حياتنا:

نحن نعيش حياتنا بطريقة عشوائية، في حين يفرض علينا التوازن الحقيقي تكاملاً بين جوانب الحياة المختلفة؛ الروحية، والصحية، والعائلية والشخصية، والاجتماعية، والمهنية، والمادية. يعيش الإنسان خلال يومه بناءً على منظومة قِيمه؛ فهي الدافع الأساس وراء تصرفاتنا وسلوكاتنا، وهي مَن تصنع قراراتنا ومستقبلنا.

1. الركن الروحاني:

من أهم القِيم في الجانب الروحاني والتي يجب على الإنسان العمل عليها؛ هي "الحب"، ويندرج تحت هذه القيمة؛ حب الله، وحب الذات، وحب العائلة، ومن ثمَّ الآخرين، وإن لم تتحلَّ باليقين التام بكرم الله وعطائه؛ فلا يمكِنك صنع النجاح في الحياة، فقانون الجذب قائم على فكرة الثقة التامة بالله واستجابته لنا، ومن ثمَّ يأتي دور حبك لذاتك؛ وإن لم تَثِق بذاتك وقدراتك؛ فلن تتمكن من إحراز أي تقدُّم في الحياة، ومن ثمَّ بعد تحقيق الامتلاء الداخلي بحب الله وذاتك؛ ستكون قادراً على توليد الحب إلى الآخرين.

2. الركن الصحي:

إن لم تمتلك صحة جيدة؛ فلن تستطيع القيام بأي أمرٍ في حياتك، فلن تملك الطاقة والحيوية للقيام بشغفك وأهدافك والمرض يأكل جسدك؛ لذلك من أهم القيم التي عليك مراعاتها؛ هي قيمة الصحة، فلا تشمل قيمة الصحة؛ تناول الأكل الصحي وممارسة الرياضة فقط؛ بل أيضاً مراقبة الأفكار التي تدخل إلى العقل، حيث تدمِّر الأفكار السلبية العضلات والخلايا، وتصيب الإنسان بكثيرٍ من الأمراض الجسدية؛ فلا يمكِن أن يتمتع الشخص السلبي بالصحة والحيوية.

3. الركن الشخصي:

لكي تبني نجاحات في الحياة؛ عليك بداية مراقبة ذاتك وفهمها، حيث تولَد القيم التي تُوجِّه حياتك من رحم المعتقدات التي تَملِكها عن ذاتك، فمَن يَحمل معتقدات مشوهة عن ذاته؛ لا يمكِنه أن يحقق الإنجازات في حياته - وإن امتلك قيماً عالية - فكيف سيصل إلى أهدافه مَن يحمل معتقد أنَّه "غبي وخجول وغير نافع"؟ وهذا ما يفسِّر ابتعاد كثيرٍ من الأشخاص عن أهدافهم، فلطالما نصادف كثيراً من الناس ممَّن يحملون أعظم القيم، إلَّا أنَّهم يمتلكون صورة ذهنية مشوهة عن ذواتهم، الأمر الذي يمنعهم من الوصول إلى أهدافهم.

عليك أن تبني تقديراً عالياً لذاتك، وإن قمتَ بتغذية جانبك الروحي بشكلٍ صحيح؛ فستصل إلى الإحساس العالي بقيمة ذاتك، ومن ثمَّ ستتمكن من بناء منظومة القيم الخاصة فيك.

تحمَّل مسؤولية حياتك، واسأل نفسك أسئلة وجودية؛ مثل: "ما هي رسالتي في الحياة؟"، عندها ستتدفق إلى عقلك القيم الأكثر أهمية في حياتك، وستتمكن من العيش في كل يوم بما يتوافق مع شغفك وقِيمك.

شاهد بالفديو: 7 عادات يومية قد تقصّر العمر

4. الركن العائلي:

لكي تبني علاقات أسرية متينة عليك أن تتحلَّى بقيمة التعاطف والتسامح والسعي إلى الفهم أولاً، حيث تبدأ أغلب المشكلات العائلية من محاولة إسقاط  تجربتنا الذاتية على المحيطين بنا، دون محاولة فهم مشاعرهم وتجربتهم الخاصة، وهنا عليك أن تتمتع بمهارة الاستماع التعاطفي؛ أي أن تستمع إلى الآخرين بقلبك وليس بعقلك فقط، وأن تسعى إلى تفهُّم احتياجاتهم ومنظوراتهم الفكرية.

5. الركن الاجتماعي:

لكي تبني علاقات اجتماعية قوية، عليك بداية أن تفعل قِيماً مثل: مساعدة الآخرين، أو التأثير، أو الصدق، أو الحب، أو تحمُّل المسؤولية، كما عليك أن تلغي الأحكام وتستبدلها بالفضول، فبدلاً من الحكم على إنسان ما بأنَّه بخيل ومادي؛ تستطيع التعامل معه من باب الفضول ومحاولة فهم الأسباب الكامنة وراء مظاهر البخل البادية عليه، فقد يكمن الخوف الشديد من المستقبل وراء ما يظهره من علامات التعلق المَرَضي بالمال.

6. الركن المهني:

لكي يكون عملك فعالاً، عليك بداية أن تكتشف شغفك، ومن ثمَّ تبنِّي القيم المتماشية مع شغفك، بذلك تُحوِّل عملك إلى أكبر متعة في حياتك. على سبيل المثال: إن كان شغفك هو التأثير في الناس لجعل حياتهم أنضج وأفضل؛ فستَبني قيماً متوافقة مع هذا الشغف؛ كقيمة الصدق، أو النمو والإنجاز، أو مساعدة الآخرين، أو المسؤولية، أو التأثير والانفعال.

7. الركن المادي:

لكي تحصل على حياة مريحة من الناحية المادية؛ عليك أن تثق أنَّ المال نتيجة حتمية لقِيم الغاية لديك، فبمجرد الـتزامك بتحقيق شغفك ورسالتك الحقيقية، وتعهُّدك بتطبيق قِيمك على أرض الواقع؛ سيأتي إليك المال بمنتهى اليسر، وسيكون مصدره مشروعك الخاص القائم على تقديم الفائدة للآخرين.

إقرأ أيضاً: كيف تكون سعيداً مدى الحياة؟

كيف أبني منظومة قِيمي؟

  • لكي تعيش بسلام وسعادة وبدون توتر واضطراب؛ عليك أن تكتشف قيمك الذاتية التي تعبِّر عنك، وهنا عليك في البداية أن تجلس مع ذاتك وتبدأ بمراجعة سيناريو حياتك، وتسأل نفسك عن الخيارات التي قمتَ بها سابقاً وعن سبب تراجعك عنها، وتسأل نفسك عن القيم التي لم تستطع تلك الخيارات إشباعها فيك، ومن ثمَّ تكتشف الحالات التي تكون فيها في منتهى السعادة والتدفق والقوة، وتلاحظ الأماكن التي تخسر فيها حيويتك وطاقتك، كما عليك أن تُشفِّر من عقلك كل كلام الآخرين، وتستمع إلى صوتك الداخلي فحسب، وأن تتذكر كل إشارات الحياة التي تجاهلتَها طوال حياتك، والتي كانت تُعدِّك للوصول من شفغك.
  • اكسر كل ما يُقيِّدك به الآخرين، واجلس مع ذاتك، وقل: "سأفعل ما أريد طالما أنَّه لا يتعارض مع شريعة الله، وطالما أنَّه لا يتعدى على حق إنسان".
  • اكتب القيم الهامة بالنسبة لك، على سبيل المثال: الحرية، الصحة، السعادة، المساعدة، التأثير، النمو والإنجاز، الحب، الصدق، المسؤولية، الإبداع، التجدد، الذكاء، التسامح، المغامرة، التعاطف، العائلة.

شاهد بالفديو: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

  • اسأل نفسك عن القيم التي تحتل الأولوية في حياتك، والتي لا تستطيع العيش إلا معها، وهنا ابدأ بالمفاضلة بين القيم، كأن تبني مصفوفة - يحتوي السطر الأول على القيم جميعها ويحتوي العمود الأول على القيم جميعها - ومن ثم ابدأ المفاضلة بين كل قيمة مع غيرها من القيم، وبعد ذلك قم بتعداد تكرار كل قيمة على حدا، حيث تحصل القيمة الأكثر تكراراً على المرتبة الأولى، وهكذا حتى تحصل في النهاية على هرم قيمك وفقاً لأولوية كل قيمة، وقُم بسؤال نفسك سؤالاً جاداً في أثناء مفاضلة قيمة الصحة والحرية على سبيل المثال؛ هل أستطيع أن أعيش مع الحرية ولكن دون الصحة، أم مع الصحة ولكن دون الحرية؟ وعندها ستعلم أياً من القيمتين أهم بالنسبة إليك. بعد بناء مصفوفة القيم ستظهر القيم الأكثر أولوية والتي ستعود لها عند القيام بأي عمل في حياتك وعند اتخاذ أي قرار في حياتك.
  • اسأل نفسك: "ما الذي يمنعني من تفعيل هذه القيم على أرض الواقع؟"، هل هو خوفي من الآخرين، ومن نظرة المجتمع؟ على سبيل المثال، هنا واجِه خوفك، وثِق بذاتك، وقرِّر تفعيل القيم على أرض الواقع مهما كلَّف الأمر.
  • عليك أن تُفرِّق ما بين قيم الغاية وقيم الوسيلة؛ فالمال قيمة وسيلة وليس غاية، ويقع أغلب البشر في المشكلات عندما يخلطون بين قيم الغاية وقيم الوسيلة؛ فقيم الغاية: هي القيم التي خُلِقنا من أجل تفعيلها على أرض الواقع، وهي المسؤولة عن سعادتنا وسلامنا، بينما قيم الوسيلة: هي نتيجة حتمية لتفعيل قيم الغاية؛ فالمال نتيجة حتمية لتفعيل شغفك بالتأثير في الناس، والزواج نتيجة حتمية لتفعيل قيمة الحب لكل البشر وتقبُّل الجميع، والشهادة الجامعية نتيجة حتمية لتفعيل قيمة النمو والإنجاز؛ فلا تتعلق في قيم الوسيلة، بل ركِّز طاقتك وجهدك في تفعيل قيم الغاية.

الخلاصة:

لكي تكون سعيداً وواثقاً وغنياً؛ عليك أن تفعِّل قيمك على أرض الواقع، وثِق بذاتك وقدراتك، وراقب أفكارك ومعتقداتك؛ فصورتك الذهنية عن نفسك هي الدافع الأساس الذي سيجعل قِيمك؛ حقيقة واقعة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة