أهمية تنمية الذكاء العاطفي لدى الأطفال والبالغين

يُعَدُّ تعليم الذكاء العاطفي للأطفال في عالمنا هذا أمراً هاماً مثل تعليم القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم؛ فلإعداد جيل المستقبل، نحن نحتاج إلى مساعدة شباب المستقبل على فهم مشاعرهم وتعلُّم طريقة التعامل معها بفاعلية في مرحلة مبكرة من الحياة.



الذكاء العاطفي هو مهارة أساسية لا تُدرَّس في معظم الأحيان بصورة كافية أو بطرائق عملية في المدارس، ومع ذلك، سيساعد الذكاء العاطفي أطفالنا على التكيُّف والنجاح في الحياة الواقعية؛ حيث يحتاج أطفالنا إلى تعلُّم طريقة الانتباه إلى استجابة أجسادهم وأدمغتهم للأحداث المختلفة.

ستسمح لهم معرفة هذه الأمور بالاستعداد للمواقف العصيبة، فنحن نسمع كل يوم عن المزيد من حالات التنمر وتدنِّي تقدير الذات والانتحار؛ لذا يساعد تعليم الأطفال ممارسات الذكاء العاطفي على السيطرة على مشاعرهم عند الضرورة؛ ممَّا يساعد على التخفيف من الصراعات التي يواجهونها.

يوجد أمور بسيطة يمكن للأهل القيام بها كل يوم لتحسين الذكاء العاطفي لدى الأطفال؛ حيث يمكن للوالدين طرح أسئلة على أطفالهم وإرشادهم في اتخاذ قرارات حول طريقة تفاعلهم مع المواقف المختلفة، فعادةً ما نقول أشياء مثل: "كيف كان يومك؟"؛ لذا بدلاً من ذلك، حاول أن تسأل طفلك: "كيف تشعر؟" و"لماذا تشعر بهذه الطريقة؟"، لزيادة تميُّزه العاطفي وقدرته على التعبير عمَّا يشعر به.

إذا كان طفلك متردداً في التحدث عن مشاعره، فامنحه دفتر يوميات وشجِّعه على تدوين مشاعره، ومن الهام بصورة خاصة للأطفال تحديد المشاعر التي يمرون بها والتعبير عنها؛ لذلك شجِّعهم على مشاركة دفتر يومياتهم معك حتى تتمكن من توجيههم في اختيار الطرائق المناسبة للاستجابة للمواقف والتحديات الصعبة.

نقدِّم لك فيما يأتي بعض الاقتراحات الأخرى لمساعدة الأطفال على فهم مشاعرهم ليتمكَّنوا من إدارة عواطفهم بفاعلية أكبر:

  • مساعدة طفلك على التعرف إلى الصوت الذي يخاطبه من الداخل موجهاً له الانتقادات والتخفيف من حدتها، الأمر الذي يمكن أن يظهر في البداية كآليات للتكيُّف، وغالباً ما يؤدي صوت النقد الداخلي إلى إضعاف الثقة والتأثير في الصحة؛ ممَّا يجعل الطفل يشعر بالخجل أو الانتقاد أو الإحباط، ويمكن أن يكون ذلك النقد بسيطاً أو حديثاً سلبياً مع النفس يخبر الشخص أنَّه ليس جيداً بما فيه الكفاية أو يثبِّط من عزيمته.
  • من أجل التخلص من الناقد الداخلي، يمكن تعليم الأطفال الممارسات التي تؤهِّلهم لملاحظة ردود أفعال أجسادهم تجاه مشاعرهم والتعبير عنها، وسيتعلَّمون تنمية صوت داخلي يرتكز على الوعي الذاتي، بدلاً من صوت يعزز النقد الداخلي؛ وذلك من خلال توسيع قدرتهم على الملاحظة والتعبير عمَّا يشعرون.

يمكن للأطفال أيضاً أن يتعلموا تحويل أساليب تفكيرهم السلبية إلى إيجابية، سواء كان ذلك من خلال استخدام استراتيجيات الذكاء العاطفي أم السلوكات المعرفية، ويمكنهم أيضاً تعزيز التعلم لرؤية تجاربهم من منظور إيجابي؛ وذلك من خلال مساعدتهم على اكتشاف النقد الداخلي، وإعادة صياغة ما يمرون به من خلال الملاحظة بدلاً من الحكم على أنفسهم، وبعد ذلك، عندما تراودهم أفكار سلبية، فسوف يكونون مؤهلين جيداً لاتِّباع إحدى ممارسات الذكاء العاطفي تلك.

إقرأ أيضاً: شرح نظريات الذكاء العاطفي

بصفتك والداً، حدِّد المشاعر التي تسبب التوتر لدى أطفالك وساعدهم على تحديد طرائق استجابتهم لها عن طريق:

  1. الحاجة إلى اتخاذ إجراء: علِّم طفلك حل الأمور بسرعة، وعدم القلق منها.
  2. الحاجة إلى الوضوح: غالباً ما يحدث ذلك ضمن العلاقات الإنسانية؛ لذلك أخبر طفلك أن يكون واضحاً ثم يتصرف.
  3. مواجهة موقف جديد: أخبر طفلك بأنَّه سيواجه أحداثاً لا يمكنه التحكم بها، ويجب عليه أن ينظر إلى الأمور من منحى أوسع.

علِّم طفلك الاسترخاء والتنفس بعمق والتفكير بأنَّ بعض الأمور ليست هامة كما نعتقد؛ إذ يساعد الذكاء العاطفي الطفل على زيادة وعيه الذاتي وقدرته على التعامل مع عواطفه، فعندما يتمكن الطفل من التواصل جيداً مع ما يشعر به عندما يشعر به، فإنَّ ذلك يتيح له الفرصة لتغيير عواطفه في المواقف الصعبة، ثم يمكنه التركيز على التعلم والتصرف كطفل.

بقدر ما يحتاج الأطفال إلى معرفة ممارسات الذكاء العاطفي، فإنَّنا نحتاج أيضاً إلى بالغين يمتلكون ذكاءً عاطفياً، لا سيما أولئك الذين يشاركون في تنمية الطفولة والتعليم، مثل الآباء والمعلمين الذين هم الأفضل في تطوير الذكاء العاطفي لدى الأطفال.

يواجه الآباء والمعلمون الكثير من الضغوطات اليومية التي يمكن أن تؤدي إلى معاناة داخلية وإرهاق عندما تتراكم الضغوطات، ويمكن أن يؤثر التوتر في علاقاتنا مع أنفسنا ومع الآخرين، بما في ذلك العلاقات التي تربط الوالدين مع أطفالهم، والمعلمين مع طلابهم، ويؤدي عدم وجود الوعي الذاتي أو التنظيم الذاتي أو الوعي الاجتماعي أو إدارة العلاقات إلى خللٍ وظيفيٍّ في العواطف، ويعوقنا في بناء علاقات مُرضية.

شاهد بالفديو: خمس مكونات رئيسة للذكاء العاطفي

ويساعد تطوير مهارات الوعي الذاتي والإدارة الذاتية على التخفيف من الإرهاق الناتج عن الضغوطات اليومية، وتتضمن الآثار الجانبية الإيجابية الأخرى الرضا المتزايد عن أدوارنا بصفتنا آباء ومعلمين، والرضا عن طبيعة علاقاتنا مع الأطفال، بالإضافة إلى الرضا العام عن الحياة، ويساهم البالغون الذين يطوِّرون ذكاءهم العاطفي في التحصيل الأكاديمي لطلابهم.

ما هي الأمور التي تميِّز الأب أو المعلم الذكي عاطفياً؟

  • فهم وتقدير واحترام واستخدام عواطفهم لحل المشكلات، واتخاذ القرارات ومساعدة الأطفال على فعل الأمر نفسه.
  • التعرف إلى طريقة تنظيم توترهم، وإدارة مشاعرهم غير المريحة ومساعدة الأطفال على فعل الأمر نفسه.
  • التعرف إلى طريقة التركيز على المشاعر السارة، واستخدامها في التعليم بكفاءة أكبر، وتحفيز أنفسهم وإلهام الأطفال على التعلم.
  • فهم قدراتهم والتعرف إلى نقاط قوَّتهم وضعفهم، مع القدرة على تحديد نقاط القوة لدى الأطفال ومجالات التحسين.
  • القدرة على بناء علاقات فعَّالة وداعمة من خلال الثقة والاحترام والاهتمام.
  • التفاوض بشأن حلول النزاعات التي تشمل الأطفال.
  • فهم واحترام عواطف ومشاعر الآخرين ووجهات نظرهم وآرائهم.
  • وضع حدود ثابتة ولكن محترمة مع الأطفال.

خلال مقابلة نشرتها مجلة "إيرلي تشايلدهود تودي" (EARLY CHILDHOOD TODAY)، سُئِلَ المؤلف "دانيال جولمان" (Daniel Goleman) عن الأمور التي يمكن للمعلمين فعلها لمساعدة الطلاب على تطوير الذكاء العاطفي، فكان جوابه: "يجب أن يشعر المعلمون بالراحة عند التحدث عن المشاعر، فهذا جزء من محو الأمية العاطفية؛ حيث توجد مجموعة من المهارات التي يمكننا جميعاً تطويرها، بما في ذلك القدرة على القراءة والفهم والاستجابة بطريقة مناسبة لمشاعر الفرد والآخرين.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي ودور الأسرة في تكوينه

ينطوي محو الأمية العاطفية على زيادة مسؤولية المدارس في المساعدة على التنشئة الاجتماعية للأطفال، وتتطلب هذه المهمة الصعبة تغييرين أساسيين هما: أن يتجاوز المعلمون مهمتهم التقليدية، وأن يصبح الناس في المجتمع منخرطين في المدارس كمشاركين نشطين وفعَّالين في تعلُّم الأطفال وكمنتورز فرديين.

لا يوجد مجال تكون فيه قدرة المعلم هامةً جداً أكثر من هذا المجال؛ حيث إنَّ الطريقة التي يتعامل بها المعلم مع طلابه تُعَدُّ مثالاً أو درساً واقعياً في الكفاءة العاطفية أو حتى عدم وجودها، فعندما يتفاعل طالب واحد مع المعلم، يتعلم 20 أو 30 آخرون درساً، ويمكن أن تكون هذه الدروس مفيدة، مثل تعلُّم التحكم بالانفعالات أو التعرف إلى المشاعر في السنوات الدراسية الأولى.

كما يمكنك تعليم أبسط المشاعر، مثل مشاعر السعادة والغضب لدى الأطفال الصغار، ثم التحدث عن المشاعر الأكثر تعقيداً، مثل الغيرة والكبرياء والشعور بالذنب؛ والفكرة الأساسية التي يجب أن يتعلمها الأطفال عن العواطف، هي أنَّه لا مشكلة من مواجهة كل المشاعر، ولكن لا بأس ببعض ردود الأفعال".

إنَّ البالغين المدركين لعواطفهم والقادرين على التعامل مع ضغوطاتهم الخاصة، هم أكثر قدرةً على ملاحظة مشاعر الأطفال، ومساعدتهم على تغيير مشاعرهم لتحقيق هدف ما أو تحسين حالتهم العاطفية؛ حيث يفعلون ذلك من خلال إظهار اهتمامهم التعاطفي بهم، وهذا بدوره يساعد الآباء والمعلمين الأذكياء عاطفياً على أن يكونوا أكثر انخراطاً وتحفيزاً في العمل، وبأن يكون لديهم شعور متزايد بالرضا الوظيفي والإنجاز على المستوى الشخصي.

عندما لا يستطيع البالغون فهم مشاعرهم، أو تنظيم عواطفهم، أو إدارة توترهم، أو حتى بناء علاقات جيدة مع الآخرين، فلا يمكنهم تعليم الأطفال طريقة القيام بذلك، والأطفال الذين يتحدثون عن المشاعر مع المعلمين وأولياء الأمور لديهم فهم أفضل للعواطف مقارنةً بالأطفال الذين لا يتحدثون، ومن ناحية أخرى، يرتبط الإهمال في التعليم بضعف المهارات الاجتماعية والعاطفية والتوازن العاطفي.

إنَّ التأثير المضاعف للمعلمين في حياة الأطفال له تأثيرات واسعة النطاق في المجتمع، ولأنَّ المعلمين وأولياء الأمور يُنشِئون أحد أهم التأثيرات في حياة الأطفال، فهم بحاجة أيضاً إلى تطوير ذكائهم العاطفي.




مقالات مرتبطة