ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة "آنجل كرنوف" (ANGEL Chernoff)، والتي تحدِّثنا فيه عن فائدة التوقف والتفكير بالموقف قبل القيام بأي تصرف.
فكَّرت بعديد من الردود على كلامها؛ مثل:
- "تريدين مني أن أكتب ملاحظة الآن؟ كان يجب أن تخبريني عن الأمر مسبقاً".
- "هل ذراعك تؤلمك؟ لا بد أنَّ السبب في ذلك هو ممارسة الألعاب الإلكترونية؟ لن أكتب ملاحظة لك".
- ستكون ذراعك بخير، يجب أن نذهب، فالباص أتى".
لكنَّني لم أقل أي منها؛ لأنَّني عندما كنت أفكِّر في كل الأشياء التي أردت أن أقولها، راجعت هذه الردود في ذهني وفكَّرت بما ستفيد الموقف، فمن تجاربي السابقة، أعلم أنَّ هذا الموقف سيسوء إذا اخترت السخرية أو الانزعاج أو الأسلوب العدواني مع ابنتي، بدلاً من التعاطف والاحترام، فقد أدَّى سابقاً الأسلوب العدواني ذات مرة إلى تحطيم فنجان قهوة زوجي، وبعدها شعرت بالندم، كما كان الغضب هو السبب في أنَّني فقدت السيطرة على نفسي بالكامل في أحد الأيام عندما لم أتمكَّن من تحديد موقع سيارتي في موقف السيارات، لأشعر بالندم أيضاً.
على الرَّغم من السنوات التي مرَّت على تلك الأحداث، ما زلت أرى وجوه أطفالي، وهم يحدِّقون بي في رعب متسائلين عمَّا حلَّ بي في تلك اللحظات، فقد كان رد فعلي مُبالغاً فيه، ودائماً ما كان مصحوباً بالندم، كرهت نفسي في تلك اللحظات، وكنت أرغب في الهرب والاختباء، لكنَّ الأهم من ذلك كله، لم أرغب في أن أكون ذلك الشخص المتقلِّب بعد ذلك، وهذا الندم يمكن أن يكون محفِّزاً قوياً.
شاهد بالفيديو: كيفية التحكم بالانفعالات وضبط النفس
فائدة التوقف والتفكير بالموقف:
إذاً، كيف بدأتُ في اختيار الهدوء على الجنون؟ كانت إحدى استراتيجياتي هي بذل جهد واعٍ لتحديد الأمور الإيجابية، بدلاً من السلبية في المواقف والناس، وكان لديَّ استراتيجية أخرى هي إسكات صوت الناقد الكامن في داخلي، فكلما خطر ببالي فكرة نقدية، هدَّأتها وفكَّرت بمشاعر الحب، واستراتيجية أخرى كانت تخيُّل الكلمات التي أتفوَّه بها عندما أغضب بمنزلة حادث سيارة، تُلحق الضرر بالطرف المتلقي لتلك الكلمات.
أدَّى كل هذا بي إلى التوقف والتفكير بالموقف، لرؤية ما يمكن أن يحصل لو اخترت السيطرة على الأسلوب العدواني واستبداله بالتعاطف، ولقد كنت أواجه أحد تلك المواقف في ذلك الصباح مع ابنتي، وكنتُ أعلم أنَّ ردي كان يمكن أن يصلح الموقف أو يفسده، وعلمتُ أنَّ تجاهل ألم ابنتي سيؤدي إلى خلاف؛ لذلك توقفت لمدة ثلاث ثوانٍ قبل أن أفتح فمي، وفي أثناء التوقف، لاحظت وجود دموع حقيقية تنهمر من عيني ابنتي، كانت تمسحها بأصابعها، فقد كانت تلك الوقفة لمدة 3 ثوان طويلة بما يكفي لأُدرك الحزن والألم والقلق على طفلتي، واستطعت رؤية مدى أهمية هذه الملاحظة لها؛ لذا أخذت مفكرة من الدرج، وكتبت ملاحظة سريعة للمعلم وأعطيتها لطفلتي.
لم أكن أعرف أبداً أنَّني أمتلك القدرة على منح شخص القليل من السلام، لكنَّني أعلم ذلك الآن؛ إذ كان رد فعلي الحنون تجاه حالة طفلتي قادراً على إنقاذ صباحنا، قالت بهدوء: "شكراً لك ماما"، لقد رأيت بالفعل وجهها يعود إلى لونه الطبيعي، وبعدها فكَّرت في ذراع طفلتي طوال اليوم، وكنت أعلم أنَّ محادثتنا كان من الممكن أن تأخذ بسهولة منحى مختلف، ومع أنَّني لا أختار دائماً كلماتي بعناية، فإنَّني كنت أعلم أنَّني أحسنتُ اختيارها في ذلك اليوم، ولم أشعر بالندم.
سألت ابنتي عندما عادت إلى المنزل من المدرسة: "كيف كانت حصة الرياضة؟"، فأخبرتني: "عندما كنت في الحصة، رأيت أنَّهم يمارسون تمريناً يمكنني القيام به، حتى مع وجود ألم في ذراعي؛ لذلك وضعت الورقة في جيبي ولعبت معهم".
كان لدي وقت في حياتي لم أكن لأعطي طفلتي تلك الملاحظة، وكان سيكون ردي على طلبها في الساعة 6:55 صباحاً مليئاً بالسخط والغضب وعدم الإحساس، وربما لم نكن لنصل إلى الحافلة، وربما كان ليحصل خلاف بيننا، فالحمد لله، الأمور مختلفة الآن.
أعلم الآن أنَّ كل موقف مليء بالتحديات لا يجب أن يكون بمنزلة سباق لا يهمنا فيه سوى أن نكون على صواب، أو تسير الأمور بالطريقة التي نريدها؛ بل الهدف من كل موقف هو التحدث بطريقة تجعل صوتي مسموعاً، والإصغاء ليكون صوت الآخرين مسموعاً، والرضى عن الطريقة التي تعاملت بها مع الموقف.
لديَّ ماضٍ مليء بردود الأفعال السيئة والمبالغ فيها، لكن اليوم أهم من أمس، فقد بدأت قائمة جديدة بالردود الحنونة التي أقدمها الآن؛ إذ ألهمتني هذه القائمة لكتابة تذكير يبعث على الأمل؛ تذكيراً بأنَّ التوقف لمدة 3 ثوانٍ له القدرة على تحسين الصباح، وتجنب الخلاف، وعدم الشعور بالندم، كما قد يجلب الأمل لشخص آخر أيضاً.
ردي يعبر عني:
- رد فعلي على زوجي الذي عاد من المتجر دون غرض طلبته، يعبِّر عني.
- رد فعلي على والدي القلق الذي يكرِّر نفس المخاوف ويُصِرُّ على إعطائي قسائم لا أحتاج إليها، يعبِّر عني.
- رد فعلي على مُصفِّفة الشعر التي تأخرت خمس عشرة دقيقة بسبب مرض طفلها، يعبِّر عني.
- رد فعلي على جاري الذي يعاني من مشكلات في القلب وقلة الدعم الأسري، يعبِّر عني.
- رد فعلي على السائق الذي سبقني وقام بإيماءة بذيئة أمام أطفالي، يعبِّر عني.
- رد فعلي على النادلة التي أخطأت في طلبي، يعبِّر عني.
- رد فعلي على نفسي عندما نسيت الشيء الوحيد الذي احتاج إلى فعله اليوم، يعبِّر عني.
- رد فعلي على فناجين القهوة التي تنسكب، والطوابير الطويلة، والاستيقاظ في منتصف الليل، يعبِّر عني.
في الختام:
رد فعلي ليس دائماً مثالياً، فأنا إنسانةٌ بعد كل شيء، لكن إذا اجتهدت في تقديم إجابات مليئة بالفهم، والعطف، والرعاية، هذا شيء هام؛ لأنَّ إجاباتي هي أكثر من مجرد كلمات، فهي تمثِّل من أكون، ومن أريد أن أكون، وما سأتذكَّره عن نفسي يوماً ما؛ إذ لن تكون إجاباتي مثالية دائماً، لكن إذا جاهدت للتواصل باستخدام عبارات من اللطف والحب، سيكون شيئاً رائعاً منِّي، وقد يعني ذلك أكثر من مجرد كلمات.
أضف تعليقاً