أفكار تساعدك على زيادة الإنتاجية

لم يكن الطريق إلى الأولمبياد ممهداً أمام السبَّاحة الأولمبية الأمريكية دانا فولمر (Dana Vollmer)، ولم تكن التمرينات المضنية هي ما صعَّب طريقها إلى العلا؛ فعندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها، شُخِّصت إصابتها بمتلازمة تطاول كيو تي (وهي متلازمة خلقية ينتج عنها إضطراب في نظم القلب)؛ ورغم جميع العلاجات التي تلقَّتها، لم يتناقص خطر حدوث اضطراب نظم القلب لديها، ولا زالت أمها حتى هذا اليوم تأتي لتشاهدها في سباقات السباحة وتراقبها عن كثب خوفاً من حدوث اضطراب في نظم قلبها.



عندما تأهلت فولمر (Vollmer) بعد عناء لسباق 100 متر فراشة للسيدات في أولمبياد لندن عام 2012، كانت مشكلتها الصحية محور اهتمام الجميع؛ لكنَّها كانت على يقين أنَّ طريقة تفكيرها ومنظورها إلى الأمور كان الأهم.

تجنَّب المقاومة:

بمجرد أن قفزت فولمر (Vollmer) إلى المسبح في نهائيات سباق الـ 100 متر، سقطت قبعة السباحة عن رأسها، والتي هي غطاء رأس مصنوع من مادة اللاتكس يرتديه السبَّاحون المحترفون لتغطية رؤوسهم بإحكام بهدف الحد من مقاومة الماء لهم في أثناء تقدمهم.

إنَّ قبعات السباحة هامة، خصوصاً للسبَّاحات الإناث؛ فلو سقطت من على رأسها وانفرد شعرها في الماء، فستزداد مقاومة الماء التي يتوجب على السبَّاحة التغلب عليها خلال السباق؛ وفي سباق عالي التنافسية مثل نهائيات الأولمبياد، ستكون المقاومة الإضافية هذه الحد الفاصل بين الفوز والخسارة؛ لهذا السبب يرتدي معظم السبَّاحين المحترفين قبعتين بدل الواحدة، وهذا ما فعلته فولمر (Vollmer)؛ فرغم سقوط قبعتها الاحتياطية، بقيت قبعتها الأساسية ثابتة في مكانها، ولم تحُل دون وقوع الكارثة فحسب، بل أوصلتها إلى الميدالية الذهبية وتحطيم الرقم القياسي أيضاً.

دعونا الآن ننتقل إلى الموضوع الأساسي، ومعرفة إلامَ يرمز ارتداء "قبعة السباحة" في الحياة وكيف يحسِّنها:

المقاومة الفيزيائية والمقاومة الذهنية:

تخيل أنَّ دماغك حاسوب يبدأ بالعمل في الصباح، وذاكرته متاحة للاستخدام بالكامل بما نسبته 100%.

تكمن المشكلة في أنَّنا كلما أضفنا مَهمَّة جديدة إلى قائمة المهمات، ستشغل هذه المَهمَّة حيزاً من ذاكرة هذا "الحاسوب"؛ فعندما تتفقد بريدك الإلكتروني في الصباح وترى ثلاث رسائل تحتاج الرد عليها لاحقاً، تتناقص ذاكرة حاسوبك بنسبة 3%، وتستمر هذه النسبة بالتناقص كلما أُضِيفت واجبات ومهمات على عاتقك، كالواجبات المنزلية، والاهتمام بالأطفال، والذهاب للتسوق؛ وكلما تركت هذه المهمات معلقة دون إنهائها، تمتلئ ذاكرتك بالتفكير فيها والقلق إزاءها والتخطيط لها؛ فإن كان دماغك مترعاً بهذه المهمات الثانوية، فكم سيتبقى لك من الذاكرة للقيام بعمل خلَّاق وهادف؟ 70% أم 50% أم أقل من ذلك؟

إقرأ أيضاً: 10 طرق للحفاظ على القوة الذهنية

إنَّ محاولة القيام بأفضل عمل مع عقل مشتت بمثابة محاولة السباحة للحصول على ميدالية ذهبية دون قبعة سباحة؛ فتشتت التركيز أشبه بشعر كثيف يغطي الرأس ويخلق مقاومة في "مياهك" الذهنية، وستجد نفسك في نهاية المطاف عاجزاً بلا حيلة.

يدرك السبَّاحون أنَّهم إذا أرادوا أداء أفضل ما لديهم، فعليهم ألَّا يكونوا العثرة التي تعيق تقدمهم، وعليهم إزاحة السبب الذي يخلق المقاومة في السباق (شعرهم)؛ لكن لا يعني هذا أنَّ الشعر هو مشكلة بحد ذاته، وينطبق ذالك على قائمة المهمات اليومية، وتحمُّل أعباء المنزل والأسرة، وتغطية الحالات الطارئة التي تحدث في حياتنا.

إن أردت تحقيق أداء مذهلاً، فعليك اختيار قرارات مدروسة لإبعاد هذه الأشياء لبعض الوقت؛ إذ كيف لك أن تتوقع القيام بأفضل عمل إبداعي إذا كان عليك مواجهة المقاومة الذهنية باستمرار؟

شاهد بالفديو: 9 قواعد أساسية لزيادة الإنتاجية في العمل

كيف تقلّل من المقاومة التي تُعيق تقدمك؟

ليس عليك أن تكون خبيراً في الأداء العالي، لكن عليك أن تقوم ببعض الأمور كي تتمكن من القيام بعملك الإبداعي على أكمل وجه؛ لذا:

  • تحكَّم بطاقتك وليس وقتك: لاحظ أنَّ طاقتك الإبداعية تكون في ذروتها في الصباح عندما تبدأ يوماً جديداً، وهي الفترة التي تقدم فيها أفضل ما لديك كالمهمات الوظيفية، واتخاذ القرارات الهامة؛ لذا عليك جدولة المهمات الإبداعية صباحاً، وتأجيل المهمات الثانوية المتعلقة بالعمل إلى فترة ما بعد الظهر. تتضمن هذه المهمات الثانوية إجراء المقابلات، والرد على رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية والاجتماعات، وتحليل البيانات والعمليات الحسابية؛ وتتمحور معظم استراتيجيات الإنتاجية حول إدارة وقتك، لكنَّك لن تستغل وقتك على النحو الأمثل ما لم تمتلك الطاقة الضرورية لإتمام المَهمَّة التي تعمل عليها.
  • لا تتفقد بريدك الإلكتروني قبل الظهر: يتيح لك عدم تفقد بريدك الإلكتروني صباحاًأن تقضي هذه الفترة في متابعة خططك الخاصة دون أن تنشغل بخطط الآخرين، وتكون أنت بذلك الرابح؛ ذلك لأنَّك لا تستنزف طاقتك الذهنية بالقلق إزاء البريد الوارد.
    لكن قد لا يكون بوسع الجميع تأجيل تفقد بريدهم حتى الظهر؛ لذا حاول أن ترغم نفسك على الانتظار إلى وقت متأخر من الصباح، كالساعة العاشرة مثلاً.
    يكمن الهدف من هذه الاستراتيجية في أن تتيح لنفسك بعض الوقت صباحاً باعتباره الفترة التي تستطيع فيها إنجاز عملك الأهم، دون أن يستحوذ المحيط على انتباهك.
  • ضع هاتفك في غرفة أخرى: جرب مثلاً ألَّا تمسك بهاتفك في ساعات الصباح الأولى كي تكون قادراً على التركيز دون أن تنشغل بالرسائل النصية أو المكالمات الهاتفية أو أيَّ تنبيه يشتت تركيزك.
  • ركِّز على عمل واحد باستخدام وضع ملء الشاشة على الحاسوب: عليك أن تحافظ على وضع ملء الشاشة عند استخدامك لتطبيق ما، كتصفح الإنترنت أو تسجيل الملاحظات أو برامج العمل كالفوتوشوب (Photoshop)؛ وذلك بغية التركيز على العمل الذي بين يديك فقط؛ كما عليك استخدام إعداد إخفاء شريط القوائم التلقائي في البرامج التي تعمل عليها كيلا تظهر لك الساعة أو أيقونات التطبيقات الأخرى أو أي مصدر للتشتيت على الشاشة، وستلاحظ فرقاً جلياً. تعمل هذه الأيقونات الموجودة أمامك على الشاشة على تذكيرك باستمرار بالنقر عليها؛ لكن عندما تبعد هذا التلميح البصري، تخمد الرغبة الملحة في الانقياد وراء عوامل التشتيت بغضون بضع دقائق.
  • تخلص من جميع المهمات التي قد تشتت تركيزك صباحاً: إنَّه لمن الأفضل لك القيام بالمهمات الضرورية باكراً كل يوم قبل أن تتسلل إليك المهمات الملحة الأخرى.
إقرأ أيضاً: طرق هامة تساعد في إنجاز أعمالك في وقتها المحدّد

ابدأ بالعمل الخلَّاق:

يقول مدرب التنمية البشرية ومؤلف كتاب "أدِر أعمالك اليومية" (Manage Your Day-to-Day) "مارك ماكغينيس" (Mark McGuinness): "إنَّ التغيير الوحيد والأهم الذي يجب أن يندرج ضمن عادات عملك هو وضع العمل الخلَّاق في المرتبة الأولى، والعمل عند الطلب في المرتبة الثانية؛ ويعني هذا إطفاء الهاتف وإيقاف البريد الإلكتروني لتخصيص جزء كبير من الوقت يومياً للعمل على أولوياتك بإبداع".

تكمن الطريقة المثلى للتغلب على المقاومة الذهنية في أن تمنح نفسك الوقت والمكان المناسب للقيام بالعمل الهام قبل أن تستحوذ عوامل التشتيت عليك وتشتت انتباهك؛ إذ إنَّه لمن الصعب القيام بعمل هادف في ظروف مثلى، فما بالك وأنت محاصر بمصادر التشتيت؛ لذا ابتعد عن التشتيت، وامنح نفسك الفرصة لأداء أفضل ما لديك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة