أعد برمجة عقلك

هل تعيش الحياة التي لطالما تمنَّيتها، أم أنَّك مستقرٌّ على وضعك الراهن؟ إذا وصلت إلى طريق مسدود، أو شعرت بأنَّك عاجز، أو أدركت بأنَّك لم تحقِّق أقصى إمكاناتك، فلم يفت الأوان بعد؛ إذ يمكنك إعادة برمجة عقلك، لتحظى بالتركيز والإصرار اللازم لترسم لنفسك حياةً تشعر فيها بالرضى والسعادة.



قد يبقى تصوُّرك لما تعتقد أنَّك تستحقه أمراً مُبهماً، فعندما تنحرف الحياة عن المسار الذي رسمته لها، غالباً ما تشعر بالإحباط والانزعاج، وتتساءل لما يحصل لك كل هذا، فقد يكون هذا الاستياء قوياً، ويدفعك إلى إحداث تغيير.

لكنَّ عقلك الباطن قد يعمل ضدك أيضاً؛ إذ ينتهي الأمر بكثير من الأشخاص بتحويل إحباطهم وانزعاجهم ضد أنفسهم، وتخريب أي فرصة للنجاح؛ إذ يبدؤون بالتفكير في أنَّهم يستحقون الأفضل، وقد يبذلون مزيداً من الجهد لبعض الوقت، لكن بدلاً من اتخاذ الإجراءات اللازمة، والسعي إلى إحداث تغيير دائم، فإنَّهم يعودون إلى حيث يشعرون بالانتماء؛ أي إلى وظائفهم وشؤونهم المالية وعلاقاتهم وصحتهم وإحساسهم العام بالصحة والسلامة.

ماذا لو امتلكت السيطرة الفعلية وتعلَّمت كيفية إعادة برمجة عقلك؟ ماذا لو أعدت توجيه تركيزك وجعلت حياتك مثالية؟

إنَّ عقلك الباطن هو مفتاح النجاح، وفي إمكانك إعادة برمجته، فإذا كنت ترغب في عيش الحياة التي تريدها، فقد حان الوقت لاتخاذ القرار والالتزام به وعقد العزم على تطبيقه، فالذي يُحدث فرقاً في الحياة ليس ما يمكنك فعله؛ بل ما تفعله حقاً، ولا يوجد وقت لاستعادة السيطرة على عقلك والتركيز على الأمور أفضل من الآن.

إنَّ قوة العقل لا يمكن إنكارها، وإحياء هذا اليقين المطلق - هذا الإيمان العميق بنفسك - يتطلَّب منك إدراك فائدة برمجة عقلك الباطن.

ما هو العقل الباطن؟

العقل الباطن هو ذلك الجزء من عقلك الذي يتخذ القرارات دون الحاجة إلى التفكير بها بجدية، ويتميَّز عن العقل الواعي الذي يشتمل على الأفكار التي تخطر لك في أي لحظة، كما يختلف عن العقل اللاواعي الذي يحتفظ بأحداث وتجارب سابقة لا تتذكَّرها مطلقاً.

فيُعدُّ تعلُّم العزف على آلة موسيقية مثالاً جيداً يوضِّح كيفية عمل العقل الباطن؛ إذ يجب عليك فهم النوتة الموسيقية في البداية، وتحريك أصابعك لعزف كل نغمة، لكن مع التدريب ستجد أنَّه في إمكانك اختيار أي أغنية وعزفها.

يتخطَّى العقل الباطن بقدراته تعلُّمَ مهارات جديدة؛ وذلك لأنَّه يعمل على معالجة المعلومات، ويؤثر في كل ما تفكِّر فيه وتقوله وتفعله، كما يقوم بتخزين معتقداتك وقيمك، ويحدِّد ذكرياتك، ويرصد المعلومات من حولك، لاختيار ما يجب إرساله إلى العقل الواعي وما يجب تخزينه لوقت لاحق، فإنَّه يؤثر في كل لحظة في حياتك، ومعظم الأشخاص غافلون عن ذلك.

فكم من الوقت تستغرق إعادة برمجة عقلك الباطن إذاً؟ يستغرق الأمر نحو ثلاثة إلى أربعة أسابيع بمعدل وسطي، وقد يحتاج إلى وقت أطول، وتعتمد الإجابة على مدى ترسخ السلوك الذي ترغب في تغييره، إضافةً إلى معتقداتك المقيِّدة.

شاهد بالفيديو: قوانين العقل الباطن

تغيير طريقة تفكيرك:

توجد ثلاث خطوات يجب اتخاذها، لمعرفة كيفية إعادة برمجة عقلك لتحقيق النجاح، ستغيِّر طريقة تفكيرك، وتوجِّه تركيزك في المسار الصحيح، وهذه الخطوات هي:

1. اتخاذ القرار:

أول خطوة يتعيَّن عليك اتخاذها هي الوضوح التام بخصوص ما تريده؛ لذا تعلَّم التوقف عن الإفراط في التفكير والتركيز على أهدافك، وفكِّر في النتيجة المرجوة والحياة الرائعة التي تتكشَّف أمامك؛ وذلك لأنَّ الوضوح قوة، وكلما فكرت في هذا الأمر، تعمَّقت في التفاصيل وازدادت رؤيتك قوةً وتأثيراً؛ إذ سينشِئ هذا خريطةً ذهنية لا واعية، ويزوِّد عقلك بالأدوات اللازمة لتحويل هذه الرؤية إلى حقيقة.

إذا كنت تريد إعادة برمجة عقلك، فكِّر في جدال بينك وبين صديقك، فعندما يحتدم النقاش مع شخص عزيز غالباً ما تنسى أمر الخلاف بحدِّ ذاته، وتُركِّز على أن يكون صوتك مسموعاً، وأن تكون الكلمة الأخيرة لك، فتكفَّ عن الانتباه لنبرة صوتك والتعامل بلطف مع صديقك، وتعامله بصفته خصماً، وهذه طريقة سريعة لتفاقم الجدال إلى أمر أسوأ بكثير.

بدلاً من ذلك، توقف واسأل نفسك عن السبب الأساسي للجدال، فأنت لا تقاتل حُبَّاً بالقتال، بل لديك آراء مختلفة عن أمر ما، وتريد إيجاد الحل، فعندما يتشتَّت انتباهك، فإنَّك تنسى أمر المشكلة الفعلية، وبمجرد أن تتذكَّر ذلك تستطيع إعادة تركيز اهتمامك على إيجاد حل للمشكلة الأصلية، وإعادة برمجة عقلك بأسلوب فعَّال، لاستثمار إمكاناته في الوصول إلى نتيجة في تلك اللحظة.

تبدأ إعادة برمجة العقل الباطن بتحديد ما تريده الآن ومستقبلاً والتركيز عليه، فأعطِ توجيهات لعقلك، فكما يُقال تتدفَّق الطاقة حيث يتَّجه التركيز، فحدِّد ما تريده جسدياً ومالياً وعاطفياً وروحياً في عملك وحياتك الشخصية، واتخذ قراراً بأنَّك لن ترضى بالأمور على حالها، ولن تستمر في العيش بنفس الطريقة، وركِّز نظرك على الهدف، وابدأ بإعادة برمجة عقلك.

2. الالتزام بالقرار:

إنَّ الخطوة التالية في إعادة برمجة العقل الباطن هي الالتزام، حرِّر عقلك من الخوف والشك بالنفس من خلال تفويضه بالأمر والسماح له بالقيادة.

فالخوف أكبر فخ يمنع الناس من تنفيذ أي عمل، وجميع الناس لديهم مخاوف؛ خوفٌ من الرفض أو الفشل أو النجاح أو الألم أو المجهول، وإذا لم تفعل شيئاً حيال الأمر، فسيبقى في مكانه ويعترض طريقك، فلن تتقدَّم إلى الأمام وستعيش حياتك في خوف دائم، قد لا يعود عليك بالسوء لكنَّه أيضاً لن يجعلك أفضل حالاً، وسيظل حاضراً دائماً في عقلك يدفعك بعيداً عن أهدافك.

فإنَّ تجاهل هذا الخوف سيعطي مجالاً للسلبية لتسميم أفكارك، كأن تقول لنفسك: "من الجيد أنَّني لم أحاول، فلم أكن لأنجح في ذلك أبداً"، وعندما تسمح لها بالانتشار في عقلك الباطن، ستتسرَّب هذه السلبية القائمة على الخوف إلى كل ما يخطر في بالك من أفكارٍ عن نفسك وعمَّا تفعله.

إنَّ مواجهة الأمر مباشرةً هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع الخوف وإعادة برمجة العقل؛ لذا عليك أن تنظر في عين الخوف وتتصرَّف رغماً عنه، وإذا كنت تخشى الفشل، عُدَّه فرصةً للتعلُّم، فإذا فعلت أمراً وفشلت، ستعرف ما الذي لم يُجدِ نفعاً، وستكون قادراً على اتباع نهجٍ أكثر وعياً في المرة القادمة، فأنت أفضل حالاً ممَّا كنت عليه سابقاً.

إنَّ إعادة برمجة دماغك تعني تجاوز الأفكار السلبية التي تدور في رأسك مثل "أنا لا أستطيع"، فكِّر في الأمر بنفس الطريقة التي تبني بها عضلاتك في صالة الألعاب الرياضية، سيبدو الأمر في البداية صعباً وربما مرهقاً، لكن إذا بدأت بخطوات بسيطة، وكرَّرت ذلك كل يوم، ستصبح أقوى تدريجياً، فسرعان ما ستتحوَّل إلى عادةٍ لن تحتاج منك إلى ذلك المجهود.

كن وفيَّاً لنفسك، والتزم بالتغلب على السلبية وعيش حياة أفضل، فعندما تلتزم بالكامل، مستبعِداً أي احتمال آخر، ستدفع بنفسك للمضي إلى الأمام، وستؤمِن بها أكثر ممَّا قد يتوقعه أي شخص آخر، وهذه هي القوة الحقيقية لبرمجة العقل الباطن.

3. البحث عن حلول:

بعد أن تقرِّر مسارك وتلتزم به التزاماً كاملاً، قيِّم وضعك، وفكِّر في المكان الذي تقودك إليه أفعالك الحالية، ووجِّه عقلك نحو تقييم الأساليب الناجحة وغير الناجحة، وأجرِ التغييرات، وابحث عن حلول لكل ما قد يعترض طريقك.

تعدُّ المرونة جزءاً هامَّاً من البحث عن حلول وإعادة برمجة عقلك بفاعلية؛ إذ تفرض الرؤية الضيِّقة قيوداً عليك، وستفوِّت بذلك فرصاً وطرائق بديلة قد تعود عليك بفوائد مذهلة.

تذكَّر أنَّك لا تملك أبداً سيطرة تامةً على حياتك، فالطريق الذي تسلكه لا يسير في خط مستقيم دوماً، ومن هنا تأتي أهمية التحلِّي بالمرونة خلال ذلك، والتعلم من الأخطاء، وتقبُّل الفشل، واستخدام السلبية بوصفها دافعاً للتغيير، وإذا كنت تحرز تقدماً، فأنت تسير في الاتجاه الصحيح.

عندما تعيد برمجة عقلك للتركيز على الحلول، فإنَّك تطوِّر القدرة على تغيير أسلوبك في التعامل مع المشكلات حسبما يقتضيه الأمر، فليست كل العقبات والعراقيل والظروف متشابهة؛ إذ تنطوي كل منها على صعوبات خاصة، ويمكنك مواجهتها وجهاً لوجه، فالقوةُ الحقيقية تنبع من الداخل وإعادة برمجة دماغك تُهيِّئ لك الظروف للنجاح، فيُصبح الإحباط نعمة، لأنَّه يعني أنَّك على وشك تحقيق تقدُّم مذهل، ويصبح الفشل درساً يقدِّم لك نصائح للمستقبل تساعدك على أن تكون شخصاً أفضل، كما يصبح أي عائق فرصةً لاستعادة التركيز وإيجاد حل جديد ومبتكَر، وهذه هي القوة النابعة من تفاني عقلك في إيجاد الحلول.

6 نصائح عن كيفية إعادة برمجة عقلك الباطن:

بعد أن أصبحت أكثر قوةً وإصراراً، حان الوقت لتبني عادات إيجابية تساعدك على إعادة برمجة عقلك، لتستعيد ذلك اليقين المطلق في نفسك، وذلك من خلال النصائح الآتية:

1. تبنَّ معتقدات تبعث فيك القوة:

تعوقك المعتقدات المقيِّدة عن تحقيق ما تريده في الحياة، فقد تقوم هذه المعتقدات على نتائج سابقة، أو أحداث سلبية مررت بها، أو رؤية مستقبلية ناقصة، وعندما تتصدَّى لها وتطعن في صحتها، تستطيع استبدالها بمعتقدات تلتزم بها تبعث فيك القوة، فعندما تغيِّر الطريقة التي تُحاور بها نفسك، ستغيِّر عالمك.

2. تقبَّل حالة انعدام اليقين:

أنت لا تملك القدرة على التحكم بالحياة، والأمر الوحيد الذي يمكنك التحكم به هو أفعالك وردود أفعالك، فعندما تتبنَّى هذا المفهوم، فإنَّك تستعيد القدرة على تحديد شكل حياتك وإعادة برمجة عقلك؛ لذا تخلَّ عن حاجتك إلى اليقين، وتقبَّل حالة عدم اليقين تلك، فعندما تختار منح الثقة والعطاء دون مقابل والعيش بوعي، يمكنك الاسترخاء والاستمتاع بالرحلة.

3. ركِّز على الامتنان:

عندما تُفضِّل الامتنان والتقدير على النقد والخوف، فإنَّك تسلِّط الضوء على الجانب الإيجابي، وهذا يُعيد ترتيب أفكارك، لتركِّز على ما تملكه وتتغاضى عمَّا ينقصك، كما يُشعرك بالفضول تجاه الأحداث في حياتك، لأنَّك لم تعد تترقبها بارتياب، فيمكنك تقبُّل التغيير، وإدراك أنَّ الحياة لا تبقى على حالها.

4. انتبه إلى بيئتك:

عندما تُعيد برمجة عقلك لتحقيق النجاح، عليك الحد من التأثيرات السلبية في بيئتك؛ إذ يمتصُّ عقلك الباطن باستمرار المعلومات الواردة من مصادر خارجية، ويستخدمها لتكوين معتقدات تُحدِّد طريقة تفكيرك وتصرُّفك، فقد يكون للسلبيةِ المكتسبة من الأخبار اليومية والأشخاص السامِّين ووسائل التواصل الاجتماعي، تأثيراً عميقاً في عقلك الباطن دون أن تدرك ذلك.

تذكَّر في أثناء عملك على إعادة برمجة عقلك، أنَّ القُرب قوة؛ لذلك أحِط نفسك بأشخاص إيجابيين وداعمين، وابحث عن الكتب ومقاطع الفيديو والموسيقى التي ترفع من شأنك وتزيدك قوةً، وستجد أنَّ عقلك الباطن أصبح أكثر إيجابيةً وحماسةً مع مرور الوقت، وأنَّ الأفكار السلبية قد تضاءلت إلى حدٍّ كبير.

5. تخيَّل:

فكِّر في يومكَ المثالي، أو في العرض التقديمي الهام الذي ستقدِّمه في العمل، أو في موعدك الأول، اختر أمراً لديك التزام فعلي بتحويله إلى حقيقة واقعة، واقضِ من 10 إلى 15 دقيقة كل يوم تتخيَّل بأنَّه حدث بالفعل؛ إذ سيستوعبُ عقلك الباطن هذه المشاعر الموجودة في الصور التي تخيلتها وكأنَّها حقيقية، وهذا يمنحك الثقة الداخلية اللازمة لتحقيقها.

6. تسلَّل إلى عقلك الباطن:

يُشير مصطلح "الاختراق الحيوي" (Biohacking) إلى استخدام التجارب والتكنولوجيا لتحسين صحتك وعافيتك، ويتضمَّنُ العلاجَ بالضوء الأحمر لتعزيز الصحة، واعتماد خطة الصيام المتقطع لتحفيزِ فقدان الوزن، أو إضافة المكملات إلى نظامك الغذائي لتعزيز صحتك.

يُعدُّ الاختراق الحيوي من الطرائق الفعَّالة لإعادة برمجة عقلك من خلال تسخير قوة الموسيقى؛ إذ تستجيب موجات الدماغ بطريقة مختلفة لأنواعِ متنوعة من الموسيقى، ويمكن تحفيز مشاعر معينة باعتماد الإيقاع المناسب.

يتضمَّن العلاج بالنغمات الأذنية تشغيل نغمتين بذبذبات مختلفة، لتحفيز حالات ذهنية معيَّنة، فلقد ثبُت أنَّ العقل الباطن يستوعب المعلومات بطريقة جيدة عندما تكون في حالة استرخاء، لذلك يمكنك اعتماد هذا العلاج لتحفيز الموجات الدماغية من النوع "ألفا".

شاهد بالفيديو: 10 حقائق قد لاتعرفها عن العقل البشري

كيف تدرك نجاح العملية؟

يمكن أن تكون برمجة العقل الباطن صعبة بطبيعتها، فلا يمكن أن تعرف ما يجول في ذهنك دائماً، لكن توجد طرائق لمعرفة ما إذا كانت جهودك لإعادة برمجة عقلك ناجحةً أم لا:

1. تزداد وعياً بذاتك:

يجب أن تفهم عقلك الباطن كي تُعيد برمجته، ومن علامات الوعي بالذات أن تكون قادراً على إيقاف الحوار السلبي بينك وبين نفسك، والتحكُّم بعواطفك وتركيزك حسب مشيئتك.

إقرأ أيضاً: الوعي الذاتي: تعريفه، وأهميته، وطرق تعزيزه وتطويره

2. تزداد إقداماً على المخاطر:

لكل شخص قدرة مختلفة على تحمُّل المخاطر، لكنَّ المعتقدات المقيِّدة تثنينا عن القيام بأي مخاطرة، فعندما تعيد برمجة عقلك، ستزيد ثقتك بنفسك وتكون مستعداً للخروج من منطقة راحتك.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لتنمية وتطوير عقلك باستمرار

3. تجذب الإيجابية إليك:

كما يقول الكاتب الأميركي "توني روبنز" (Tony Robbins): "أنت تتقدَّم نحو ما تفكِّر فيه باستمرار وتركِّز عليه"، وهذا ما ينصُّ عليه قانون الجذب: إعادة برمجة عقلك للتفكير بطريقة أكثر إيجابية، يمكن في الواقع أن يُضفي مزيداً من الإيجابية على حياتك.

المصدر




مقالات مرتبطة