أسباب المرور بفترات الركود وتراجع الإنتاجية وكيفية الخروج منها

بدايةً تُعرَّف فترة الركود أو تراجع الإنتاجية بأنَّها فترةٌ من التدهور أو الانحدار التي يتباطأ أداء الإنسان خلالها ويصبح أقلَّ كفاءةً وبلا جدوى، وقد مررتُ منذ فترة بمرحلة هبوط وتراجع في الأداء، وإن كنتَ قد مررتَ بمرحلةٍ مماثلة من قبل ستعرف مقدار العجز والحرمان وضعف الإمكانات الذي تشعر به خلالها، ستشعر كأنَّك عالقٌ في مكانك وعاجز عن تحقيق أي إنجازٍ أو أمر في حياتك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة والمدوِّنة "سيلستين تشوا" (Celestine Chua)، وتُحدِّثنا فيه عن معاناتها خلال فترة الركود التي مرت بها، وأهم الطرائق للتخلص من ضعف الإنتاجية لمَن يعانونها كذلك.

في حين يمكنك تنفيذ المهام البسيطة كالتحقق من رسائل البريد الإلكتروني، يختلف الأمر بالنسبة إلى المهام والأعمال الأكثر صعوبة التي تتطلب مجهوداً وتركيزاً أكبر ويصعب للغاية البدءُ بها حتَّى خلال هذه المرحلة، وربَّما تخصص وقتاً للعمل؛ لكنَّك لا تحقق كثيراً، ومن ثمَّ تشعر بأنَّك مُرهَق ومُستنزَف القوى بعد فترة من الزمن، كما أنَّك لا ترغب أو تشتهي فعلَ أي شيء؛ لأنَّك لا ترى أي تقدُّم ملموس، وفي نهاية المطاف تخلد إلى النوم للحصول على قسطٍ من الراحة آملاً أن يصبح كل شيءٍ أفضل حين تستيقظ.

فترة تراجع إنتاجيتي خلال الأشهر القليلة الماضية:

لقد كان تعريفُ فترة الركود الذي ذكرتُه سابقاً الحالةَ التي مررتُ بها تماماً خلال الأشهر القليلة الماضية؛ ففي البداية تناقصت إنتاجيتي بعضَ الشيء فواجهتُ ذلك بزيادة ساعات عملي، ومواصلة العمل طوال الليل في بعض الأحيان؛ فقد ظننتُ أنَّني سأنجز مزيداً من الأعمال من خلال زيادة الوقت الذي أقضيه في العمل؛ لكنَّ ذلك لم ينجحْ فعلاً؛ فقد استمرت إنتاجيتي بالتراجع والتدهور؛ ممَّا أدى إلى انخفاضٍ إجمالي في المردود الإنتاجي لعملي.

مع انشغالي بتدرُّبي وأعمالي الأخرى إلَّا أنَّني شعرتُ على نحوٍ غريب بأنَّني لا أحرز أي تقدُّم في حياتي، باستثناء دورات الكوتشينغ وورشات العمل التي كنتُ أُجريها وجهاً لوجه مع المتدربين، وقد كانت بمنزلة التزاماتٍ مستمرة في حياتي؛ فعلى سبيل المثال كنتُ أسعى إلى العمل على مشروعٍ يتمثل بتأليف كتابٍ ما؛ لكنَّه كان يتأخر دوماً عن الجدول الزمني المُقرَّر له، فلم أتمكن من التركيز على الكتابة على الرغم من تكريسي مزيد من الوقت لها، وكنتُ قد رغبتُ كذلك بإطلاق قناة فيديو؛ لكنَّني بقيتُ مشغولةً بأشياء صغيرة وتافهة.

على الصعيد الشخصي كنتُ أفقد السيطرة على نمط حياتي الذي كان ينهار ويتفكك بسرعة؛ إذ تخليتُ عن نظام تمريناتي الرياضية وتقاعستُ عن ممارستها، كما خرجت عن مسار حميتي الغذائية الصحية وبدأت بتناول الطعام عشوائياً واستهلاك كثير من الأغذية غير الصحية، إضافة إلى عدم سلامة أو توازن ساعات نومي بسبب خلودي إلى النوم في الساعة الثالثة أو الرابعة فجراً.

لقد زادت إصابتي بالإنفلونزا والتهاب الحَلق والحُمَّى من سوء وضعي الصعب الذي كنت أمرُّ به وشدته؛ إذ شعرتُ بالألم في أطرافي والوجع والتعب في كامل جسدي، إضافة إلى العُطاس المستمر والشعور بالغثيان في معدتي، وفي الواقع فإنَّني ما زلتُ مريضةً حتَّى في أثناء كتابتي لهذا المقال الآن؛ لكنَّني آملُ أن أستعيد عافيتي في الأيام القليلة المُقبِلة.

إقرأ أيضاً: ضيق الوقت: هل له دور في انخفاض الإنتاجية؟

الكشف عن السبب وراء فترة الركود:

كانت فترةُ الركود وتراجع الإنتاجية التي مررتُ بها مقلقةً ومزعجة للغاية، وأتذكر أنَّها حدثَت في شهر كانون الثاني/ يناير في بداية عام 2010، فلم يكُنْ لديَّ أي طريقةٍ أستطيع من خلالها إنعاش أهدافي وبثَّ الحياة فيها إن استمرت فترة الركود تلك في حياتي، فقد شعرتُ بأنَّني أفقد السيطرة على زمام أموري ولم يكن بيدي حيلة لإيقاف ذلك.

لكن لكل نتيجة سبب جذري يجب عليكم مواجهته ومعالجته لإحداث تغيير حقيقي، وقد علمتُ أنَّه يجب عليَّ التركيز على أصل المشكلة أو جذرها والشروع في معالجته بدلاً من تضييع الوقت في محاولة علاج تأثيراتها ونتائجها؛ لذا فقد فكرتُ وتأملتُ مُطوَّلاً في مشكلتي؛ لكنَّني لم أجدْ لها أيَّ حل بنَّاء أو مفيد في البداية؛ لأنَّني لم أستطعْ تخيُّل السبب الذي دفعني لعيش تلك المرحلة الصعبة؛ فقد كنتُ قبلَ ذلك ألاحق شغفي وأمارس العمل الذي أحبُّه وأتواصل مع أشخاص مذهلين يومياً وجهاً لوجه وكذلك من خلال مُدوَّنتي، كما ساعدتُ الناس على إحداث تغييرات إيجابية في حياتهم وتحسينها للأفضل، وقد كان لعملي معنى حقيقي أكبر من معنى أو أهمية أي شيءٍ آخر حققتُه سابقاً.

لذا فقد مارستُ الركض والتأمل لتصفية ذهني ومعرفة السبب الحقيقي وراء فترة الركود وضعف الإنتاجية التي أمرُّ بها، كما كنتُ أكتب مُذكَّراتي وأحتفظ بها للتنقيب والبحث عن السبب الجذري لمشكلتي.

شاهد بالفيديو: 4 مواقع وتطبيقات رائعة تساعدك على زيادة الإنتاجية

معرفة السبب وراء فترة الركود:

أدركت فجأة أنَّ السبب وراء فترة الركود وتراجع إنتاجيتي هو عدم أخذ استراحة من عملي وإهمالي لنفسي؛ إذ لم أستطعْ تذكُّرَ آخر مرةٍ أخذتُ فيها وقتاً للراحة والاسترخاء؛ فمنذ أن بدأتُ بملاحقة شغفي وممارسة العمل الذي أحبه أصبحتُ منشغلةً جداً به ولم أجدْ وقتاً لأي شيءٍ آخر، لدرجة أنَّني نسيتُ مفهومَ عطلة نهاية الأسبوع، وذلك لأنَّني شعرتُ بكل بساطةٍ أنَّه ما من داعٍ أو سببٍ لأخذ إجازة أو عطلة عمل إن كنتُ أحب عملي حقاً.

لقد نسيتُ مبدأً هاماً جداً؛ وهو أنَّ عليك أن تكون جاهزاً نفسياً وبدنياً لمواجهة التحديات، وهو ما نسيتُ فعلَه للأسف؛ ففي حين أنَّني قد خصصتُ فعلاً وقتاً للنشاطات غير المرتبطة بالعمل كالنُّزهات الاجتماعية والاستجمام في الهواء الطلق، لكنَّ ذهني كان مشغولاً دوماً بالعمل حتَّى خلال ممارسة تلك النشاطات، ومن ثمَّ فإنَّني لم أستمتعْ أبداً خلال إجازاتي وكان شعوري بالإرهاق واستنزاف القوى مستمراً حتَّى بعد فترات استراحتي.

لسوء الحظ فعلى الأرجح أنَّ العديد منكم مُذنبون بإهمال أنفسهم أيضاً والتقصير في حقها؛ فلا بدَّ أنَّ الضغط المستمرَّ على أنفسكم لإنجاز المهام والواجبات وإخضاعها باستمرار لقدْرٍ كبيرٍ من العقاب الشديد أو المعاملة القاسية دون منحها استراحةً قصيرة هو سمةٌ مُميَّزةٌ لمهووسي الكمالية العُصابية؛ فإن قُدتَ سيارةً من قبل فإنَّك قد مررتَ بأوقاتٍ تبقَّى فيها قليل من الوقود أو البنزين في سيارتك، وهُنا ستفكر بحكم طبيعتك وفطرتك بالتوقُّف عند محطة وقودٍ قريبة لإعادة ملء خزان الوقود فيها بدلاً من الاستمرار بقيادتها دون أن تنوي التوقف؛ وذلك لأنَّك تحتاج إلى الوقود للاستمرار في قيادتها في النهاية، ومع ذلك فإنَّ العديد منَّا يختارون الاستمرار بالقيادة دون التوقف حين يتعلق الأمر بأنفسنا.

إقرأ أيضاً: 8 خطوات لزيادة إنتاجية يومك

تخصيص وقت استراحةٍ لنفسك:

تُعَدُّ فترات الركود وضعف الإنتاجية علاماتٍ على قُرب نفاد طاقتنا الداخلية، وهُنا يلجأ معظمنا لفعل نقيضِ ما يجب فعلُه تماماً؛ وهو الضغط على أنفسهم للعمل أكثر لتعويض نقص الإنتاجية بدلاً من الراحة والاسترخاء خلال هذه الفترات الصعبة؛ وهو ما فعلتُه بالضبط؛ لكنَّه أعطى نتائج عكسية؛ ممَّا زاد من تدهور طاقتي واستمرار انخفاض إنتاجيتي، لدرجة أنَّها توقفت تماماً بصورة مفاجئة وأثَّرت سلباً في صحتي الذهنية والجسدية وأصبحت عبئاً كبيراً عليها.

إن كنتَ تمرُّ بمرحلة ركود أو ضعف إنتاجية فتلك علامةٌ على أنَّك مقصِّرٌ في حق نفسك ولا تمنحها ما يكفي من الراحة؛ لذا عليك أخذ يوم عطلةٍ من عملك، وبصراحةٍ قد يبدو لك بأنَّ لديك كثير من الأشياء العاجلة في العمل بحيثُ لا تستطيع أخذ يوم عطلةٍ؛ لكنَّ العالم لن ينهار في الواقع إن ابتعدتَ عن العمل ليومٍ واحد فقط، وربَّما يكون لديك كثير من المهام والواجبات لإنجازها؛ لكنَّك لن تتمكن من تحقيق كثير من الإنجازات على الإطلاق إن لم تكن في حالةٍ ممتازة وفي أوج طاقتك.

لذا اقضِ وقتاً في فعل الأشياء التي تستمتع بها، واخرجْ من المنزل لتتمشى، وشاهدْ فيلماً تحبُّه، وتسوَّقْ إن أردتَ ذلك، واقرأْ كتابك المُفضَّل، وتابِع برامجك المُفضَّلة، أو استرحْ في المنزل إن كنتَ ترغب فقط في الحصول على قليل من وقت الراحة والهدوء والسكينة، أو حضِّرْ وجبةً ما إن كنتَ تحبُّ الطبخ، واشترِ شيئاً كنت تنوي اقتناءه، واقضِ بعض الوقت في التنزه خارجاً مع أصدقائك المُفضَّلين، أو اقضِ وقتاً وحدك فحسب إن كنتَ تفضِّل ذلك، فلا شكَّ بأنَّك تستحق ذلك.

في الختام:

أنوي اليوم أخذ إجازةٍ أو عطلة عمل للراحة والاسترخاء سأطَّلع فيها على آخر المستجدات في مسلسلي التلفزيوني المُفضَّل، وأذهب في نزهةٍ لأمشي خارجاً وأنجز بعض الأعمال البسيطة، وأتطلَّع بفارغ الصبر للعودة إلى ذاتي المُفعَمة بالحيوية والطاقة قريباً، والأهم من ذلك أنَّني سأحرص بشدة على تخصيص وقتٍ للراحة من الآن فصاعداً.




مقالات مرتبطة