أساليب التربية الخاطئة وأنواعها وعواقبها

الأسرة هي الخلية الأولى في أي مجتمع؛ وذلك لأنَّها هي المسؤولة عن تكوين أفراد هذا المجتمع؛ إذ تُعَدُّ أول بيئة يتعرَّف إليها الطفل وأهم بيئة بالنسبة إليه فهو يكتسب منها سلوكه وعاداته وصفاته الشخصية والنفسية؛ لذلك دور الأسرة حاسم في حياة الفرد وتكوين شخص



التربية الخاطئة:

يوجد الكثير من أساليب التربية التي يتبعها الآباء دون التفكير في نتائجها، وقد تكون هذه الأساليب موروثة عن الآباء والأجداد، أو قد تكون ناتجة عن جهل الآباء بعواقب تصرفاتهم تجاه طفلهم، أو قد تكون ناتجة عن حرمان الآباء من الحب والاهتمام أي من وحي ما عاشوه في طفولتهم، فقد تؤدي بعض الأساليب إلى تدمير نفسية الطفل ومن ثم تدمير حياته لاحقاً؛ وهذا الأمر يصعب إصلاحه مستقبلاً.

ومن هذه الأساليب الخاطئة نذكر ما يأتي:

1. أسلوب السيطرة والتسلط:

إذ يمنع الآباء الطفل عن القيام بنشاط يرغب فيه دائماً دون وجود مبرر منطقي لذلك حتى وإن كان نشاطاً مشروعاً ولا ضرر من القيام به، ويُلزَم الطفل بالقيام بالواجبات والنشاطات والمهام التي حددها الأهل فقط وفقاً لوجهة نظرهم دون التفكير إن كان النشاط ملائماً لقدرة الطفل العمرية والجسدية أم غير ملائم له.

ويرافق هذا الأسلوب العنف غالباً أو حرمانه من أشياء يحبها عقاباً له، ويتطور الأمر لاحقاً ليُفرَض على الفرد دراسة التخصص الذي يفضِّله الأهل أو ممارسة هواية معينة، وطبعاً ينظر الأهل إلى الأمر على أنَّهم يسعون إلى بناء مستقبل جميل لطفلهم.

نتائج أسلوب السيطرة والتسلط:

هذا الأسلوب يُفقِد الطفل ثقته بنفسه، وقد ينتج عنه تكوين طفل عدواني يُخرِّب ويُكسِّر أشياء الآخرين كي يشعر بالحرية أو المتعة التي لا يستطيع الشعور بها ضمن عائلته، ولاحقاً تتَّصف شخصية الإنسان الذي تعرَّض إلى هذا الأسلوب بالخوف المستمر والقلق غير المبرر والخجل؛ إذ يصبح فرداً لديه ميل إلى اتِّباع الآخرين والخضوع إليهم، فنجده غير قادر على التفكير أو الإبداع في موضوع معيَّن، ولا يستطيع المشاركة في النقاشات وإبداء رأيه الشخصي إضافة إلى حساسيته الزائدة وشعوره الدائم بالتقصير.

2. أسلوب الحماية الزائدة:

إذ يتحمَّل الآباء مسؤوليات الطفل والقيام بجميع مهامه مثل حل واجباته المدرسية أو الدفاع عنه في حال أزعجه أحدهم بكلمة، أو التحدُّث بلسانه إذا اتَّصل به أحد أصدقائه؛ أي يتدخَّل الأهل بشؤون طفلهم، وهذا لا يسمح له باتِّخاذ القرار أو التصرُّف بحرية؛ والسبب في ذلك خوف الآباء المُبالغ فيه على طفلهم، ويمكن ملاحظة هذا الأسلوب كثيراً في حال كان الطفل وحيداً أو كان الطفل الأول أو كان ذكراً وسط العديد من الأخوات.

نتائج أسلوب الحماية الزائدة:

ينتج عن هذا الأسلوب طفل ذو شخصية ليست مستقلة وضعيفة وغير قادر على تحمُّل المسؤوليات؛ وذلك لأنَّه اعتاد على وجود من يؤدي واجباته بالنيابة عنه؛ وهذا يؤدي إلى انخفاض ثقته بنفسه وقدراته؛ فنجده واثقاً بقرارات الآخرين أكثر من قراراته، ولاحقاً لا يستطيع التكيُّف مع المجتمع المحيط به لأنَّه غير قادر على الاعتماد على نفسه ويخشى اقتحام المواقف الجديدة؛ وهذا بدوره يؤدي إلى عدم نجاحه مهنياً وشخصياً.

شاهد بالفديو: 18 طريقة تجعل تربية الأطفال سهلة

3. أسلوب إهمال الطفل:

يتمثَّل هذا الأسلوب بترك الطفل دون تحفيزه أو توجيهه إلى سلوك معيَّن وعدم محاسبته على تصرُّف سيِّئ قام به أو سلوك غير مرغوب فيه؛ إذ يفعل الطفل ما يحلو له وقد يصاحب ذلك سخرية الأهل تجاه أي عمل يقوم به الطفل أو أي حديث يحاول التكلم به معهم، وغالباً المسبب لهذا الأسلوب هو انشغال الوالدين الدائم عن أطفالهم، ولكنَّ الطفل لا يمكنه تفهُّم هذا الانشغال؛ بل إنَّه يفسر ذلك بأنَّ والديه ينبذانه ولا يهتمان لأمره.

نتائج أسلوب الإهمال:

ينتج عن هذا الأسلوب ظهور اضطرابات سلوكية لدى الطفل مثل تعنيف الآخرين أو الاعتداء عليهم أو ممارسته للسرقة أو عدم اكتراثه إلى القواعد والتعليمات وخاصة في المدرسة وعناده الشديد؛ وذلك قد يكون بسبب محاولة الطفل للفت الانتباه إليه، وفيما بعد قد يتسبب هذا الأمر بهروبه من المنزل وبحثه عمَّن ينصتون له ويهتمون لأمره ليشبع حاجته المفقودة منذ الطفولة.

إقرأ أيضاً: 50 طريقة يومية صغيرة وفعّالة لتحفيز أطفالك

4. أسلوب إثارة الألم النفسي:

إذ يُحقِّر الآباء طفلهم وينقدون سلوكه إذا قام بسلوك مغاير لتفكيرهم، ويُحاولون أن يشعروه بالذنب لقيامه بهذا التصرف، وإضافة إلى ذلك يبحث الآباء دائماً في أخطاء طفلهم ويقلِّلون من شأنه ومن أفكاره واهتماماته.

نتائج أسلوب إثارة الألم النفسي:

ينتج عنه طفلاً بشخصية مترددة كثيراً، فاقداً للثقة بالنفس، وليست لديه القدرة على القيام بأي تصرف خوفاً من رد فعل والديه مثل السخرية أو حرمانه من حبِّهم له؛ ويؤدي ذلك إلى تكوين شخص منطوٍ نوعاً ما ويوجِّه عدوانه إلى نفسه دائماً، وليس لديه شعور بالأمان لأنَّه يظن أنَّ الأنظار تتجه إليه دائماً؛ فيخاف كثيراً من ألَّا يحب الآخرون تصرفاته؛ لذلك يمتدح تصرفات الآخرين ويحطم نفسه ويحتقرها.

5. أسلوب التذبذب في معاملة الطفل:

أي عدم استقرار الوالدين في رأيهم تجاه سلوك معيَّن يقوم به الطفل؛ إذ يُمتدَح الطفل نتيجة قيامه بتصرف معيَّن وفي مرة أُخرى يُعاقَب عليه، ويمكن ملاحظة ذلك عندما يُلقَّن الطفل كلمات معيَّنة ويضحكون عند لفظه لها، بينما إن لفظها الطفل أمام الغرباء، يعاقبه الأهل ويوبخونه فيصبح الطفل غير قادر على معرفة الصواب.

نتائج التذبذب في معاملة الطفل:

يتسبَّب هذا الأسلوب بجعل شخصية الطفل متقلِّبة في تعامله مع الآخرين، ويبقى هذا التقلب مصاحباً له طوال حياته فقد يكون تارةً شخصاً متسامحاً ولطيفاً، وتارةً يكون شخصاً قاسياً وعنيفاً، أو قد يكون مرة بخيلاً ومرة كريماً؛ لذلك يصعب التعامل معه لاحقاً لأنَّ شخصيته مزدوجة، فسوف يعاني منه شريكه العاطفي وأصدقاؤه بالدرجة الأولى لعدم معرفتهم ما هي التصرفات التي ترضيه؛ لذلك قد يفضلون الابتعاد عنه.

6. أسلوب التفرقة:

هو عدم التسوية والعدل بين الأبناء وتفضيل الأهل لأحد الأطفال على الآخر، وقد تكون التفرقة بالملبس أو الطعام أو في التعامل من حيث الاهتمام والحب، ومن أسباب التفرقة مثلاً تفضيل الأهل للذكور أكثر من الإناث أو خلاف ذلك، أو قد يُميَّز طفل بسبب ذكائه أو جماله مثلاً.

نتائج أسلوب التفرقة بين الأبناء:

يولِّد هذا الأسلوب الحقد والكراهية في نفس الطفل تجاه الآخرين، ويجعل منه طفلاً أنانياً لا يحب مشاركة أحد في أي شيء يمتلكه، ومستقبلاً يصبح شخصاً أنانياً يريد امتلاك كل شيء دون التفكير في حقوق الآخرين.

7. أسلوب الدلال الزائد والتساهل:

إذ يُحيط الأهل طفلهم بالحب والتسامح والحنان والرحمة والكثير من العواطف بشكل مبالغ فيه؛ لأنَّ الأهل في الحالة الطبيعية حبهما لطفلهما لا توجد له حدود ولكنَّ هذه العاطفة قد تصبح سبباً في تدمير الطفل؛ وذلك لأنَّهم يلبون جميع مطالبه فيشعر بالاطمئنان الدائم وتزداد قدرته على تجاوز حدود والديه بسهولة.

نتائج أسلوب الدلال الزائد والتساهل:

عندما يخرج الطفل من محيطه العائلي إلى المدرسة سوف يتعرَّض لصدمة نتيجة مواجهته لمجتمعٍ مختلف عمَّا اعتاد عليه، فتوجد قوانين وقواعد لا يمكن مخالفتها ولا يوجد هذا الكم الهائل من الحب الذي اعتاد عليه؛ وهذا يتسبب مستقبلاً في عدم قدرته على تكوين علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين وفشله غالباً على الصعيد المهني والاجتماعي؛ وذلك بسبب عدم قدرته على مواجهة صعوبات الحياة وقسوة الظروف ومن ثم شعوره الدائم بالإحباط والتعاسة.

8. أسلوب مقارنة الطفل بالآخرين:

إذ يظن بعض الآباء أنَّ مقارنة طفلهم بالآخرين تحفزه على بذل مزيدٍ من الجهد لتحقيق ما يطلبونه، لكن في الحقيقة هذا الأسلوب لا يحفز الطفل وإنَّما يُسيء إلى شخصيته، فمن الضروري مراعاة الفروقات الفردية بين الأطفال، فلكل طفل صفات وخصائص تميزه عن الآخرين.

نتائج أسلوب المقارنات:

هذا الأسلوب يؤدي إلى زعزعة ثقة الطفل بنفسه وشعوره بالدونيَّة دائماً، وهذا الشعور سوف يبقى ملازماً له دائماً وسيصبح سعيه فقط إلى أن يشبه غيره دون اكتشاف النقاط التي يتميز بها عن الآخرين ويمكنه تحقيق النجاح بها.

إقرأ أيضاً: أفضل 3 استراتيجيات لضبط سلوك طفلك

9. أسلوب التهديد والعقاب البدن:

يُعَدُّ هذا الأسلوب من أسوأ أساليب التربية، ومع ذلك يُعَدُّ من أكثرها انتشاراً؛ إذ يضرب الأهل الطفل عندما يخالف أياً من تعليماتهم أو يهددونه بالضرب كي لا يتجرأ على مخالفتهم؛ كقولهم له مثلاً: إن لم تذهب إلى النوم حالاً سأضربك بشدة، أو غيرها من العبارات غير العادلة، ويرافق هذا الأسلوب الصراخ دائماً.

نتائج أسلوب التهديد والعقاب:

تنعكس المشاعر السلبية لدى الطفل على نفسه وعلى الآخرين وتجعله يشعر بالعداوة تجاه المحيطين به، فتكثر مشكلاته ومشاجراته ورغبته في الانتقام بالإضافة إلى كثرة حركته ونقص تركيزه، أو قد يصبح طفلاً شديد الانطواء والانعزال عن الآخرين؛ وذلك بسبب قلة ثقته بنفسه وخوفه الشديد، ولاحقاً قد يصبح شخصاً شديداً ويتَّصف بالقسوة والصرامة بسبب تقمُّصه لشخصية إحدى والديه.

علاج التربية الخاطئة:

بعد معرفة العواقب المترتبة على التربية الخاطئة يجب التفكير ملياً في طريقة معاملة الوالدين لطفلهما، فجميعنا يمكن أن نخطئ، لكن يمكن التراجع عن الخطأ وتصحيحه مبكراً قبل فوات الأوان، وإليك بعض النقاط التي تساعد على جعل التربية سليمة:

  1. كل فعل يقوم به الطفل يجب أن يكون له مقابل؛ فإن أخطأ، يجب أن يُعاقب على الخطأ لكن دون صراخ أو تهديد أو ضرب؛ وإنَّما بطريقة بسيطة بعد أن يُشرَح له الفارق بين الخطأ والصواب، وإن قام بعمل جيد، يجب أن يُقابَل بالمديح وبالكلمات الجيدة.
  2. المراقبة والانتباه إلى كل تصرُّف تجاه الطفل تجنُّباً للآثار السلبية في تكوين شخصيته.
  3. الاهتمام بالطفل والتعبير له عن الحب والقبول لتصبح ثقته بنفسه عالية، وتخصيص وقت يومي لمشاركته بنشاطاته المفضلة، ومن الهام عدم ربط الحب بأفعاله؛ إذ يجب أن يكون حب الأهل لطفلهم غير مشروط.
  4. يجب أن يتعرَّف الوالدان إلى طبيعة طفلهما جيداً، فلا يمكن تطبيق أسلوب موحَّد في التربية على كل الأطفال؛ لأنَّ لكل منهم خصائص تميزِّه، ومن الضروري الابتعاد عن المقارنات؛ بل يجب مساعدة الطفل على أن يستطيع تطوير نفسه في المجالات التي يكون ضعيفاً فيها.
  5. الابتعاد عن المشاجرة أو إظهار الخلافات أمام الطفل، والحرص على حل الخلافات بعيداً عن الأطفال.

شاهد بالفديو: 8 تصرفات تشير إلى أنَّنا نسيء تربية أطفالنا دون أن نعلم

في الختام:

تربية الطفل ليست بالأمر السهل؛ إذ تحتاج إلى الوعي الكافي والاهتمام والتعب، لكن ليست بالأمر البالغ الصعوبة فإن شعرَ الأهل بصعوبة في تعاملهم مع أطفالهم، من الممكن طلب المساعدة من المتخصصين بذلك، أو الانضمام إلى دورات تربويَّة متخصصة بتعليم أساليب التربية الصحيحة لتجنُّب آثار الأخطاء التربوية لاحقاً.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة