ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "مارك كرنوف" (MARC CHERNOFF)، ويُحدِّثنا فيه عن أهم الأفكار التي تعزِّز حيرتنا الداخلية وتُريح أرواحنا.
يتمثَّل الأمر بالصمت، ومشاهدة الأفكار في أثناء مرورها خلال ذهنك دون التدخُّل فيها أو تقييمها أو إبداء الرأي بشأنها حتى؛ لأنَّ إبداء الرأي وإطلاق الأحكام بسرعة كبيرة يعني أنَّك لست طرفاً محايداً، ففي اللحظة التي تهرعُ فيها لإطلاق الأحكام على تلك الأفكار ووصفها بالجيدة أو السيئة، ستكون قد شاركت بتهوُّرٍ في الفوضى المحيطة بك.
يتطلَّب الأمرُ بعضَ الوقت للتمييز بين مراقبة أفكارك ورد فعلك تجاهها أو تفاعلك معها؛ ولكن بمُجرَّد التمييز بينهما، فثمَّة مُفاجأة عظيمة بانتظارك، وهي أنَّك لستَ الأفكارَ بذاتها، ولا الفوضى التي تؤثر في تلك الأفكار؛ بل إنَّك مُجرَّد شاهد أو متفرج قادر فعلياً على التخلِّي والابتعاد عن تلك الأفكار، وتغيير رأيك والتسامي، أو الترفُّع عن جميع الاضطرابات الناجمة عنها.
تُعَدُّ عملية مراقبة الأفكار تلك المعادلة الحقيقية لليقظة الكاملة؛ لأنَّك كلَّما أصبحت أكثر براعةً في مراقبة أفكارك، تبدأ تلك الأفكار الفوضوية والمُربِكة والمُبهَمة بالاختفاء شيئاً فشيئاً من حياتك؛ إذ تتمكَّن من التفكير بصفاء فيما يكون عقلك خالياً من الثرثرة التافهة والتي لا معنى لها، وكأنَّها لحظةُ تنويرٍ في حياتك تُصبح فيها - ربَّما للمرة الأولى - إنساناً غير محكوم بأفكار مُسبَقة وحكيماً وحُرَّاً.
يمكنك الآن بدءُ عملية تطبيق أفكار جديدة من شأنها أن تدعمَ وتعزِّز حريَّتك الداخلية والاستمرار بالتخفيف عن روحك وجعلها مرتاحة.
إليك تسعُ أفكارٍ من هذا القبيل:
1. أنتَ في طور التقدم، ممَّا يعني أنَّك ستحقِّق أهدافك ومُبتغاك شيئاً فشيئاً وليس دفعةً واحدة:
حين تشعر أنَّك تراوح مكانك دون أي تقدُّم، وتدور في حلقة مُفرَغة لدرجة التعرُّق من شدة التوتر، فاعلم أنَّنا جميعاً نتعرَّض لشعور مشابه أحياناً، وخصوصاً حين تكون مُتطلَّبات الحياة كبيرة، والعمل صعبٌ ومليءٌ بالتحديات، ولا يعني هذا أنَّ عليك الاستسلام؛ بل أجرِ التعديلات والتغييرات حسب الضرورة، مع مواصلة السعي والتقدُّم تدريجياً؛ فأنت لستَ شخصاً فاشلاً يراوح مكانَه بالدوران في حلقة مُفرَغة؛ بل إنَّك تتقدَّم للأمام في نجاحٍ مستمرٍّ وبصورة تدريجية، ولكنَّ طريق النجاح أمامك ملتوٍ، وقد قطعتَ شوطاً طويلاً فيه أكثرَ ممَّا تُدرك.
2. أنتَ دوماً في المكان المناسب والصحيح تماماً، ويمكنك الانتقال لخطوتك التالية:
لا شيءَ من ظروفك الحالية يمكنه أن يمنعك من إحراز التقدم في حياتك، وكلُّ ما عليك أخذُ قرارٍ بشأنه هو ما ينبغي فعله تالياً؛ أي أصغر خطوةٍ قادمة في حياتك فقط؛ فإنَّ الأمرَ بسيطٌ لتلك الدرجة، فليس عليك أن تسيطرَ على كلِّ شيء، وتمتلك إجاباتٍ لكل ما يدور في ذهنك من تساؤلات كي تنتقلَ لخطوتك التالية وتمضيَ قدماً في حياتك؛ بل قدِّم أفضل ما لديك فحسب إلى أن تصبح أكثر حكمةً وتعقُّلاً وتمتلك وعياً أكبر، وعندها يمكنك تحسين أدائك وتقديم نتائج أفضل.
شاهد بالفيديو: 7 طرق تساعد على تصفية الذهن
3. الأخطاء والمحاولات الفاشلة هي حجر الأساس للنجاح والتطوُّر:
حتَّى إن لم تنجح في أمرٍ ما، تبقى محاولتك الفاشلة تلك ممارسةً ضروريةً لزيادة خبرتك، فكلُّ شيءٍ في هذه الحياة يتطلَّب التدريب والممارسة؛ لذا عليك أن تتقبَّل أخطاءك الماضية والأخطاء التي لم ترتكبها بعد، وأن تغتنمها أو تستثمرها لتطوير نفسك؛ إذ يتحتَّم عليك أن تفشل أحياناً كي تكون شخصاً ناجحاً على الأمد الطويل؛ لذا لا تسمح للخوف من اتخاذ قرارٍ خاطئٍ بمنعك من اتخاذ أي قرارات؛ فأولئك الذين لا يهتمون لكون الفشل أمراً محتوماً لا مفرَّ منه، هم الذين يحقِّقون أحلامهم ويصلون لأهدافهم.
4. الابتسام نتيجةٌ تحدث بصورة طبيعية حين تقلِّل من التذمُّر والشكوى في حياتك:
لا توجد حاجةٌ إلى التذمُّر بشأن الحياة ومُجرياتها؛ لأنَّ الشكوى والتذمُّر لن يُغيِّرا أيَّ شيءٍ أبداً؛ لذا احرص على قضاء الدقائق التي كنت ستهدرها في التذمُّر مستمتعاً بجمال الحياة، وتحلَّ بالقوة والحكمة اللازمة لاغتنام الحاضر الذي تعيش فيه واستثمار كل دقيقة منه، وإن وجدت نفسك تنجذب لعدَّة اتجاهات، وتركِّز على عدة مهام دون إيلاء أيٍّ منها الاهتمام الكافي، فخصِّص وقتاً لإعادة ترتيب أولوياتك والانحياز للأمور التي تمنحها القيمة الأكبر وتقدرها في حياتك؛ إذ تُحدَّد الأمور الهامَّة في حياتك بناءً على قرارك وحدك فقط، ولا يمكن لأي شيءٍ أن يُرهقك ويطغى على حياتك ما لم تسمح له بذلك.
5. لا حاجةَ إلى تفسير كل شيء:
تحدث لنا أحياناً أمورٌ مذهلة ورائعة في حياتنا فجأةً من حيثُ لا ندري، ولا نستطيع فهمَها دوماً، لكن علينا أن نثقَ ونؤمن بها، واعلم أنَّ لكلٍّ منَّا رغبةً بالتساؤل والتشكيك بكلِّ شيءٍ يحدث في جميع مراحل وخطوات حياتنا، لكن من الحكمة أحياناً أن نتحلَّى ببعض الإيمان دون معرفة خفايا الأمور التي تحصل لنا، وندعو الله أن يغدق علينا نعمه من حيث لا نحتسب.
6. القدرة على التخلي عن الأشياء أهم من القدرة على التمسُّك بها:
قد يبدو الأمرُ غريباً أو غير مألوف في البداية، لكن كلُّ ما تحتاج إليه في حياتك وعلاقاتك العاطفية هو التدرُّب على التخلي والاستغناء؛ وذلك لأنَّ التمسُّك بالأشياء والأشخاص أمرٌ سهلٌ جداً ولا حاجةَ إلى تعلُّمه؛ لذا خفِّف قليلاً من قوة تمسُّكك بالأشياء، فلا بأس في إرخاء قبضتك عنها، فغالباً ما نتشبَّث بها بشدة كبيرة لمدة طويلة دون التفكير بالأمر حتَّى، ودون أن ندرك أنَّ الأمور الهامَّة ليسَت التي نملكها حين نتشبَّث بها جيداً؛ بل التي تظلُّ معنا رغم تخلِّينا عنها وتركنا لها، فما يتبقى عندها هو الموجود حقاً.
7. الكمال ليس شرطاً لأهمية علاقاتك مع الآخرين:
من المستحيل إيجاد شخصٍ ما لن يؤذيك أو يخيِّبَ أملك أبداً، فلا يوجد إنسانٌ كامل أو مثالي، وسيؤدي توقُّعك بأن تعثرَ على شخصٍ مثالي إلى إصابتك بخيبات الأمل الموجعة دوماً؛ لذا تذكَّر هذا دائماً، واختر أشخاصاً يستحقون الألم والمجهود لإدخالهم إلى حياتك؛ فلن يمنحنا الحبُّ الصادق والفرح الحقيقي ذلك الشعور بالرضى والسعادة دون بذل القليل من المجهود والشعور ببعض الألم في سبيلهما؛ لذا خذ الوقت اللازم، وتحلَّ بالصبر الكافي، واعمل مع أحبائك لإثارة مشاعر حقيقية وبنَّاءة وهادفة.
8. لا فوائدَ تُرجَى من كراهية الآخرين:
يجب تذكُّر أنَّه ما من إنسان معدوم الفائدة أو القيمة حين نتمكَّن من تفهُّم قصَّته وطبيعة حياته ورغباته، وما من حياةٍ تافهة أو نكرة؛ فحتى الأشخاص الأكثر قساوةً ولُؤماً - إن عرفنا مكنونات قلوبهم - لديهم من الحسنات ما يشفع لهم ولو قليلاً على الأقل؛ لذا ابتعد عنهم حاملاً السلام والسكينة في قلبك دون زرع مشاعر الكراهية تجاههم بداخلك.
9. المسامحة والغفران هي منح نفسك فرصةً للتطور والتقدم:
لا يُعَدُّ الغفران والصفح تمسُّكاً بالشخص الذي ظلمَك أو جرح مشاعرك؛ بل هو عبارةٌ عن تقبُّل ما حدث، والتصالح معه، والشعور بالهدوء والسكينة تجاهه، ومن ثمُّ التقدم في حياتك؛ لذا اصفَح عمَّن ظلمَك وآذاك في الماضي، ولكنَّ الأهم من ذلك هو الصفح عن نفسك لأنَّك سمحتَ للآخرين بإيذائك؛ ففي اللحظة التي تسامحهم فيها، تتقدَّم خطوةً واحدةً على الأقل في اكتشاف الذات، كما تتقدَّم بخطوةٍ على جميع الذين ما يزالون متمسِّكين بالأحقاد والضغائن القديمة والتي تعوق تقدُّمهم في الحياة.
في الختام:
لم تتخلَّل أفكار الحضور أو الوجود والقبول هذا المقال مصادفةً، فمن دونها نخسر حياتنا كلَّها، وهو ما ذكَّرتني به محادثةٌ أجريتُها في وقتٍ سابق اليوم مع إحدى المتدربين ومتلقي الكوتشينغ، والتي تبلغ من العمر 82 عاماً، عن الأشياء التي نندم عليها؛ إذ استهلَّت جلسة الدردشة بقولها - وقد شاركتُ هذا بعد أخذ الإذن منها -: "لِمَ لمْ أتعلَّم تقبُّل كلِّ شيءٍ تقدمه الحياة لي وتقديرَه والتعاملَ مع كل يومٍ عشتُه وكأنَّه يومي الأخير؟ فإنَّ أكثر ما أندم عليه هو عدد المرات التي آمنتُ بها بالغد"، فأتمنَّى أن نتَّعظ جميعاً من كلماتها.
أضف تعليقاً