8 أمور لا تتعلمها في المدرسة

كتبت قبل بضعة أسابيع عن مشروع مدرسي بعنوان "دروس تعلِّمها الحياة" ساعدت فيه ابن جاري جيسي، الذي تحدثت معه بعد الانتهاء من مناقشة المشروع لمدة ساعة عن نشأته وانتقاله الوشيك من المرحلة الثانوية إلى الجامعة، فطرح عليَّ سؤالاً تلو الآخر عن المرحلة الجامعية والخيارات المهنية وريادة الأعمال وإنشاء مدونة مشهورة وإدارتها، وما إلى ذلك، لقد كان متعطشاً للمعرفة، وقد ألهمتني حماسته لمعرفة الاحتمالات جميعها التي تنتظره في المرحلة القادمة من حياته.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "مارك كرنوف" (MARC CHERNOFF)، ويُحدِّثنا فيه عن بعض الأمور التي لا يتسنى لنا تعلُّمها في الصفوف الدراسية.

كان سؤاله الأخير هو الذي جعلني أفكر حقاً؛ إذ سألني: "ما الذي لا أتعلَّمه في المدرسة؟"، أجبت عن السؤال قدر الإمكان، وحاولت تقديم بعض النصائح الهامة بما تبقّى لديَّ من وقت، لكن لسبب ما ما زال هذا السؤال عالقاً في ذهني.

الآن نظراً لتوفر الوقت للتفكير في الأمر، أدركت وجود الكثير من الدروس الهامة التي لا يمكن تدريسها أو تعلُّمها كاملاً في المدرسة، وفيما يأتي 8 دروس تبادرت إلى ذهني عندما جلست للكتابة هذا الصباح:

1. تجارب الحياة الحقيقية بعيداً عن الخيال:

لا تركز التجارب المثمرة في تحقيق شيء ما؛ إنَّما في السعي إلى تحقيقه، وما يهم هو الرحلة نحو أفق لا محدود؛ أي الأهداف التي تنمو وتكبر مع تقدُّمك، ويتعلَّق الأمر كلُّه بالسعي وما تتعلمه في أثناء ذلك، والسبب الأكثر أهمية للانتقال من مكان إلى آخر هو معرفة ما بينهما؛ إذ تدرك اهتماماتك وتجد الحب وتكتسب القوة وتصنع الذكريات، ولا يمكنك الحصول على أي من ذلك دون خوض التجربة بنفسك.

2. المعنى الحقيقي للحب والضعف:

أنت مجبول على التواصل مع الآخرين والحاجة إلى الصداقة والحب والحميمية وما إلى ذلك، واستعدادك لأن تكون ضعيفاً هو بوابتك إلى هذه العاطفة التي تتوق إليها منهم.

لكنَّ الأمر يتطلَّب شجاعة حقيقية لتجاوز حدود ضعفك، والتبحُّر أعمق في جوهر هويتك بوصفك فرداً مميزاً، وليس فقط حب ما لديك من عيوب وقبولها؛ بل البوح بها إلى شخص آخر مع ثقتك التامة أنَّه سيراعي مشاعرك ويتعاطف معك.

الحب في نهاية المطاف هو أن تكون ضعيفاً، ولتكون ضعيفاً يجب أن تتحلى بالشجاعة لتظهر نفسك كما هي بمحاسنها ومساوئها، إنَّ العثور على العلاقات الصحيحة التي تجعل هذا النوع من الحب ممكناً والاعتناء بها هو عملية جميلة تستمر مدى الحياة.

شاهد بالفيديو: 6 حقائق قاسيّة ولكنّها واقعيّة عن الحياة

3. البقاء إيجابياً خلال الأوقات العصيبة:

ستمر بظروف عصيبة، حتى أسعد الناس في العالم يواجهون أيام سيئة، والسبب في قدرتهم على الحفاظ على سعادتهم هو معرفتهم أنَّ الأوقات السيئة قصيرة الأجل.

إنَّ عواقب الأخطاء وألم الرفض وخيبة الفشل وأوجاع الإصابات تمد السعداء بالقوة، بدلاً من إحباطهم، وإنَّهم يعرفون أنَّ هذه الأحداث تجعلهم أكثر حكمة وقوة، فالسعادة ليست حالة ذهنية مؤقتة؛ هي إيمان دائم بأنَّ المرء يحصد ثمرة أفعاله، وإنَّه أسلوب حياة يتطلب الاعتراف بأنَّك على استعداد للقيام بالعمل اللازم لجعل الغد يوماً أفضل.

بكل الأحوال ظروفك الحالية ليست ما يتحكم بمسار حياتك؛ بل الطريقة التي تتفاعل بها مع ظروفك، ولا يمكنك توجيه الرياح، لكن يمكنك دائماً ضبط أشرعة سفينتك لمواجهتها، وعندما تمطر ابحث عن أقواس قزح وفي الظلام وابحث عن النجوم، ويستغرق التعود على ذلك وقتاً وممارسة، لكنَّ الآثار الإيجابية ستغير مسار حياتك.

إقرأ أيضاً: كيف تدرب عقلك على التفكير بإيجابية؟

4. التعامُل مع الخيانة:

قال الشاعر البريطاني "ويليام بليك" (William Blake): "من الأسهل لنا أن نغفر لعدو من أن نغفر لصديق".

الخيانة سيف ذو حدين؛ إذ لا يتوقف الأمر فقط على الشعور بالخيانة من قبل شخص تثق به، بل تشعر كأنَّك خنت نفسك لثقتك بهذا الشخص في المقام الأول وأنت تلومهم ثم تلوم نفسك، فإنَّ تعلُّم التأقلم والتخلي بما فيه الكفاية للتفكير بوضوح هو أمر لا يمكن استيعابه كاملاً في بيئة تعليمية؛ بل يجب أن يحدث ويُطبَّق على أرض الواقع.

إذا كنت تشعر بالخيانة، فمن الهام التحرر من أي مشاعر كراهية على الفور، وبالقيام بذلك لن تفسح للمرارة الوقت الكافي لترسيخ جذورها، وعندها فقط يمكنك البدء في تقدير وضعك بحيادية، وقد تجده مخيفاً مثل: "حبيبي لا يحبني"، أو ربما نافعاً: "كان هذا خطأ غير مقصود يستحق أن يغفر له".

5. حقيقة الموت وجمال الحياة:

يوجد شيء واحد فقط في هذا العالم أكثر إحباطاً من الموت قبل أوانك، وهو موت أحد المقربين إليك قبل أوانه؛ فالاكتئاب هو أحد الآثار الجانبية الأساسية للموت، خاصة عندما يكون المريض المحتضر شخصاً عزيزاً على قلبك، أو أنت نفسك. إنَّه نوع من الألم الموجع والارتباك الذي لا يمكن التعبير عنه بالكلام، والتعامل معه شخصياً شيء مختلف تماماً عن مناقشته بتجرُّد.

أنت بصراحة لا تدرك تماماً كم يعني لك شخص ما حتى يصبح موته وشيكاً، أنت لا تقدِّر ما لديك حقاً في كل لحظة صغيرة حتى تواجه احتمالية فقدانه.

6. التكيف مع عقبات الحياة المتغيرة باستمرار:

ما هو صحيح اليوم قد لا يكون كذلك في الغد؛ فالحياة هي سلسلة من التغييرات الطبيعية والمستمرة، وكل شيء هو هدف متحرك، وما يهم حقّاً هو تقبُّل هذه التغييرات عند حدوثها، والسماح للواقع ليكون كما هو ولأحداث الحياة بالتدفق في مسارها الطبيعي إلى الأمام، والسباحة ببراعة مع التيار.

في النهاية جسدك مكوَّن من أكثر من 60% من الماء، ويجب أن تتعلم التدفق مثل الماء الذي هو بالفعل جزء أساسي من هويتك، والماء لا يقاوم أبداً، إنَّما تكمن قوة الماء في الصبر والمثابرة والقدرة على التكيف، ولا يمكن للماء إيقاف كل ما يُلقى عليه، لكنَّه دائماً ما يلتف حول العقبات وعبره، وعدد قليل جداً من الأشياء يمكن أن توقف تقدُّمه، لكن بمرور الوقت، حتى تساقط قطرات صغيرة ببطء وثبات يمكن أن يفتت حاجزاً كبيراً.

لذا ضع ذلك في الحسبان دوماً في أثناء تعاملك مع عقبات الحياة المتغيرة باستمرار، وتدرَّب على الصبر والمثابرة وتذكَّر ما أنت مكوَّن منه، وكن مثل الماء، إن لم تتمكن من المرور عبر عقبة، فقم بالتدفق حولها.

شاهد بالفيديو: أجمل العبارات والاقتباسات عن الحياة

7. مسامحة النفس بعد ارتكاب خطأ كبير:

يوجد فرق كبير بين معرفة ضرورة مسامحة نفسك، والقيام بذلك فعلاً، فنظرياً من السهل قول: أنا أسامحك؛ لكنَّ تصديق ذلك بحق بعد ارتكاب خطأ، هو عملية مختلفة تماماً؛ إذ يتطلب الانضباط والقوة الكثير من حب الذات، لكن هذا هو بالضبط ما يجب أن تتعلم القيام به.

عندما تسامح نفسك، يكون الأمر صعباً في البداية؛ إذ يشبه تعقيم جرحك المصاب بالكحول، فتشعر بألم أولي حاد ويلتهب الجرح، لكن تبدأ في الشفاء بعد ذلك حتى تتمكن من البدء في عيش حياة صحية مرة أخرى، يتعلق الأمر كلُّه بالتعود على التعامل مع الألم مسبقاً والتغلب عليه قبل أن يتفاقم.

لأنَّك في الحقيقة ما لم تتجاوز الأمر وتعفو عن نفسك، لن تتمكن من المضي قدماً، ويجب أن تحب نفسك بما فيه الكفاية لتتقبَّل طبيعتك البشرية، وعليك أن تغفر لنفسك بصدق كل يوم، كلَّما تذكرت عيباً، أو أدركت أنَّك ارتكبت خطأ آخر، وعليك أن تقول لنفسك: "لا بأس، أنا بخير"، فخُذْ ذلك بوصفه درساً مستفاداً وانطلق نحو المستقبل دون النظر إلى الوراء.

إقرأ أيضاً: الاعتراف بالأخطاء ومسامحة النفس

8. الحفاظ على توازن صحي:

الحياة هي سعي لا ينتهي إلى تحقيق التوازن؛ إذ هناك دائماً أكثر من خيار واحد وأكثر من التزام واحد يتنافسون على وقتك، وتكمن قوتك في نهاية المطاف في خياراتك اليومية الصغيرة واحداً تلو الآخر، والتي تستخدمها لتحقيق التوازن بين هذه المتطلبات، والتي تتراكم تدريجياً محدثة تأثيراً إيجابياً أبدياً في حياتك.

يجب أن تجد حلاً وسطاً يناسب وضعك الفريد؛ أي إيجاد التوازن الصحيح بين النشاط والراحة والعمل والأسرة والعاطفة والمال، والأهداف قصيرة وطويلة الأمد، وإنجاز الأشياء وتركها دون إنجاز دون توازن، كل شيء يخرج عن نطاق السيطرة على سبيل المثال، عندما تدع حياتك العملية أو الاجتماعية أو الأسرية تستنزفك، وتركز كامل طاقتك على أحد جوانب حياتك طوال وقتك، فسيحدث خلل في جميع جوانب حياتك.

في الختام:

إذا كنت تريد إنجاز الأمور إنجازاً صحيحاً، والنجاح في مساعيك، والعثور على السعادة الدائمة، فأنت بحاجة إلى تحقيق التوازن بين مجالات حياتك بطريقة تناسبك وتناسب أولوياتك، بمرور الوقت ومع الخبرة الكافية، ستتمكن من تقييم أي موقف وإيجاد توازن سعيد وصحي.




مقالات مرتبطة