8 أسرار لحياة مليئة بالرضا

بعد أكثر من عقد من كتابة النصائح التي غيَّرت حياتي، أعرف الآن متى أمضي قدماً؛ لذا إليكم ما تعلمته أيضاً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب أوليفر بوركمان (Oliver Burkeman) والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته مع نَيل الرضا والسعادة في الحياة.

في الفصل الأول من عمودي لمجلة "غارديانز ويكيند" (The Guardian’s Weekend)، قبل وقتٍ طويلٍ جداً، كتبت أنَّ السعادة ستستمر إلى أن تكتشف سرها، وبعد ذلك قد تنتهي، بالنسبة إلي، عادةً في ذلك الوقت، كانت هذه حالةً من السذاجة التي تخفي الجدية، ومن الواضح أنَّني لم أتوقع أبداً العثور على السر، ولكن في مرحلة ما وجب علي أن أعلم أنَّ هناك أسئلةً كانت بحاجة إلى إجابة، حول القلق، والخوف من الالتزام في العلاقات، ونزعة السيطرة وبناء حياة ذات معنى؛ حيث غطَّت كتابة العمود كل ذلك تغطيةً مثاليةً، على عكس الأجر المخزي الذي تقاضيته.

بالطبع كنت آمل أن أساعد الآخرين أيضاً، لكنَّني لم أكن مستعداً تماماً لمقدار اللطافة التي ستشعرني بها هذه الرحلة: وبينما كنت أتلقى أحياناً طلبات للمساعدة على حلِّ مشكلات الناس الشخصية، كان صندوق الوارد الخاص بي ممتلئاً بالأفكار وقصص الحياة واقتباسات وتوصيات للكتب من بعض القراء الأكثر حكمةً مني غالباً، وبعضكم كان يحق له مطالبتي بالأجرة المعتادة لجلسة علاج نفسي، أشكركم على كل ذلك.

أنا أضع حداً اليوم ليس لأنَّني اكتشفت كل الإجابات، ولكن لأنَّ لدي حدساً قوياً أنَّ هذه اللحظة مناسبة للقيام بذلك، وآمل أن أكون قد اكتسبت معرفة كافية بالذات لأعرف متى حان الوقت للمضي قدماً، إذن ماذا تعلمت؟ ليس المقصود من الأسرار التالية أن تكون ملخصاً شاملاً؛ إلا أنَّها المبادئ التي ظهرت مراراً وتكراراً، والتي تبدو الآن بالنسبة إلي أكثر فائدة من أجل السيطرة على أوقاتٍ محيرة ومسببة للتوتر مثل أوقاتنا.

1. الإحساس بالتحرر من خلال إدراك أنَّ ثمَة كثيراً من المهام التي يجب علينا إنجازها:

اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، ليس هناك سبب لافتراض وجود توافق بين الواجبات التي تحتاج إلى تنفيذها - كل الأشياء التي ترغب في القيام بها، أو التي تشعر بأنَّه يجب عليك القيام بها - ومقدار الوقت المتاح، وبفضل الرأسمالية والتكنولوجيا والطموح البشري، تستمر هذه الواجبات في الازدياد، بينما تظل قدراتك ثابتة إلى حدٍ كبير، ويترتب على ذلك أنَّ محاولة "السيطرة على كل شيء" محكوم عليها بالفشل، وفي الواقع، الأمر أسوأ من ذلك، فكلما أنجزت المزيد من المهام، زادت المهام التي يجب عليك إنجازها.

إنَّ الجانب الإيجابي هو أنَّك لست بحاجةٍ إلى لوم نفسك عندما تفشل في القيام بكل شيء؛ وذلك لأنَّ القيام بكل شيء أمرٌ مستحيلٌ من الناحية التنظيمية، والحل الوحيد القابل للتطبيق هو إجراء تحوُّل من حياةٍ تقضيها في محاولة عدم إهمال أي شيء، إلى حياةٍ تقضيها في المبادرة إلى اختيار ما يجب إهماله بدقة، لمصلحة ما هو أكثر أهمية.

إقرأ أيضاً: كيف تنسجم مع الحياة: 17 سراً لإنجاز المهام

2. اختر التوسع في حياتك عوضاً عن السعادة عندما تعجز عن الاختيار:

أنا مدين للمعالِج المختص في علم النفس التحليلي جيمس هوليس (James Hollis) لإدراكي بأنَّ القرارات الشخصية الرئيسة يجب ألا تُتخذ عن طريق طرح سؤال "هل سيسعدني هذا؟"، ولكن بسؤال "هل هذا الخيار سيوسع إدراكي أم سيقلله؟".

نحن فاشلون في التنبؤ بما يجعلنا سعيدين، والمسألة سرعان ما تتعثر في خياراتنا الضيقة المرتبطة بالأمان والسيطرة، لكنَّ سؤال التوسيع يثير استجابة أعمق، وبديهية أكثر؛ حيث إنَّك تميل إلى معرفة ما إذا كنت ستهجر أو ستبقى في علاقةٍ أو وظيفةٍ ما، على الرغم من أنَّ ذلك قد يجلب لك الراحة على الأمد القصير؛ إلا أنَّه يعني خداع نفسك لتحقيق النمو؛ لذا لا تقلق كذلك بشأن قيامك بأمرٍ لن تسطيع التراجع عنه فيما بعد، فالقرارات التي لا رجعةَ فيها تميل إلى أن تكون أكثر إقناعاً؛ وذلك لأنَّه لا يوجد الآن سوى اتجاه واحد للسير، وهو إلى الأمام في أي قرار قد تتخذه.

شاهد بالفديو: 7 نصائح للتطوير الشخصي وتحقيق النمو المستمر

3. القدرة على تحمُّل الانزعاج البسيط قوةٌ عظمى:

إنَّه لأمر مروِّع أن ندرك مدى استعدادنا للتخلي عن أعظم طموحاتنا في الحياة، فقط لتجنُّب ظروفٍ غير سارَّة يمكن تحمُّلها بسهولة، فأنت تعلم بالفعل أنَّه ليس من السيئ أن تتحمَّل القليل من القلق عندما تقوم بالعمل على مشروع إبداعي مهم أو أن تبدأ حديثاً غير مريح مع زميلك أو عندما يطلب منك شخص ما الخروج معه أو عند التحقق من رصيدك المصرفي، ولكن مع ذلك يمكنك إضاعة سنوات من عمرك وأن تتهرب، فهذه هي الطريقة التي تزدهر بها منصات التواصل الاجتماعي: من خلال توفير مكان متاح وجذاب على الفور للذهاب إليه عند أول إحساس بعدم الارتياح.

بدلاً من ذلك، من الممكن ممارسة نشاطٍ من شأنَّه أن يزيد قدرتك على الشعور بعدم الراحة تدريجياً، مثل التدريب بحمل الأوزان في صالة الألعاب الرياضية، فعندما تتوقع أن يكون أحد الإجراءات مصحوباً بمشاعر من الانفعال أو القلق أو الملل، فمن الممكن عادةً ترك هذا الشعور ينشأ ويتلاشى، في أثناء القيام بهذا الإجراء، وتأتي النتائج الجيدة بسرعة كبيرة، استناداً إلى ما ستنجزه، بحيث ستصبح قادراً على العيش بالطريقة التي تتمناها.

4. عادةً ما تكون النصيحة التي لا تريد سماعها هي النصيحة التي تحتاج إليها:

لقد أمضيت وقتاً طويلاً في التركيز على أن أصبح منتِجاً للغاية قبل أن أبدأ أخيراً بالتساؤل عن سبب قيامي بتقييم نفسي استناداً إلى مقدار إنتاجيتي، فما كنت أحتاج إليه لم يكن كتاباً آخر لتحفيز الإنتاجية؛ وذلك لأنَّ هذه الكتب مجرد أدوات لتعزيز القوة؛ بل طرح المزيد من الأسئلة غير المريحة بدلاً من ذلك.

النقطة الأهم التي أريد أن أوضِّحها هنا، هي أنَّه إذا كنت تتجنب بعض التجارب العاطفية فإنَّه من غير الممتع على الإطلاق أن تقوم بمواجهتها - إذا كان الأمر كذلك، فلن تتجنبها - لذا فإنَّ النصيحة التي يمكن أن تساعدك، من المرجح أن تُشعِرك بعدم الارتياح؛ لذا يجب عليك توخي الحذر في هذا الأمر؛ وذلك لأنَّ النصائح السيئة من الأصدقاء أو الشركاء المتلاعبين، من المحتمل أيضاً أن تجعلك غير مرتاح.

من الخطأ أن نقول إنَّنا نعيش في أوقات مضطربة بشكل خاص؛ وذلك لأنَّ المستقبل دائماً غير مؤكد، وأحد الأسئلة الجيدة التي يجب طرحها هو ما نوع الممارسات التي تشعر بأنَّها مبتذلة لدرجة لا تطاق أو تهتم بالمصالح الشخصية فقط: مذكرات الامتنان، التأمل الذهني، زيارة المعالج النفسي؟ قد يعني ذلك أنَّ تلك الممارسات قد تستحق المتابعة.

من خلال تجربتي الشخصية، أستطيع القول إنَّ كل تلك الأمور تستحق الاهتمام، ومن الضروري أن تكون حذراً خاصة من المشاهير الذين يقدِّمون النصائح في المنتديات العامة، فربما سعوا إلى تحقيق الشهرة في محاولةٍ منهم لملء فراغٍ داخلي، وهو ما لا ينجح عادةً؛ لذلك من المحتمل أن يكونوا أكثر اضطراباً منك.

5. لن يوفِّر المستقبل أبداً الطمأنينة التي تسعى إليها من خلاله:

كما فهم الرواقيون اليونانيون والرومانيون القديمون، ينشأ جزء كبير من معاناتنا من محاولة السيطرة على ما ليس تحت سيطرتنا، والشيء الرئيس الذي نحاول السيطرة عليه ولكنَّنا نفشل في ذلك - وهو ما ينتج عنه قلقٌ يسيطر علينا - هو المستقبل؛ لذا نريد أن نعرف من وجهة نظرنا في الوقت الحاضر، أنَّ الأمور ستكون على ما يرام فيما بعد، لكنَّنا لا نستطيع ذلك أبداً؛ ولهذا السبب من الخطأ القول إنَّنا نعيش في أوقات غامضة بشكل خاص؛ حيث إنَّ المستقبل غير مؤكد على الإطلاق، وهو أمرٌ نعيه تماماً في الوقت الراهن.

ومن المثير للارتياح أن ندرك أنَّه لا يوجد قدر من القلق سوف يغيِّر هذه الحقيقة، ولا يزال من المفيد وضع الخطط، ولكن افعل ذلك مع إدراكك أنَّ الخطة ليست سوى إعلان نوايا في الوقت الحاضر، وليست أداة تسيطر بها على المستقبل، ويكشف المعلم الروحي جيدو كريشنامورتي (Jiddu Krishnamurti) عن سره البسيط بقوله: "لا أكترث مهما حدث"؛ لا يعني هذا بالضرورة عدم محاولة تحسين الحياة لنفسك أو للآخرين؛ بل يعني فقط ألا تعيش حياتك بلهفة شديدة كل يوم لمعرفة ما إذا كانت الأمور تسير كما كنت تأمل.

إقرأ أيضاً: 9 نصائح للحصول على الراحة النفسية

6. التخلص من متلازمة المحتال:

الحل الوحيد لتتخلص من متلازمة المحتال أن تدرك أنَّك تعانيها، فعندما كتبت لأول مرة عن فائدة تذكُّر أنَّ الجميع متفوق بطريقةٍ ما، طوال الوقت، لم نكن قد دخلنا بعد العصر الحالي من عدم الكفاءة القيادية؛ أي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وقيادة ترامب ووباء كورونا، أما الآن، فمن الصعب تجاهُل هذا الأمر، لكنَّ الدرس الذي يجب عليك استخلاصه ليس أنَّنا محكوم علينا بالفوضى، فكل ما في الأمر أنَّك - على الرغم من عدم ثقتك بنفسك وإحساسك بالقلق وانشغالك بعيوبك - من المحتمل أن يكون لديك الكثير لتساهم به في مجالك أو العالم، مثل أي شخصٍ آخر.

ينقسم البشر إلى قسمين: من ناحية، يوجد أولئك الذين يرتجلون طريقهم في الحياة، ويجدون الحلول معاً ويضعون حداً لأي مشكلة، لكنَّهم يخدعون أنفسهم، ومن ناحيةٍ أخرى، هناك أولئك الذين يفعلون الشيء نفسه تماماً؛ إلا أنَّهم يعرفون ذلك، وفي الواقع، من الأفضل أن تكون من ضمن النوع الأخير، على الرغم من أنَّ الكثير من تقنيات "التدريب الحازم" تتكون من أساليب لتحويل نفسك إلى النوع الأول.

تذكَّر أنَّ السبب في أنَّك لا تستطيع سماع الحوارات الداخلية للآخرين حول عدم ثقتهم بأنفسهم ليس أنَّهم لا يُجرون مثل هذه الحوارات؛ بل أنَّك لا تملك إلا إمكانية الوصول إلى عقلك.

7. التفاني في تفضيل الآخرين عن الذات هو أمر مبالغ فيه:

نحن نؤمن بالاحترام، وقد نشأت النساء نشأةً خاصةً على التفكير في أنَّ الحياة التي يتم قضاؤها جيداً هي التي تقوم فيها بمساعدة الآخرين، فالكثير من المؤمنين بمبدأ المساعدة الذاتية يؤكدون أنَّ اللطف والكرم والعمل التطوعي هو الطريق إلى السعادة؛ حيث إنَّ هذا المبدأ يعدُّ صحيحاً، لكنَّه عموماً يتشابك مع قضايا عميقة الجذور تتعلَّق بالذنب واحترام الذات، ومن جهةٍ أخرى، من المؤكد أنَّ الأشخاص الذين يتفاخرون طوال اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي بأعمالهم الخيرية أو وعيهم السياسي ليسوا محبين للآخرين على الإطلاق؛ بل إنَّهم يُرضون غرورهم.

إذا كنت تميل إلى التفكير في أنَّه يجب عليك تقديم المزيد من المساعدة، فمن المحتمل أن تكون هذه علامة على أنَّه يمكنك توجيه المزيد من الطاقة نحو طموحاتك وحماستك؛ حيث لاحظَتْ المعلمة سوزان بيفر (Susan Piver)، أنَّه من الأمور الأساسية، على الأقل بالنسبة إلى بعضنا، أن نسأل كيف نستمتع بقضاء الساعات أو الأيام، والمفارقة أنَّك لا تخدم أي شخص آخر من خلال قيامك بقمع عواطفك الحقيقية على أي حال، ففي كثير من الأحيان، من خلال قيامك بعملك على أكمل وجه - على عكس ما تعتقد أنَّك يجب عليك القيام به - فإنَّك تساهم في تقديم بعض المنفعة لنا.

8. إدراك متى يجب عليك الانتقال إلى المرحلة التالية:

وأخيراً، عليك أن تعرف متى يصل شيء ما يعني الكثير بالنسبة إليك - مثل كتابة هذا العمود في المجلة - إلى نقطة النهاية الطبيعية، وأنَّ الخيار الأكثر إبداعاً هو الانتقال إلى المرحلة التالية، هذا هو المكان الذي ستجدني فيه.

المصدر




مقالات مرتبطة