لا يتطلَّب الإقلاع عن هذه العادات المؤذية أن تنكر تجاربك السابقة؛ بل أن تستفيد منها في تحسين وضعك الراهن، وتسعى لتحقيق السلام الداخلي، والعيش بحكمة ورزانة ورضى مع تقدمك في العمر، وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذه النقلة النوعية في نمط الحياة لا تحدث بين ليلة وضحاها؛ بل إنَّها تتطلَّب من الفرد أن يبذل قصارى جهده في الإقلاع عن العادات والسلوكات التي تحرمه من تحقيق السلام الداخلي. إليك فيما يأتي:
8 سلوكات تمنع الفرد من تحقيق السلام الداخلي
1. الندم على الأخطاء السابقة
يميل الإنسان للتفكير في ماضيه، وتقييم مسيرة حياته وقراراته وخياراته وتجاربه السابقة مع تقدمه في العمر، ويمكن أن يتحوَّل هذا التفكير إلى هَوَس يدفعه إلى لوم نفسه على أخطائه السابقة، فالندم هو عاطفة محتدمة تقيِّد الإنسان بماضيه وتحرمه من راحة البال التي يحتاج إليها في حاضره.
لا يمكن أن يغيِّر الإنسان ما حدث معه بالماضي مهما ندم وتحسَّر على قراراته وأفعاله، ولا فائدة تُذكَر من الندم على الأخطاء التي اقترفها الفرد في تجاربه السابقة، ويُعدُّ هذا السلوك من أبرز مصادر البؤس والمعاناة في الحياة الإنسانية.
يقتضي السلوك السليم أن تتعلم من أخطائك السابقة، وتعترف بفضلها في تطوير شخصيتك وزيادة خبرتك في الحياة، وتعدها جزءاً طبيعياً وضرورياً لتشكيل مسيرتك الحياتية، ولا تسمح لها بعرقلة نجاحك في الحاضر أو المستقبل، ويجب أن تعطف على نفسك وترحمها، وتبذل قصارى جهدك للتخلُّص من هذا السلوك تخلُّصاً تدريجياً مع مرور الوقت، ويؤدي الإقلاع عن هذا السلوك إلى زيادة شعور الفرد بالسلام الداخلي، وتعزيز قدرته على قبول ذاته بمحاسنها وعيوبها خلال مسيرة حياته.
2. مقارنة نفسك مع الآخرين
تشجِّع المجتمعات على إجراء المقارنات، وغالباً ما يشعر الفرد بالخطر والتهديد من نجاحات الآخرين، ويقارن نفسه معهم لتحديد قيمته الذاتية، وتؤدي هذه المقارنات المؤذية إلى إرهاق الفرد وحرمانه من السلام الداخلي، ويدرك الإنسان مع تقدمه في العمر أهمية عيش تجربته الحياتية الخاصة، وعدم الشعور بالخطر من إنجازات الآخرين، وأنماط حياتهم، ومدى تقدمهم، ويعرف الإنسان أنَّه يعيش تجربة حياتية مستقلة بحدِّ ذاتها، ويدرك أهمية التركيز على التطور الشخصي، والمحبة الذاتية، وتحقيق الأهداف التي تهمُّه مع تقدمه في العمر.
تؤدي المقارنات المؤذية إلى إثارة مشاعر السخط والاستياء وحرمان الفرد من الرضى والقناعة في حياته، ويجب أن يتخلَّص الإنسان من هذا السلوك المؤذي لكي ينعم بالسلام الداخلي، وتذكَّر أنَّ كل إنسان على وجه البسيطة يعيش تجربة مختلفة تشكِّل شخصيته وتضفي المعنى إلى حياته، لهذا السبب عليك أن تتقبَّل ما يحدث في حياتك من تقلبات وتغيرات، وظروف يسر وعسر، ونجاحات وخيبات دون أن تقارن نفسك مع الآخرين.
3. البحث عن السعادة المطلقة
إنَّ سعي الإنسان المستمر لتحصيل السعادة مع تقدمه في العمر يزعزع سلامه الداخلي، وهذا يخالف الاعتقاد الشائع بأنَّ السلام النفسي يعتمد على السعادة المطلقة، ويؤدي هذا السعي المستمر لتحقيق السعادة المطلقة إلى شعور الفرد بخيبة الأمل وعدم الرضى عن حياته.
تتألف التجربة الإنسانية من مجموعة متنوِّعة من العواطف التي تبرز في مختلف المواقف والظروف الحياتية لتؤدي غرض وغاية محددة، وهي تشمل مشاعر الفرح والحزن والحماسة والملل والمحبة والغضب، وإنَّ السعادة المطلقة لا تعدو كونها محض أوهام تمنع الفرد من إدراك الروعة والحكمة الكامنة في مختلف التجارب العاطفية الإنسانية.
ينجم شعور الرضى والسلام النفسي عن تقبُّل صعوبات الحياة، وبناء العلاقات المثمرة، والتصرف بمقتضى القيم والقناعات الشخصية، ولا يتطلَّب تحقيق السلام الداخلي إنكار العواطف السلبية؛ بل إنَّه يقتضي الاعتراف بوجودها وتفهمها وتقبلها والتعلم منها، إضافة إلى تنمية شعور الاتزان والقدرة على تقبُّل الواقع في كافة الظروف والأحوال.
شاهد بالفيديو: 9 نصائح تساعدك في الوصول إلى السلام الداخلي
4. إهمال التنمية الشخصية
ينوي معظم الناس تكريس وقتهم للراحة والاسترخاء عندما يتقدَّمون في السنِّ بعد سنوات من السعي والشقاء والاجتهاد في العمل خلال مرحلة الشباب، ويؤدي إهمال التنمية الشخصية إلى إثارة مشاعر القلق والاضطراب والعجز وعدم الرضى.
لا يُعدُّ التطور الشخصي رفاهية أو مسألة كمالية؛ بل إنَّه حاجة ضرورية مفروضة على الجميع دون استثناء، فهو يساعد الإنسان على فهم ذاته وتقبلها ومواجهة مخاوفه والتخلص من المعتقدات التي تعوق تقدمه، وتعزيز شعوره بالعطف الذاتي، وزيادة قدرته على تحمُّل مسؤولية تجاربه وأفعاله، واتخاذ قرارات مدروسة تتوافق مع قناعاته وقيمه الشخصية.
يؤدي إغفال التنمية الشخصية إلى حرمان الفرد من فرصة التطور والتعلم والتنمية الذاتية؛ أي إنَّ الإنسان لا يكبر في السنِّ مع مرور الوقت فقط؛ بل إنَّه ينمِّي خبراته ويطور طريقة تفكيره، وذلك من خلال المداومة على تنمية شخصيته، ويجب أن يدرك الفرد أنَّ التنمية الشخصية عملية تستمر طوال فترة حياته وتنطوي على بعض الصعوبات، لكنَّها تستحق العناء، فهي تساعده على تطوير نفسه وتحقيق السلام الداخلي في نهاية المطاف.
5. التعلُّق بالأهداف المادية
أصبحت الثروة والممتلكات المادية مقياساً لنجاح الأفراد في المجتمعات الحديثة، ويظنُّ الإنسان أنَّ تحصيل المال والممتلكات المادية سيزيد من سعادته ونجاحه، لكنَّه يُدرك مع تقدمه في السنِّ أنَّ السعي وراء الماديات، يتسبَّب في شعوره بالفراغ الداخلي وفقدان الإحساس بوجود معنى من كفاحه في الحياة.
لا شكَّ أنَّ الاستقرار المالي هام جداً في الحياة الإنسانية، ولكن يُفترَض أن تكون قراراتك المالية مبنية على القِيَم والقناعات الشخصية، كما يجب أن تعدَّ المال وسيلة لإجراء التغييرات الإيجابية وتطوير نفسك مع مرور الوقت لكي تعيش حياة حافلة بالنجاح والسلام.
إنَّ السعي الدائم وراء الأهداف المادية يسلب الإنسان راحة البال والسلام الداخلي، لأنَّه يربط قيمته الذاتية وسعادته بعوامل خارجية، وهذا يحرمه من شعور الرضى والقناعة والأمان في الحياة، ويحتاج الإنسان إلى التركيز على تنمية حسِّ الإبداع والرغبة بالمساهمة في خدمة الاقتصاد، والشعور بوجود معنى وغاية سامية من كفاحه في الحياة.
يسهم التوفيق بين القِيَم الشخصية والأفعال في تعزيز شعور الفرد بالقناعة والرضى، فلا يمكن أن يحقِّق تكديس الأموال والثروات المادية هذه الحالة من السلام الداخلي، ولذلك ينجم شعور الرضى في الحياة عن التصرف بمقتضى القناعات والقِيَم الشخصية بعيداً عن السعي خلف الأهداف المادية الخارجية.
يجب أن تعيد النظر في تعريف مفهوم النجاح والسعادة في الحياة مع تقدمك في العمر، وتبذل ما بوسعك لعيش حياة حافلة بالتجارب، والعلاقات والتطور والمساهمة في خدمة الآخرين وتحسين العالم بدل التركيز على الممتلكات المادية.
6. تجنُّب الصعوبات والمشكلات
يميل الإنسان بطبيعته للسعي خلف الراحة والهرب من الآلام، ويحاول جاهداً أن يتجنَّب الصعوبات والمشكلات التي يمكن أن تطرأ في حياته ويعدها تجارب مؤذية يجب أن يتفاداها تحت أي ظرف، ولقد حان الوقت لتغيير هذه العقلية، والسعي لخوض التحديات، وتقبُّل الفشل والمشكلات التي تطرأ في الحياة.
يجب أن تستثمر كل مشكلة تتعرض لها خلال حياتك في التعلم والتأقلم والتطور، وكل أزمة تمرُّ بها في إعادة تقييم نهجك في الحياة، وتطوير استراتيجياتك، وتعزيز مرونتك النفسية، فيؤدي تجنُّب الصعوبات والمشكلات إلى عيش حياة مستقرة وآمنة بعيداً عن المخاوف والتغييرات، ولكنَّه بالمقابل يحرمك من خوض التجارب واستثمار الفرص المتاحة، وهذا يمنعك من إحراز التقدُّم وتحقيق السلام الداخلي.
7. إهمال العلاقات الصادقة
يقلُّ عدد معارف الإنسان مع تقدمه في العمر، فتؤثر التزامات العمل والأسرة في الحياة الاجتماعية، وفي شتى الأحوال عليك أن تبذل قصارى جهدك في الحفاظ على علاقاتك وتطويرها مع مرور الوقت، فتسهم العلاقات مع الأصدقاء والأقرباء والمعارف في إضفاء المعنى والبهجة وحسِّ الانتماء إلى حياة الفرد، إضافة إلى تزويده بالدعم والمساعدة التي يحتاج إليها.
تؤدي هذه العلاقات من جهة أخرى دوراً بارزاً في تغيير وجهات نظر الفرد ومساعدته على تنمية شخصيته، ويدرك الجميع فوائد العلاقات، ولكن كثيراً ما يغفل الفرد عن استثمار الوقت والجهد اللازمَين للحفاظ عليها وتنميتها بسبب ضغوطات الحياة الشخصية والعمل، وهكذا تصبح علاقاته سطحية وخاوية من المعنى والعواطف الإنسانية الصادقة نتيجة قلة التواصل.
يؤكِّد كبار السن في إحدى دراسات جامعة "هارفارد" (Harvard) أنَّ العلاقات الإنسانية هي المصدر الرئيس للسعادة في الحياة، وهي تزداد أهميةً مع تقدُّم العمر، لهذا السبب يُنصَح باستثمار الوقت والجهد في الحفاظ على العلاقات وتنميتها خلال مرحلة الشباب.
8. إهمال الرعاية الذاتية
يفترض بعضهم أنَّ ممارسات الرعاية الذاتية رفاهية تنمُّ عن أنانية الفرد وانغماسه في ملذَّاته الشخصية، في حين تؤكِّد الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة أهميتها في تحسين جودة حياة الإنسان، وتزداد أهمية العناية بالصحة الجسدية والنفسية والعاطفية مع تقدُّم السنِّ، وعندها يدرك الإنسان أنَّ عافيته أولوية أساسية في حياته وليست مسألة ثانوية.
تقتضي الرعاية الذاتية تناوُل الطعام الصحي، وممارسة اليقظة الذهنية والتمرينات الرياضية بانتظام، وتخصيص بعض الوقت للاسترخاء والراحة وتجديد النشاط، وهي تسهم في تعزيز شعور السلام الداخلي مع تقدُّم العمر، ويجب أن تعتني بنفسك حتى يتسنَّى لك أن تساعد الآخرين وتعيش حياة حافلة بالرضى والإنجاز.
في الختام
تزداد تجارب الإنسان وخبراته، وتتطوَّر وجهات نظره مع تقدُّمه في العمر، كما تُتَاح له فرصة استكشاف ذاته وتنميتها، والتخلص من السلوكات الهدَّامة مع مرور الوقت، ويحتاج الإنسان للتخلُّص من بعض السلوكات المؤذية مثل التركيز على أخطاء الماضي، وإهمال العلاقات الاجتماعية لكي ينعم بالرضى والسلام الداخلي وينجح في تنمية ذاته واستكشافها، ويجب أن تحرص على إضفاء المعنى والهدف على تجربتك الحياتية مع تقدُّمك في العمر لكي تعثر على السلام الداخلي وتعيش حياة حافلة بالرضى والهناء.
أضف تعليقاً