ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "أنتونيو مارتينا" (Antonio Martina)، والذي يعطينا فيه بعض النصائح الإيجابية التي استلهمها من الكاتب ديل كارنيجي (Dale Carnegie) بعنوان: "دع القلق وابدأ الحياة".
يجب عليَّ أن أكون صادقاً، إذ لم أصل في ذلك الحين إلى أقصى درجات السعادة، إضافةً إلى أنَّ العنوان كان مغرياً جدَّاً، وكنت أعتقد بأنَّه يجب عليَّ أن أجرِّبه؛ لكنَّه لم يغيِّر أيَّ شيء بالنسبة إليّ. لم يكن السبب الكتاب أبداً، فلم أكن في الحقيقة إنساناً مُبادِراً على الإطلاق، وكان كلُّ ما أريده وأنا اُحِسُّ بالخوف والعجز، حلَّاً سريعاً يحتاج إلى بذل أقلِّ مجهودٍ ممكن؛ وسيكون من الإطراء أن أقول أنَّني كنت حالماً، فقد كنت يائساً تماماً.
لقد وجدت أنَّ بإمكانك أن تحلم بقدر ما تشاء بالحماسة والنتائج الإيجابية، وغيرها من بعض أشكال الهراء؛ لكنَّك ستتحمَّل كلَّ ما يحدث في النهاية.
العثور على وقتٍ لتطبيق أي شيءٍ تتعلَّمه هامٌّ مثل أهمية الدرس الفعلي على الأقل، ويُعَدُّ هذا حقيقيَّاً في الحياة مثلما هو في أيِّ مجالٍ آخر، فالاطلاع والتعلُّم هما نصف العمل.
لقد قرأت الكتاب مرَّةً أخرى مؤخَّراً؛ ولكن هذه المرة بعقلٍ مختلفٍ وروحٍ مختلفة، والأهمُّ من ذلك أنَّني كنت متحمِّساً لتطبيق كلِّ ما أوشكتُ على تعلِّمه نظريَّاً؛ لذلك لم يفاجئني أبداً تحقيق نتائج أفضل على المستوى الشخصي في نهاية المطاف.
لقد عَلِق في ذهني جزءٌ واحدٌ تحديداً من الكتاب؛ إنَّه قِسمٌ يركِّز الاهتمام على "7 طرائق لاكتساب سلوكٍ ذهنيٍّ يحقِّق لك السلام والسعادة"، وهو مليءٌ بدروسٍ قابلةٍ للتطبيق بغالبيَّتها، وقد عزَّزت بكلِّ تأكيدٍ جودة حياتي، على الرغم من أنَّ هذا ما زال مستمرَّاً؛ وهذه الدروس هي:
1. دَع أفكارك تُسيِّر حياتك:
يقول كارنيجي نفسه إنَّ عقولنا تشكِّل المسارح التي تُرسَم أقدارنا على خشباتها، وتؤثِّر في قدراتنا الإدراكية والبدنية؛ وإنَّ أفضل طريقةٍ لبناء الأفكار الإيجابية أن نفعل ذلك من خلال تصرُّفاتنا.
قد يكون الأمر مُعقَّداً في البداية، لكنَّ الفيلسوف العظيم "ويليام جيمس" يُعبِّر عن ذلك قائلاً: "يبدو أنَّ التصرُّفات تحذو حذو المشاعر، ونستطيع عن طريق تنظيم التصرفات التي تُعَدُّ تحت سلطة المشيئة مباشرةً، التحكُّم تحكُّما غير مباشرٍ بمشاعرنا التي ليس لمشيئتنا سلطانٌ عليها".
باختصار: إذا أحسست بالسعادة، فأنت تُحِسُّ بها لأنَّك تشارك في نشاطٍ يُمتِّعُك ويُسعِدُك؛ ونتيجةً لذلك، وحتَّى لو لم تُحِسَّ بالسعادة في البداية، ترسل تصرُّفاتك رسالةً مختلفةً إلى عقلك اللاواعي، والذي يُعَدُّ بدوره مُجبَراً على التصرُّف وفقاً للرسائل التي تصله.
2. لا تُضِع أيَّ وقتٍ في التفكير في الناس الذين لا تُحبُّهم:
لا تحاول أبداً الانتقام من أعدائك؛ لأنَّ انتقامك سيُؤذيك أكثر بكثيرٍ ممَّا يؤذيهم. أنا أعي أنَّ الحديث عن هذا أسهل من تطبيقه على أرض الواقع، لكن فكِّر بُرهةً في الأمر: يشبه الكُره تَجرُّع السُمِّ وتوقُّع أن يموت الشخص الآخر. أتستطيع أن تَذكُر آخر مرَّةً أدَّى فيها الكره إلى نتائج إيجابية، أو جعلك تُحِسُّ بإحساسٍ أفضل؟
لا فوائد تُرتَجى من مبادلة الآخرين الإحساس بالكُره، فهو لا يُقوِّي الصحة، ولا يُحسِّن الحياة، ويحرمك من النوم، ويؤثِّر في جميع علاقاتك؛ فإذا كنت تعاني أيَّاً من هذه الأمور، فمن الأفضل أن تتوقَّف عن الإكثار من الكلام السلبي بأسرع ما يمكن.
حاول تغيير طريقة تفكيرك، إذ يبدو أنَّ التحوُّل من مبادلة الأعداء الكُره إلى مبادلتهم المَحبة تحوَّلٌ جذري؛ لكن حينما تولي نفسك الأولوية وتجعل شعار هذا التغيير "أنا أحبُّ نفسي إلى درجةٍ لا شيء يمكن أن يؤذيني معها"، سترى حينئذٍ المفعول السحري لهذا التغيير سريعاً.
3. لا ترفع سقف التوقُّعات:
إنَّه لمن طبيعة الناس أن ينسوا شُكر النِّعَم، فإذا مضينا في توقُّع أن يُقابِلَ الناس إحساننا بالشكر، فمن المُتوقَّع أن نواجه كثيراً من المتاعب.
يؤمن البشر بفكرة التبادل، فتراهم راغبين في تبادل الأشياء، وفي أن يكون ما يقولونه مفهوماً بين الآخرين؛ والأهمُّ من ذلك أن تحظى الإنجازات التي يحقِّقونها بتقدير الآخرين، سواءً كانت صغيرةً أم كبيرة.
لكن في أيامنا هذه، أصبحنا مشتتي الذهن بما حولنا أكثر من أيّ وقتٍ مضى، لدرجة أنَّ الأمور البسيطة والتصرُّفات اللطيفة نادراً ما تلفت انتباهنا؛ فقد جعلَنا الانشغال بأنشطة الحياة اليومية نتعامل مع كلِّ شيءٍ كما لو أنَّه كان من المُسلَّمات، ونضحّي بعلاقاتنا حتَّى دون أن ندرك ذلك.
يعني الإحساس بالسعادة قبول الأمور مثلما هي في أثناء السعي إلى تحقيق ما نريد، وقبول حقيقة أنَّ الناس لن يدعموك دائماً، وأنَّ عليك أن تُنقِذَ نفسك في معظم الأحيان؛ ويُعَدُّ هذا صحيحاً، خصوصاً في العلاقات والظروف الخارجية التي لا نتحكَّم بها تحكُّما مباشراً؛ كما ثمَّة من ناحيةٍ أخرى ظروفٌ نستطيع تغييرها، وهذا أمرٌ نحتاج إليه كثيراً.
في الحقيقة، يجبرنا وضع أنفسنا تحت الضغط على تحسين الأشياء التي نمتلك فعلاً القوة لتحسينها، وترتبط المسألة برمتها بالتمييز بين الاثنين، واتخاذ القرار اعتماداً على درجة التأثير التي نمتلكها؛ ولقد عبَّر "رينهولد نيبهور" منذ وقتٍ بعيدٍ عن هذا قائلاً:
"يا رب، امنحني من الطمأنينة ما يعينني على تقبُّل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها، ومن الشجاعة ما يمكِّنني من تغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها، ومن الحكمة ما يعينني على التمييز بين الصنفين".
4. شكر الله على النِعَم:
يبدو أنَّ هذه النصيحة تشبه النصيحة السابقة، إذ يُعَدُّ شكر الله على النعم ناجماً أساساً عن الإحساس بالفرح بما وهبك الله، وهذا إحساسٌ ينبع من الإحساس بقيمة ما تملك.
هل وضعك الصحي تحت السيطرة؟ أما زال والداك على قيد الحياة؟ ألديك عمل؟ هل أنت طالب؟ أيمكنك تناول طعامٍ نظيف؟ لقد تذمَّرنا جميعاً من أمورٍ سخيفةٍ بين الفينة والأخرى، لكن تذكَّر ألَّا تتعامل مع أمورٍ لا يمكن التعامل معها على أساس أنَّها من المُسلَّمات؛ ثمَّة في هذا العالم الكثير من الناس المُستعدِّين لدفع أثمانٍ باهظةٍ مقابل أن يكونوا في مكانك نفسه.
يبيِّن كارنيجي أنَّ عدم الإحساس بالنِّعِم يُعَدُّ على الأرجح واحداً من أكبر المآسي على سطح الأرض، وقد سبَّب بؤساً أكثر من الذي سبَّبته جميع الحروب والأمراض عبر التاريخ؛ ويضيف قائلاً: "يجب علينا -أنت وأنا- أن نخجل من أنفسنا، فقد عشنا سنوات حياتنا كلِّها في أرض الجمال الساحر؛ لكنَّ بصائرنا كانت أضعف من أن ترى هذه الأرض، ونفوسنا أشدَّ إشباعاً من أن تستمتع بها".
شاهد بالفيديو: 5 فوائد مثبتة للشعور بالامتنان
5. ابحث عن نفسك وتصرَّف على سجيّتك:
هذه نصيحةٌ مُكرَّرة، أنا أعلم هذا؛ لكن إذا نَحَّينا المزاح جانباً، فيمكننا القول أنَّنا نقضي كثيراً من الوقت في محاولة تقليد الآخرين، وتَقمُّص شخصياتهم، وإثارة إعجابهم بنا؛ حتَّى بِتنا نعرفهم أكثر ممَّا نعرف أنفسنا.
هل سبقَ وأن خصصت ساعةً كرَّستها كاملةً للتفكير في الإمكانات التي تتمتَّع بها؟ تُعَدُّ محاولة اكتشاف شخصيتك الحقيقية الخطوة الأولى على طريق اكتشاف غايتك، والسبب الذي من أجله كُتبَت لك الحياة على سطح هذا الكوكب؛ فما الإنجازات التي تريد تحقيقها؟ وما نوع الأشخاص الذين تُفضِّل أن تقضي أوقاتك بصحبتهم؟ وما الأطعمة التي تستمتع بتناولها؟ وما الأمور التي تُسعِدك؟
حينما تبدأ التميُّز عن بقية الناس وتنجح في التعرف إلى أعماق نفسك، تبدأ الأمور بالتغيُّر، ويصبح من السهل اتخاذ القرارات التي كان يبدو اتِّخاذها صعباً للغاية، وتبدأ اتِّخاذ خطواتٍ أكثر صرامةً وتناسقاً نحو أفضل حياةٍ تحلم بأن تعيشها؛ وذلك اعتماداً على النتيجة المُحدَّدة التي ترغب في الوصول إليها.
يقول كارنيجي عن ذلك: "لا يوجد أحدٌ آخر مثلك على سطح الأرض".
لذا ضع نفسك في المقام الأول، وكن أنت الأولوية الأولى في حياتك؛ وسيَلي ذلك الأشياء الجميلة.
6. أحسِن استثمار الظروف:
إنَّه لمن أهمِّ صفات البشر قدرتهم على التكيُّف مع أيِّ نوعٍ تقريباً من الظروف، وتحويل السلبيات إلى إيجابيَّات؛ فقد كان بيتهوفن الأصمّ مُلحِّناً وعازف بيانو من الطراز الرفيع، وقد نجحت هيلين كيلر -العمياء والصَّمَّاء- في نَيل درجة البكالوريوس في الفنون، وأصبحت واحدةً من أنجح الكُتَّاب الأمريكيين على مَرِّ العصور؛ كما كان بنجامين فرانكلين -الذي ترك المدرسة في سِنّ العاشرة- عالماً من الطراز الرفيع، وإنساناً واسع المعرفة، وواحداً من الآباء المؤسِّسين للولايات المتحدة.
ثمَّة الكثير جدَّاً من الأسماء التي يمكن أن نضيفها إلى القائمة، وثمَّة ما لا يُحصى من قصص الأشخاص الذين بدأوا من لا شيء، وحقَّقوا في نهاية المطاف نجاحاتٍ باهرة.
سبب هذا هو ميلنا الطبيعي إلى تحويل المصاعب إلى انتصارات، وهي صفةٌ يتحلَّى بها الجميع، إلَّا أنَّ قِلَّةً قليلةً يُطبِّقونها تطبيقاً كاملاً.
يقول الكاتب الجنوب إفريقي "ويليام بوليثو": "أن تستثمر مكاسبك ليس أهمُّ شيءٍ في الحياة، فأيُّ أحمقٍ قادرٌ على ذلك؛ لكنَّ الشيء الهامَّ حقَّاً أن تستفيد من خسائرك، فهذا يحتاج إلى الذكاء، وهو ما يميِّز الرجل العاقل عن الرجل الأحمق".
7. اهتمَّ بالآخرين:
إنَّ من أفضل طرائق علاج الأمراض والتخلُّص من الأفكار السلبية إلى الآن: مراعاة سلامة الآخرين، وممارسة أعمال الخير على الدوام.
تحدَّثنا سابقاً عن أنَّ البشر يسعون إلى التواصل وجذب الاهتمام، ويمكن القول أنَّهم يسعون إلى علاقاتٍ صادقةٍ وحقيقية، واهتمامٍ صادقٍ وحقيقي.
يعني التحلّي بالصدق التصرُّف من منطلق العفوية، عوضاً عن التصرف من مُنطلَق الواجب؛ وأن يكون سبب تصرفاتك هو اهتمامك فعلياً بالآخرين، عوضاً عن أن يكون سببها مجرَّد ادِّعاء الاهتمام؛ كما تعني القيادة القدرة على إثارة الإلهام في نفوس الآخرين، ويُعَدُّ الإنصات الحقيقي مهارةً يتمتع بها -أو يكتسبها؛ لأنَّها ليست مهارةً فِطرية- كلُّ من يستحقُّ لقب القائد.
ركِّز اهتمامك على الشخص الذي تُحدِّثه، وعلى مشكلته، ولغة جسده، ونبرة صوته؛ وتعرَّف إليه من خلال طرح أسئلةٍ تُعالج حالته العاطفية الحالية، دون أن تُزايد عليه بأيِّ شيء.
تذكَّر أنَّ البشر أنانيُّون جدَّاً، وبما أنَّ تطوير مهارةٍ محددةٍ من مهارات التواصل ليس واحداً من الأهداف التي يسعى غالبية الناس إلى تحقيقها، فمن المحتمَل أن تقابل كثيراً من الناس المُهتمِّين جدَّاً بحلِّ مشكلاتهم، ولا يُعيرون أيَّ اهتمامٍ يُذكَر للتحديات والعقبات التي تواجهك؛ لكن لا تتعامل مع الأمور بشكلٍ شخصي، فهذه طبيعة البشر.
بإمكان الإنصات أن يوسِّع المدارك أيضاً، وينمِّي الأفكار في أيِّ موضوعٍ كان، وذلك اعتماداً على الأشخاص الذين تتواصل معهم؛ كما يمكنه أن يعزِّز ذكاءك وصورتك الودية في أذهان الآخرين، وتكيُّفك مع مختلف البيئات؛ فهو من المهارات التي لا يمكن الاستغناء عنها بحق.
أضف تعليقاً