تعني الأتمتة التخلص من الحاجة إلى البشر في أماكن العمل، وعلى الرغم من العدد المخيف من الوظائف التي ستختفي في المستقبل القريب، إلَّا أنَّ بصيصاً من الأمل يلوح في الأفق يبشِّر بظهور العديد من الوظائف معاً في المستقبل.
الآن، السؤال الأهم هو: ما المهارات الضرورية للاستمرار في العمل مستقبلاً؟
البشر مطالبون في عصر الآلات بحماية مهنهم من المستقبل واكتساب كفاءات يمكِنها أن تمنحهم الأفضلية على الآلات. وفيما يلي 6 مهارات يمكِنها أن تساعد البشر في التعامل بشكلٍ فاعل مع التحديات التي يفرضها العالم الذي أضحت تسيطر عليه الآلات:
1. حل المشكلات المعقدة:
طُرِح مرَّةً السؤال الآتي عبر موقع كوورا (Quora): "ما العمل الذي سيظَلُّ البشر يجيدونه أكثر من الآلات؟".
قدَّم بليك سينفتنر (Blake Senftner)، الموظف الذي يعمل في إحدى الشركات المُختصَّة بتقنية التعرف إلى الوجوه والتي تتعامل مع الذكاء الاصطناعي، إجابةً بدَت منطقيةً، وهي:
"يحل الذكاء الاصطناعي المشكلات بالاعتماد على الفرضيات السابقة؛ فيُطبِّق كل ما تعلَّمه في الماضي على المهام التي يؤديها، ولكن حينما يتعلق الأمر بالمتغيرات الجديدة المجهولة، سيجد الذكاء الاصطناعي نفسه خلف البشر".
لكن ما الذي يجعل البشر مختلفين؟ يُعَدُّ البشر أفضل حينما يتعلق الأمر بالوعي الذاتي؛ إذ بينما يستطيع البشر بكل سهولة حل المشكلات حتى وهُم يغالبون النعاس، حيث يمكِن أن يستغرق الذكاء الاصطناعي وقتاً غير محدد في تحليل ملايين السيناريوهات المجهولة قبل تقديم أي حل.
الذي يستطيع البشر أن يفعلوه للتألُّق في المستقبل الذي من المُنتظَر أن يكون الاعتماد فيه على الآلات هو تعزيز فهمهم لحل المشكلات بأسلوب إبداعي، وهذا وحده كفيلٌ بمنح البشر الأفضلية على الآلات.
في مقالةٍ مميزة كتبها الكاتب وعالم النفس الأمريكي نيد هيرمان (Ned Herrmann)، يذكر نيد أنَّ الإنسان حينما يكون مسترخياً وعقله يَنعُم بالسلام فإنَّه يستطيع التوصُّل إلى أفكار جديدة تَحُلُّ أعقد المشكلات، ويقول نيد في مقالته: "يتوصَّل الأشخاص الذين يقودون سياراتهم كثيراً على الطرق السريعة إلى أفكار مميزة في تلك الفترات التي يشعرون فيها بالسكينة، ويشعر الأشخاص الذين يمارسون الجري في الهواء الطلق بحالةٍ من الاسترخاء الذهني تجعلهم أقدر على التفكير، كما يمكِن أن يَحدث هذا أيضاً في أثناء الاستحمام، أو الحلاقة، أو تسريح الشعر، فإنَّها حالةٌ يتحول فيها تنفيذ المهام إلى عملٍ آلي تستطيع معه أن تؤديها دون تفكير".
2. التفكير النقدي:
لدى البشر القدرة على التمعُّن في الأمور وتطبيق التفكير المُنضبط لفهم آليات العمل وما الذي يمكِن عمله للتوصُّل إلى طرائق جديدة لحل مشكلات العصر الحديث، فتخيَّل أن تسكب كأس ماء؛ ستكون النتيجة خروج الماء منه. يستنتج البشر ما يمكِن أن يَحدث حتى لو لم يُجرِّبوا ذلك من قبل.
لكن إذا طبَّقتَ السيناريو نفسه على الكمبيوتر؛ فقد تكون النتيجة كارثية، لأنَّ الآلات - عكس البشر - تحتاج إلى مواصفات المواد المُستخدَمة بدقة، ووفقاً لعالم الكمبيوتر إيرنست ديفز (Ernest Davis)، تحتاج الآلات إلى الخصائص الفيزيائية للكأس، وشكله، والقوة التي طُبِّقت عليه، والخصائص الفيزيائية لمحتواه، وفي المقابل، لا يحتاج البشر إلى أي نوع كهذا من المعلومات، حيث يستطيع أي شخصٍ أن يفعل ذلك بكوب قهوةٍ بلا غطاء.
3. الإبداع:
يقول ديف كينغ (Dave King) مؤسِّس شركة موف 37 (Move 37): "الفن هو أحد آخر الجوانب التي لا يزال يُنظَر فيها بتفاؤلٍ إلى إمكانية عمل البشر والآلات معاً".
في إمكان الآلات بكل تأكيد تقليد أسلوب فنانٍ مشهور، لكنَّ صناعة عملٍ مميزٍ تماماً يحرك عواطف البشر هو مهارةٌ لا يؤديها إلَّا البشر، فالإبداع هو اجتماع المعلومات القديمة مع مواقف جديدةٍ لم تخطر على بالٍ قَطُّ. لهذا السبب يجد الناس تأليف كتاب يحرك مشاعر القُرَّاء أو رسم لوحة تخطف اهتمام مرتادي المتاحف عملاً صعباً.
في حديثه مع صحيفة الجارديان (Guardian) عبَّر الكاتب ميشيل أوسبورني (Michael Osbourne) عن رأيه قائلاً: "يتَّبِع الذكاء الاصطناعي قواعد صارمة وتعليماتٍ صريحة، وهذا يُعَدُّ منافياً تماماً للإبداع"؛ لذا إذا كنتَ ترغب في متابعة عملك مستقبلاً؛ فإنَّ أفضل نهجٍ تتبعه هو تطوير حِسِّك الإبداعي.
4. إدارة الأشخاص:
لقد أثار المساعد الشخصي الذكي جوجل أسيستانت (Google Assistant) كثيراً من الضجة؛ فقد مدحه الجميع وأحبُّوه، ولكن هل تعتقد حقَّاً أنَّك إذا طرحتَ مشكلةً على جوجل أسيستانت فإنَّه سيتعاطف معك ويعاملك بلطف؟
من غير المُحتمَل أن يَحدث هذا؛ فإذا كانت الآلات لا تفهم العواطف، فكيف ستنجح في إدارة الناس؟ فحتى ألطف الرجال الآليين لا يستطيعون التعبير عن التعاطف، وتنظيم العمل الجماعي، وإظهار حس الدعابة مثلما يفعل ذلك البشر، فكيف يديرون الناس؟
البشر وحدهم قادرون على فهم المشكلات التي يعانيها البشر الآخرون واستيعابها، والآلات لن تستطيع أبداً فهم النوايا، والعواطف، وأخلاقيات العمل التي يتَّبعها البشر. يكفي أن تقرأ بعض الكتب التي تتحدث عن إدارة الناس، وستكون مستعدَّاً لممارسة الإدارة.
5. التفاوض:
ينقسم التفاوض مع الناس إلى شقَّين؛ شقٍّ منطقي، وشقٍّ لغوي، فبعد فهم المشكلة، نصوغ كلاماً مرتَّباً للتفاوض مع شخصٍ آخر، حيث يُعَدُّ التفاوض عملاً مرتبطاً باللغة والتفكير في الوقت نفسه، ويجب أن يُعبَّر عن النوايا فيه بالكلمات؛ إذ تحتوي الحوارات التي تجري في أثناء التفاوض عناصر توافقيَّةً وخلافية، وتحتاج إلى مناقشة وضع خطط طويلة الأمد وصياغتها، واستخدام جُمَل مُعبِّرة لإحراز الأهداف، وفي المقابل تحتاج الآلات إلى أكثر من مجرد رقاقات إلكترونية وذكاءٍ اصطناعي لفهم مشكلات البشر الآخرين وكيفية حلها.
شاهد بالفيديو: 10 نصائح تساعدك على امتلاك مهارات التفاوض
6. المرونة الإدراكية:
تُعَدُّ المرونة الإدراكية من المهارات الأخرى التي يمكِن أن يفوق ذكاء البشر فيها ذكاء الآلات؛ والمرونة الإدراكية هي القدرة على تغيير أسلوب العمل عند الضرورة.
يستطيع البشر أن يجربوا أكثر من طريقة؛ فإذا أخفقَت إحداها انتقلوا إلى أخرى، وفي إمكانهم التواصل مع بشرٍ آخرين للتوصُّل إلى منهجٍ مختلفٍ لحل المشكلة، وفي المقابل، لا تستطيع الآلات التفكير في أي شيءٍ خارج نطاق المعلومات التي زُوِّدت بها؛ لذا إذا مرَّنتَ عقلك باستمرار، وتوصَّلتَ إلى طرائق متنوعةٍ لحل المشكلات؛ فقد سبقتَ الآلات فعلاً.
في النهاية:
تُعَدُّ الآلات رائعةً ويُعَدُّ الذكاء الاصطناعي رائعاً حينما يتعلق الأمر بأتمتة تنفيذ المهام المُكرَّرة؛ إذ في إمكانها أن تفعل ذلك بشكلٍ أسرع من البشر وأكفأ منهم، ولكن حينما يكون ثمَّة عمل يتطلب إبداعاً، أو تفكيراً عميقاً، أو تفاوضاً، أو إدارة أشخاص، ففي إمكان البشر أن يتفوقوا على الآلات ويحافظوا على وظائفهم.
أضف تعليقاً