ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "تايلر تيرفورين" (tyler tervooren) ويحدِّثنا فيه عن كيفية تكوين انطباع أوَّلي مميَّز.
هل قابلت شخصاً ما مرات عدة وقلت لنفسك: "يجب أن أحب هذا الشخص، ولكنَّني لا أحبه"؟ هذا هو الانطباع الأول؛ إذ أثار شيء ما عن الطريقة التي قدَّم بها نفسه لك في اللحظات القليلة الأولى من اللقاء استجابةً سلبيةً في عقلك الباطن، ومهما حاولت، فلن تتمكَّن من التخلُّص منها.
الأمر لا يرتبط بما تقوله، بقدر ما يرتبط بالطريقة التي تقوله بها؛ فأغلب التواصل الذي تجريه مع الأشخاص من حولك يكون غير لفظي؛ أي عبر لغة جسدك، وكثير من الأشخاص لا يملكون أدنى فكرةٍ عن لغة الجسد وكيفية قراءتها في معظم الوقت، ولكن سيتغيَّر ذلك في مقالنا هذا.
كيف يمكن للانطباع الأول أن يغيِّر حياتك؟
أظهرت أبحاث حديثة أنَّه يمكنك تغيير الانطباع الأول، ولكنَّه أمر صعب جداً، ويستغرق وقتاً طويلاً، فعندما تقابل شخصاً ما، فإنَّك تُنشِئ أساساً له داخل عقلك، فإذا كان هذا الأساس سلبياً، تقول: "إنَّ هذا الشخص لئيم"، ومن هذا المُنطلق سترى أنَّه لئيم دائماً، أو على الأقل داخل عقلك، وإذا رأيته مرةً أخرى في حفلةٍ مثلاً، وأدركت أنَّه رجل لطيف بالفعل، فإنَّ عقلك سيسجِّل ذلك، ولكن بدلاً من تغيير الأساس من جذره، يبني دماغك استثناءً له، فتقول: "إنَّ هذا الشخص لطيف في الحفلات فقط، ولكنَّه لئيم في كل مكان آخر"، إذا قابلك ذاك الشخص في يوم سيئٍ، وتبيَّن في الواقع أنَّه رجل جيد، فسيتعيَّن عليك قضاء حياتك في بناء سلسلة من الاستثناءات للأساس الذي وضعته في البداية.
يمكن أن ترى ذلك في حياتك، فقد يسعدك التواجد مع بعض أصدقاء أصدقائك في مواقف معيَّنة، ولكن هناك الكثير من الأصدقاء الآخرين الذين قد تفضِّل عدم رؤيتهم، فإذا اعتقد أصدقاؤك (والذين بنظرك هم رائعون) أنَّ شخصاً ما رائع، فعلى الأرجح ستتَّفق معهم، ولكن الدماغ لا يعمل بهذه الطريقة.
إذا كان في إمكانك التمسُّك بانطباعٍ سيِّئٍ لا داعي له، فيمكنك أيضاً التمسُّك بانطباع آخر جيد، فتعتقد أنَّ شخصاً ما رائع - على الرَّغم من أنَّه قد أظهر مراراً وتكراراً أنَّه عكس ذلك - لمجرَّد أنَّك قد رأيت جانبه الإيجابي في بادئ الأمر.
أنت ترى مدى أهمية ترك انطباعٍ أول جيد، ومهما كان الانطباع الذي تتركه على شخصٍ ما، فسوف تقضي العمر كله في بناء استثناءات للأساس الذي بناه عنك، ولكنَّك لن تغيِّرها أبداً، فلماذا لا تنشئ أساساً رائعاً من البداية؟ وتكون حياتك بذلك أسهل بكثير، والسؤال الأهم هو بالطبع: "كيف تفعل ذلك؟".
مكونات الانطباع الأول الإيجابي:
أُجريَت مئات من الدراسات عن العلاقات الإنسانية وتكوين الانطباعات، فتعقيدات العلم كثيرة، ولكن هناك بعض الأشياء التي اتفقت عليها جميع الأبحاث تقريباً، والتي تبدو طريقةً ناجحةً نوعاً ما لترسيخ انطباع إيجابي عنك في عيون الأشخاص الذين تقابلهم.
ستلاحظ أنَّ كثيراً من تلك الأشياء مرتبط بإظهار ثقة عالية بالنفس، مثل:
1. التواصل البصري القوي (ولكن ليس القوي جداً):
إنَّ عينيك من أكثر الأعضاء قدرة على التعبير التي سيلاحظها الجميع فيك، وأكثر تحديداً، نحن نتحدَّث عن التواصل البصري؛ فالطريقة التي تنظر بها إلى شخص ما عندما تتقابلان ستوصل على الفور معلومات هامة عنك، ووَفقاً للأبحاث، فإنَّ التواصل البصري القوي يعني تواصلاً جيداً.
لقد وجدت 12 دراسة مختلفة أنَّ المرشحين للوظائف الذين أجروا تواصلاً بصرياً قوياً في مقابلة العمل قد تم تقييمهم بدرجة أعلى، وعُرضَت عليهم وظائف مختلفة في كثيرٍ من الأحيان؛ وذلك لأنَّ التواصل البصري يعدُّ علامةً تدلُّ على الثقة بالنفس، وهذا يؤدي إلى الثقة.
لكن يمكن للتواصل البصري أن يكون سلبياً أيضاً؛ إذ يجب عليك أن تنظر في أعين الناس، لا أن تحدِّق فيها؛ إذ يعدُّ التحديق عموماً سلوكاً عدوانياً، وأفضل ما يمكنك فعله هو النظر في عين شخص ما عند تحيَّته، ثمَّ تكرار التواصل البصري بانتظام وخلال فتراتٍ قصيرة وملحوظة، ولا تحاول القيام بالتواصل البصري خلال كامل المحادثة؛ إذ سيكون ذلك غريباً.
2. المصافحة القوية:
وجدت دراسة أُجريَت عن تأثير المصافحة في قابلية التوظيف أنَّ الأشخاص الذين يصافحون بصورة أقوى يُنظر إليهم على أنَّهم مرشحون أكثر ملاءمة لوظيفةٍ ما، وذلك لأنَّهم يتمتعون بثقةٍ أكبر ويكونون جديرين بالثقة أكثر.
لقد حدَّدت دراسة أخرى في "جامعة أوهايو ويسليان" (Ohio Wesleyan University) ثلاثة عوامل تجعل من المصافحة جيدةً:
- قوية: يجب أن تكون المصافحة الجيدة قوية، لكن دون أن تؤلم اليد.
- دافئة: تشير اليد الدافئة إلى الشخصية الدافئة، بينما تشير اليد الباردة إلى الشخصية الباردة، هذا أمر سخيف، لكن هذه هي الطريقة التي تعمل بها أدمغتنا.
- جافة: إنَّ اليد الجافة تعني أنَّك لست متعرقاً؛ ويعني عدم تعرقك أنَّك هادئ، والهدوء يدلُّ على الثقة؛ لذا، قبل أن تصافح يد شخص ما، قم بتدفئة يدك، وتجفيفها على ملابسك.
3. نبرة صوت واثقة:
إليك معلومة مثيرة للاهتمام عن البشر: تتغيَّر نبرة أصواتنا تغيُّراً متوقعاً وَفقاً للمواقف التي نشعر فيها بقوة أو ضعف سلطتنا أمام الشخص الآخر؛ إذاً، ما الذي يجعل نبرة الصوت واثقة؟ تقول الأبحاث إنَّها ينبغي أن تكون منخفضةً قليلاً، وأقل ترنُّماً، وأكثر ديناميكية.
4. ارتداء لباس مماثل للذي يرتديه الآخر:
هنا تُخطئ كثير من النصائح؛ فالنصيحة التي نسمعها عادةً تكون: "ارتدِ ملابساً تُثير الإعجاب"، "ارتدِ أفضل الملابس التي لديك لتترك انطباعاً جيداً"، ولكنَّ الحقيقة ليست كذلك؛ فيمكن أن يمنحك الاختيار الجيد للملابس السلطة (وهو أمر مفيد في كثير من المواقف)، ولكنَّه لن يساعدك بالضرورة على ترك انطباع أول رائع.
إذاً، ما الذي يساعد على ذلك؟ يقول العلم إنَّ الأمر يكمن في اختيار ملابس مماثلة لملابس الشخص الذي تقابله؛ فعندما يتعلَّق الأمر بترك انطباعٍ أول دافئ ومرحَّبٍ به، يودُّ الناس أن يعرفوا أنَّك تُشبههم، لا أن تكون أفضل منهم؛ إذ تكمن واحدةٌ من أسرع الطرائق لمعرفة ذلك في إلقاء نظرة على الملابس التي ترتديها.
شاهد بالفديو: 15 قاعدة بسيطة لكسب احترام الآخرين
5. النظافة الجيدة:
هذا موضع آخر غالباً ما تخطئ فيه النصائح العامة، والتي تطلب منك أن تحافظ على نظافتك دائماً قدر الإمكان؛ إذ إنَّها ليست نصيحة سيئة، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّ أهمية النظافة للحصول على انطباع جيد تعتمد على الموقف.
إليكم ما نعلمه:
- من المهم أن تُحافظ على منزلك نظيفاً؛ إذ يُنظر إلى الأشخاص الذين لديهم منازل نظيفة على أنَّهم أكثر قبولاً وذكاءً.
- يمكنك أن تكون مهملاً بعض الشيء، لكن فقط إذا كنت تتحدث ببلاغة.
- نظافة الفم أمر في بالغ الأهمية، خاصة إذا كنت تتحدث مع الجنس الآخر.
وتكمن أفضل نصيحة في أن تحافظ على نظافتك - لا سيَّما نظافة فمك ومنزلك إذا كنت تستقبل ضيوفاً - ولكن قد يتسامح معك الآخرون إذا حقَّقت النقاط الأخرى جيداً.
6. وضعية الجسد المنفتحة:
تؤدي الطريقة التي تقف بها دوراً في كيفية تصور الناس لك؛ إذ وجد الباحثون في "جامعة تكساس" (University of Texas) أنَّه يمكن للناس أن يخمِّنوا بدقة تسع سمات شخصية مختلفة عنك فقط من خلال وضعية جسدك؛ إذ إنَّ الوقوف في وضعيةٍ منفتحةٍ ومسترخية - أي الذقن للأعلى والذراعين إلى جانبيك والظهر مستقيم - يشير إلى أنَّك شخص دافئ وودود.
وعندما تنحني أو تجعل نفسك تبدو صغيراً، فإنَّك تدعو العقل الباطن للشخص الذي تقابله للتساؤل عمَّا إذا كنت تفتقر إلى الثقة أو أنَّ لديك ما تخفيه؛ فإذا كنت معتاداً على مصالبة ذراعيك أو الانحناء، فإنَّ الطريقة السريعة للتحقق من نفسك تكمن في التركيز على أخذ أنفاس عميقة إلى داخل معدتك؛ إذ ستتمدَّد معدتك تمدُّداً مريحاً عندما تقف منتصباً ومنفتحاً؛ فإذا لاحظت أي إزعاج، أو أنَّ معدتك تضرب بذراعيك في أثناء التنفس، فهذه إشارة إلى أنَّه يجب أن تقوِّم نفسك.
الخلاصة:
لديك الآن ستة من أكثر الخصائص المدروسة لترك انطباع أولي إيجابي، فربما تتساءل: "لكن كيف يُفترَض بي أن أتذكَّر كل هذا في كل مرة أقابل فيها شخصاً ما؟"؛ أنت لست مضطراً إلى تذكُّر ذلك كثيراً، وإذا ركَّزت على الأمر جيداً، وأبقيته في ذهنك لمدة أسبوع، فستبدأ في استيعاب عديد من هذه الإجراءات.
إذ تظهر الانطباعات الأولى على الفور تقريباً، وتستمر مدى الحياة، ولكن يمكنك تغييرها ببطء، ولتكوين أفضل انطباع أول في أي موقف تقريباً، يجب عليك:
- أن تقوم بالتواصل البصري، لكن دون أن تحدق.
- تصافح بيدٍ متينة ودافئة وجافة.
- تجعل صوتك أكثر موثوقية.
- ترتدي ملابس شبيهة بالشخص الذي تقابله.
- تحافظ على نظافة نفسك وخاصةً أسنانك.
- تقف منتصباً بوضعيةٍ منفتحة.
أضف تعليقاً