5 نصائح لإدارة وقتك بشكل فعَّال

خلق الله الدنيا وقسَّم كل شيء فيها بمقدار بين مخلوقاته، فعلى صعيد الإنسان يوجد الفقير والغني، ويوجد الأبيض والأسود، والطويل والقصير وكلها تباينات مختلفة بين البشر سواء على مستوى الأرزاق أم على مستوى الألوان أم على مستوى الإمكانات، إلَّا أنَّ عدالة الله تقتضي أن يمنح الإنسان فرصاً متساوية بشكل تام؛ إذ يحصل كل فرد من بني البشر على ذات الفرصة؛ بل تُترك له حرية التعامل مع هذه الفرصة، ولعلَّ السؤال الذي يخطر في البال الآن ما هي تلك الفرصة المتساوية التي يحصل عليها كل إنسان على وجه البسيطة؟



إنَّه الوقت؛ إذ إنَّ كل الناس يملكون 24 ساعة في اليوم فالذكي والغبي والفقير والغني وسكان آسيا وإفريقيا وأوروبا يملكون مقداراً واحداً من الوقت دون زيادة أو نقصان، وإنَّ حسن استغلال الوقت هو واحد من أهم مقاييس تقدُّم الأمم والحضارات.

لقد غفلنا كثيراً عن هذا المفهوم لدرجة أنَّنا لم نَعُد نعير اهتماماً إلى عدد الساعات التي تمر في اليوم؛ هل كانت مفيدة أم لا؟ ومع هذا الإهمال الشديد الذي بلغ ذروته في عالمنا العربي بشكل عام بدأت مشكلات الإنسان بالظهور والتفاقُم شيئاً فشيئاً، ولعلَّ أكثر مشكلات الإنسان الذي لا يعرف قيمة الوقت ولا يحسن استثماره تتمثل فيما يأتي:

  • مشاعر القلق والتوتر التي ترافق الإنسان.
  • تراكم الأعمال.
  • سوء العلاقات مع الآخرين.

وقفة تأمُّل:

لنكُن صادقين مع أنفسنا عند الإجابة عن الأسئلة الآتية:

  1. كم مرة كنتَ قلقاً ومتوتراً نتيجة عدم التزامك بإيفاء وعودك من أجل إتمام مهامك سواء على مستوى العمل أم العائلة أم العلاقات مع الآخرين؟
  2. كم مرة اضطررت إلى بذل مجهودات إضافية زائدة فقط من أجل مجموعة التراكمات الموجودة لديك، سواء على مستوى العمل أم العائلة أم العلاقات؟
  3. كم مشكلة واجهتها خلال حياتك سواء كنت في العمل أم مشكلات مع العائلة أم الأصدقاء من جراء عدم امتلاكك الوقت الكافي للوفاء بالتزاماتك تجاه كل ما سبق؟

قد تقول في إجاباتك: نعم بالفعل أنا لا أملك وقتاً، ولديَّ كم كبير من الأعمال ولا أستطيع أن أُلبي كل المتطلبات، وكثيراً ما نسمع عبارات متشابهة مثل: "لا وقت لدي"، "مضغوط جداً"، "لا أشعر بنفسي إلَّا وأنا أعمل"، "أكاد لا أرتاح"، "مضغوط لدرجة أنَّني أعمل من الصباح حتى المساء".

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه اللحظة: هل الجميع حالتهم مثل حالتك؟ هل جميع الناس يعانون مما تعاني منه أنت؟

الجواب قطعاً لا، وإن كانت الغالبية تعاني ذات معانتك، لكن ما هو سِرُّ أولئك الذين لا يعانون من ضغوطات الوقت، وتراهم يؤدون كل مهامهم على أتمِّ وجه؛ إنَّ سرهم ونجاحهم يكمن في أمرٍ واحدٍ فقط وهو إدارة الوقت، وحسن استثماره، وتوظيف ساعات يومهم بما يخدم مصلحتهم العليا ويحقق أهدافهم التي يبغون الوصول إليها.

إقرأ أيضاً: النجاح في إدارة الوقت: 8 خطوات كفيلة بإدارة وقتك والتخلّص من التسويف

ما هو مفهوم إدارة الوقت؟

على كل فرد منَّا أن يعلم علم اليقين أنَّ إدارة الوقت هي عبارة عن مهارة تُكتَسَب من خلال التدريب، فلا يوجد إنسان يُولَد ولديه موهبة في إدارة وقته؛ إنَّما تُكتَسَب هذه المهارة من خلال تعلُّمها، ويُقصد بهذا المفهوم هو تنظيم الوقت سعياً إلى تحقيق الفوائد الكبيرة وتجنُّب مخاطر إهدار الوقت.

وإنَّ أولى خطوات تنظيم الوقت تكمن في إعطاء الوقت المتمثِّل في عدد ساعات اليوم قيمة كبيرة في نفس الإنسان؛ إذ إنَّ تعظيم الوقت كقيمة ثمينة يمهِّد لمعرفة الإنسان كيف يتعامل مع هذا الشيء الثمين الذي يؤسِّس لسعادته في هذه الدنيا، والذي يُكسبه التميُّز على جميع أصعدة الحياة سواء العلمية أم الاقتصادية أم الاجتماعية.

شاهد بالفيديو: 6 أسرار لإتقان إدارة الوقت

أمثلة وحكم عن حسن إدارة الوقت:

قبل أن نغوص أكثر في التفاصيل يمكننا التوقُّف قليلاً من أجل التعرُّف إلى فوائد إدارة الوقت من خلال أمثلة واقعية نشاهدها كل يوم في حياتنا، فعلى سبيل المثال لو سألنا طالباً متفوقاً عن سر تفوقه العلمي، لكان أول جواب يرد به علينا هو تنظيم الوقت، وجوابه هذا يأتي قبل أن يقول إنَّه درسَ جيداً؛ إذ إنَّ حسن تنظيم الوقت هو الذي يُمهِّد نحو دراسة فعَّالة.

ولو سألنا موظفاً يرتقي في سلَّمه الوظيفي عن سر ترقيته، سيكون جوابه هو الإخلاص في العمل والاجتهاد، وكيف يمكن للإخلاص أن يكون دون تنظيم للوقت ودون حسن إدارة ساعات العمل، وكثيرة هي الأمثلة التي نحاكيها واقعاً في حياتنا اليومية.

من الهام أيضاً أن نعرف أنَّ الدول المُتقدِّمة قد أعطت الوقت قيمة كبيرة جداً، ويمكننا أن نستعرض معاً مجموعة من الأقوال والحكم عن أهمية الوقت وأهمية تقدير هذه الجوهرة الثمينة الموجودة لدينا:

يقول جون كينيدي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية: "علينا استخدام الوقت كأداة وليس كعكاز"، ويقول ديل كارنجي: "أسأل نفسك بانتظام ما هو الاستخدام الأمثل لوقتي في هذه اللحظة؟ ولا تقتل الوقت أو تهدره".

كثيرة هي الحكم والأقوال التي تؤكِّد أهمية تنظيم الوقت وحسن استثماره، والتي لو التزمنا بها، لحققنا النجاحات العظيمة على مستوى الأفراد والمجتمع ككل.

وصفة النجاح:

بعد الاطلاع على كل ما سبق، قد يتبادر إلى ذهنك سؤال عن كيفية امتلاك آلية يعمل عليها المرء من أجل اكتساب مهارة إدارة الوقت من أجل تعلُّم هذه المهارة وتطبيقها على واقع الحياة اليومية، وهذا أمر يسير لمَن أراد ذلك، ولكي تحقق ما تريد نقدِّم لك في هذا المقال وصفة سحرية تتضمَّن مجموعة من البنود التي يؤدي تطبيقها إلى اكتساب المرء مهارة إدارة الوقت، وبنود الوصفة هي:

أولاً: تحديد الأولويات ووضع أهداف واضحة المعالم

لفهم هذا الأمر لنطَّلع معاً على المثال الآتي: ماذا لو أردتَ أن تبني منزلاً لك، وتريده بيت أحلامك الذي طالما نظرت إليه في خيالك وتأمَّلت تفاصيله؟ بكل تأكيد ما إن تبدأ اللحظة الحقيقية والواقعية ستعمل على جلب أفضل مهندسي البناء من أجل وضع المُخطط الذي تريد، وبكل تأكيد ستهتم بكل التفاصيل وتحدِّد أفضل الأولويات، وستراعي اتجاهات الشمس واتجاه الرياح، وستعمل على تحديد قياسات كل غرفة من غرفه، وستعمل على تحديد ألوان الطلاء وغيرها من التفاصيل؛ إذ كلٌّ له أولويته الخاصة وهدفه المحدد، وكل ذلك في سبيل أن يكون منزلك على أرض الواقع كما هو في أحلامك.

السؤال الأهم: لماذا لا نعكس هذا الاهتمام على كل تفاصيل حياتنا من حيث تحديد أولوياتنا، ووضع أهدافنا الواضحة التي نريد تحقيقها، ووضع الخطط التي تساعدنا على السير نحو تلك الأهداف؟

إنَّ كلَّ فردٍ منا ما إن يعرف كيف يحدد أولوياته وكيف يضع أهدافه، سيعرف كيف يدير وقته ويستثمر ساعات يومه بشكلٍ فعَّال وصولاً إلى الأهداف المُراد تحقيقها.

إقرأ أيضاً: أفضل 5 تطبيقات لإدارة الوقت والمهام

ثانياً: البدء بالأهم

إنَّ تطوُّر الحياة الحالية وسرعتها هي عوامل فرضت على كل إنسان فينا مجموعة من القيود التي تكبِّل حركتنا، فترى الفرد منا لا يكاد ينهي المهمة الأولى حتى تعاجله المهمة الثانية، وهكذا يوماً بعد يوم تستنزف المهام العشوائية طاقة المرء؛ فماذا لو أدرك كل فرد منَّا أولوياته وبدأ تنفيذ مهماته بدءاً بالأهم؟ بكل تأكيد سيتغيَّر كل شيء؛ وذلك لأنَّ الإنسان بهذه الطريقة وبمجرد أن يحدِّد أهمية مهام حياته وأهدافها سواء كانت قصيرة أم متوسطة أم طويلة الأجل، فإنَّه سيعرف كيف يوزِّع وقته بشكل فعَّال من أجل تحقيق ما يريد وفق جدول زمني خاص به يضعه بما يلبي طموحاته، ويحقق أهدافه ويرضي شغفه.

ثالثاً: تفويض المهام إلى الآخرين

الإنسان كائن اجتماعي لا يمكن أن يعيش منعزلاً عن الآخرين، فالكل بحاجة إلى الكل، وإنَّ واحداً من أهم أساليب استغلال الوقت وحسن إدارته يكون من خلال التعاون مع الآخرين على تنفيذ المهام المختلفة، وهذا ما نسميه اصطلاحاً تفويض المهمات للآخرين، فعلى سبيل المثال لا يمكن لموظف واحد أن ينجز كل المهمات الموجودة في عمله دون وجود تعاون مع زملائه الآخرين وتفويض مهامه للآخرين، وكذلك على مستوى العائلة؛ فدون وجود تعاون وتفويض للمهام بين الزوجين لن تتمكن العائلة من إنجاز مهامها العائلية، وستجد أنَّهما مضغوطان دوماً من ناحية الوقت.

شاهد بالفيديو: 8 علامات تشير إلى أنَّك لا تدير وقتك بشكل فعّال

رابعاً: تعلُّم قول "لا" لكل ما يشتتك

قد تطرح سؤالاً هل توجد كلمة "لا" فعَّالة وأخرى غير فعَّالة؟ وهل يمكن أن يتعلَّم المرء أن يقول كلمة لا؟ وما هي علاقة قول كلمة "لا" بحسن إدارة الوقت؟

قد تكون العادة أن نقول كلمة "نعم" بدلاً من كلمة "لا" سواء على مستوى العمل أم العائلة حتى الأصدقاء، وكل كلمة "نعم" يقولها المرء دون إدراك، سيكون مقابلها عبء جديد عليه؛ وذلك لأنَّه مع تراكم كلمات "نعم" التي يقولها، لن يتبقى لديه وقت للقيام بما يريد؛ بل سيكون خاضعاً فقط إلى طلبات وأوامر الآخرين، وهنا تحديداً تأتي أهمية قول كلمة "لا" التي تُوقِف الجميع عند حدِّهم لكي ينظر المرء إلى نفسه وإلى موقع قدميه وإلى الأرض التي يقف عليها.

كلمة "لا" التي تجعله ينتبه إلى وقته المهدور هباءً دون فائدة، فلا يقبل أن يُهدَر وقته إلَّا بما هو مناسب له ويحقق أهدافه التي يطمح إلى الوصول إليها، فلا للمهام الزائدة في العمل التي تستنزف الطاقة، ولا للخروج مع الأصدقاء دون موعد مُخطَّط له، ولا لكل ما هو طارئ على الحياة وليست له أهمية.

خامساً: امتلاك مرونة تقبُّل العقبات والتعامُل معها

هل سمعت يوماً من الأيام عن إنسان لم يُخطئ أبداً خلال حياته؟ بكل تأكيد الجواب "لا"، فكل إنسان خطَّاء إلَّا أنَّه ليس كل إنسان يتحمَّل مسؤولية أخطائه، وإنَّ إحدى أهم ركائز إدارة الوقت هي أن يتحمَّل الإنسان مسؤولياته تحملاً كاملاً؛ وذلك لأنَّ تحمُّل المسؤولية يجعل المرء حذراً من خيبات المستقبل، فيضع التوقعات المُسبقة، ويضع الخطط البديلة، ويوزِّع استخدامات الوقت؛ إذ يُخصِّص جزءاً من وقته للطوارئ، وبهذه الطريقة يكون المرء مرناً في توقُّع العقبات وتقبُّلها والتعامل معها دون إهدار وقت غير مُحتَسب لها.

إقرأ أيضاً: 12 خطأ في إدارة الوقت تؤدي إلى الفشل

في الختام: خذ قرارك الآن

الآن وقبل أن تتَّخذ قرارك النهائي دعني أذكِّرك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعظ أحدهم: "اغتنِمْ خمساً قبل خمسٍ: شبابَك قبل هِرَمِك، وصِحَّتَك قبل سِقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك".

لو تأملنا قليلاً في جوهر هذا الحديث، لوجدنا فيه لبَّ إدارة الوقت وجوهر هذه المهارة، فلا يمكن لأي مرء منا أن يغتنم شبابه وصحته، وأن يستثمر ماله، ويملأ فراغه، ويحقق أهدف حياته دون وجود حُسن إدارة للوقت بطريقة تجعل كل ما سبق حقيقة قائمة لا وهماً أو خيالاً.

أنا واثق من أنَّك قد شحذت همتك نحو أن تستفيد من كل ثانية من وقتك في سبيل تحقيق هدف، وليكُن شعارك منذ الآن هو: "لم يخلق الله العالم بحالة من الفوضى، ولا أريد أن أكون أنا الفوضى فيه".




مقالات مرتبطة