5 فوائد سوف تجنيها عندما تتقبَّل الوحدة

"في الليلة الماضية، ارتديتُ ملابسي الأنيقة في انتظار التقاء شخصٍ تعرَّفتُ إليه من خلال الإنترنت، ولكنَّه لم يحضر قط؛ إذ جعلني ذلك أشعر بأنَّني قبيحة وغير جديرة بالمحبة، ظننتُ أنَّه ربما رآني من بعيد وهرب، وراودتني كثير من الأفكار السلبية، لكن عندما غادرت المطعم وحدي، سمعتُ فتاةً صغيرة تسأل والدتها ما إذا كنتُ أميرة، فإنَّ سماع ذلك غيَّر من رأيي وجعلني أبتسم حقاً، قرَّرت أن أسلك الطريق الطويل عائدةً إلى المنزل، وأستمتع بالهواء النقي، والعزلة الهادئة، وضوء القمر المتلألئ من الرصيف، وأدركت أنَّ الوحدة هي ما أحتاج إليه حالياً بالضبط".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "مارك كِرنوف" (Marc Chernoff)، ويُحدِّثنا فيه عن فوائد الوحدة.

هذه بعض السطور من رسالة تلقيتها هذا الصباح من "ديان" (Diane)، وهي إحدى المتدرِّبات لدينا؛ إذ إنَّ مشاعر الوحدة التي شعرت بها، ومن ثمَّ تقبُّلها لهذه الوحدة، هي مصدر إلهام وتذكير هام لنا جميعاً بأنَّنا نحتاج إلى الوحدة أحياناً، سواء أدركنا ذلك أم لا، ولكنَّ معظم الناس في هذا العالم يكرهون الوحدة، وربما نكرهها جميعنا في مرحلةٍ ما أو أخرى.

إذ نخشى أن نكون بلا أصدقاء أو أسرة أو شريك، ونشعر بالقلق من السفر وحدنا إلى أماكن غريبة دون أن يمسك أحد بأيدينا، ونخشى مواجهة الحياة دون كتف نتَّكئ عليها ظنَّاً بأنَّنا لسنا أقوياء بما فيه الكفاية.

إنَّ رفضنا للوحدة هو أمرٌ طبيعي تماماً، لقد شعرنا جميعاً بذلك في أعماقنا، كلٌّ منَّا بطريقته الخاصة، مع أنَّنا كثيراً ما نحاول جاهدين تجاهله وإنكاره، وهذا أحد أكبر أسباب التوتر الذي نشعر به.

لكي نتجنَّب الوحدة، سوف نتواصل مع الناس طوال الوقت، عبر الإنترنت وفي الواقع، وقد نتزوَّج حتى شخصاً غير مناسب لنا، لمجرد أن نمتلك شخصاً نتعلَّق به ويملأ الفراغ في حياتنا، وقد نشاهد التلفاز لساعات طويلة، أو نلجأ للوجبات السريعة، أو نشتري أغراضاً لا نحتاج إليها؛ لأنَّ هذه الأشياء تعوضنا عن الحب، وخاصةً حب الذات.

لكن هل يمكننا قلب الأمور؟ يكمن السر في الوعي والقبول.

علينا أن نتقبَّل الوحدة بصفتها مصدر قوةٍ لنا، فجميعنا نرى العزلة سجنا قاتماً، ولكنَّها قد تكون العكس تماماً؛ إذ يمكن أن نعدَّ العزلة فرصةً للتحرر والنمو واكتشاف الحياة من حولنا، وفرصةً لاستكشاف ومحبة أنفسنا بعمق.

لقد تعلَّمت ذلك مثل معظم الناس بعد كثير من المعاناة، فلسنوات عديدة كنت أخشى أن أكون وحدي، لكنَّني تقبَّلت عزلتي العاطفية تدريجياً، والآن أحبها تماماً، فكلما استكشفت إحساسي بالوحدة والشك، أدركت مدى أهمية هذه المشاعر؛ إذ إنَّه لأمر جيد لنا أن نقضي الوقت في استكشاف المجهول بأنفسنا؛ لأنَّه يمنحنا فرصة لاكتشاف هويتنا الحقيقية والمعنى الحقيقي للحياة.

إذاً؛ لا داعي للخوف من الوحدة، فالعزلة جميلةٌ جداً، وإليك بعض الفوائد التي ستجنيها عندما تتقبَّل ذلك:

1. اكتساب القوة التي تحتاج إليها والتي لم تعلم أنَّك تمتلكها:

كلما أخبرت أحد عملاء الكوتشينغ أنَّه يحتاج إلى تقبُّل الوحدة، فعادةً ما يقول لي:

"لكن ألا تعتقد أنَّ الوحدة مخيفة؛ أي أن تعيش حياتك وحدك، ولست واثقاً بأي شيء؟".

بالتأكيد، قد يكون الأمر مخيفاً جداً؛ لذا يجب أن تتقبَّله، فأحياناً تكون الأشياء المخيفة هي الأشياء الصحيحة التي ينبغي لنا القيام بها، وأحياناً تكون الظروف غير المرغوبة هي التي نحتاج إليها لكي نتطوَّر؛ إذ إنَّ تقبُّل هذا الأمر قد يكون مؤلماً في البداية، ولكن لا شيء مؤلمٌ أكثر من عيش حياة لا تناسبك، لمجرد أنَّك خائف جداً من المشي وحيداً لفترة من الوقت.

فمن الأفضل دائماً أن تتعلَّم الوقوف على قدميك، بدلاً من انتظار أن يحملك شخصٌ طوال حياتك، وبمجرد أن تصبح معتمداً على ذاتك كلياً، فإنَّ الاعتماد على شخص آخر من وقت لآخر لن يعود نقطة ضعف.

إن لم تعرف كيف تدير أموالك، فابدأ بتثقيف نفسك فيما يتعلق بالموضوع، اقرأ كتاباً عن إدارة الأموال، فصلاً تلو الآخر، وعلِّم نفسك مهارات إدارة الحياة، واحدةً تلو الأخرى حتى تحقِّق الاكتفاء الذاتي تدريجياً، وإن لم تستطع الدفاع عن نفسك، تعلَّم كيفية تجنُّب المواقف الخطرة، وكيف تتعرَّف إلى محيطك، إضافةً إلى أساسيات الدفاع عن النفس، وستشعر بمزيد من الثقة في أثناء المشي وحدك مع مرور كل يوم.

فبصرف النظر عن المهارات التي تحاول تطويرها، فإنَّ المفتاح هو اتخاذ خطوات صغيرة ثابتة في الاتجاه الصحيح، يوماً بعد يوم، فإنَّ خوض الحياة وحدك هو عمليةٌ تعليمية تجعلك أقوى كلما تقدمت؛ إنَّها كالطفل الذي يضل طريقه إلى المنزل عندما يكون وحده، سوف يكون الأمر صعباً ومخيفاً في المرات القليلة الأولى، ولكنَّ التعلُّم على هذا النحو سيجعله أقوى وأفضل حالاً على الأمد الطويل.

شاهد بالفديو: ما هو علاج العزلة الاجتماعية؟

2. تقوية علاقاتك:

إنَّ تقبُّل الوحدة لا يعني أبداً أنَّك لن تستطيع أن تكون في علاقة، لكن إذا لم تكن تتقبَّل الوحدة، وإذا كنت تحتاج إلى شخص آخر يُلبي كل احتياجاتك، فلن تكون مرتاحاً في علاقاتك أيضاً.

لماذا؟ لأنَّ هذه العلاقة ستَّتسم بالاعتمادية المتبادلة، فعندما تقتصر أفعالك وأفكارك على شخص آخر مع التجاهل الكامل لشخصيتك الفريدة، سوف تصبح معتمداً على ذلك الشخص، أمَّا عندما تظن أنَّ الطرف الآخر دائماً مدين لك بشيء، فإنَّك تعد ولاءه لك حقاً واجباً، وكلا النوعين من العلاقات سامٌ جداً، فما تحتاج إلى تذكره هو أنَّ العلاقة السليمة لا تقيدك أبداً، ولا تحاول تغييرك، ولا تجعلك مديناً لأي أحد أو أي شيء.

يشعر الناس خطأً في بعض الأحيان أنَّهم يستحقون شيئاً، أو أنَّ الآخرين مدينون لهم دائماً بناءً على الدور الاجتماعي الذي اختاروه، على سبيل المثال، قد يشعر صديقك أنَّه يحق له الحصول على خدماتٍ معيَّنة منك لمجرد أنَّه صديقك، وقد يشعر الوالدان أنَّهما يستحقان حب أطفالهما مهما حدث، وقد يشعر الزبون بأنَّه يحق له الحصول على كل احتياجاته مهما كانت غير واقعية.

لكن لا توجد استحقاقات راسخة في الحياة، وهذا ينطبق خاصة على الحب في العلاقات السليمة؛ إذ نفرض في كثير من الأحيان على الطرف الآخر القيود بدافع الحب؛ فنظن أنَّه سوف يتغير، أو سوف يفعل أي شيءٍ نطلبه لأنَّه يحبنا، ولكنَّ هذا ليس حباً حقيقياً وسليماً أبداً؛ بل هو تربةٌ خصبة للاعتمادية، فما نحتاج إليه بدلاً من ذلك هو تحقيق الاكتفاء الذاتي والاعتماد على أنفسنا.

كما قال "جيم رون" (Jim Rohn) ذات مرة: "إنَّ نموك الشخصي هو أعظم هدية يمكن أن تقدِّمها لأحد، لا تعتنِ بشخصٍ لأنَّه يعتني بك؛ بل اعتنِ بنفسك من أجله، كي يعتني بنفسه من أجلك".

إقرأ أيضاً: 10 أسئلة مفيدة تساعدك على تقوية علاقاتك

3. تعلُّم المعنى الحقيقي للوحدة:

ليس بالضرورة أن تشعر بالوحدة عندما تكون وحيداً؛ بل يمكن للمرء أن يشعر بالوحدة في وجود الآخرين حتى، وهذه هي المشكلة الحقيقية؛ لذا تذكَّر ذلك دائماً، واختر علاقاتك بحكمة، فمن الأفضل أن تبقى وحيداً على أن تكون في رفقة أشخاصٍ سيئين، وعندما تقرِّر العودة لشخص ما، افعل ذلك لأنَّ حياتك أفضل برفقة هذا الشخص، وليس خوفاً من الوحدة فقط.

4. اتخاذ قراراتٍ أفضل وحدك:

لا تحتاج إلى أن يدعم كل شخصٍ تحبه قراراتك، لكن قد يكون من الصعب تقبُّل هذه الحقيقة عندما تكون محاطاً بالآخرين طوال الوقت؛ فلن يدعم الأصدقاء والعائلة دائماً أهدافك، لكن عليك السعي وراءها على أي حال، فاتَّبع حدسك، وعندها سوف تتصرف بناءً على ما تظنُّ أنَّه صحيح، حتى لو لم يبدُ مناسباً للآخرين، فستعرف النتيجة مع الوقت، ولكنَّ غريزتنا البشرية نادراً ما تُخطِئ حتى لو لم تسر الأمور كما توقَّعت، فستتعلَّم على الأقل ما تحتاج إلى تعلُّمه، ولن تقضي بقية حياتك متحسِّراً على الفرص الضائعة.

ستعلم في النهاية أنَّ حياتك تسير في الاتجاه الصحيح عندما تفقد الاهتمام بالماضي، وتتطلَّع إلى الخطوة التالية، بصرف النظر عما يظنُّه الآخرون.

شاهد بالفديو: نصائح للتخلّص من التردد في اتخاذ القرارات

5. عيش حياة أعمق:

أحد أصعب التحديات التي نواجهها هو تقبُّل ذواتنا وعيش اللحظة الحالية بصرف النظر عمَّا يحدث حولنا، ففي كثير من الأحيان، نشغل أنفسنا دون داع بالطعام، والتسوق، ومشاهدة التلفاز، وقراءة الأخبار، ولعب ألعاب الفيديو، وتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، وبأي شيء يمنعنا من عيش اللحظة الحالية بالكامل.

إنَّنا ندمن العمل والتمارين وغيرها للهروب من أنفسنا ومن واقع حياتنا؛ إذ سيبذل كثير منَّا قصارى جهده لتجنب الشعور بالوحدة؛ لذلك قد نقبل صحبة أي شخص لتجنب الشعور بالعزلة؛ وذلك لأنَّ الوحدة تضعنا وجهاً لوجه مع مشاعرنا الحقيقية، مشاعر الخوف والقلق والحماسة والشك والغضب والفرح والاستياء وخيبة الأمل والترقب والحزن وغيرها الكثير، وسواء كانت مشاعرنا إيجابيةً أم سلبية، فهي متعبة ومرهقة؛ ولذلك نفضل تخدير أنفسنا.

إنَّنا مدمنون على تجنُّب أنفسنا، والاعتراف بهذا الإدمان هو الخطوة الأولى للشفاء منه؛ لذا تنفَّس وحيداً، ولاحظ بفضول ودون إصدار أحكام كل التفاصيل الصغيرة التي تجعلك متصالحاً مع ذاتك، هنا الآن في هذه اللحظة التي نسميها الحياة.

إقرأ أيضاً: السلام الذاتي والتصالح مع الذات

في الختام:

قد تكون العزلة مخيفةً، ولكنَّها قد تكون ممتعةً أيضاً، فيمكنك تعلُّم الاستمتاع بأوقات الوحدة واستثمارها للنمو والتطور، ويمكنك استكشاف نفسك بعمق والقيام بأشياء لا تتطلَّب وجود الآخرين، كالقراءة، والكتابة، والمشي في الطبيعة، والعزف، والغناء، والرقص، وتعلم أشياء جديدة، وما إلى ذلك، ويمكنك اكتشاف الأجزاء الخفية من نفسك والعالم من حولك دون الحاجة إلى مشاركتها مع الناس للاستمتاع بها.

كن وحيداً وكن في سلام؛ لأنَّك تستحق ذلك.




مقالات مرتبطة