لكنَّ، هناك خيط رفيع بين الثقة الحقيقية والزائفة، وعندما يتجاوزه المرء، يصبح سلوكه منفِّراً وليس جاذباً، فبدلاً من إثارة الإعجاب، يشكك الناس في نواياه ويشعرون بعدم الارتياح تجاهه.
الأسوأ من ذلك، أنَّ من يتصنَّعون الثقة بالنفس نادراً ما يدركون الفرق، وغالباً ما يلاحظ الآخرون زيف ثقتهم قبل أن يدركوها هم أنفسهم، وعند مواجهتهم بردود الفعل السلبية، فإنَّهم يرفضونها بعبارات، مثل: "لا يهمني رأيهم"، أو "هم يغارون مني". قد يشعرهم هذا التبرير الظاهري بالارتياح المؤقت، لكنَّه يُبقيهم عالقين في دائرة التصنُّع، ويزيد من عزلتهم.
5 فروقات بين الثقة الحقيقية والزائفة
تشجع الثقافة السائدة على اتباع مبدأ "تظاهر بالثقة حتى تكسبها بحق" (Fake it till you make it)، وبينما قد يكون لهذا الأسلوب بعض الأثر الإيجابي المؤقت، إلَّا أنَّ كثيرين يعلقون في مرحلة "التظاهر" دون أن يطوروا ثقتهم فعلياً.
لأنَّ هذا المبدأ يُروَّج له على نطاق واسع، يكتفي بعض الأفراد بالمظهر دون الجوهر، ولكن ما الذي يميز الثقة الحقيقية؟ وكيف يمكن أن نُفرِّق بينها وبين الثقة المزيفة؟ فيما يأتي 5 فروقات جوهرية بين هذين النوعين من الثقة:
1. لا تعني الثقة الحقيقية أنَّك تعرف كل شيء
لا تعني الثقة بالنفس أن تمتلك جميع الإجابات؛ بل أن تؤمن بنفسك وبقدرتك على التعلم والتطور، فالشخص الواثق بنفسه بحق لا يخجل من طرح الأسئلة أو طلب المساعدة عند الحاجة؛ لأنَّه يعلم أنَّ الجهل المؤقت، ليس ضعفاً؛ بل فرصة للنمو، فهو يثق في قدرته على المحاولة والتجربة حتى يتقن ما يجهله.
أمَّا الثقة الزائفة فهي خلاف ذلك تماماً، فصاحبها يتجنب السؤال، ولا يعترف بمكامن ضعفه، ويتظاهر بالكمال، كما لا يطلب المساعدة؛ لأنَّه يراها ضعفاً، وبالتالي يبقى محاصراً في دائرة الجهل.
2. لست مضطراً لأن تكون مثالياً
لا يدَّعي الشخص الواثق من نفسه الكمال، فهو يُخطئ مثل غيره، لكنَّه يتحمل المسؤولية، ويصحح الخطأ، ويتعلم منه، ويمضي قدماً.
يُلقي من يفتقر للثقة الحقيقية بالنفس اللوم على الآخرين، ويخفي أخطاءه؛ بل ويضخمها أحياناً، ولا يتعلم منها؛ لأنَّه يرفض الاعتراف بها. يعيش بعقلية "تظاهَر حتى تنجح"، وكأنَّ إخفاء العيوب أفضل من مواجهتها.
شاهد بالفيديو: 9 نصائح مؤثرة لتعزيز الثقة بالنفس
3. إظهار التواضع
لا تحتاج الثقة الحقيقية إلى لفت الانتباه أو الاستعراض، فالواثقون فعلاً يعتمدون على الجوهر، لا على المظهر.
يجذب أصحاب الثقة الزائفة الانتباه، ويتصرفون بتعالٍ، ويرفضون النقد أو الأفكار المخالفة لآرائهم. هم لا يملكون العمق الحقيقي الذي يدعم موقفهم، لذلك يعتمدون على التباهي والادعاء.
4. الثبات
لا تتزعزع الثقة الحقيقية أمام الظروف أو آراء الناس؛ بل هي ثابتة ومستقرة لأنَّها متجذرة في القِيَم والمبادئ الشخصية. لا يحتاج الواثق بنفسه إلى التشجيع؛ بل يسير وفق مبادئه، حتى لو خالفه الآخرون.
أمَّا الثقة الزائفة، فهي هشة وتتأرجح مع المواقف، وتستمد قوتها من الخارج. يحتاج صاحبها دوماً إلى من يثني عليه أو يؤكد له أنَّه يسير على الطريق الصحيح، وبالتالي، يفقد بوصلته الداخلية ويعيش بتردد.
5. مساعدة الآخرين والعطاء بسخاء
لا يخشى الشخص الواثق بنفسه أن يعطي من وقته، أو علمه، أو أفكاره، أو دعمه للآخرين، فهو يؤمن بأنَّ الخير ليس محدوداً، وأنَّ النجاح يمكن أن يتسع للجميع؛ بل ويرى في مساعدة الآخرين امتداداً لقوته الداخلية. تسمح له ثقته بأن يكون كريماً ومتسامحاً ومتفهماً للزلات الصغيرة، ويحل الخلافات بصدق ونية طيبة.
أمَّا من يتظاهر بالثقة، فيخاف أن يشارك ويُسأَل ويتعاون، وبالتالي يُكشَف زيفه؛ لذلك يعزل نفسه، ويتعامل مع الآخرين بريبة. لا يشارك المعرفة، ولا يحب تدخل الآخرين، ويرى كل استفسار تهديداً، وكل اختلاف هجوماً، كما أنَّ ردود أفعاله مبالغ فيها؛ لأنَّه يعيش في حالة دفاع دائم.
في الختام
يكمن في جوهر هذه التصرفات كلها الفرق الحقيقي بين الثقة الحقيقية والمزيفة، فالشخص المتظاهر بالثقة ربما يخدع بعضهم لفترة، لكنَّه لا يُخفي قلقه الداخلي للأبد، وما يخفيه عادة هو ببساطة: عدم الثقة.
الحقيقة هي أنَّ مجرد الاعتراف بوجود فجوة في الثقة، وامتلاك الشجاعة لطلب المساعدة، هو في حد ذاته تصرف يعكس ثقة حقيقية. إنَّها خطوة أولى تجاه بناء ثقة راسخة تنبع من الداخل، وتُترجم إلى علاقات أقوى وأكثر صدقاً مع الآخرين.
أضف تعليقاً