تقول "لاييس": "قبل أن أُنجبَ أطفالي كانت الوكالة تقوم بكثير من الأعمال، مثل أسبوع عروض الأزياء، والمهرجانات الكبيرة، وغير ذلك من المشاريع التي لا تلائم جدول العمل التقليدي من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً، وأصبحتُ ألجأ بشكل أكبر إلى إنجاز المشاريع التعاونية بعد أن أصبح لديَّ مزيد من الأطفال، وقد ساعدني أيضاً تفهم العملاء لأهمية الوقت المخصص لعائلتي"، وفي حين كان لدى "بونتس غرين" الحرية للتكيُّف مع وضعها الجديد، إلا أنَّ غيرها من الأمهات العاملات يواجهن صعوبة في إيجاد التوازن بين احتياجات عائلاتهنَّ، ومتطلبات العمل.
لقد أدت الجائحة إلى مزيد من الصعوبات التي يعاني منها الآباء، ووفقاً للإحصاءات الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية (USA)، فقد توقفت 45% من الأمهات عن العمل بعد الجائحة في عام 2020، وذلك لأسباب عديدة منها الفرص المحدودة لإجازات الأمومة، وصعوبة رعاية أطفالهن المرضى، ما قد أجبر الأمهات على ترك العمل.
الأمومة بوصفها عائقاً يمنع المرأة من تحقيق التقدُّم المهني:
يمكن لأي أم أن تعاني من صعوبات في بيئة العمل، وبخاصة فيما يتعلق بالعودة إلى العمل بعد إجازة أمومة قصيرة، ولكن قد تواجه الأمهات اللاتي يضطررن إلى أخذ إجازة الأمومة عدة مرات بسبب إنجابهن أكثر من طفل واحد تأثيرات سلبية كبيرة في حياتهن المهنية.
تقول مديرة العلاقات الحكومية في شركة "ميديلا" (Medela) "دانا كيروين" (Dana Kirwin): "تواجه النساء عموماً تحديات أصعب فيما يتعلق بتقدُّمهن المهني، وتساهم عدة عوامل في هذا الأمر، وأحدها هو "عائق الأمومة" والذي يشير إلى الوضع الذي تُمنع فيه المرأة من تحقيق تقدُّم على صعيد حياتها المهنية عند إنجاب الأطفال"، وتدير "دانا" برنامج "كين" (Kin)؛ وهو برنامج يهدف إلى إتاحة الفرصة للموظفين للحصول على خدمات التمريض بدعم من أرباب عملهم.
تضيف "دانا": "يمكن أن يتمثَّل هذا الضرر على صعيد التقدُّم المهني بعدة أشكال، ومن ذلك فوات فرصة الترقية الوظيفية، والعلاوات على الراتب، وعدم توفير المشاريع أو الفرص الوظيفية، وقد تصل إلى درجة تخفيض الدرجة الوظيفية، أو فقدان الدخل بسبب عدم الحصول على إجازة مدفوعة الأجر عند ولادة طفل جديد، ومن البديهي أنَّ هذه الصعوبات تزداد بازدياد عدد الأطفال الذين تنجبهم الأم".
لقد تجلَّى "عائق الأمومة" بشكل واضح خلال الجائحة، فكان معدل خسارة الأمهات لوظائفِهنَّ يساوي 3 أضعاف خسارة الآباء لوظائفهم خلال الجائحة، وذلك وفقاً لتحليلات مبادرة "ستيت لاين" (Stateline) التابعة لمؤسسة "بيو تشيريتابل تراستس" (Pew Charitable Trusts).
تقول "مارتيكا مارين" (Martica Marin)، وهي أم ومديرة التسويق الإقليمي في شركة "توب إمبلويرز إنستيتيوت" (Top Employers Institute)؛ وهي شركة عالمية تعمل على التعرُّف إلى أفضل الممارسات للموظفين: "يساهم عدم المساواة في الأعباء المالية والوظيفية في هذه الظاهرة السلبية، فغالباً ما تواجه الأم التي لديها 3 أطفال أو أكثر قرارات أصعب فيما يتعلق بتحقيق التوازن بين عملها وواجباتها بصفتها أماً، ولا نعني بذلك ضيق الوقت فحسب؛ بل أيضاً من ناحية المسؤوليات المالية التي تترتب عليها نتيجة رعايتها لـ 3 أطفال أو أكثر".
هل إنجاب كثير من الأطفال يزيد الوضع صعوبةً؟
يزيد إنجاب مزيد من الأطفال من صعوبة الأمر بالنسبة إلى بعض الآباء عندما تفوق تكاليف رعاية الطفل راتبَي الأبوَين أو ما يحققان من دخل، وأفاد موقع "كير دوت كوم" Care.com بوجود زيادة في معدَّل تكاليف رعاية الأطفال تجاوزت ألف دولاراً شهرياً للطفل الواحد في عام 2021 لقاء خدمات مجالسة الأطفال في فترة ما بعد المدرسة، وما يقارب 900 دولاراً شهرياً وهي تكاليف لمركز رعاية الأطفال، وإذا طلبت العائلة خدمات مربية، فإنَّ متوسط التكلفة الشهرية يرتفع ليصل إلى 2,800 دولار شهرياً للطفل الواحد؛ لذلك يمكن أن تبلغ التكاليف بالنسبة إلى الأسرة المكونة من 3 أفراد ما بين 3 آلاف، إلى 8.400 دولار شهرياً ما بين الرعاية في الفترة النهارية، وغير ذلك من نفقات رعاية الأطفال.
كما أفاد نفس الموقع أنَّ 59% من العائلات قلقة بشأن ارتفاع تكاليف رعاية الأطفال، وتأثيرها في قدرة الآباء على متابعة حياتهم المهنية، وتكسب ما يزيد قليلاً على 30% من النساء المتزوجات أكثر من أزواجهن، وذلك وفق إحصاءات عام 2021، ما يعني أنَّه عندما يتعين أن يختار أحد الأبوين ترك مهنته من أجل رعاية الأطفال، فإنَّ الخيار غالباً ما يقع على الأم حتى عندما تكسب الأم أكثر من زوجها.
5 خطوات يمكن أن تتَّبعها الشركات لدعم الأمهات العاملات:
تمتلك الشركات قدرة كبيرة على تحسين ثقافة بيئات العمل بحيث تجعل العودة إلى العمل ممكنة للأمهات، وتستطيع الشركات من أجل تحقيق ذلك أن تقوم بما يأتي:
1. دعم برامج ومبادرات رعاية الأطفال وبأسعار معقولة:
يمكن لأرباب العمل التواصل بشكل أكثر فاعليةً إذا كانت لديهم مبادرات أو برامج مخصصة لرعاية الأطفال، وبخاصة إذا كانوا منفتحين على دعم هذا المفهوم.
تقول "مارين": "قد تفيد بعض السياسات الآباء، مثل حسابات الإنفاق المرنة التي تقوم على ادِّخار بعض المال قبل اقتطاع الضرائب، ومن ثمَّ تخصيص هذا المال لرعاية الأطفال".
إضافة إلى ذلك، تتخذ بعض البرامج الحكومية، مثل برنامج دعم الأطفال في ولاية "تينيسي" (Tennessee) المُنقَّح حديثاً، وإجراءات لدعم برامج رعاية الأطفال ذات التكلفة المقبولة، وهي برامج يمكن للشركات أن توفِّرها.
2. تقديم تسهيلات للأمهات المرضعات:
توصي هيئة "إيه إيه بي" (AAP)؛ - هي مؤسسة أكاديمية أمريكية مختصة بطب الأطفال - بالرضاعة الطبيعية حصراً لمدة لا تقل عن أول 6 أشهر من حياة المولود، وإضافة إلى تقديم أغذية داعمة إلى جانب الحليب لمدة 6 أشهر أخرى، وتؤكِّد على الرضاعة الطبيعية لمدة عامين من عمر الطفل أو أكثر من ذلك حتى، وذلك حسب رغبة كل من الأم والطفل.
تقول "كيروين" إنَّ 25% فقط من الرُضَّع يحصلون على رضاعة طبيعية فقط طيلة الأشهر الستة الأولى من الولادة، في حين تفيد 60% من الأمهات بأنَّهن لا يحققن هدفهنَّ المتمثل بإرضاع الطفل لفترة زمنية معيَّنة، وكانت "كيروين" جزءاً من الإحصائية الأخيرة خلال فترة ما بعد الولادة الأولى لها عندما كانت في وظيفتها السابقة، وتقول: "كنت أخطط لإرضاع طفلي حتى يتم 6 أشهر على الأقل من العمر، ولكنَّها كانت تجربة صعبة، وكان من الصعب أحياناً إيجاد الوقت لإرضاع طفلي يومياً، وقد استطعت تحقيق ذلك فقط خلال الأشهر الستة الأولى، قبل أن أتوقف عن إرضاع طفلي مع شعور ممزوج بين الراحة، وخيبة الأمل".
لكنَّها الآن قادرة في شركتها الحالية على إرضاع طفلها الثاني لمدة عام كامل، والفضل في ذلك هو إجازة الأمومة مدفوعة الأجر بالكامل، وإضافة إلى سياسة وجدول زمني مرن يخص العودة إلى العمل، والدعم الذي توفِّره الشركة للرضاعة الطبيعية.
يمكن للشركات أن تتطلع إلى برامج الدعم، والمنتجات، والخدمات مثل برنامج "مامافا" (Mamava) والذي يعمل على تقديم حلول للأمهات المرضعات، والتي يمكن من خلالها للشركة تقديم تسهيلات للأمهات المرضعات متوافقة مع قوانين الولاية.
شاهد بالفيديو: المرأة العاملة كيف توفق بين أسرتها وعملها؟
3. تعيين الأمهات في وظائف قيادية ودعمهنَّ لتحقيق النجاح:
إنَّ نسبة النساء اللاتي يتسلَّمن مناصباً قيادية لا تتجاوز 25% مقارنةً بالرجال، وهي إحصائية تشير حسب "كيروين" إلى أنَّ النساء لا يحصلن على الدعم الكافي، وبخاصة أنَّ أكثر من نصف القوى العاملة هم من النساء، وتقول "كيروين": "إنَّ البيانات المتعلقة بهذه المقارنة صادمة، فتعود امرأة واحدة من كل 4 نساء إلى العمل في الولايات المتحدة الأمريكية (USA) بعد أقل من 10 أيام من ولادتها، ويؤدي افتقار النساء إلى الدعم في هذه المرحلة الحساسة من حياتهن إلى صعوبات كثيرة على أقل تقدير، ويساهم بكل تأكيد بتحجيم دور النساء عندما يتعلق الأمر بشغل مناصب قيادية".
4. توفير إجازة أمومة مدفوعة الأجر لا تقل عن 3 أشهر:
على الرغم من أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية هي من العدد المحدود جداً من الدول التي لا تقدِّم إجازات أمومة مدفوعة الأجر، لكن لا يُفترض أن تتبع الشركات أو الولايات هذا النهج، ومن ثم يمكنها إيلاء أهمية قصوى لدعم الموظفين الذين يصبحون آباء.
وفقاً لهيئة "ذا سينتر أوف أميركان بروغرس" (The Center for American Progress)، فإنَّ 11 ولاية في أمريكا قد أقرَّت قوانين الإجازات الصحية والعائلية مدفوعة الأجر، وتُظهر الأبحاث أنَّ إجازة الأمومة الطويلة تؤدي إلى نتائج أفضل على صعيد صحة الأم والطفل على حدٍّ سواء.
5. مساعدة الأمهات اللاتي لديهن أكثر من طفل على العودة إلى العمل:
يمكن أحياناً أن يتم تجاهل فرص الترقية للأمهات اللاتي يعدن للعمل بعد أخذ إجازة لعدة سنوات من أجل رعاية أطفالهن، أو حتى معاقبتهن بسبب التغيُّب طيلة سنوات الأمومة.
تقول "مارين": "حاولت بعض الأمهات العودة إلى عملهن السابق بعد عدة سنوات، ولكن وجدن صعوبة في الأمر بسبب وجود انقطاع عن العمل خلال سنوات الأمومة في سيرتهن الذاتية، ويؤدي هذا الوضع إلى الإضرار كثيراً بمسيرة الأم المهنية".
يمكن للشركات أن تسعى إلى تطبيق برامج دعم للأمهات مثل مشروع "ذا مام بروجيكت" (The Mom Project)، فتكون بذلك جزءاً من الحل الذي يسعى إلى إعادة الأمهات ذوات المواهب إلى العمل مجدداً، أو التواصل مجدداً مع الموظفات السابقات الذين قدَّمن خدمات هامة للشركة بعد انقطاعهنَّ عن العمل من أجل رعاية أطفالهن الصغار.
تضيف "مارين": "تؤدي عدم قدرة الأمهات اللاتي يرعين أكثر من 3 أطفال على الانضمام إلى القوى العاملة إلى خسارة كثير من المواهب القيَّمة، لذا يمكن للشركات التي تُنشئ بيئة عمل داعمة للأمهات أن تحقق عوائد استثمار عالية جداً من خلال هذا الدعم، فعندما تشعر الأم الموظفة بالأمان في بيئة عملها، فإنَّها تصبح أكثر إنتاجية، وإبداعاً وقدرة على تأدية دور قيادي في الشركة".
في الختام:
إنَّ نصف عدد سكان العالم تقريباً هم من النساء؛ وهذا يعني أنَّ نسبة كبيرة من القوى العاملة هم من الأمهات، ولذلك من الطبيعي أن يكون لتوفير بيئة عمل داعمة، وتفعيل برامج دعم الأمومة دوراً كبيراً في تحسين الاقتصاد العالمي كونه ينعكس إيجاباً على إنتاجية المرأة وقدرتها على الإبداع.
أضف تعليقاً