ما فعله "بن لومان" هنا ليس إلَّا مثالاً صارخاً عن "التسويق الشخصي"؛ فما هما مصطلحا التسويق الشخصي والتشبيك؟ وما دورهما في الحياة العملية؟
التسويق الشخصي (Personal Branding):
هو كيفية إظهارك نفسك أو التعريف عنها أمام الآخرين، مُظهِراً مهاراتك وخبراتك وميّزاتك الشخصية والعملية، وما يُميِّزك عن غيرك؛ وذلك بغية النهوض بحياتك المهنية، وجعل حضورك مميزاً وفعَّالاً ومؤثراً في الآخرين من حولك.
التشبيك (Networking):
هو إقامة علاقات متبادلة المنفعة، وبناء شبكات عملية وَصِلات اجتماعية وثيقة مع رجال الأعمال الآخرين والعملاء.
تضايق عبارات "التسويق الشخصي" و"التشبيك" الكثير من الناس، وغالباً ما ترتبط لدى الكثيرين منهم باللهو أو الأمور غير المهنية، ويعتقدون أنَّ الهدف الرئيس منها التملص من المهام للوصول إلى "الدائرة الداخلية"، إرضاءً للأنانية؛ لكن إذا تركنا السمعةَ السيئةَ لهذه العبارات جانباً، فإنَّ التشبيك -إذا كان قائماً على بناء علاقات حقيقية- واحدٌ من أقوى أدوات التسويق الشخصي.
يُعدُّ قضاء الوقت مع مَن يعملون في مجالك أمراً هاماً لمساعدتك على التعلُّم منهم بشكلٍ أفضل، وتعدُّ مشاركة المعارف واحدةً من أقوى الطرائق لتحقيق النجاح للجميع؛ كما يُعدُّ التشبيك أيضاً طريقةً رائعةً للتواصل مع محترفين آخرين من أجل إقامة شراكاتٍ وتعاونٍ مفيدٍ في مجال العمل.
هناك بالتأكيد فنٌّ خفيٌّ وراء شبكات العلاقات الناجحة والأصيلة، فبالإضافة إلى العمل الذي يتطلَّب منك معرفة دوافعك، واختيار نهجك، وإنشاء محادثاتٍ مقنعة؛ يجب عليك بذل الكثير من الجهد للحفاظ على العلاقات التي تشكلها أيضاً.
لذا، سنشاركك خمسة نصائح لتطوير مهاراتك في العلاقات العامة والإبقاء على صِلاتك:
1. اكتشِف السبب:
كما قلنا في المُقدمة: تميل كلمة "التشبيك" إلى أن تكون ذات سمعة سيئة؛ لذلك تحتاج إلى التأكُّد من أنَّ دوافعك للرغبة في التواصل لا تتوافق مع هذه السمعة.
تحتاج قبل البدء باتخاذ أيِّ خطواتٍ أخرى، إلى فهم معنى التشبيك حقاً، وخاصةً فيما يتعلق بك شخصياً.
لذا عليك أن تسأل نفسك الأسئلة التالية:
- ما هدفك النهائي من محاولة إجراء اتصالات مع الأشخاص الآخرين في مجال عملك أو منطقتك؟ ولماذا تفعل ذلك؟
- هل تحاول مشاركة المعرفة والتعلُّم من الآخرين؟
- هل تتطلع لبدء التعاون أو العمل مع هؤلاء الأشخاص؟
- هل تبحث عن شركاء تجاريين أو مستثمرين؟
يجب أن يكون لديك فهمٌ واضحٌ جداً لسبب رغبتك في الدخول إلى هذه الشبكات، بدلاً من أن تفعل ذلك "لمُجرَّد كون الأمر ممتعاً"؛ وسيساعدك هذا في اختيار استراتيجياتك، والتأكُّد من أنَّك تتبع النهج الصحيح.
رغم أنَّه يجب أن تستند الشبكات على أساسٍ حقيقي، إلَّا أنَّه لا تزال هناك خطواتٌ أوليةٌ مختلفةٌ يجب إجراؤها، للبدء بتلك المحادثات، ولست مضطراً للتقليلِ من قيمة نفسك بأيِّ شكلٍ من الأشكال؛ ولكن ستساعدك معرفة ما تبحث عنه في تحديد الطريقة الصحيحة منذ البداية.
يختلفُ مُجرَّد محاولةِ إجراء تواصلٍ بسيطٍ مع شخصٍ يعجبكَ عمله، عن بدء محادثةٍ مع شخصٍ تأمل أن يستثمر عملك؛ لذا قبل أن تنخرط في أيِّ عمل، اكتشِف "السبب"، وفكِّر في كيفية تأثير ذلك في طريقة تواصلك.
2. أجرِ أبحاثك:
بمُجرَّد أن تكتشف هدفك النهائي أو اهتماماتك الرئيسة للدخول إلى عالم التشبيك، يكون قد حان الوقت للتعرُّف على الأشخاص أو الشركات التي ترغب في الاتصال بهم.
قد تعتقد أنَّك تعرف الكثير عنهم بالفعل، ولكن هناك على الأرجح أشياء لم تكتشفها بعد؛ لذا خُذ وقتك، وتأكد من أنَّك على درايةٍ بكلِّ ما فعلوه، وخض في التفاصيل أيضاً؛ فكلَّما زادت التفاصيل التي تعرفها عن هؤلاء الأشخاص وعملهم، كان من الأسهل عليك التواصل معهم.
كما قد تجد خلال بحثك أموراً مشتركةً فيما بينكم، والتي لم تكن تدركها من قبل، فعلى سبيل المثال: تحقَّق من حساباتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، لتعرفَ توجُّهاتهم وأفكارهم وشخصياتهم.
حتى لو كنت تعتقد أنَّك أصبحت على معرفةٍ كافيةٍ بهم، فلازال بإمكانك معرفة مزيدٍ عنهم من خلال قراءة المحتوى الذي يقدمونه، والاستماع إلى المدونات الصوتية "البودكاست" خاصتهم، والنظر إلى تصميماتهم؛ وإلى كلِّ ما ينخرطونَ به في مختلف المجالات.
عندما تراقبهم عن كثبٍ لفترةٍ كافية، ستنظر إلى عملهم من وجهة نظرٍ مختلفة، وقد يتكوَّن لديك موقفٌ مختلفٌ تجاههم.
سيمنحك امتلاك المعرفة الجيدة بالأشخاص الذين تحاول التواصل معهم الكثير من المواضيع للمناقشة، ويمكِّنك من تحقيق التواصل الذي ترغبُ به معهم.
3. كُن إنساناً:
هناك احتمالٌ كبيرٌ لأن يكون للأشخاص الذين تريد التواصل معهم حشدٌ من الناس حولهم يحاولون فعلَ الشيء نفسه، وربَّما لا يكون هذا هو الحال؛ ولكن مهما كان الوضع، تأكَّد من الحفاظِ على حسك الإنساني في أي تواصلٍ معهم.
لا تكن مزيفاً، ولا تحاول التظاهر بما لست عليه؛ إذ سيكتشف معظم الناس "العاديين" زيفَ ادعائك ولو بعد حين، فما بالكَ لو كان هؤلاء الأشخاص من ذوي الخبرة في التعامل مع الناس وبناء العلاقات؟
حاول ألَّا تبدأ محادثتك مع أيِّ شخصٍ بالبحث في قضايا العمل، فعادةً ما يبدو ذلك بارداً وجامداً وغيرَ شخصي؛ والأسوأ من ذلك أنَّه يرسل إشارةً فورية بأنَّك لستَ مُهتماً بالشخصِ الذي تتواصلُ معه، وبأنَّكَ تُجري المُحادثة لإرضاءِ مصالحكَ الشخصية فقط.
لا يجب أن يكون التشبيك قائماً فقط على الاستفادة من الناس، بل يجب أن يكون حول مساعدة بعضهم بعضاً، وتبادل الخبراتِ والمعرفة.
تتمثَّل أفضل طريقةٍ لبدء التواصل مع الناس بإجراء اتصالٍ يشبه ما تفعله مع الأصدقاء حرفياً، بدلاً من مجرد تسليم بطاقتك التعريفية لهم؛ وعندما تجري اتصالك، عليك أن تأخذ في عين الاعتبار أسلوباً للتواصل مع صديقٍ محتمل.
لا تبدأ أيَّاً من محادثاتك بعباراتٍ مثل: "ماذا عن التمويل الضخم الذي حصلت عليه شركتك أمس؟"، بل ابدأ بـ: "رأيتُ على ملفك الشخصي على "لينكد إن" (Linked in) أنَّك تتمتع بمهاراتِ القيادة، فهلا أعطيتني بعض النصائح؟"، وستحصل بذلك على ما تريد.
كلَّما ذهبت محادثاتك أبعد من ذلك، ستجدُ الوقت للتحدث عن العمل؛ فيأتي كلُّ شيءٍ في وقته المناسب، ومن يدري؟ فقد ينتهي بكم الأمر في الواقع إلى أن تُصبحوا أفضل الأصدقاء.
4. اعرف حدودك:
هذا أمرٌ بديهي لكن يجب أن نذكرك به، الزَم حدودك.
لا يتحقّق التواصل الذي تسعى إليه في بعض الأحيان، بغضِّ النظر عن مدى جودة مهاراتك، أو عن اعتقادك بأنَّ تجربة التشبيك هذه ستكون الأكثر إدهاشاً على الإطلاق؛ وإذا لم يحدث ذلك، فعليك فقط أن تتركه يمضي، إذ لا يحبُّ أحدٌ إرغام الناس على فعلِ شيءٍ لا يُريدونه؛ وإذا اكتشفت أنَّ اهتماماتك غير متوافقة مع اهتمامات الطرف الآخر، فإنَّ المحادثة لن تستمر، أو أنَّ التواصل بينكما غير موجود أصلاً؛ لذا لا تتابع المحاولة، ولا تكن فظاً أو شديد الإصرار بشأن ذلك، بل ابتعد فقط.
فكِّر في الأمر مثلما تفكر بموعد التعرُّف على شريك حياتك، إذ قد لا تنجحُ بعض العلاقات، ولا يعني ذلك أنَّ أيَّ شخصٍ قد ارتكب خطأً ما؛ ولكنَّ التوافق لم يكن موجوداً فحسب، ومحاولة الاستمرار بذلك ليست مفيدةً لأيٍّ من الطرفين.
إنَّه لمن الأفضل إنهاء المحادثات التي لا تكون متوافقة توافقاً جيداً عاجلاً وليس آجلاً، وذلك لتجنُّب إضاعة وقتك ووقت الآخرين؛ حيث سيمنحك هذا الفرصة للذهاب والتواصل مع شخصٍ آخر يناسبك تماماً.
5. ابقَ على تواصل:
نحن نعلمُ جميعاً مدى صعوبة الحفاظ على التواصل مع الأشخاص الذين ليسوا من أفراد العائلة المباشرين، أو الأصدقاء المقربين جداً.
يمر الوقت بينما نكون جميعاً مشغولين، فيُنسَى الاتصال السابق؛ وكثيراً ما يحدث ذلك، ويتمثَّل المفتاح للحفاظ على استمرارِ العلاقات بالاستمرار بالمحادثات مع الوقت؛ لذا راقب ما يفعله الآخرون وما يقولونه، وابدأ محادثةً عندما يفعلون شيئاً رائعاً، مثلاً: كتابة منشورٍ جيد، أو إطلاق منتجٍ ما، أو أيَّ أمرٍ تجده مناسباً للحديث عنه.
ذكِّر نفسك بين الحين والآخر بالرد على تغريداتهم، واترك تعليقاً على محتواهم الخاص، وأرسل لهم بطاقة بريدية؛ ولا تقلق من أن تكون مزعجاً لهم.
إليك ما يقوله "أليكس تورنبول" (Alex Turnbull) -الرئيس التنفيذي لشركة "غروف" (Groove)- في مقاله حول كيف يمكن للتشبيك أن يساعدك على النجاح في الحياة والأعمال: "يتردد الكثير من الأشخاص في المتابعة؛ لأنَّهم يعتقدون أنَّهم مزعجون، ولكن فكر في هذا: ماذا لو لم تكن مزعجاً؟ ماذا لو كنت تساعد بالفعل؟".
اعمل على جعل علاقاتك ذات مغزى، مع الكثير من التعلم المتبادل، وتأكَّد من تضمين تجاربك أيضاً، وهو أمرٌ يمكن أن يساعدهم؛ فإن أعلنوا للتو أنَّهم يكتبون كتاباً، يمكنك أن ترسل بريداً إلكترونياً لإخبارهم بأداة التعديل الرائعة التي اكتشفتها مؤخراً.
من أجلِ الحفاظِ على العلاقات، خصِّص دفتر ملاحظات ودوِّن عليه الأمور الهامة، مثل: التحدث إلى صديقٍ أو زميلِ عمل.
إتقان التسويق الشخصي فنٌّ وعلم:
رغم أنَّه يتمتع بسمعةٍ مؤسفة، إلَّا أنَّ بناء العلاقات العامة لا يجب أن يكون سيئاً أو مصطنعاً.
طالما أنَّك تدرك أنَّ التواصل الناجح مبنيٌّ على إنشاء علاقات حقيقية ومتبادلة، فمن الممكن أن يكون أداةً رائعة للتعلم والتواصل ومشاركة المعرفة وفرص العمل التي تريدها.
خُذ وقتك، واكتشف هدفك النهائي من ممارسة التشبيك، واحرص على أن تتواصل وفقَ الأسس الصحيحة، واستمرَّ في المحادثة؛ فحتَّى إذا لم تصل إلى هدفك بشكلٍ كامل، فستظل الشبكات التي كوَّنتها وسيلةً مؤكدةً لإنشاء علاقاتٍ رائعة يمكن أن تكون مفيدة، حتَّى ولو في وقتٍ آخر.
أضف تعليقاً