ومع ذلك يبقى السؤال "كيف أعرف أنَّ الموظفين يتعرضون للإجهاد؟" سؤالاً مشروعاً، إذ إنَّه، من واقع تجربتنا، من الممكن مطالبة الموظفين، كلٌّ حسب استطاعته، بالمزيد من العمل إلى الدرجة التي يصبح عبء العمل عندها غير معقول. لكنَّ أرباب العمل قد يقعون في فخ إرهاق الموظفين، إذ إنَّنا جميعاً في نهاية المطاف نريد من موظفينا الذين يتمتّعون بأفضل الكفاءات أن يؤدوا مزيداً من المهام، أليس كذلك؟ ونريد منهم أن يقدموا أفضل ما لديهم.
بيد أنَّ خروج عبء العمل عن نطاق السيطرة يمكن أن يؤدي إلى زيادة شعور الموظفين بالتوتر، وارتفاع ضغط الدم، والإصابة بمزيد من أمراض القلب والأوعية الدموية، وانعدام الاستقرار على الصعيد الأُسري، وحوادث العمل إضافةً إلى أنَّ الموظفين الذين يشعرون بالإجهاد وبأنَّهم لا يحظون بالتقدير يتركون عملهم غالباً بحثاً عن عملٍ يتمتع بظروفٍ أفضل.
كيف نعرف إذاً أنَّ ساعات العمل طويلةٌ أكثر ممَّا ينبغي؟
ذكَرَت دراساتٌ أُجريَت حديثاً أن العمل أكثر من 50-55 ساعة أسبوعياً مرتبط بالمشاكل الصحية، وضعف في الإنتاجية، وزيادة استهلاك الكحول. ولكن هل يعني هذا أنَّك يجب ألَّا تسمح للموظفين بالعمل أكثر من 50 ساعة في الأسبوع؟ لا، لأن الموظفين هم أفراد لكلِّ واحدٍ منهم طبيعته التي يجب علينا التعامل معه على أساسها. فحجم العمل الذي يستطيع الموظفون التعامل معه خلال الأسبوع يختلف باختلاف سلوكاتهم، وأوضاعهم العائلية، وسنِّهم، وحالتهم الصحية، ومتطلبات العمل.
وبما أنّ الناس ليسوا نسخةً واحدة فليس لنا أن نكتشف إذا ما كنا نضغط على الموظفين ونحمِّلهم أكثر ممَّا يطيقون؟ للإجابة عن هذا السؤال أقترح عليك قراءة الإشارات التحذيرية الآتية:
1- استمرار الموظفين في العمل خلال الليل وفي ساعات الصباح الباكر وفي عُطَل نهاية الأسبوع:
راقب مواعيد قدوم الموظفين إلى العمل ومغادرتهم له، وهو أمر يمكنك معرفته أحياناً من خلال نظام أمن الشركة، فإذا لاحظت ارتفاعاً في عدد ساعات العمل، يكون قد حان الوقت لتعرف مقدار عبء العمل الذي يقع على كاهل الموظفين.
وتذكر أنَّ ثمَّة فرقاً بين سباق الماراثون وسباق الجري. بمعنى أنَّه في حال كان عملك موسمياً ويحتاج إلى أن يعمل الموظفون ساعاتٍ إضافية (كالمحاسبين في موسم الضرائب) فسيكون من المقبول إضافة المزيد من عبء العمل عليهم خلال تلك الفترات. ولكن في حال لم يكن ثمَّة نهاية لساعات العمل الطويلة على المدى المنظور فأنت تحتاج إلى مراجعة مهام العمل أو نظام توزيع الموظفين.
2- إهمال الموظفين لالتزاماتهم العائلية على حساب العمل:
إذا بلَغَكَ أن الموظفين يهملون التزاماتهم العائلية لأنَّهم يشعرون بأنَّه ليس في مقدورهم تخصيص جزءٍ من وقتهم لذلك فهذا يُعَدّ على الأرجح مؤشراً إلى أنَّ الموظفين يشعرون بأنَّهم مجهدون. فقد اضطر أحد الموظفين المعروفين إلى تغيير مسار عمله بعد أن كان يعمل في شركة استشارات مرموقة لأنَّ عمله كان يمنعه من حضور أنشطة طفله. وقد روى لنا كيف أنَّه جلس في غرفة الفندق في مانهاتن وبدأ "يبكي كالأطفال" لأنه فَوَّتَ مباراة ابنه الأولى في البيسبول. وقبل انقضاء العام انتقل إلى تسَلُّم منصب في شركة أخرى لا يحتاج العمل فيها إلى الكثير من السفر ممَّا يمنحه أريحيةً أكبر وقدرةً على التحكم بمواعيد عمله.
اقرأ أيضاً: 10 نصائح تساعدك على إيجاد التوازن بين حياتك الشخصية وحياتك
3- إظهار الموظفين قدراً أكبر من الانفعال:
حينما يشعر الأشخاص بالإرهاق في العمل فإنَّ ذلك يمكن أن يؤدي إلى اضطراب في النوم ومواجهة المزيد من المتاعب مع أفراد العائلة وستحصل المزيد من المآسي في مكان العمل.
فإذا بدا أنَّ الموظفين الذين كانوا مُتَّزنين سابقاً على نحوٍ خاص أصبحوا أكثر اضطراباً فقد يكون ذلك ناجماً عن عبء العمل. وقد يفرط الأشخاص الذين لديهم حاجة ماسة إلى إرضاء الآخرين كذلك في تقديم الالتزامات بسبب خشيتهم من الرفض أو الإخفاق حيث يمكن لهؤلاء الناس أن يشعروا باستياءٍ كبير، ويُبْطِنوا العداء، وأن يظهروه في بعض الأحيان إذا شعروا أنَّ عملهم بجد قوبل باللامبالاة.
لذا فإنَّ التأكُّد من إظهار التقدير للقيمة التي يضيفها الموظفون إلى المنظمة يُعَدُّ سبيلاً إلى معالجة هذه المشكلة.
4- انخفاض الجودة:
كتبت مجلة "هارفرد بيزنس ريفيو" أنَّ الدراسات أظهرت أنَّ الإجهاد يسبب تضاؤل العائدات. فحينما يعمل الموظفون وقتاً أطول "يؤدون مهماتهم شيئاً فشيئاً على نحوٍ غبي فتصبح تلك المهمات تدريجياً بلا معنى"، وهذا ما يفسِّر لماذا بدأ أصحاب المعامل في القرن التاسع تحديد ساعات العمل بدايةٍ بـ 10 ساعات إلى أن أصبحت 8 ساعات يومياً، فلاحظوا نتيجةً لذلك تحسناً في النتائج وانخفاضاً ملحوظاً في عدد الأخطاء المُكلِفة وحوادث العمل.
وقد أكدت تجارب حديثة هذه النتائج، فالأشخاص الذين يُتاح الوقت الكافي من الإجازات يكون إنتاجهم أفضل. فإذا لاحظت ارتفاعاً في نسبة الأخطاء في العمل فمن المُتوقَّع أن يكون عبء العمل وعدد ساعاته الطويلة سبباً محتملاً لذلك.
اقرأ أيضاً: 6 طرق فعّالة للتخلُّص من الإرهاق أثناء العمل
5- زيادة عدد الموظفين الذين يتركون عملهم طوعيَّاً:
إذا كنت تعاني ارتفاع مستويات ترك الموظفين لعملهم بشكلٍ طوعي (لا سيّما أصحاب الكفاءات الرئيسة) فقد يتوجّب عليك إعادة النظر في حجم الأعمال التي تكلِّف بها الموظفين، فالموظفون الموهوبون الذين يمتلكون الحافز والطموح يشعرون بالحماسة عادةً للقيام بمهماتٍ إضافية أو تحتاج إلى الكثير من الوقت، ولكن إذا سببت لهم هذه المهمات نفسها المشاكل فيما يتعلق بالتزاماتهم العائلية – أو إذا لم يحصلوا على ترقياتٍ أو علاواتٍ وشعروا بأنَّهم لا يحظون بالتقدير – فقد يُقرّر هؤلاء الموظفون أنفسُهم ترك عملهم.
تجنَّب حصول ذلك وفقدان الموظفين الموهوبين قبل فوات الأوان من خلال الانتباه إلى الإشارات التي ذكرناها أعلاه والحفاظ على عبء العمل ضمن مستوياتٍ منطقية.
وعلى الرغم من أنَّ الموظفين أشخاصٌ عاقلون ويجب عليهم أن يتّخذوا قراراتهم بأنفسهم، إلَّا أنَّه يجب على أصحاب العمل أن ينتبهوا إلى المهام التي يلقونها على عاتق الموظفين. كما أنَّ الموظفين الذين يسعون جاهدين إلى إرضاء الآخرين، أو أولئك الذين يبالغون في تركيز الاهتمام على المضي قدماً، أو أصحاب الطموح الذين قد يكونون بشكلٍ خاص عُرضةً لتحميل أنفسهم الكثير من الأعباء.
اقرأ أيضاً: 7 علامات تدل على ضرورة ترك عملك والبحث عن عمل جديد
فإذا رأيت أيَّاً من الإشارات الخمس السابقة فستدرك بلا شك أن الوقت قد حان لتتحدث مع موظفيك حول إجراء بعض التعديلات.
أضف تعليقاً