مع ذلك فالعلاقات جانب من جوانب الحياة، ويواجه معظم الناس صعوبةً في التعامل معه؛ وذلك لأنَّ العثور على الأشخاص المناسبين والاحتفاظ بهم ليس بالأمر السهل، وأصعبُ جزء في بناء علاقات صحية وسعيدة والحفاظ عليها، هو العمل على نفسك لتصبح شخصاً يجذب إليه الأشخاص المناسبين.
من الأفضل جذب الصداقات وعلاقات الزمالة، بدلاً من السعي وراءها و"الحصول عليها" بأي شكل من الأشكال، سواء كنت تسعى إلى الحب الرومانسي، أم الشراكة التجارية، أم الصداقة، أم أي نوع آخر من العلاقات، فمن الأفضل دائماً جذب الأشخاص الذين ترغب في وجودهم في حياتك، بدلاً من السعي خلفهم، وإقناعهم بالبقاءِ برفقتك طوال الوقت.
هذا يعني أنَّك يجب أن تصبح شخصاً جذَّاباً لأولئك الذين ترغب في إقامة علاقات معهم، أو على الأقل يجب على أي شخص يرغب في بناء علاقات أفضل وأكثر سعادة في الحياة، أن يبذل قصارى جهده ألا يُنفِّر الآخرين عمداً.
قد يواجه معظم الرجال صعوبةً في ذلك؛ وذلك لأنَّهم طوَّروا عادات حياتية لا يتحمَّلها الآخرون، لكنَّ النبأ السار هو أنَّ باستطاعة الناس أن يتغيَّروا، فالنموُّ أمرٌ ممكن، والبشر مخلوقات قابلة للتكيُّف إلى حدٍّ كبير، والهدف من قول هذا ليس إحباط الرجال، بل إيضاح أنَّ هذه هي النواحي التي يحتاجون إلى تطويرها، وفي إمكان جميع الناس القيام بذلك.
لذا يجب أن تعقد العزم على الأمر، فباستطاعتك أن تتغيَّر، وتصبح الشخص الذي عزمت أن تكون في معظم جوانب الحياة، لكن عليك الالتزام وبذل جهدٍ حثيثٍ لتحقيق ذلك.
يمكنك أن تتعلَّم كثيراً ممَّا يجب أن تفعله من خلال معرفة الأمور التي عليك تجنُّبها، وسيناقش هذا المقال خمسة أمور لا يفعلها الرجال العظماء أبداً، وهي:
1. الرجال العظماء لا يتوسَّلون:
لا يفعلون ذلك أبداً، لا من أجل حياتهم، ولا من أجل المال، ولا العلاقات، ولا المتابعين، ولا مقابل خدمات معيَّنة، ولا أي شيء، بل يتميَّزون بالاكتفاء الذاتي والاستقلالية، كما أنَّهم يعترفون بأخطائهم، ويتخطَّون العقبات في حياتهم، وكما قال القائد العسكري القرطاجي العظيم "حنبعل" (Hannibal Barca) ذات مرة: "سيجد الرجال العظماء طريقة ما، أو سيصنعونها".
ربما تفكِّر الآن أنَّ في هذا دفاعاً عن موقف الذكورة الرصين إلى حدٍّ مضرٍّ بالصحة، والذي ينصُّ على أنَّه لا يمكن للذكور إظهار الضعف أبداً، أو الكشف عن مشاعرهم للعلن، لكن ليس هذا المقصود بالضبط؛ وذلك لأنَّ هذا القانون الصارم للذكورة العظيمة ذو شقين:
الشق الأول؛ الرجال العظماء لا يتوسَّلون، ليس لأنَّهم يمتلكون كثيراً من الكبرياء الفارغ، بل لأنَّهم على استعداد للتكيُّف مع تقلُّبات الحياة، فهم يدركون أنَّ هذا جزء منها، بصرف النظر عمَّا تواجهه في حياتك من قضايا جنائية إلى مخالفات سرعة وطلاق وفشل في العمل وكل ما يخطر ببالك. العظماء على استعدادٍ دائمٍ لقبول الحياة كما هي، مع إدراكهم أنَّ بعض الأمور خارجة عن نطاق سيطرتهم.
أمَّا الشق الآخر المتعلِّق بعدم التوسُّل؛ هو عدم اضطرارهم لفعل لذلك؛ وذلك لأنَّهم لا يُقحمون أنفسهم في مواقف يُضطرون فيها إلى التوسُّل.
2. لا يعتمد الرجال العظماء على الآخرين في مواجهة الحياة:
لا يضع الرجال العظماء أنفسهم في مواقف يتعيَّن عليهم فيها التوسُّل، لأنَّهم معتادون على الاعتناء بالأمور بأنفسهم، فإذا كنت تَعُدُّ أنَّ الرجل العظيم هو الذي يملك كل شيء؛ المظهر الخارجي، والسحر، والذكاء، وكل ما يخطر ببالك، لكنَّه معدوم المسؤولية، ودائماً ما يورِّط نفسه في مواقف يضطر والداه إلى انتشاله منها حتى بعد بلوغه سن الثلاثين، فعليك إذاً إعادة النظر في الأمر.
العظمة هي قدرة ومسؤولية بالتساوي، ويميل معظم الناس للتركيز على جزء القدرة فقط من المعادلة، أو - وهذا أسوأ - يركِّزون على الظهور بمظهر الشخص القادر، دون إتقان أي شيء، وهذا ليس بالأمر العظيم.
تُقاس العظمة بالقُدرة، وكلما زادت قدرتك على القيام بأمرٍ ما بإتقان، تبرعُ به، وهذا ينطبق على العلاقات، والمسؤولية هي فائض من القدرة بمجرد أن تبلغ الحد الأقصى للفائدة المرجوَّة من مهاراتك، فإنَّك تضعها موضع التنفيذ لمساعدة الآخرين.
يبرع الرجال العظماء في معظم مجالات الحياة الضرورية، الأمر الذي يمكِّنهم من الوفاء بالتزاماتهم، وتحمُّل المسؤولية، والاستجابة لاحتياجات الآخرين؛ وذلك لأنَّهم لم يعودوا قلقين بشأن تلبية احتياجاتهم الشخصية.
فلا يضطرون إلى التوسُّل أبداً، لأنَّهم حريصون ألَّا ينتهي بهم الحال بالاختيار بين أمرين في غاية الصعوبة، وفي حالات نادرة عندما تسوء الأمور إلى حدٍّ كبير، فإنَّهم يتقبَّلون الأمر على أنَّه شِدة عليهم تحمُّلها.
شاهد بالفديو: 10 أمور يفعلها المتفوقون لبلوغ العظمة
3. لا يتخذ الرجال العظماء موقفاً دفاعياً عند مواجهة التحديات:
إنَّ هذا أحد الأركان الأساسية التي تحكم القدرة على قبول النقد البنَّاء، فلا يتذمَّر الرجال العظماء، أو حتى أسوأ من ذلك لا ينفجرون غاضبين عندما تُوجَّه لهم انتقادات مشروعة، أو يُطعن بمعتقداتهم وطريقة تصرُّفهم.
لا بُدَّ من التنبيه هنا إلى أنَّ الشخص الذي يطعن بهم، يفعل ذلك بحسن نية ولأسباب وجيهة، وهذا يعني أنَّ الرجل العظيم مُستعدٌّ للإصغاء إلى أي نوع من النقد تقريباً.
سيحاول الناس ليَّ ذراعك، خاصةً في عصر الإنترنت، وسيستخدمون حيلاً قذرةً للقيام بذلك؛ فلا تبتلع الطُعم أبداً، بل كن على استعداد دائم للانخراط في نقاش صريح، وأنت تعلم نوع الحوارات الصريحة المقصودة، فهي الأكثر إيلاماً في العادة، فإنَّ الأمور المزعجة التي لا نرغب في سماعها لكن علينا الاعتراف بها، تعود علينا ببعض الفائدة.
لذا إنَّ الرجال العاديين، يتَّخذون موقفاً دفاعياً سريعاً، ويتفاعلون مع الانتقادات تفاعلاً غريزياً، لدرجة أنَّ جميع الأشخاص يلاحظون ضيقهم في أثناء المواجهة، كما أنَّه يُعطي فكرةً عن صعوبة التحكُّم بالنفس لديهم.
الرجال العظماء على استعدادٍ للمشاركة في نقاشات مبنية على حسن النية مع أولئك الذين يوجِّهون لهم نقداً بنَّاءً، ولقضاء الوقت في مساعدة الأشخاص الذين يفتقدون للحكمة في رؤية الأمور.
4. يتجاهل الرجال العظماء صغائر الأمور:
إنَّ هذا يتماشى نوعاً ما مع عدم اتخاذ موقف دفاعي؛ إذ يسعى الرجال العظماء إلى تخفيف الضغط الواقع عليهم، وزيادة قدرتهم على مقاومة الظروف القاسية التي تفرضها الحياة المعيشية، فينطلقون للحياة، ويمرُّون بتجارب يتفوقون بها على أنفسهم ويتخطَّونها، ويخرجون منها أشخاصاً أفضل وأكثر مرونة، وهذا ما يُسمَّى بـ "النمو" باختصار، وهذا ما يفعله العظماء، النمو ولو قليلاً كل يوم.
إذ يتعلَّم الرجال العظماء تطوير قدرة عالية على تحمُّل الضغط والتغاضي عن صغائر الأمور، لأنَّ فقدان هدوء أعصابك يُعَدُّ نقطة ضعف، وفي إمكانه أن يعرقل علاقاتك بأنواعها، وهذا قد يؤثر في عملك ودخلك وثروتك وصحتك وسلامتك، ومن الهامِّ أن تتعلَّم كيف تتحكَّم بمشاعرك وتتجاهل الانتقادات السخيفة، التي تضعها الحياة في طريقك.
إذا لم تكن مهتماً بها، فالتأمل واليقظة الذهنية طرائق ممتازة لتبدأ العمل على التغاضي عن التفاهات.
شاهد بالفديو: كيف تتعامل مع ضغوطات العمل؟
5. لا يستخف الرجال العظماء بمشاعر الآخرين:
لا علاقة لهذه العظمة بالمؤهلات التي تجعلك تبدو رائعاً، فهي ليست أموراً مثل السيارات والثروات والملابس والظهور بمظهرٍ حسن دائماً، وليس القصد أنَّها أمور لا أهمية لها في الحياة، فهي ليست كذلك، لكن لم يُوصَف أحد بأنَّه عظيم لمجرد أنَّه بدا بمظهرٍ معيَّن، أو اشترى بعض الأشياء، فهذه ليست عظمة.
العظمة هي سلسلة من السلوكات إذا ما أتقنتها ذات يوم ستساعد الآخرين بقدر ما ستساعدك، فإنَّها فعل متواضع وثوري في نفس الوقت، ينطوي على خوض الطريق الطويل بهدوء وإنجاز الأعمال الصعبة، بدلاً من الرضوخ والاستسلام للطرقِ المختصرة التي تعِدُ بمسار سهل.
لذا إنَّ علاقات الرجال العظماء ليست مجرد صفقات متبادلة، بل هياكل داعمة للأشخاص الأكثر أهمية في حياتهم، فالعلاقاتُ بالنسبة إليهم تتجاوز السعي وراء أهداف مشتركة أو الدفاع عن أمور مشتركة؛ وذلك لأنَّ المحبة والعطاء والدعم المتبادل، هي المبادئ التي يتمسَّك بها الرجل العظيم ويقدِّرها أكثر ممَّا يفعل الآخرون، كما أنَّها ليست مجرد وسيلة لتحقيق غاية ما، بل هي أكثر الغايات متانةً وجمالاً بحدِّ ذاتها.
هذا يستحضر للذاكرة اقتباساً للكاتب والشاعر والفيلسوف الأميركي "هنري ديفيد ثورو" (Henry David Thoreau)، يقول فيه: إنَّ "لغة الصداقة ليست مجرد كلمات، بل معان"، فالصداقة تعمل على مستوى أعمق من المعنى الذي تدركه العين.
هذا يعني أنَّ الرجال العظماء دائماً ما يُصغون دون توقف، ولا يستخفُّون بمشاعر الآخرين، كما أنَّهم لا يقومون بإسكاتهم عندما يصبح الموضوع مزعجاً، لأنَّ هذا ما يعنيه أن تتصرَّف بصفتك شخصاً مسؤولاً؛ بأن تكون مستعداً وقادراً على التعامل مع أي موقف تضطر إلى مواجهته، ومعظم الناس في هذا العالم يريدون أحداً يُنصت لهم، والأهم من هذا يريدون أن يحسُّوا بوجود من يصغي لهم.
لذلك، لا يمكننا في الواقع دعم الآخرين بأي طريقة أو شكل أو صيغة دون الإصغاء لهم، ومن الغريب أنَّ معظم الناس يعتمدون الأسلوب المناقش لذلك، فيستمعون قليلاً ويتحدثون كثيراً، ويتلفَّظون بكلمات يعتقدون بأنَّها ستجعلهم مثيرين للاهتمام، ولا يمنحون الوقت الكافي للاهتمام بالآخرين، كما يجعلون كل محادثة تمريناً لمساعدتهم على الشعور بالرضى تجاه أنفسهم، بدلاً من العمل على بناء علاقات متينة.
في الختام:
أن تكون مسؤولاً ومتميِّزاً بهذا الشعور بالمسؤولية هو الهدف الأبعد والأكثر شمولاً الذي يجب أن تسعى إليه، فالغاية هي تطوير التوافق بين الواقع الخارجي وعوالمك الداخلية والحفاظ عليه، وهذا يدلُّ على أشخاص عظماء يتمتَّعون بصحة جيدة، متماسكين، وعلى قدر المسؤولية في كثير من المواقف، فإنَّهم مسؤولون لأنَّهم أصبحوا مؤهلين، فقد أتقنوا المهارات الحياتية الضرورية إتقاناً مذهلاً، لدرجة أنَّهم الآن يمتلكون كثيراً منها.
كل هذا يتلخَّص بكلمة واحدة: المسؤولية، عليك بإتقانها، وإلَّا فإنَّ هذه العظمة سيشوبها النقص إلى الأبد.
أضف تعليقاً