4 نصائح قيادية للتعامل مع الأوقات التي تشهد تغيرات مستمرة

أدَّت أزمة كوفيد-19 إلى تقديم الاستشاريين والأكاديميين سيلاً من النصائح حول تعزيز القدرة على إبداء التعاطف والتحلي بالشفافية، ومضاعفة جهود التواصل لقيادة الشركات من خلال التغيير، ومع كون هذه النصيحة حكيمة إلا أنَّها طُرِحت بطريقةٍ خاطئة.



ملاحظة:  هذا المقال مأخوذ عن كاثرين كلوب (Kathryn Clubb)، وهي رئيسة قسم التغيير والتحول، في منظمة تعمل مع القادة على جميع المستويات لمساعدتهم على اتخاذ قرارات أفضل.

وخلافاً لأزمة مثل أزمة فايروس كورونا التي سوف تنتهي في نهاية المطاف، فلا يوجد أي تأويل آخر حين يتعلق الأمر بالتغيير وعدم اليقين: فالتغيير ثابت، وعدم اليقين زائل.

أمَّا في عالم الأعمال فإنَّ التغيير لم يعد له بداية أو منتصف أو نهاية (على فرض أنَّه كان كذلك سابقاً)؛ فكل شركة تمر بدورة مستمرة من التغيير والتأقلم، ولا يحتاج القادة إلى مجموعة من التعليمات المؤقتة التي سوف يضعونها جانباً إلى أن تظهر الأزمة التالية؛ وإذا كنت تقود بذكاء، فإنَّ أدوات القيادة التي تشحذها كل يوم أثناء هذه الأزمة، من الممكن أن تساعد على وضع أُسس النجاح بوصفك قائداً في العالم الذي يشهد بشكلٍ طبيعي تغييراً مستمراً.

من هو قائد التغيير؟

يخدع المديرون التنفيذيون أو المديرون الذين لا يعتقدون أنَّهم قادة للتغيير أنفسَهم، ويتجاهلون الجزء الأكثر أهمية من وظائفهم؛ لذلك من أجل الحفاظ على الشركات خلال فترات التغيير الشديد (وحتى خلال الازدهار فيها)، يجب أن يصبح المديرون قادة التغيير.

يتقبل قادة التغيير الاضطراب وينظرون إلى التغيير الذي يجلبه باعتباره يؤدي دوراً أساسيَّاً في الحفاظ على الأهمية والتجديد والإبداع، وبعد أن يتبنى القادة هذه العقلية في حياتهم اليومية، يتوجَّب عليهم أن يحاولوا غرس العقلية  نفسها في كل شركاتهم.

ولحسن الحظ، يمكن لأي شخص أن يقوم بهذه الخطوات الأربع لبدء التحول ليصبح قائداً مرناً ومستعداً للتغيير:

1. التخلي عن الأفكار التي تربطنا بالماضي أو بالحاضر:

يُعدُّ تصور المستقبل أسهل من نسيان الماضي؛ فالارتباط بالماضي والحاضر صفة إنسانية حقيقية، ورغم صعوبتها، فإنَّ ترك هذا الارتباط ضروري لرؤية الموقف الحالي بوضوح.

ولإيجاد أفضل الحلول، يتوجَّب عليك أولاً إدراك افتراضات الماضي وقواعده وعقليته؛ وأن تعترف بالكيفية التي خدمك فيها؛ وأن تبذل جهدك للتخلي عن كل هذه الارتباطات؛ إذ يشجع التمسُّك بهذه الارتباطات في أوقات التغير المستمر على الرؤية الضيقة ويوسع من نطاق البقع العمياء، وهو ما قد يجلب عواقب وخيمة على عملك.

في وقت سابق من حياتي المهنية، اتخذت مبادرة استراتيجية كبيرة للغاية، وتضاعف نطاق مسؤولياتي إلى أربعة أمثال بين عشية وضحاها، وكنت دائماً أتفاخر بكوني مديرة عملية ومتفاعلة للغاية؛ ولكن كان علي في وقت ما أن أعترف؛ بأن طريقتي في القيادة لم تعد قادرة على العمل، واضطررت إلى إعادة ابتكار عقليتي وعاداتي وأفعالي، عندما يتعلق الأمر بالقيادة، ولم تكن هذه العملية سهلة: فقد جربت العديد من البدائل، وجربت اختبارات، وتعلمت إجراءات جديدة، وتركت الارتباطات التي لم أكن حتى على وعي بها.

لا تختلف الشركات على الإطلاق، ورغم أنَّ خارطة الطريق التي تتبناها شركتك ربما كانت صالحة بالأمس، فلا يوجد ما قد يضمن نجاحها في الغد؛ لذا يجب عليك أن تتوقع تغير الظروف وأن تُعِدَّ نفسك وفرقك للتفاعل وفقاً لذلك.

تخبرنا الأبحاث أنَّ القادة الذين يتوقعون المستقبل -حتى عندما يكون ذلك المستقبل غير مؤكد- يكونون أفضل أداءً على الأمد البعيد؛ فكيف تحضر نفسك وفرقك؟

يمكنك البدء من خلال التعاون على وضع خارطة تبيِّن الرحلة التي خاضتها الشركة حتى وصلت إلى المرحلة الحالية، ببساطة؛ اطلب من فريقك أن ينظر إلى الوراء خلال فترة زمنية محددة، واطلب من الأشخاص تحديد نقطة عالية مثل: الإنجاز أو المحور أو النتيجة التي يفخرون بها شخصياً، ونقطة منخفضة مثل: الحدث أو الظروف أو النتيجة التي علَّمتهم أكثر من غيرهم، واسرد هذه القصص في خريطة واحدة وحدد ما يجب تركه وما الذي يمكنك الاستفادة منه من الماضي للمضي قدماً في المستقبل.

2. التصرف بطريقة شاملة وحازمة:

تؤدي العجلة غالباً إلى اتخاذ القرار بسرعة، وإلى ممارسة القادة سلوكاتٍ حاسمة؛ ففي أوقات الأزمات، قد يكون هناك ميل إلى اتخاذ قرارات هامة منفردة أو في مجموعات صغيرة، ويبدو هذا الخيار هو الأسرع؛ ولكنَّه التحرك الخطأ في بيئة تتغير بسرعة كما هي الحال الآن، حيث لا يستطيع أي شخص أن يتمتع بالمنظور الصحيح وبكل المعلومات الضرورية.

ونظراً لأنَّه لا يمكن فرض التغيير أو إدارته بشكل دقيق في شركة، فإنَّ البديل المنطقي الوحيد هو أن يكون هذا التغيير شاملاً على نطاق واسع، وألا يكون كل شيء قابلاً للنقاش؛ ومن خلال إشراك المزيد من الأشخاص في هذه العملية، فأنت تكتسب وجهات نظر غير نمطية ومعلومات فريدة ورؤى غير شائعة، ستساعدك على تكوين حل أكثر ابتكاراً ومراعاةً للمستقبل.

يوجد عدد لا يحصى من الطرائق لطلب الأفكار والتغذية الراجعة من فريقك، بدءاً من جلسات تبادل الأفكار الجماعية، ووصولاً إلى الاجتماعات المباشرة وحتى الاستطلاعات عبر الإنترنت؛ إذ يمكنك البدء بجمع أفكار فريقك من خلال إنشاء رؤية مشتركة للتهديدات والظروف والفرص ونقاط القوة المفيدة في الظروف الحالية، والمفتاح هنا يكمن في استكشاف وجهات نظر مختلفة معاً لاكتساب رؤية مشتركة.

على سبيل المثال: اندمَجتُ مؤخراً إحدى الشركات التي أُقدِّم لها الاستشارات مع شركة أخرى، والتي كانت بحاجةٍ إلى وضع بيان رؤية جديد ووصف ثقافتها التنظيمية، ولجمع الأفكار وضمان حصول الناس على الفرصة لوضع بصمتهم، قمنا بتنظيم العديد من مجموعات التركيز الافتراضية مع موظفين من أربع قارات مختلفة في أسبوع واحد.

عندما تتمكن المجموعات المتنوعة من مناقشة خيارات العمل بدقة، فمن المرجح أن تتحد جميع الأطراف حول القرار النهائي، حتى لو لم يكن هذا هو النتيجة المفضلة لديهم، فتشجيع الاندماج الحقيقي منذ البداية يعزز الالتزام.

إقرأ أيضاً: بناء سلطة الخبرة... قيادة العمل من الأمام

3. التعاون مع الفريق للتفكير في توجهاتٍ جديدة تعتمد على رؤية الشركة:

ومرة أخرى، من المستحيل أن نتكهن بالمستقبل وبمدى كون التغيير مضموناً أم لا؛ ولكن من المؤكد أنَّ رسم الطرائق المختلفة لتحقيق الرؤية الشاملة لشركتك أمر ممكن؛ بل إنَّها في الواقع ممارسة رائعة تحاول جعل مواءمة الموظفين مع مهمتك أمراً ممكناً.

للقيام بذلك؛ حدد ما لا يقل عن ثلاثة توجهات استراتيجية تتخذ طرائق متميزة نحو تحقيق رؤية شركتك؛ فالعمل الجماعي ووصف هذه توجهات بالتفصيل الكافي يجعلونهم يتمتعون بشيء من الواقعية؛ بالإضافة إلى ذلك، تذكَّر أن تنتبه إلى افتراضات أو قواعد أو عقليات الماضي التي يجب التخلي عنها؛ تخيل حقاً أنَّ كل اتجاه يمكن أن يكون هو الطريقة التي تمضي قدماً بها؛ إذ سيوضح هذا الاكتشاف الاختيار الذي سيظهر، ويمكنك بعد ذلك تحديد اتجاه واحد هو الاتجاه المناسب لشركتك الآن. 

عند التعامل مع أحد عملاء البرمجيات لدينا، كان كبار أعضاء الفريق في انسجام تام مع ضرورة نموهم، ومع ذلك، فإنَّ عدم التوافق كان حول كيفية النمو؛ لذا حددنا ثلاثة اتجاهات بديلة للمستقبل بوصفها نقطة انطلاق، خلال اجتماع خارج الشركة ضمَّ كبار القادة، وقمنا بتنظيمهم في مجموعات صغيرة بطريقة تمكن كلًّا منهم من استكشاف اتجاه واحد.

وكانت وظيفتهم تتلخص في التعرف إلى كيفية عمل هذا الاتجاه كما لو كان الاتجاه المختار، ولقد تطلَّب هذا من بعض الناس أن يفكروا في اتجاه مغاير لأفكارهم الأصلية، حتى أنَّ البعض اضطروا إلى تقديم الحجج لصالح شيء كانوا يعارضونه في البداية، وبعد فهم الاتجاهات وكل الحجج المؤيدة والمعارضة لكل منها، يمكن أن يتواءم كل منهم مع اتجاه واحد، وأن يتجاهلوا الاتجاه الذي فضلوه في بداية الاجتماع.

إقرأ أيضاً: 6 إجراءات يعزز بها القادة الناجحون التعاون في فرقهم

4. إظهار التوازن العاطفي (التصرف بإنسانية):

في هذه اللحظة، يعيش الناس في ظل مستويات عالية من التهديد، وقد تكون هذه العوامل حقيقية أو ملموسة، وقد تكون عاطفية أو بدنية أيضاً. والتظاهر بأنَّ المستوى الحالي من عدم اليقين والغموض لا يؤثر فيك أو في هذه الشكوك، هو أمر غير قابل للاستمرار؛ لذا قدم النوع الصحيح من التشجيع ولا تستخدم الخوف بوصفه محفزاً؛ بدلاً من ذلك، ساعد الموظفين على اكتشاف أسباب إيجابية للتأقلم مع التغيير.

على سبيل المثال: يقوم أحد عملائنا بتوزيع اللوازم الطبية، ولم يسبق أن بدا أنَّ هذا العمل بالغ الأهمية، والتغييرات التي تبدأها هذه الشركة تدعم هذا الهدف الشجاع، مما يعني أنَّها أيضاً محفزات إيجابية، ولا تمتلك كل الشركات مثل هذا الارتباط القوي بالأزمة الحالية؛ ولكن يمكن لجميع الشركات أن تجد سبباً إيجابياً للتغيير (بدلاً من مجرد التغيير لدرء الإخفاق).

وفي الوقت نفسه، تأكد من الموازنة بين تفاؤلك والواقعية؛ إذ قد يبدو القائد المتفائل غير متصل بالواقع وقد يفقد ثقة فريقه؛ لذا اعترف بارتفاع مستويات التوتر والمخاطر التي يمكن أن تصاحب التغيير أثناء إرسال رسالة مفادها أنَّ الجميع سيكتشفون ذلك معاً.

يمكنك القيام بذلك من خلال الاستثمار في موظفيك وإثبات كونهم جزءاً من الحل؛ تحقق في كثير من الأحيان، واستفسر عن كيفية القيام بذلك، ثم دوِّن الإجابة، قد لا تكون قادراً على معالجة كل قضية أو مسألة؛ ولكنَّك سوف تكتسب فهماً أفضل لحقائقها واحتياجاتها.

من خلال الممارسة العملية، يمكنك إعادة صياغة التغيير من تهديد إلى حالة حياة أخرى، يمكنك أن تدرب نفسك على رؤية الفرص والاتجاهات المحتملة في أوقات التغيير؛ ففي الواقع، إنَّ رؤية الفرص التي كنت ترى فيها التهديدات هي في الواقع أمر مهدئ (بل وحتى منشِّط)، ويمكنك تعميم هذا المفهوم على فرقك أيضاً.

والسؤال الذي كثيراً ما أطرحه على نفسي هو: ما هو الآن وقت العمل المناسب؟ والآن حان الوقت للنظر في كيفية الاستعداد لهذه الظروف المهنية الحالية والاستجابة لها؛ لذا اعترف بعقليتك وغيرها أثناء تنقلك بسبب جائحة فيروس كورونا، وتذكر أنَّ شركتك سوف تمر بهذه الأزمة وأنَّها سوف تواجه التغيير دائماً، وأنَّ التحولات التي تمر بها شركتك اليوم، ستسفر عن تغيرات جديدة وشكوك جديدة في الطريق، ومن خلال الممارسة العملية، سوف ترى هذه التغييرات فرصاً. 

ورغم أنَّ التنبؤ بالمستقبل أمر مستحيل، إلا أنَّ الاستعداد للتغيير الحتمي أمر ضروري؛ إذ يتطلب التأقلم مع هذا التغيير عضلة تزداد قوة مع الاستخدام.



المصدر




مقالات مرتبطة