4 مفاتيح أساسية لتحسين تواصلك كقائد

يَعرف القادة أنَّ أحد التحديات الرئيسة التي تطرحها مناصبهم هو القدرة على التواصل بكفاءة مع الموظفين الذين يعملون معهم، ويمكِن عَدُّ المقال هذا تكريماً لأحد أبرز رواد نظرية التواصل البشري بول واتزلاويك (Paul Watzlawick)؛ إذ يسهل فهم واستيعاب أعماله، وتستمر إلى يومنا هذا في إرشادنا في فهم هذه الظاهرة المعقدة والمتعددة الأبعاد.



نستعرض فيما يلي أربع أفكار بديهية من أفكاره، ثمَّ سنتحقق من قيمة كل منها فيما يتعلق بالقيادة:

1. من المستحيل الامتناع عن التواصل:

التواصل

إليك تمريناً بسيطاً لتجرِّبه: حاوِل أن تقف بجانب شخص يعرفك، ولا تقل شيئاً على الإطلاق، ولا تتحرك، ثمَّ اسأله بعد فترة عما يعتقد أنَّك تعنيه بهذا الصمت، وسترى كيف سيبدأ في استنتاج أفكارك أو نواياك؛ كأن يعتقد أنَّك كنتَ غاضباً، أو غارقاً في التفكير، أو خائفاً، أو ما شابه.

تتيح لنا هذه التجربة البسيطة رؤية جوهر أول فكرة بديهية؛ أي أولى الحقائق التي لا تحتاج إلى برهان.

ضع نفسك الآن في منصب قيادي مع فريق مسؤول، وتخيَّل أنَّك مررتَ بليلة مُروِّعة وقررتَ في اليوم التالي الذهاب إلى المصنع والتحدث بأقل قدر ممكن، كي لا تفشل في أداء عملك أو يظهر مزاجك السيء؛ فتدخل خفيفاً كالنسمة، وتحيي فقط أولئك الذين يعبرون أمامك، وتتجنب النظرات وجميع أنواع المحادثات، بدءاً من مباراة كرة القدم المقررة يوم الأربعاء ووصولاً إلى رأيك بالمدير الجديد، وتقتصر على الإجابة عن الأسئلة التي تتعلق بخطة الإنتاج حصرياً، فكل هذا من أجل الامتناع عن التواصل حول أي شيء على الإطلاق.

سيتضح بحلول موعد الغداء أنَّ الجميع قد أدركوا بالفعل أنَّك تمر بيوم سيء، وبدأوا في اللحظة نفسها في وضع فرضيات حول أسباب ذلك، مثل أنَّك كنتَ قلقاً بشأن مشكلات السلامة، أو أنَّ طفلك الأكبر لا يقتدي بك في الدراسة، أو أنَّك كنتَ مستاءً فحسب، ثمَّ يبدؤون التصرف وفقاً لذلك، ولقد حدث كل ذلك دون أن ترغب في إيصال أيَّة رسالة شيء على الإطلاق، أليس هذا غريباً؟

يهدف اكتشاف نطاق الفكرة البديهية الأولى لنظرية التواصل إلى إعطائها الأهمية والحصول على فهم كامل لمدى صعوبة التعامل مع العلاقات بين الناس؛ فهي ترفع سقف التحدي عالياً، بأنَّه إذا كُنَّا فعلاً نتواصل طوال الوقت، فيجب علينا القيام بذلك بطريقة تتوافق مع ما نريده.

ويكمن حل هذا في وصف الفكرة ذاتها، طالما افترضنا منذ اللحظة الأولى أنَّنا نفهم بعضنا بعضاً، فسيكون ذلك جزءاً من العملية، مما يعني ضرورة الالتزام ببناء ميثاق مشترك والانتباه إلى أنَّه لن يدوم إلى الأبد؛ بل يجب أن نكون منتبهين بشكل دائم لضبط أي متغير.

يهدف إدخال هذه الأفكار في الحياة اليومية للقادة إلى تحقيق الفهم العميق لمدى أهمية أخذ الوقت اللازم للتحدث مع المتعاونين معهم في العمل، محاولين بذلك توضيح أيَّة نقطة قد تكون غامضةً أو مبهمة.

من إحدى الأمثلة التي تتكرر كثيراً في هذا الصدد، إمكانية شعور الموظف بأنَّ صمت قائده يعني انخفاض تقديره لعمله؛ لذلك، من الهام جداً أن يُفصِح المحاور عن جملة كالجملة التالية: "أنا أفهم أنَّ تقييم مهمتك لا يهدف إلى تحديك؛ بل إلى تهنئتك"؛ وبهذا يُحدِّد الموظف وجهة نظره أيضاً ويوافقك على آرائك؛ إذ لا غنى عن التعبير الصادق والإصغاء بصورة متعاطفة.

إقرأ أيضاً: فن التعامل مع الآخرين

2. تتضمن كل عمليات التواصل محتوىً محدد وعلاقة محددة، بحيث يحدد مستوى العلاقة نوع المحتوى؛ وبالتالي يشكل تواصلاً ثانوياً:

تواصل ثانوي

ونضيف هنا فكرةً بديهية أخرى: جميع عمليات التواصل لها جانب تناظري (المحتوى) وجانب رقمي (النوع).

فكِّر على سبيل المثال: في أنَّك تستطيع في العديد من المرات أن تُسخِّر من شيء ما باستخدام نبرة صوتك فقط؛ أي كأن تقول في موقف ما: "نعم، نالت ترقية لأنَّها تؤدي وظيفتها بشكل جيد"؛ فتقول بذلك شيئاً، ولكنَّ الناس في الواقع يسمعون عكسه؛ إذ وحدها نبرة صوتك تتحكم في المعنى الذي تحاول إيصاله، ولا يبقى لكلماتك أي دور.

قد تقول بصفتك قائداً شيئاً ما، ولكن بنبرة معيَّنة، سواء بقصد أم دون قصد؛ لذا لا تشكو لاحقاً إذا كان المتعاونون معك لا يتوافقون مع شعاراتك.

3. يمكِن أن تكون عمليات التواصل متناسقةً أو تكمل بعضها بعضاً:

كيف تنتهي محادثاتك مع موظفيك؟ هل ترد بعدوانية أم بحس فكاهي على مَن يرد عليك بصورة سيئة؟ ومع مَن تقلل حديثك؟ وهل تتحدث قليلاً أم تحاول بدء الأحاديث؟

عندما نتحدث عن الاستجابات المتناسقة، يجب أن نفكر في أحد آثارها السلبية الرئيسة، والذي سنوضحه من خلال فكرة "الدمار المتبادل" (Mutually assured destruction)، التي طورها فون نيومان (Von Neumann) في منتصف الحرب الباردة، وهو يوضح أنَّ تصعيد العنف لا جدوى منه، مع حدوث عواقب وخيمة لكلا الطرفين.

أخيراً، يُعلِّمنا "وازلاويك" (Wazlawick) أنَّ الأفضل هو الاستخدام التوافقي لطريقتَي الاستجابة، مما يمنحنا المرونة والتكيف والكفاءة الأكبر في التعامل مع المحادثات.

الخطأ الذي يُلاحَظ كثيراً في الواقع في هذه الطريقة هو الاستجابة في جميع الحالات بطريقة التناسق أو بطريقة التكامل (تخيَّل مدى خطورة الرد دائماً على عدوان الآخر بالخضوع له).

إقرأ أيضاً: نموذج محرابيان (Mehrabian) للتواصل، تعلّم التواصل بوضوح

4. تسلسل النتيجة في الحقائق:

هذا يعني تحديد نقطة البداية أو سبب المشكلة؛ فالحقيقة أنَّ المتحدثين يؤثرون في بعضهم بعضاً، دون أن يكون كلام أحدهم بالضرورة رد فعل على كلام الآخر.

هناك أمور يجب أن نفكر فيها بطريقة الدائرة المفرغة أو الخاتم، بدون مبدأ واضح أو نهاية واضحة. ومع ذلك، من الشائع في التفاعلات أن ينسب شخص ما سبب سلوكه إلى ما يقوله الآخر أو يفعله أو حتى يفكر فيه.

عملياً، قد يقول القائد: "أنا لا أضيع وقتي في عقد اجتماعات الابتكار؛ فلا أحد يطرح أيَّة فكرة جديدة"، بينما يرى الموظفون الأمر من وجهة نظرهم قائلين: "نحن لا نطرح أي اقتراح، لأنَّه ليس لدينا فرصة للقيام بذلك".

لذا؛ فإنَّ الطريقة الوحيدة للخروج من هذه الحلقة المفرغة هي افتراض وجودها، مما يعني عدم إلقاء اللوم؛ بل تحمُّل المسؤولية في هذا الأمر، كما لا يجب أن تخشى الشك وعدم المعرفة، فمن الأفضل دائماً أن نشك بما نفترض أنَّ الآخرين يؤمنون به، بدلاً من عَدِّ ما هو خارج عن فهمنا أمراً مفروغاً منه.

المصدر




مقالات مرتبطة