4 دروس هامة تتعلمها عندما تتجاوز الماضي

لا داعي لتذكُّر أحداث وأخطاء الماضي باستمرار خلال رحلتك لتطوير نفسك وتغييرها نحو الأفضل، فالجميع ينمو ويتغير بطرائق عدة، لكنَّنا نغفل عن إعطاء أنفسنا فرصة عادلة للتغيير والنمو، وذلك لأنَّنا نستمر في التمسك بآثار الأحداث الماضية، فلا نتقدم بسرعة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "مارك تشيرنوف" (Marc Chernoff)، ويحدِّثنا فيه عن تجربته في تدريب الأشخاص على تخطي الماضي الأليم.

نقع جميعاً ضحية سلوكاتنا المعوقة للتقدم، وقد لا ندرك أنَّنا نفقد بركة الحاضر بسبب التمسك بالماضي الأليم؛ لذا كان علينا بذل قصارى جهدنا للتركيز على النجاح في الحاضر بدل التركيز على الماضي؛ ذلك لأنَّنا نعلم جميعاً أنَّ النمو عملية مؤلمة، وكذلك التغيير، إلا أنَّ ألم الحاضر لا يُقارن بألم إعادة إحياء أحداث الماضي والتمسك بها.

إليك قصة حقيقية سريعة أرغب في مشاركتها معك.

عندما تجرُّنا الذكريات القديمة للوراء:

كنت قد قابلت فتاةً يائسةً يصعب عليها التواصل بصرياً مع الآخرين؛ إذ كانت تنظر تجاه الأرض غالباً؛ وذلك لأنَّها تعتقد أنَّ الأرض أكثر أماناً من وجوه الناس المخيِّبة للآمال، فضلاً عن أنَّها لن تشعر بالخجل من ماضيها عند مواجهتها للأرض، فهي تتقبلها على ما هي عليه الآن.

جلسَت بجانبي، تحدق إلى المشروب أمامها، ثم تنقل ناظريها إلى الأرض بالتناوب، وبعد سؤالي عن حالها أجابت: "لا يفهمني معظم الناس، فيسألونني أسئلة مثل: "ما هي مشكلتك؟"، أو "هل تعرضتِ للضرب في طفولتك؟"، لكنَّني لا أرد أبداً؛ وذلك لأنَّني لا أشعر بالرغبة في الشرح، ولا أعتقد أنَّهم يهتمون لأمري".

وعندها ظهر شاب على الجانب الآخر من الطاولة، وقال فجأة: "أنت جميلة، هل لي أن أطلب لك شراباً على حسابي؟"، لم تحرِّك الفتاة ساكناً، ونظرت إلى الوراء منكسةً رأسها ناحية الأرض، وبعد مرور هذه اللحظة المحرجة، فهم الشاب الرفض فنهض ومشى مبتعداً.

فبادرتُ مسرعاً قائلاً: "هل تفضلين أن أغادر أيضاً؟"، لتجيب: "لا"، من دون النظر إلى الأعلى، ثم بعد ذلك أرادت استنشاق بعض الهواء النقي، وذكرت أنَّه يمكنني مرافقتها إن أردت؛ فتبعتها إلى الخارج، وجلسنا على رصيف الشارع.

قلت مستشعراً برد الشارع: "إنَّها ليلة باردة".

فأجابت: "أعرف ذلك" مع الحفاظ على نظرتها المعتادة إلى الأرض، ثم باغتتني بسؤال: "إذاً لماذا أنت هنا معي؟ ألا تفضل أن تكون في الداخل في الدفء، وتتحدث إلى الناس العاديين عن أمور عادية؟".

فأجبتها: "أنا هنا لأنَّني أريد أن أكون، ولأنَّني لست كباقي البشر؛ انظري كيف أراقب أنفاسي الخارجة كما تفعلين، ولاحظي أنَّ كلينا يرتدي أحذية رياضية قديمة جداً".

فنظرت إليَّ وتبسمت، وزفرت بأنفاسها إلى أعلى باتجاه ضوء القمر، ثم قالت: "أرى أنَّك ترتدي خاتماً، فهل أنت متزوج؟".

أجبتها: "نعم، وستصل زوجتي في أيِّ وقت الآن لنتناول العشاء".

فقالت: "حسناً، هل يمكنني أن أخبرك بقصتي بما أنَّك تملك بعض الوقت؟"، فأجبتها: "طبعاً، كلِّي آذان صاغية".

بينما تروي قصتها، كنت أراقب كيف تتحول نظرتها العاطفية من الأرض، نحو عينيَّ، ثم إلى السماء المقمرة، ورجوعاً إلى الأرض، والعودة إلى عينيَّ مرةً أخرى، فيستمر هذا الدوران في حلقة طوال مدة رواية قصتها، وفي كل مرة تلتقي عيناها بعينيَّ تطيل النظر أكثر من المرة السابقة، وقد أصغيتُ إليها بعناية من دون أيِّ تدخُّل، محاولاً استيعاب مشاعرها الصادقة الحاضرة في نبرة صوتها وفي عمق عينيها.

ثم أنهت كلامها قائلةً: "حسناً، بما أنَّك عرفت قصتي، فأنت تعتقد الآن أنَّني غريبة أطوار، أليس كذلك؟" .

فاجأتها بطلب غريب وطلبت منها أن تضع يدها اليمنى على صدرها، وسألتها: "هل تشعرين بشيء؟"، فأجابت: "نعم، أشعر بنبضات قلبي".

فقلتُ: "أغلقي عينيك الآن، وضعي كلتا يديك على وجهك، وحركيهما ببطء؛ ما شعورك الآن؟".

فأجابت: "أشعر بعينيَّ وأنفي وفمي، فأنا ألمس وجهي"، فقلتُ لها: "هذا صحيح، لكن لاحظي معي؛ لا تملك قصتك تفاصيل بارزة ومحددة كما يملك وجهك، ولا تملك نبضاتٍ كقلبك؛ ذلك لأنَّ القصص ببساطة ليست كائناً حياً مؤثِّراً، بل مجرد قصص".

فإذا بها تحدق إلى عينيَّ لمدة طويلة، وتبتسم بصدق وتقول: "مجرد قصص عشناها".

فأجبتها: "نعم، مجرد قصص نتعلم منها".

شاهد بالفيديو: 15 درس يجب أن نتعلمها من الحياة

العِبَر المستخلصة من تخطي أحداث الماضي:

بعد مدة، قررتُ وزوجتي أن نبدأ دورة تدريبية بعنوان "العودة لطريق السعادة"، وأصبحت السيدة المذكورة في القصة أعلاه من أوائل المتدربين لدينا، كما توطدت علاقتنا وأصبحنا أصدقاء، فقد تعلَّمَت وطبقَّت عديداً من الدروس الرائعة على مر السنين، والتي مكَّنتها أخيراً من التخلص من ماضيها الأليم وقصتها المفجعة للمضي قدماً في حياتها.

كنَّا قد جلسنا في الليلة الماضية في لقاءٍ ودِّي وتحدثنا على نحو شفاف وعميق عما تعلَّمته على مر السنين؛ لذا سنشارك ما تعلَّمته في هذا المقال؛ وذلك لأنَّني على ثقة بأنَّنا نواجه جميعاً صعوبات بطرائق مماثلة لإيجاد السعادة.

فيما يأتي أربعة دروس جوهرية يمكننا الاستفادة منها وتطبيقها في حياتنا:

1. عدم السماح للماضي الأليم بأن يهيمن على حاضرك المشرق:

نشعر جميعاً بين حين وآخر بالألم والغضب والحزن والإحباط وخيبة الأمل والندم، وإلى ما هنالك؛ أمعن النظر في مصدر الألم داخلك، وستجد أنَّه إمَّا حدث في الماضي القريب، وإمَّا في الماضي البعيد.

سيصر عقلك على أنَّ مشاعر الألم الحالية وليدة أحداث الماضي، لكن عليك أن تعي جيداً أنَّ ما حدث في الماضي لا يحدث الآن؛ إذ إنَّه انتهى وانتهت معه جميع المشاعر السلبية، لكنَّك ستستمر في الشعور بالنتائج المؤلمة إن استمرَّيت في إعادة أحداث القصة الماضية في عقلك الباطن.

لاحظ أنَّ كلمة "القصة" لا تعني بالضرورة أنَّها مزيفة أو حقيقية، فليس المقصود "بالقصة" التي نرويها لعقولنا في سياق تقييم ذواتنا أن تعكس الجانب الصحيح أو الزائف، الإيجابي أو السلبي من الأمور، أو أيَّ حكم ذاتي، بل هي ببساطة عملية تحدث في داخل رأسك كالآتي:

  1. تتذكر حدوث أمرٍ ما.
  2. ثم تنظر إلى نفسك تلقائياً كضحية لهذا الحادث.
  3. فيولِّد استذكار الأحداث عواطف جياشة نحو ما حدث لك.

لذا فنصيحتي هي أن تعي مجريات الأحداث من دون إصدار أحكام عليها أو على نفسك؛ إذ من الطبيعي أن تكون لديك قصة مؤلمة في الماضي، وعليك النظر إلى الأمر بصورة عادية، ما دام من الطبيعي أن تسبب لك الأحداث الماضية بعض الألم؛ لذا خذ نفساً عميقاً، وابدأ الشعور بالسلام الداخلي فور إطلاق هذه الأنفاس العميقة، واختر عدم السماح للماضي بالتحكم بأفكارك الحالية وعواطفك.

2. قناعة الشخص بضرورة التغاضي عن الماضي هي جزء كبير من عملية تخطِّيه:

علينا أن ندرك فداحة خطئنا حينما نتمسك في يأسٍ بأحداث الماضي، كما لو كانت حقيقية، بينما لم يعد لها وجود في أرض الواقع، وإن وُجدت فبصور مختلفة وأقل تأثيراً من الماضي، أو أنَّها ببساطة قصص من نسج أذهاننا؛ إذ يصبح التعامل مع الحياة أسهل بكثير في اللحظة التي نفهم فيها هذا.

تخيَّل أنَّك تسبح في حوضٍ، معصوب العينين، تكافح لإيجاد حافة المسبح التي تعتقد أنَّها قريبة، لكنَّك مخطئ؛ إذ إنَّها بالحقيقة بعيدة للغاية، ستوتِّرك وتتعبك مجرد محاولة العثور على هذه الحافة الخيالية، بينما تتهاوى هنا وهناك في محاولة يائسة لإيجاد شيءٍ غير موجود.

الآن تخيل أنَّك تتوقف مؤقتاً، وتأخذ نفساً عميقاً، وتدرك أنَّك محاطٌ بالماء من كل جانب، ولا وجود لأيِّ شيء تتمسك به؛ هل ستستمر في محاولاتك المستميتة لإيجاد الحافة؟ أم ستقبل وجود الماء من حولك، وتسترخي وتعوم.

 أتحداك أن تسأل نفسك اليوم:

  1. ما هو الأمر الذي تحاول يائساً أن تتمسك به من الماضي؟
  2. كيف يؤثِّر فيك بالوقت الحاضر؟

ثم تخيَّل اختفاء ما تحاول التشبث به، وتخيَّل نفسك تتخلى عن الفكرة القديمة وتنعم بالسلام؛ كيف ستتغير حياتك من الآن فصاعداً؟

3. الاستشفاء بالتعاطف مع من يواجهون أحداثاً مؤلمة كالتي مررت بها، من آلامك الخفية:

عندما تعيد إحياء تجربة مؤلمة مررت بها في الماضي، سيسيطر عليك شعور أنَّك بمفردك، وأنَّك لن تجد من يفهم شعورك؛ ذلك لأنَّنا بطريقة ما، نضع أنفسنا من دون وعي في مركز الكون، ونرى تأثير كل الحوادث بمحدودية، من دون اعتبارٍ لأيِّ شخصٍ آخر.

لكن بينما ننمو من خلال آلامنا ونوسِّع آفاقنا تدريجياً، نبدأ ملاحظة تفكيرنا المتمركز حول الذات، والذي لا يؤدي إلا إلى تأجيج آلامنا، فندرك أنَّ تحويل تركيزنا عن أنفسنا، والتفكير في الآخرين لبرهة، سيساعدنا على النهوض وتخطي الأمر.

إحدى مفارقات الحياة الكبيرة، أنَّنا نستفيد من تقديم الخدمات للآخرين بقدر ما يستفيدون هم؛ لذلك كلما شعرت بقوةٍ جارفةٍ تعيدك لألم الماضي، حوِّل تركيزك عن حياتك إلى تطوير حياة الآخرين، سواء كانوا قريبين أم بعيدين، وتُعَد ممارسة تمارين التنفس كإحدى طرائق الشفاء أبسط طريقة لفعل ذلك بسرعة؛ إذ تتنفس بوعي مخرجاً كل شعور مؤلم، ممثِّلاً ألم كل شخص يعاني في العالم.

على سبيل المثال:

  1. إذا كنت تشعر بالحزن، فأخرج نفساً عميقاً يحمل كل حزن العالم، ثم تنفس مرة أخرى شاعراً بالسلام.
  2. إذا كنت تشعر بالغضب، فأخرج كل غضب العالم بنفسٍ واحد، ثم تنفس مرة أخرى مانحاً المغفرة.
  3. إذا كنت تشعر بالندم، فأخرج كل ندم العالم بنفس، ثم تنفس بكل الامتنان للأوقات الجيدة.

مارس تمرين التنفس لمدة دقيقة أو دقيقتين حسب الحاجة، وكما ذكرنا سابقاً، من الهام جداً أن تتخيل اجتماع جميع آلام الأشخاص المحيطين بك والبعيدين عنك، لتخرجها جميعاً في زفرةٍ طويلة، ثم أتبعها بتنفسٍ بطيءٍ مليءٍ بالتعاطف والتصالح ليشمل جميع الذين يعانون الألم، وبهذا تتقبل آلامك بدلاً من الهرب من الماضي المسبب لها، والذي ينتهي غالباً بالتسبب في أذى نفسي، كما أنَّك تفكر في الآخرين أيضاً، ممَّا يخرجك من فخ العقلية البائسة المتمركزة حول الذات.

إقرأ أيضاً: التعاطف مع الذات وأهميته

4. البحث الدائم عن الجانب المشرق في الحاضر والذي يستحق الامتنان:

حتى عندما تجرُّك آلام الماضي للغوص بها، فما زالت تستطيع التركيز على النِّعم الحالية بعيداً عن خسائر الماضي؛ لذا أظهر امتنانك وشكرك لكلِّ النعم، من الصحة إلى العائلة والأصدقاء والمنزل، لأنَّ كثيراً من الناس لا يملكون حتى هذه الأمور.

وذكِّر نفسك دائماً بأنَّ الغني ليس من امتلك كل شيء، بل من تحرر واكتفى بالقليل، وما الغنى إلا قناعة داخلية؛ لذا قلِّص حاجتك وزد من امتنانك بما تملكه الآن.

قد يكون الكلام النظري أسهل من التطبيق العملي، لكن ستسهل الأمور بالممارسة، وستنتقل من قيود الماضي المؤلمة إلى حرية الحاضر؛ إذ إنَّ الناس أجمعوا على أنَّ السعادة تنبع من التخلي عن الضرورات المفترضة، والتركيز على نِعم الحاضر؛ لذا تبسَّم قبل أن تغمض عينيك في نهاية اليوم، واشعر بالسلام الداخلي لوصولك إلى ما أنت عليه، وكن ممتناً لذلك؛ فالحياة جميلة.

إقرأ أيضاً: كيف تركز على الجانب المشرق في الحياة عندما تسوء الأمور؟

في الختام:

نذكِّرك مرة أخرى أنَّ جميع ما سبق يحتاج إلى ممارسة وتدريب لاستيعابه بشكل كامل في الحاضر، وذلك لأنَّنا قد لا ندرك أنَّنا نحول من دون انتشار البركة والسعادة في حياتنا بتمسكنا بآلام الماضي؛ لذا استمر في تذكير نفسك بأنَّ:

  1. الأيام السيئة لا تمثلك.
  2. الأخطاء والعثرات لا تمثلك.
  3. كما أنَّ ندوب الأحداث الماضية لا تصفك بدقة.
  4. وأنَّ ماضيك لا يدل عليك.

إنَّما هي دروس وعِبر تأخذها وتكمل مسيرتك نحو الجانب المشرق من حياتك؛ لذا أثبت وجودك في الحاضر وحسب، وتنفس بعمق، وإذا استطعت تجاوز الماضي، فأجب عن الأسئلة الآتية:

  1. ما هو الماضي الذي تصر على التمسك به؟
  2. كيف يؤثر ذلك فيك في الحاضر؟

المصدر




مقالات مرتبطة