4 إجراءات لمنع تشكل بيئة عمل سامة في فترة ما بعد الجائحة

لقد مضى حوالي عامين على ظهور جائحة كوفيد-19، وبدأَت العديد من الشركات والمكاتب الترحيب باستقبال موظفيها وعملائها مجدداً، لكن من الواضح أنَّ نمط الحياة الذي عهدناه لن يعود الآن أبداً إلى ما كان عليه سابقاً.



لقد نجونا من تلك الأوقات الصعبة ونحن أكثر حكمةً فيما يتعلق بالعادات اليومية، إلا أنَّنا ابتعدنا عن لقاء الآخرين والتواصل شخصياً معهم بالتزامن مع فرض إجراءات التباعد الاجتماعي، وقد كان هذا التباعد جسدياً وعاطفياً، ولعل انقسام الرأي أحد النتائج المؤسفة الذي ترتَّبَ على هذه الجائحة؛ إذ نشب الخلاف أولاً على تحديد فيما إذا كان ارتداء الأقنعة الواقية أمراً ضرورياً أم لا؛ حيث رفض بعض الناس ارتداءها بشدة، ومؤخراً أثار اللقاح المزيد من النزاعات، وكان التوتر على أشده بين معارضي التطعيم ومؤيديه.

الآن، مع عودة العديد من أماكن العمل إلى فتح أبوابها من جديد، يقع على عاتق أرباب العمل مسؤولية خلق جو إيجابي وآمن للعمل، من شأنه سد الشرخ العاطفي والتخفيف من حدة التوتر الناجم عن انقسام الآراء، وفيما يلي بعض الإجراءات الواجب أخذها في الحسبان عند أداء هذه المهمة:

1. العمل مع المعارضين لفكرة التطعيم والامتناع عن إحراجهم:

إنَّ القرار بعدم أخذ اللقاح خيارٌ شخصيٌّ، على الرغم من أنَّ مؤيدي فكرة التطعيم يعتقدون أنَّ مَن يتجنبونها أناس أنانيون ومن المحتمل أن يشكلوا خطراً على المجتمع، إلا أنَّهم لا يعرفون مبررات اتخاذ هذا القرار، والتي قد يكون بعضها طبياً، في حين أنَّ الأمر برمَّته ما هو إلا اختلاف في وجهات النظر؛ لذا يجب ألا يسمحوا بامتداد تأثير معتقداتهم الشخصية إلى مكان العمل.

وإحدى أكبر العقبات التي لا بُدَّ من التغلب عليها عند عودة الجميع إلى الإقبال على مكان العمل، هي القدرة على الحفاظ على ذهن متفتح فيما يتعلق بالقرارات التي يتخذها الآخرون بشأن اللقاح، ويجب غالباً على زملاء العمل التحلي بالمهنية والقدرة على ضبط مشاعرهم لتسهيل العودة إلى العمل وخلق بيئة عمل إيجابية، فإذا كنتَ لا ترتاح إزاء وجودك بالقرب من زميلة أو زميل لك في العمل لم يأخذا اللقاح بَعْد، ففي إمكانك عندها وضع حدودك الخاصة، دون أن تتسبب في إحراجهم؛ مما قد يؤدي إلى أثر معاكس لما أردتَه.

إقرأ أيضاً: مزايا وعيوب لقاحات كورونا (كوفيد 19)

2. إعادة بناء علاقات تنطوي على مزيد من الرعاية:

لقد خلَّفَت الجائحة شعوراً بالعزلة والوحدة إلى حد لا يمكن تصوُّره لدى الكثير من الناس؛ لذا سيكون استئناف ممارسة العادات القديمة في مكان العمل أمراً صعباً بالنسبة إلى الكثيرين؛ حيث أعرب أكثر من ثلثي العاملين عن قلقهم حيال عودتهم إلى مزاولة أشغالهم في مكان العمل، وغدا تحديد ماهيَّة التصرف الملائم والمناسب أمراً عائداً إلى التقديرات الشخصية؛ إذ يمكن لبعض الزملاء أن يرحبوا بالاحتضان أو المصافحة، في حين أنَّ بعضهم الآخر لن يحبذ ذلك.

ستكون آلية التنظيم الجديدة للعلاقات بين الزملاء في العمل مبنيةً على مراعاة الحدود الموضوعة من قِبل الآخرين، وتفهُّم التباين في معتقداتهم ومخاوفهم، وإنَّ الالتزام بذلك في البداية لن يكون أمراً سهلاً، إلا أنَّه بمجرد احترام كل منا لرغبة الآخر، سيغمر الجميع إحساس بالراحة والأمان في مكان العمل.

إقرأ أيضاً: كيف نشجع على التعاطف مع الآخرين في مكان العمل؟

3. التعامل بعقلانية مع الأمراض التي تصحبها أعراض مشابهة لأعراض الإصابة بفيروس كوفيد-19:

في خضم الواقع الذي فرضه تفشي فيروس كوفيد-19، عندما يسعل شخص ما في مكان عام، يرمقه الناس من حوله بنظرات حادة؛ لذا فإنَّ إدراك وفهم أنَّ هناك أمراضاً أخرى مصحوبةً بأعراض مشابهة لأعراض الإصابة بفيروس كوفيد-19، والتعامل معها على نحوٍ مناسب سيكون على قدرٍ عالٍ من الأهمية عند عودتك إلى مكان العمل.

سيحتاج الشخص الذي يعاني من الحساسية الموسمية التي تترافق بنوبات من السعال والعطاس المتكرر، إلى اتخاذ تدابير من شأنها التخفيف من حدة الأعراض المرافقة للنوبات التي تصيبه، كي لا يثير مخاوف مَن هم في محيط عمله، وعلى الرغم من ذلك، لا يجب أن تتسبب الأعراض المشابهة لأعراض الإصابة بفيروس كوفيد-19 والتي لا يمكن للمريض السيطرة عليها في نبذه؛ لذا لا ضير من تثقيف نفسك وإدراك أنَّه ليس بالضرورة أن تشير الأعراض الشبيهة بأعراض الإصابة بفيروس كوفيد-19 إلى الإصابة به، والتعامل برفق مع أولئك الذين يعانون من تلك الأعراض.

4. تفهُّم الإدارة لاضطراب ما بعد الصدمة الوبائي الذي قد يعاني منه بعض الموظفين:

لقد خلَّفَت الجائحة أثراً سلبياً لن يُمحى لدى معظم الناس، وأدى إلى خلق مخاوف أعمق بكثير عند بعضهم الآخر، والمعاناة حقيقة للغاية: إنَّه ما يُعرَف باضطراب ما بعد الصدمة الوبائي؛ إذ إنَّ بعض الأشخاص ينتابهم لأي سبب كان قلق لا يمكن كبحه، والذي من شأنه أن يؤثر أحياناً سلباً في أدائهم اليومي؛ لذا سيحتاج المديرون وغيرهم من قادة الفريق الآخرين إلى التمتع بالمرونة والقدرة على التفهم لاحتواء هذه المشاعر، ومن الضروري أن يعمل القادة على معالجة هذه المخاوف والتحقق من أسبابها، لجعل أعضاء الفريق يشعرون بأنَّه مرحب بهم في بيئة العمل، ولقد خضنا جميعنا خلال العام ونصف العام الماضيين تجارب مختلفة في التعامل مع الجائحة، في حين يمكن للعودة إلى العمل أن تشكل مصدر خوف وقلق حقيقيين بالنسبة إلى بعض الناس، إلا أنَّ إظهار التعاطف والتفهم من شأنه المساعدة على تعزيز الصحة النفسية الإيجابية لدى جميع العاملين.

سيكون التكيف مع أسلوب الحياة الذي فرضَته تداعيات الجائحة أمراً ضرورياً لاستئناف العلاقات الصحية والإيجابية مع الزملاء في العمل، ومن المثير للحماسة العودة إلى مزاولة أشغالنا في مكان العمل، إلا أنَّ ذلك يتطلب مجموعةً من التدابير الخاصة وجهداً إضافياً حتماً لتحقيق ذلك بسلاسة وسهولة، وربما تمكَّنَّا من تجاوز عام 2020 وما صحبه من تحديات، إلا أنَّ آثاره ستدوم إلى أجل طويل.

المصدر




مقالات مرتبطة