4 أمور للتخلص من التوتر المفرط

حصلتُ قبل بضعة أشهر وبعد عقودٍ من العمل وحدي في مجال ريادة الأعمال على وظيفة بصفتي كاتبة مستقلة، وكنت أعلم أنَّ مُنحنى التعلم سيكون شاقاً، لكنَّني آمنتُ أنَّ بعض التوتر سيكون مفيداً بالنسبة إلي؛ إذ تُظهر الدراسات أنَّه مفيدٌ لأسباب عديدة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة "كيري مانجيس" (Keri Mangis)، وتشرح فيه عن تجربتها في التخلص من التوتر المفرط.

في نهاية اليوم الأول من وظيفتي الجديدة حين رميت بثِقل جسدي على الأريكة، وكنت منهكةً تماماً لدرجة أنَّني لم أستطع استجماع طاقتي لأنهض وأصنع لنفسي كوباً من الشاي، وكان عقلي مشوشاً، جرت المحادثة الآتية بيني وبين زوجي:

  • "ماذا تريدين أن تتناولي على العشاء؟".
  • "لا أعرف"، "أيَّاً كان".
  • "هل ترغبين بكأس شاي؟".
  • أشرت له بيدي (نعم).
  • "شاي أخضر أم عادي؟".
  • "لا أعرف".
  • "هل أنتِ بخير؟".

في الحقيقة، لم أكن بخير، ولم يكن مجرَّد إجهادٍ بعد يوم حافل، بل كنتُ أشعر بالإرهاق كلياً، فقد جلست بلا حراك لساعات عدة أشاهد التلفاز، لكنَّني لم أكن أتابع شيئاً في الحقيقة؛ إذ تجمَّدتُ مكاني، وكنتُ في حالة صمتٍ تام غير آبهة كلِّيَّاً بالنشاطات العائلية التي تدور من حولي.

لقد كنت متحمِّسةً لفرصة التعلم والنمو هذه، ولم أُمانع مطلقاً أن أتحمَّل فوق طاقتي، لكنَّ ما تحمَّلته ليوم واحد تجاوز ذلك بكثير، ربما يجب أن تكون هناك حالة تُسمَّى "عسر الهضم الذهني"، لأنَّها تصف شعوري بالضبط.

لقد أتقنت هذا العمل مع مرور الوقت، وتمكَّنت من التعامل مع الإرهاق، حتى أصبح مجرد توتر، فكنت قادرةً على اتخاذ قرارات صائبة في تلك الحالة، ومعرفة ما أحتاج إليه، وطلب المساعدة، والتعبير عنها بفاعلية ووضوح.

لكنَّ الإرهاق مسألة مختلفة كلياً؛ إذ لا يمكن للحديثِ الإيجابي مع الذات أن يُخرجك من هذه الحالة، ولا يمكنك أن تتبع أيَّاً من النصائح المعتادة التي تُطبَّق عندما نشعر بالتوتر، كالتفويض، أو تحديد الأولويات، أو طلب المساعدة، أو وضع الحدود، فعندما تشعر بالإرهاق، قد تشعر أيضاً بأنَّك:

  1. منفصل عن الواقع.
  2. عاجز عن اتخاذ القرارات.
  3. عاجز عن التفكير أو إدراك الأمور بوضوح.
  4. كثير النسيان.
  5. مشتَّت.
  6. منقطع الصلة بحدسك وقلبك.

عندما تشعر بالإرهاق، يصبح عقلك مثل طائرة ورقية طليقة في الهواء، فإقناع نفسك بأن تهدأ، أو تتصرف حيال الأمر، أو أي شيء آخر قد تقوله لنفسك، هو أقربُ لتوقع تحليق طائرة ورقية بمسارٍ مستقيم، فلا يمكنك فعل شيء إلا أن تأمَل بأن تتغيَّر الظروف، لكن إذا عثرت على القدرة الكافية لتُميِّز أنَّك تمرُّ بحالة إرهاق، فيمكنك أن تُسيطر على تلك الطائرة الورقية وعلى عقلك كذلك، وإليك كيفية البدء بالأمر:

شاهد بالفيديو: 8 طرق للتخلص من التوتر

1. توفير مساحة آمنة:

يجب أن تعلم أولاً أنَّ حالة الإرهاق ليست الوقت المناسب لاتخاذ قرارات حاسمة بخصوص الأمور الهامَّة، كالعلاقات أو العمل أو الفرص المتاحة، كما أنَّه ليس وقتاً مناسباً لوضع حدود أو مصارحة شخص ما بحقيقة ما يجري في حياتك، وهذا لأنَّ الإرهاق يفصل عقلنا عن جسدنا، ومن ثمَّ فإنَّ أي قرار تتخذه أو كلمة تقولها ستتمُّ بمعزلٍ عن قلبك وشعورك الغريزي، وقد تندم عليها لاحقاً.

فبدلاً من ذلك، إنَّ هذا الوقت المناسب لتوفير مساحة آمنة لنفسك، تماماً كما تفعل مع طفل صغير خارجٍ عن السيطرة، وتتمثَّل إحدى الطرائق لتحقيق ذلك بالرعاية الذاتية، والتي تُصبح لاحقاً عادات لا يمكن التخلِّي عنها.

المقصود بالرعاية الذاتية هو وضع روتين صباحي ومسائي ثابت، ليس بالضرورة أن يكون طويلاً أو مُتقناً أو معقداً، يكفي أن تُكرِّره بانتظام، بصرف النظر عمَّا يحدث خلال النهار.

فيما يأتي بعض الأمثلة:

  1. ابدأ كل صباح بممارسة الامتنان؛ ضع قائمةً بالأمور التي تشعر بالامتنان لوجودها، مع قضاء 15 دقيقة في المساء تُمارس فيها التنفس اليقظ.
  2. ابدأ يومك بممارسة تمرينات التمدُّد برفق، وأنهِ كل يوم بممارسة الاسترخاء.
  3. دوِّن نواياك لليوم كل صباح، وأنهِ يومك بالاستماع لبعض الموسيقى الهادئة.

إذا كنت مرهقاً، وكان الاختيار بين هذه الأمور الثلاثة مطلباً صعباً، فافعل الأمر الأخير؛ إذ تتمثَّل الفكرة بأنَّه حتى عندما تكون مرهقاً خلال النهار، يوجد مكان وزمان يتوقف فيه كل شيء، حينها ستجد أنَّك تستطيع التحكُّم بزمام الأمور.

أفضل وقت للرعاية الذاتية من الناحية المثالية هو عندما لا تكون مرهقاً، فبهذه الطريقة وحتى عندما تتخلص من شعورك بالإرهاق، فأنت تتبع روتينك تماماً كما تتعامل مع تنظيف أسنانك.

"إنَّ مصدر التوتر في الحقيقة ليس رئيسك في العمل، أو أطفالك، أو شريكك، أو الاختناقات المرورية، أو المشكلات الصحية، أو ظروفاً أخرى، بل إنَّها معتقداتك عن الظروف التي تمر بها" - الفيلسوف الأميركي "أندرو بيرنستاين" (Andrew Bernstein).

2. الحدُّ من المدخلات الحسية:

الإرهاق هو حالة تشعر بها بـ "ثقل الأعباء" عليك؛ أي وجود كثير من المدخلات الحسية وانعدام الوقت الكافي لاستيعابها بالكامل، فنحن لسنا رجالاً آليين الغاية منهم تخزين المعلومات فقط، إنَّنا نحتاج إلى الوقت لاستيعاب الأمور والحصول على الراحة.

عندما تشعر بالإرهاق، فقد حان الوقت للحدِّ من مُدخلات الحواس الخمس، وفيما يأتي بعض الأمثلة على ذلك:

  1. التذوق: اختر الأطعمة والوجبات البسيطة بدلاً من النكهات المعقدة.
  2. البصر: خفِّض الإضاءة.
  3. السمع: ابتعد عن الأجواء الصاخبة والفوضوية.
  4. الشم: استخدم زيوتاً عطريةً في الحمام، أو حتى نوعك المفضل من الشموع العطرية، أو كريم الترطيب للجسم.
  5. اللمس: ارتدِ ملابس مريحة أو تدثَّر ببطانية دافئة.

3. طلب المساعدة من الآخرين:

يصعب على الأشخاص الذين يعدُّون أنفسهم أقوياء وقادرين، طلبَ المساعدة، لكن يمكن أن يفيدك السماح لشخص آخر بتولِّي زمام الأمور الآنَ أكثر من أي وقت مضى، سواء كان الأمر يتعلق بطلب، أم إعداد العشاء، أم إلغاء موعد نيابةً عنك، أم إنجاز بعض المهام البسيطة الأخرى لتخفيف العبء.

إقرأ أيضاً: كيف تطلب المساعدة عندما تخشى ذلك؟

4. الصبر والرفق بالنفس:

تعامَل بلطفٍ بالغ مع نفسك عندما تكون مرهقاً، لا تنتقدها لعدم قدرتك على اتخاذ القرارات، أو لحاجتك إلى المساعدة؛ وذلك لأنَّ الإرهاق بطبيعته يرافقه شعور بعدم الاستقرار في جسدك، خاصةً فيما يتعلق بالقلب والحدس والعواطف؛ إذ تُتخذ أفضل القرارات وتُوضع الحدود، ويمكن التعبير عنها بوضوح وفاعلية.

إقرأ أيضاً: الصبر: مفهومه، وأسبابه، ونتائجه، وكيفية تعلمه

في الختام:

قد تفتقد وجود دافع للخروج من حالة الإرهاق، لكن يمكنك استعادة قوتك من خلال الرعاية الذاتية، والحدِّ من المُدخلات الحسية، والسماح للآخرين بمساعدتك، والرفق بنفسك والصبر عليها عموماً.

ستلاحظ يوماً بعد يوم أنَّ تفكيرك سيصبح أكثر وضوحاً، وستُدرك قريباً القرارات التي يجب اتخاذها، والحدود التي يجب وضعها للحدِّ من الإرهاق الذي تواجهه مع مرور الوقت.

المصدر




مقالات مرتبطة