في الواقع، يُمَكِّنُكَ العمل عن بعد من أن تُوَفِّقَ بين عملك وحياتك الشخصية، وتُحقّق توازناً أفضل بينهما؛ فتقضيَ مزيداً من الوقت مع عائلتك، وتقلِّل الضغط الناتج عن العمل المكتبيّ في الشركات والمؤسسات. بيد أنَّ للعمل المستقل والعمل عن بعد حصتهما من المساوئ والآثار النفسية أيضاً؛ كما أنَّ الإجهاد والإرهاق أثناء العمل ليسا بغريبَينِ عن العامل المستقل.
وفقاً لاستطلاعٍ أجراه مؤخراً فرع شركة إبسون في المملكة المتحدة، أقرَّ 48٪ من الفريلانسر (الذين يعملون من المنزل) بأنَّهم يشعرون بالوحدة في بعض الأحيان، بينما قال 46٪ منهم أنَّ العملَ الحُرَّ يتسبب إليهم بالانعزالِ عن الآخرين.
في الحقيقة، ما لم تضع لنفسك بعض الإجراءات الصحيّة الوقائيّة، يمكن أن يؤدي العمل الحر إلى تفاقم مُشكلاتك العقليّة بكلّ تأكيد؛ لذا نُقدِّمُ إليك أربع نصائح تساعدك في تفادي الوقوع بمثل تلك المُشكلات:
1. تَعَلَّم كيف تُفاوِض نفسك:
كونك رئيس نفسك يعني أنَّك ستكون مسؤولاً أمام أصعب مُديرٍ في الوجود: أنتَ شخصياً. وليزيد الطِّين بِلَّة؛ فهذا المدير سيكون متربّصاً بك دائماً، ولن تقدر على مغادرة مكتبك والذهاب إلى المقهى مع صديقك، والتنفيس أمامه عن شعورك بالسَّخط تجاه "ذلك الشخص الذي تعمل لحسابه".
إنَّ الكثير من الفريلانسرز مُذنبون بكونهم ينتقدون أنفسهم بشدة، ويعيبون على أنفسهم عدم الالتزام بكمٍّ أكثر من العمل. ونتيجة لذلك، يظلون قلقين ومُجهَدِينَ دوماً.
لتجنب مثل هذا السيناريو، تَعَلَّم كيف تتفاوض مع هذا الناقد المتربص الذي يسكُنُك، وضع لنفسكَ قوائمَ مهامٍ يوميّة واقعية أكثر، واحتفي بالإنجازات التي تُحققها يومياً.
يقول علماء الإدراك أنَّ الأشخاص الذين يقومون بانتظام بما يُسمَّى "تدريب الأشياء الثلاثة الجيدة" -ذِكرُ ثلاث لحظات أو أمورٍ جيدة حدثت خلال اليوم- يشهدون تحسينات كبيرة في صحتهم العقلية وسعادتهم بشكلٍ عامٍ. لذا ما المانع من أن تُجرِّبَ ذلك؟!
2. اختَلِط مع أناسٍ من خارج مُحيطك:
غالباً ما يُوصَف كلاً من الاختلاط وتكوين العلاقات بأنَّهما أفضل وصفتين للتعامل مع متلازمة "العامل المستقل الانعزالي - Lonely Freelancer".
تقول سينثيا تيليس (Cynthia Telles)، مديرة مركز الأمراض العصبية والنفسية التابع لجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA): "إنَّ التفاعل المنتظم مع الآخرين أمرٌ مهمٌّ للغاية لأولئك الذين يعملون كمستقلين. لكن ومع ذلك، يجب ألّا يختلط المستقلون مع أقرانهم؛ فعندما يواجه الأشخاص الذين تختلط معهم مشكلاتك نفسها، ويتعاملون مع نفس المخاوف، تجِد نفسك عالقاً في حلقة تغذية راجعة من الضغط والإجهاد، والتي تزداد تفاقماً بسبب ذات التجربة التي يمرّ بها أقرانك".
لذا احرص على أن تتواصل مع أشخاص لا علاقة لهم بصناعتك أو نمط حياتك. وبهذه الطريقة تُبقي نفسك مُنفتحاً على تأثيرات أكثر تنوّعاً وإيجابيّة، ولا تحصرها بنفس روتينك الممل.
3. خَصّص ميزانيةً أكثرَ للرعاية الذاتيّة:
عندما نكون في حالةٍ ذهنيةٍ سيئة، نشعر بأنَّنا لا نستحقّ بأن نحظى بأيّ "متعة" كانت، حتى وإن جَعَلَتْنَا أكثرَ صحةً وسعادة. بيد أنَّه من السهل جدولة أنشطة مجانيّة تُعزِّز صحّتنا العقلية؛ مثل المشي أو ممارسة التأمل في المنزل، أو تناول طعامٍ صحي.
ولا مانع من أن تصرفَ بعض المال على سُبل الرعاية الذاتية بين الفينة والأخرى؛ فالاستثمار في أشياء أفضل لنفسك -مثل كرسيّ مريح أكثر أو جهاز كمبيوتر محمول أفضل- يعني استثماراً أفضلَ في عملك. وكلما تحسّنت حالتك الشُّعورية، زاد حماسك للعمل وكسب المزيد من المال.
4. تعلّم كيف تتقبّل الرفض:
الخوف من الرفض والنقد هو أحد المسائل الشائعة التي تَحُول دون خوضِ الناس لتجربة العمل الحر؛ فمن مساوئ العمل لحساب نفسك، أنَّ كُلَّ تعليقٍ سلبي سيُوجّه إليكَ بصورةٍ مباشرة.
يتّجه معظم الناس لمجال العمل الحر بصفته وسيلةً أفضل لتوجيه شغفهم بالتصميم أو الكتابة أو البرمجة؛ وهو ما يجعل الرفض أو النقد لدى العاملين المستقلين يبدو أشبه بانتقادٍ لشخصهم.
كما أنَّ الرفض المتكرر يُضعفُ حماسك وثقتك بنفسكَ، وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى تردِّي حالتك النفسية؛ لذا يتعيَّنُ عليكَ إيجاد بعض آليات التَّكيُّف التي تناسبك. وفي هذا الصدد، تقترح علينا سيدة الأعمال والمؤلفة بيفرلي فلاكسينغتون (Beverly Flaxington) أن نُجرِّبَ الأساليب الآتية:
- إعادة صياغة أفكارنا:غيّر سَرْدَ ما تُفَكِّر فيه من قول: "أنا لست موهوباً، لذا لن يوظفني أحد!"، إلى عبارةٍ إيجابيةٍ أكثر، مثل: "إنَّ العثورَ على أول وظيفةٍ في العمل الحرّ أمرٌ يصعب على الجميع القيام به؛ وأنا لا أختلف عنهم بشيء".
- توجيه ثقتنا بنفسنا: اكتب قائمة يومية بالأمور التي أنجزتها بصورةٍ جيدة، واستعرض مثل هذه الإنجازات بانتظام؛ واحتفي بها.
في الختام:
من شأن العناية بصحتك العقلية والنفسية أن تجعلكَ أكثرَ قُدرةً على التصدي إلى عوامل الإحباط والإجهاد اليومية التي قد تواجهك، وتحافظ على إنتاجيتك، وتساعد في إبقائك على اطلاعٍ دائمٍ على آخر المستجدات في مجالِ عملك.
أضف تعليقاً