ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب جيفري هايزليت (Jeffrey Hayzlett)، والذي يُحدِّثنا فيه عن مبادئ ما يُعرَف بالقيادة الخدمية.
مثل كل شيء تقريباً في الوقت الحاضر، تحوَّل مفهوم القيادة وتطور إلى شيء لم ولن يدركه آباؤنا أو أجدادنا، فقبل بضعة عقود، بدت الأمور أكثر بساطة، فقد كان الموظفون ينظرون إلى المدير تلقائيَّاً كقائد؛ والآن، يشغل الجميع أكثر من وظيفة، وقد أضحت الأمور أكثر ضبابية، وكونك رئيساً لا يجعلك تلقائياً قائداً، والقيادة لم تعد مركزة في القمة؛ لقد تسللت إلى أسفل المخطط التنظيمي.
وقد أضحت الأمور أكثر ضبابية، وكونك رئيساً لا يجعلك تلقائياً قائداً، والقيادة لم تعد مركزة في القمة؛ لقد تسللت إلى أسفل المخطط التنظيمي.
مع كل الأدوات التي نمتلكها اليوم، لا يوجد عذر لعدم كونك قائداً أفضل، ولا يكفي حتى أن تكون قائداً جيداً؛ بل عليك أن تكون قائداً خادماً، وتُعرَّف القيادة الخدمية بأنَّها "فلسفة ومجموعة من الممارسات التي تُثري حياة الأفراد وتبني مؤسسات أفضل وتخلق في النهاية عالماً أكثر عدلاً ورعاية".
منذ أكثر من عام بقليل كتبت كتابي الرابع، "عامل البطل: كيف يغير القادة العظماء المنظمات ويخلقون ثقافةً ناجحةً؟" (The Hero Factor: How Great Leaders Transform Organizations and Create a Winning Culture)، تحدثت فيه عن إيجاد منتورز يوجِّهونك خلال رحلتك، ولكي تصبح قائداً بطلاً، يجب أن تطلب مشورة أولئك الذين سبقوك، والذين وصلوا إلى حيث تريد أن تصل، وخاضوا من التجارب ما يدلُّ على ذلك؛ حيث يحيط القادة الأبطال أنفسهم بالمنتورز والخبراء الذين يحرصون على اغتنام الفرص التي تفيدهم (وغيرهم)، والذين يتابعون التطورات بدقة ويعرفون حلول المشكلات المتفشية في مجالات أعمالهم.
هذه هي القيادة الخدمية، فالمسألة ليست أن تعمل خادماً للآخرين ولا أن تتذلَّل لرؤسائك؛ بل أن تكون قدوةً وأن تستمر في ذلك، ولا يقتصر دور القائد الخادم على الخدمات التي يقدمها لأولئك الذين هم خارج المنظمة؛ بل القائد الخادم هو الذي يخدم قيمه، ويبني ثقافةً تعكس تلك القيم نفسها، ويقبل التنوع الذي من ضمنه التنوع الفكري، إضافةً إلى استعداده لتعلُّم التصرُّف وفقاً لما تُمليه عليه قناعاته.
ما هي قيم شركتك؟ هل يعي كل فردٍ بوضوحٍ ما تمثِّله الشركة وما تمثِّله أنت كقائد؟ وفقاً لبيانات غالوب (Gallup)، يؤمن 27% فقط من الموظفين إيماناً قويَّاً بقيم شركاتهم، فإذا أردنا أن نكون قادة ناجحين، يجب أن ترتفع هذه الأرقام كثيراً، فكيف يمكن أن يتم ذلك؟ فيما يلي أربع خطوات للتطور إلى قائد خادم أفضل:
1. تشجيع التنوع الفكري:
يشمل التنوع سمات لا تعد ولا تحصى، ويتعلق الأمر بأكثر من مجرد الجنس أو العرق أو المعتقدات السياسية والدينية؛ حيث يتعلق بالتفكير المختلف أيضاً، ووجود فريق متنوع يعزز البيئة التي يريد الناس أن يكونوا جزءاً منها، فوفقاً لبحث أجراه موقع غلاس دوور (Glassdoor) لتقييم الشركات من قِبل الموظفين السابقين قال 67% من الباحثين عن عمل النشطين إنَّ مكان العمل المتنوع مهم بالنسبة إليهم عند التفكير في عروض العمل، ويريد 57% من أصحاب العمل بذل جهد أكبر لإعطاء الأولوية للتنوع.
تشجع القيادة الخادمة الجميع على التفكير خارج الصندوق ومراعاة كل منظور عند إسناد مهمة القيام بتغييرٍ ما إليهم، فالقرار النهائي هو نتيجة ثانوية للتعاون الجماعي وتبادل الأفكار، ولا تقع القوة مطلقاً على شخص واحد، ولكن يساهم كل فرد في الفريق في النتيجة النهائية، فهل تمنح أنت الجميع أدواراً يؤدُّونها أم لا؟
شاهد بالفيديو: 8 صفات يتفرّد بها القائد المتميّز
2. إرساء مناخ من الثقة:
الثقة هي واحدة من الأشياء التي يَصعُب استعادتها بعد خسارتها، فكيف يمكن لأي قائد أن يُرسي ثقافةً مبنيَّةً على الثقة؟ من خلال توضيح طبيعة الشركة، والقيم المُتوقَّع الالتزام بها، والرؤية العامة لكل فردٍ في الشركة؛ حيث تكشف بيانات جمعتها مؤسسة غالوب (Gallup) من مختلف أرجاء العالم أنَّ واحداً فقط من كل ثلاثة موظفين يؤكد بشدة على أنَّه يثق بالقيادة في مؤسسته.
كيف يمكن للمديرين التنفيذيين بناء مستوى أعلى من الثقة؟ من خلال توضيح كل شيء؛ حيث يجب أن تكون جميع عمليات التواصل دقيقةً وأن تُنشَر على كل مستوى من مستويات المنظمة، من أعلى إلى أسفل، فإذا لم تكن شفافاً وفشلت في القيادة بهدف واضح، فلن يتبعك أحد؛ حيث تحفِّز الشفافية على الثقة التي لها علاقة مباشرة بأداء العمل؛ لذا تذكر أن الثقة تُكتسب ولا تُمنح، هل اكتسبت ثقة فريقك؟
3. عقلية غير أنانية:
لست مركز الاهتمام، لم تكن ولن تكون أبداً، فالأمر يتعلق بالأشخاص الذين يفعلون كل شيء، اسأل نفسك: هل يمكن أن يدور الترس دون كل مسننٍ من مسنناته؟ أحد الأخطاء الشائعة التي يرتكبها القادة هو التفكير في عدِّ الأرباح والأشخاص كيانات منفصلة، في حين يجب على كليهما أن يكمِّل الآخر، فلا يمكنك الحصول على أحدهما دون الآخر، فلماذا تفصل بينهما؟
يساعد القادة الأبطال العظماء على تسهيل نجاح الآخرين ويجعلون الجميع يشعرون بالقيمة وبأنَّ مساهماتهم هامة في النجاح الشامل للشركة، ووفقاً لشركة الاستطلاعات سيرفي مانكي (Survey Monkey)، قال 43% من المشاركين إنَّ الشعور بالتقدير يجعلهم أكثر ثقة؛ بل إنَّ 78% منهم شعروا بالسعادة بعد تلقِّي الامتنان.
يقود القادة العظماء التغيير بطرائق عديدة؛ لكن عدم الأنانية هو ما يسمح لهم في النهاية بتوسيع نطاق أعمالهم وترك إرث يُعمِّر طويلاً.
4. تعزيز القيادة في الآخرين:
القادة الذين يفهمون قوة بناء فريق عظيم يدركون الحاجة إلى تطوير الجيل القادم من القادة؛ حيث إنَّه أكثر من مجرد تقديم المنتورينغ لشخصٍ لديه القدرة على تولِّي وظيفتك يوماً ما.
مع تقاعد الأشخاص الذين ينتمون لجيل طفرة المواليد، من الهام أن يقوم القادة بتشكيل الجيل القادم، لكن أمامهم مهمة صعبة في المستقبل؛ حيث يشير بحثٌ أُجرِي حول الموارد البشرية وجيل الألفية إلى أنَّ 63% من جيل الألفية يشعرون بنقص في تطوير القيادة، وهذا يجب أن يخيفنا، فمَن سيتولى إدارة الأعمال عندما نستمتع بالتقاعد؟ إذا لم نتصدَّ نحن لمهمة إعداد من يفعلون ذلك، فسيكون الجواب "لا أحد".
يأتي تعزيز القيادة بأشكال عديدة، بما في ذلك التوجيه والإرشاد والنمو؛ لذا خذ الوقت الكافي لتعليم شخص ما أساسيات العمل، وتقديم كلمات التشجيع والإجابة عن الأسئلة التي يطرحها هؤلاء القادة الشباب لك، فالقادة العظماء يردُّون الجميل، وهم قادرون على تكوين مجموعة متنوعة من الناس من جميع مناحي الحياة، في الواقع، يزداد احتمال تطوير المنظمات المتنوعة قادةً مبتكرين بمقدار 1.7 ضعفاً.
يبذل القادة الخادمون مزيداً من الجهود ليس لأنَّهم مضطرون لذلك، ولكن لأنَّهم يريدون ذلك، والقادة الخادمون يتَّسمون بالشفافية والنزاهة وحتى الضعف، وبهذا يبدو أنَّه سيكون نقطة ضعف، لكنَّه في الواقع يمكن أن يساعد في تطورك كقائد والسماح للآخرين برؤيتك كإنسان، وليس آلة لسحب الأموال.
أضف تعليقاً