مهما كان السبب لا يحب معظمنا الاضطرار إلى إظهار مثل هذا السلوك؛ فهو يؤذي مشاعرنا ويجعلنا نندم ونفكر فيما إذا كان علينا فعل ذلك أم لا، أو حتى إذا كان سلوكاً صائباً أم لا، ويظهر هذا كثيراً عندما يكون لديك سلوك أو استجابة عدوانية؛ إذ يصف موقع "هيلث لاين" (Healthline) السلوك هذا كما يأتي:
"يمكن أن يسبب السلوك العدواني الأذى الجسدي أو العاطفي للآخرين، فتتراوح العدوانية من الإساءة اللفظية إلى الإضرار بالممتلكات الشخصية للضحية، ويتَّسم الأشخاص ذوو السلوك العدواني بالعصبية والاندفاع والاضطراب، ويظنُّون أحياناً أنَّ هذا كان الخيار الوحيد لتوصيل رسالتهم".
لكن يوجد خيار آخر دائماً؛ إذ يمكنك التخلي عن الطريقة الهمجية هذه في التعامل، ويمكنك تغيير الأسلوب شديد الحزم في الإدارة إلى آخر دون فقدان قيادتك الحازمة، كما ليس عليك أن تكون والداً صارماً بلا رحمة؛ بل يمكنك اختيار تربية أطفال منضبطين وواثقين من أنفسهم.
في النصف الثاني من القرن العشرين شاع الاعتداد بالنفس (assertiveness) بوصفه مهارة سلوكية، وغالباً ما يرتبط باحترام الذات، فيعرِّف موقع "ويكيبيديا" (Wikipedia) الاعتداد بالنفس بأنَّه الصفة التي تُضفي على المرء الثبات والثقة بالنفس دون اتصافه بالعدوانية؛ فهو طريقة يدافع من خلالها الفرد عن حقه دون المساس بحقوق الآخرين، ويقدِّم الاحترام الواجب للأفراد والأطراف المعنية.
4 بدائل للسلوك العدواني:
فيما يأتي 4 خيارات سلوكية يمكننا اتخاذها بدلاً من العدوانية في النشاطات اليومية التي تستنزف صبرنا، فيمكننا اختيار المسار البديل لمعاملتها بصورة مناسبة؛ وذلك من خلال الدفاع عن حقوقنا مع الحفاظ على موقف إنساني ومحترم في الوقت نفسه.
1. حدِّد إذا كان هذا الموقف هاماً أم لا، وما إذا كنت بحاجة إلى الانتباه إليه:
نحن نواجه مواقف مختلفة يومياً؛ فنلتقي بزملاء وأفراد من العائلة وأصدقاء وحتى غرباء يتحدون صبرنا ويدفعوننا إلى الجنون؛ فهل تحرق أعصابك بسبب شخصٍ مستهتر داس على أصابع قدمك عن طريق الخطأ؟ أو هل تتسامح ببساطة مع زميل لم يرسل لك رسالة بريد إلكتروني تخصك؟ أو هل تعبِّر عن إحباطك بتنهيدة بسيطة عندما ترى شيئاً لا يعجبك في المنزل، أم تفضل الصراخ على شريكك بسبب الإهمال هذا؟
اسأل نفسك ما الذي تخاطر به عند معاملة المواقف، وما هو تأثيرها على الأمد الطويل أو القصير، وما إذا كان سيؤثر في نظرة الناس إليك (على الأقل الأشخاص الذين تعاملهم باستمرار)، وما إذا يعرِّضك الموقف للخطر أو فيه مخاطرة، ونتائج هذا الحدث.
موقف بسيط كأن يدوس غريب على أصابع قدمك يجب أن ينتهي عند هذا الحد دون إحداث أي بلبلة، على الجانب الآخر يمكن أن يؤدي التسامح مع سوء سلوك زميل في الفريق إلى تكرر مثل تلك السلوكات المسيئة، كما يمكن أن يؤدي تجاهل إهمال الآخرين إلى فقدان السيطرة على مشاعرك، أو ظهور سلوكات أسوأ من الآخرين، وقد يختلف كل موقف بالنسبة إليك؛ لذا عليك معرفة ما إذا كان الأمر يهمك أنت أو أصدقاؤك أو زملاؤك أو عائلتك.
شاهد بالفديو: صفات الشخصية العدوانية وكيفية التعامل معها
2. اهدأ وناقش القضايا الحاسمة وجهاً لوجه لتجنب مزيد من سوء الفهم:
أدى ظهور الهواتف المحمولة وغيرها من الأجهزة إلى تجنب مواجهة أي موقف وجهاً لوجه، واعتماد التكنولوجيا بشدة، إلا أنَّ عديداً من الرسائل التي نرسلها عبر الأجهزة هذه يمكن أن تؤدي إلى سوء الفهم وسوء التواصل، فتفيدنا هذه الأجهزة في التحدث إلى أشخاص بعيدين عنا؛ لكنَّنا نستخدمها أيضاً للتحدث مع أشخاص يعيشون بالقرب منَّا، ولا توجد مشكلة في ذلك بالطبع؛ ولكن ينبغي أن تعامل بعض القضايا شخصياً.
مثلاً إخبار موظف بأنَّ عمله على مهمة معينة لا يعجبك أمر حساس للغاية، ويمكن أن يأخذ منحىً سلبياً إذا لم تعامله شخصياً؛ كإرسال رأيك خلال رسالة نصية، وقد يرد الطرف الآخر بنبرة أكثر عدوانية على رسالة بريد إلكتروني أو رسالة نصية يجدها حادة أو مسيئة؛ لذا في مثل هذه المواقف يسهم اللقاء شخصياً في توضيح الأمور ويجنِّب مزيداً من الضرر.
3. وضِّح من خلال جملة مباشرة توقعاتك للشخص أو أعِد إخباره بها:
إذا كنت تكره الأشخاص الذين يتحدثون بصوت عال فقد تعبِّر عن استيائك من ذلك من خلال رفع نبرة صوتك كثيراً؛ لكنَّ الخيار الأفضل هو رفع صوتك والسؤال بأدب: "عفواً، هل يمكنك خفض صوتك في حين أتحدث على الهاتف؟"، كما يمكن لصاحب المنزل أن يقول بنبرة أمام مستأجر يشكُّ في أمره: "شخص ما يلقي بقايا الطعام في الحوض بدلاً من رميها في سلة المهملات!"؛ لكنَّ الطريقة الحازمة للقيام بذلك هي أن تسأل المستأجر مباشرة: "هل رميت بقايا الطعام في الحوض؟"؛ فإذا استفسرتَ عن الأمر بطريقة عدوانية فستبدو شخصاً سيئاً؛ بل ستبدو غبياً إذا أخطأت، ولم يكن ما حدث ذنب المستأجر؛ ما يؤدي إلى إحداث توتر في علاقتك معه، ومهما كانت النتيجة سواء أنكر فعلته وكذب، أم اعترف بذلك وشرح أنَّه لم يقصد الأمر واعتذر؛ فقد وضَّحتَ سؤالك، وأعفيت نفسك من الظهور بمظهر سيئ.
لا بأس في إظهار الغضب أو خيبة الأمل؛ لكنَّك لست مضطراً إلى أن تستشيط غضباً في أثناء المواجهة أو التعامل دون شفقة؛ بل حاول تهدئة نفسك والعودة إلى رشدك قبل مواجهة المشكلة وجهاً لوجه، الأمر الذي سيفيد الطرفين بالتأكيد.
4. حافظ على اتساق سلوكك وذكِّره بتوقعات معينة:
أفضل مثال على ذلك هو معاملة الأطفال؛ إذ يحبُّ الآباء أطفالهم، ولكن يضطرون إلى تأديبهم بالطريقة التي يشعرون بأنَّها أكثر فاعلية، ولا أحد يستطيع أن ينتقد ذلك، أو يشكك في حب الوالدين لأطفالهم، ومع ذلك ثمَّة فرق واضح بين العقوبة الشديدة والمسيئة والتأديب الصارم، فيجب تعليم الطفل درساً معيناً عما هو صائب أو خاطئ وتأكيد سلطة الوالدين بدلاً من معاملة الطفل بعدوانية؛ كالصراخ أو الإيذاء أو استخدام الكلمات النابية لغرس الخوف في قلبه.
يمكنك إظهار سلطتك من خلال شرح أسباب ما تتوقعه منه، مع استخدام تعبيرات ونبرة حازمة باعتدال، وبالمثل لتوضيح موقفنا لفريق العمل أو العائلة علينا البحث عن طريقة عادلة لتعليم شخص ما درساً ضمن حدود القيم والقوانين الإنسانية؛ إذ يرتبط الأمر دائماً بتوضيح توقعاتك، والتعبير عن رأيك بنبرة معتدلة ومعاملة القضايا بأكثر الطرائق المناسبة أو الاحترافية.
في الختام:
يؤدي اختيار المسار البديل للعدوانية والمتمثل في الاعتداد بالنفس إلى تحريرك من الشعور بالذنب أو الاستياء، ومنحك شعوراً بالحرية والرضى؛ فسواء أكنت تبني فريقاً ناجحاً أم أسرة سعيدة، فالاعتداد بالنفس هو الحل الوسط في مواجهة الخلافات أو التحديات؛ إذ يمكنك أن تكون جريئاً وحازماً دون إيذاء مشاعر الآخرين أو إحداث شجار دون داعٍ.
أضف تعليقاً