فقد تصادف على سبيل المثال بريداً إلكترونياً يحتوي على كلام جارح وغير لائق أرسله شريك الحياة إلى أحد زملائه في العمل، وتقرر أن تصارحه بحقيقة مشاعرك، فيبذل الشريك المتلاعب قصارى جهده لإقناعك بأنَّك أسأت تفسير الكلام وأخطأت في حكمك وبالغت في رد فعلك.
أنت تشعر في قرارة نفسك أنَّه كاذب، لكنَّك تشكك في حدسك وتصدق التأويل الذي أخبرك به وتقتنع بوجهة نظره، وقد يتراجع شريك الحياة عن وعده برعاية الأطفال ويلومك لأنَّك تسببت في شعوره بالذنب والسوء على هذا التصرف البسيط.
السلوكات المؤذية ومحاولات التلاعب بعقل الضحية شائعة في كثير من العلاقات والزيجات، فيستخدم المسيء أساليب وتقنيات معيَّنة ليتلاعب بشريكه ويفرض سلطته عليه ويدفعه إلى التشكيك بواقعه وما يحدث معه.
يؤدي هذا التلاعب مع مرور الوقت إلى تشكيك الضحية بمعتقداته وقدرته على المحاكمة العقلية وإدراك ما يحدث حولها.
التلاعب العقلي في العلاقات:
يعود استخدام مصطلح "التلاعب العقلي" (gaslighting) إلى فيلم "غاسلايت" (Gaslight) الذي تم إنتاجه في عام 1944، وهو يحكي عن زوج يتلاعب بزوجته ويدفعها للتشكيك بسلامتها العقلية.
يصور الفيلم تجربة متشددة لهذا النوع من الإساءة العاطفية التي تُستخدَم من أجل التلاعب بالآخرين وفرض السلطة عليهم.
قد لا تكون ممارسات التلاعب العقلي مؤذية مثل التجربة التي يصورها الفيلم آنف الذكر، ولكن يجب عليك أن تعرف كيف تتعامل مع هذه الإساءات؛ لأنَّها يمكن أن تتطور وتتفاقم مع مرور الوقت.
يُنصَح بالاطلاع على سلوكات وتقنيات التلاعب العقلي التي يطبقها بعض الأفراد في علاقاتهم لكي تكون قادراً على اكتشافها وإنهاء العلاقات السامة وحماية نفسك من الأذى العاطفي المحتمل.
التلاعب العقلي:
يمكن أن يكون المتلاعب ودوداً وجذاباً ويتمتع بشخصية آسرة، وقد يبدو لطيفاً في بداية التعارف، وكريماً بحسب مصالحه، وفاتناً يجذب انتباه الآخرين.
المتلاعب هو شخص عادي يمكن أن تصادفه في حياتك اليومية وتنجذب إليه بسبب السلوكات الآسرة التي يُظهرها أمام الآخرين، مثل إبداء الثقة العالية بالنفس، وحس المسؤولية، والتحفظ، والغموض.
يطبق المسيء تقنيات وسلوكات معيَّنة للتلاعب بالطرف الآخر وإرباكه والتحكم بالعلاقة، ويمارس المتلاعب هذه السلوكات عمداً وهو يعي تماماً ما يفعل ويبذل ما بوسعه للحفاظ على سلطته وتحكمه بالعلاقة.
يشيع نمط الشخصية المستبدة بين هؤلاء الأشخاص المتلاعبين، ويمكن أن تظهر سلوكات التلاعب أيضاً بين المصابين بالاضطرابات الشخصية مثل "اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع" (antisocial personality disorder)، و"اضطراب الشخصية النرجسية" (narcissistic personality disorder).
يفتقر المسيء القدرة على التعاطف مع الآخرين ويبالغ في تقدير قيمة ذاته.
سلوكات التلاعب العقلي:
فيما يأتي 4 أمثلة عن سلوكات التلاعب العقلي:
- إنكار الوعود والالتزامات على مستوى الحياة اليومية، كإخراج القمامة على سبيل المثال.
- قلب الحقائق وتأدية دور الضحية عند مواجهته بالسلوكات والأفعال المؤذية التي تبدر عنه، وإقناعك بأنَّك الطرف المخطئ والمسيء في العلاقة.
- اختلاق الأكاذيب ومحاولة إقناع الطرف الآخر بأحداث ونقاشات وقرارات وهمية تحقق مصالحه الشخصية، والتلاعب بذاكرة الضحية ودفعها للتشكيك بسلامتها العقلية.
- التقليل من قيمة نجاحات وإنجازات الطرف الآخر وإحباطه وزعزعة ثقته بنفسه.
شاهد بالفيديو: كيف تحمي نفسك من التلاعب العاطفي في العلاقات؟
مؤشرات التلاعب العقلي في العلاقات:
فيما يأتي 35 مؤشراً على التلاعب العقلي في العلاقات:
1. تذكير الضحية بعيوبه:
يعمد المسيء إلى تذكير شريكه بعيوبه ونقاط ضعفه بغية تقليل ثقته بنفسه وإمكاناته ودفعه إلى التشكيك بقيمته والشعور بالنقص والدونية، ولا تنمُّ هذه السلوكات عن نية حسنة أو رغبة صادقة بتحسين وضع الشريك، بل إنَّها تهدف إلى إهانته ومهاجمته، وتقليل ثقته بنفسه حتى يفرض المسيء سلطته في العلاقة.
2. شعور الضحية بعدم الأمان:
يفقد الفرد ثقته بنفسه وبسلامته العقلية عندما يتورط في علاقة مع شخص يتلاعب به، فيشكك الضحية بسلامة سلوكاته، ودوافع الشريك، ويبقى في حالة قلق وتوتر وخوف دائم من استجابته وردود فعله المفاجئة.
3. تشكيك الضحية بقيمته الذاتية:
تؤدي سلوكات التلاعب إلى تشكيك الضحية بقيمته الشخصية ضمن إطار العلاقة، فتتزعزع ثقة الفرد بنفسه ويزداد شعوره بالدونية وعدم الاستحقاق بسبب ممارسات التلاعب.
يشكك الفرد بقدرته على المحاكمة العقلية عندما يتلاعب به الشريك المسيء ويحاول إقناعه بعدم صحة وسلامة أفكاره ووجهات نظره.
4. مبالغة الضحية في أخذ الحيطة والحذر:
يخشى الفرد التعرض لانتقادات المسيء ولا يتجرأ على طرح أفكاره بحرية بحضوره، وتؤدي سلوكات التلاعب إلى شعور الفرد بالتوتر والقلق والخوف من سخرية الشريك ومعارضته له، لكنَّه بالمقابل يشعر بمزيد من الراحة والثقة بالنفس في غياب شريكه المسيء.
5. إنكار المسيء لعيوبه:
يهاجم المسيء شريكه باستمرار، لكنَّه بالمقابل يرفض الاعتراف بعيوبه وأخطائه، وهو يرد على النقد باللوم وقلب الحقائق واختلاق الأعذار والمبررات، ويرفض المتلاعب أن يعترف بخطئه حتى عندما تكون الحقيقة واضحة ولا تترك مجالاً للشك.
6. ميل المسيء لقلب الحقائق وتأدية دور الضحية عند التعرض للانتقاد:
يستجيب المتلاعب للنقد عن طريق تأدية دور الضحية بغية تمويه عيوبه، أو أنَّه يحاول عكس الأدوار، وتوجيه اللوم إلى الضحية وقلب الحقائق باستخدام اتهامات وادعاءات باطلة، ويستخدم المتلاعب هذا الأسلوب لقلب الأدوار وإنكار الاتهامات الموجهة ضده.
7. تشكيك الضحية بنفسه:
يحاول المتلاعب تحريف الحقائق ودفع الضحية إلى التشكيك بمدى قدرته على إدراك ما يحدث حوله، وتبدأ هذه الضحية بتصديق بعض اتهامات المسيء وادعاءاته مع تكرار الممارسات على الأمد الطويل.
يمكن أن يؤدي تكرار هذه الممارسات على الأمد الطويل إلى تغيير معتقدات الضحية وقيمه واقتناعه بالصفات السلبية والانتقادات الباطلة التي يوجهها إليها المسيء.
8. إفراط الضحية في تقديم الاعتذارات:
إنَّ إفراط الفرد في تقديم الاعتذارات هو واحد من أبرز المؤشرات التي تدل على التعرض لممارسات التلاعب العقلي، فتدل هذه الاستجابة على شعور الضحية بالخطر وعدم الأمان الكافي للإفصاح عن أفكارها بحرية.
9. سعي الضحية إلى نيل قبول المسيء:
يبذل الضحية قصارى جهده لنيل قبول المتلاعب رغم معاملته السيئة، رغبةً منه في تجنب التوتر، وكسب وده، وتحسين العلاقة، وتلطيف الأجواء بينهما، فالمتلاعب هو الطرف المسيطر في العلاقة والمتحكم في مستوى التواصل وطبيعة التعامل مع الطرف الآخر.
10. ميل الضحية لتبرير سلوكات المتلاعب:
يشعر الضحية بالخزي بسبب عجزه ووقوعه تحت رحمة وسلطة المتلاعب في العلاقة، وينكر بعض الضحايا تعرضهم للإساءة ويتظاهرون بأنَّ العلاقة تسير على ما يرام، في حين يميل آخرون إلى اختلاق الأعذار لتبرير سلوكات المتلاعب، ويلوم بعض الضحايا أنفسهم لتبرئة المتلاعب من الإساءة، فيواجه الضحية مشقة بالغة في إدراك التلاعب العقلي والنفسي الذي يتعرض له.
11. ميل المتلاعب لاختلاق أكاذيب واضحة:
يكشف الضحية أكاذيب المتلاعب، لكنَّه مع ذلك يواصل الكذب ويمعن في تحريف الحقائق بغية إرباكه ودفعه إلى التشكيك بسلامته العقلية.
12. إنكار المتلاعب لحقائق تمتلك الضحية دليلاً على صحتها:
ينكر المتلاعب أنَّه وعدك بالقيام بعمل ما، لكنَّك متأكد مما حدث بفضل وجود شاهد عيان في أثناء المحادثة التي جرت بينكما، ويبدأ الضحية بعد ذلك بالتشكيك بواقعه وبالحقائق والأحداث التي تجري معه، ويؤدي إنكار المسيء على الأمد الطويل إلى تشكيك الضحية بمعتقداته ومحاكمته وقبوله لأكاذيب المسيء واقتناعه بكلامه.
13. استهداف نقاط ضعف الضحية:
يستغل المتلاعب معرفته بأولويات الضحية والأشخاص العزيزين على قلبه في ممارسات الإساءة، فقد يستغل المسيء مدى تعلق الضحية بطفلها، ويبدأ بانتقاد أسلوبها في التربية، وقد يخبرها أنَّها لا تستحق شعور الأمومة، ولا تحسن رعاية الأطفال وغيرها من الادعاءات الباطلة.
في الختام:
يمكن أن تواجه الضحية صعوبة في إدراك سلوكات التلاعب التي يمارسها الشريك في العلاقة، لقد قدَّم الجزء الأول من المقال 13 مؤشراً على التلاعب العقلي في العلاقات، وتساعدك هذه المؤشرات على تقييم سلوكات الشريك وتحديد المشكلة في العلاقة والعمل على إيجاد الحلول، وسيتحدَّث الجزء الثاني والأخير منه عن بقية المؤشرات.
أضف تعليقاً