3 مسارات للسعادة: الأهمية والاستقلالية والصبر

يقضي الناس معظم حياتهم في البحث عن الأشياء التي تُسعدهم، سواء أدركوا أنَّهم يفعلون ذلك أم لم يدركوا. لكنَّ النجاح في ذلك يعتمد على عوامل عديدة، حيث حدد علماء النفس وباحثو السعادة بعض العناصر المشتركة التي يتمتع فيها الأشخاص السعداء. فيما يلي ثلاث نتائج حديثة في مجال أبحاث السعادة، قد تساعد في إرشادك إلى مستقبل أكثر إشراقاً وسعادة.



المسار الأول (رفع مستوى الإحساس بالأهمية):

هناك شكلان للسعادة: سعادة لحظية نشعر بها من خلال الأشياء التي تمنحنا رضا فورياً، مثل تناول قطعة من الشوكولاتة أو الاستحمام بماءٍ دافئٍ في يوم بارد. أما الشكل الآخر، فهو عبارة عن فكرة مرتبطة بمعنى الحياة، أو الإنجاز، أو السعادة التأملية، حيث نشعر في هذا النوع من السعادة عندما نحقق هدفاً مرحلياً أو نفعل شيئاً نفخر فيه. قد لا يكون تغيُّر الحالة مثل السعادة اللحظية، لكن قد تكون آثاره في القوة نفسها، خاصة على الأمد الطويل.

في حين أنَّ كلا النوعين من السعادة هامان، تشير الأبحاث إلى أنَّ معنى الحياة يصبح أكثر أهمية بالنسبة إلينا مع مرور الوقت. لحسن الحظ، قدمت ورقة بحثية حديثة إرشادات حول كيفية تحسينه. فقد صرَّح فريقٌ من الباحثين يترأسه فلاد كوستين (Vlad Costin) قائلاً: "المعنى هو شبكة من الروابط وحالات الفهم والتفسيرات التي تساعدنا على فهم تجربتنا ووضع الخطط التي توجه طاقاتنا نحو تحقيق المستقبل المنشود، كما أنَّه يمنحنا إحساساً بأنَّ حياتنا هامة، ومنطقية، وأهم من مجموع الثواني والأيام والسنوات".

من هذا التعريف، استخرج علماء النفس ثلاثة موضوعات أساسية: الترابط والغاية والأهمية. إليك تعريف كل منها:

  1. الترابط: يشير إلى عملية فهم العالم وتجارب الفرد فيه، حيث يُعدُّ "الإحساس بالنظام" و"القدرة على الفهم" من الجوانب الرئيسة لترابط الحياة.
  2. الغاية: تصف الشعور في وجود هدف أو عدة أهداف في الحياة، والقدرة على العمل لتحقيقها، وهي حالة تحفيزية موجَّهة نحو المستقبل، أي امتلاك أفكار عن كيفية حياة المرء.
  3. الأهمية: تشير إلى الاعتقاد بأنَّ أفعال الفرد تُحدث فرقاً في العالم وأنَّ حياة المرء هامة وتستحق العيش.

أجرى الباحثون اختباراً لكي يعرفوا أيُّ هذه العوامل الثلاثة أكثر قدرة على التنبؤ بمعنى الحياة، فوجدوا باستخدام عينة من مئة وستَّة وعشرين بالغاً أنَّ الأهمية ترتبط ارتباطاً وثيقاً في معنى الحياة، وكانت الغاية أيضاً قادرة على التنبؤ في معنى الحياة ولكن بدرجة أقل. من ناحية أخرى، بدا أنَّ الترابط هو عرض من أعراض معنى الحياة أكثر من كونه سبباً.

السؤال التالي، بالطبع، هو كيف يُحسِّن المرء إحساسه بالأهمية. على الرغم من عدم وجود إجابة سهلة، فإنَّ أفضل بداية هي التأمُّل في الأفكار التي تحدد مفهوم الأهمية وهي: "حياتي ذات قيمة بطبيعتها"، "حتى بعد ألف عام من الآن، سوف يظل هاماً ما إذا كنت موجوداً أم لا"، "إنَّ وجودي هام حتى في الكون بمفهومه الكبير"، و"أنا متأكد من أنَّ حياتي هامة".

تشير أبحاث أخرى إلى أنَّ الشعور في الأهمية هام جداً في حياتنا المهنية، فقد عبَّر الموظفون الذين حصلوا على أعلى الدرجات في المعايير المذكورة أدناه، عن رضاهم الوظيفي وتفاعلهم.

  1. يسهم عملي في نجاح منظمتي.
  2. تؤثر جودة عملي تأثيراً حقيقياً في منظمتي.
  3. يؤثر عملي في أداء منظمتي.
  4. تمتدح منظمتي عملي علناً.
  5. يمتدح زملائي في العمل عملي.
  6. أنا معروف جيداً بجودة عملي في منظمتي.
  7. لقد جعلني عملي مشهوراً في مكان عملي.

صرَّح مُعِدُّو هذا البحث الذين يقودهم أندرو ريس (Andrew Reece): "عندما يشعر الموظفون في أهميتهم بالنسبة إلى المنظمة، فإنَّهم يكونون أكثر رضا عن وظائفهم وحياتهم، ومن المرجح أن يشغلوا مناصباً قيادية، ويتلقوا مكافآت ويترقوا، ومن غير المرجح تركهم لوظائفهم، حيث تُضفي هذه النتائج ثقلاً إلى القيمة الأساسية للأهمية في السياقات التنظيمية".

شاهد بالفديو: 8 طرق لإعادة إحياء السعادة في حياتك

المسار الثاني (السعي إلى المزيد من الاستقلالية):

إنَّ الأثرياء ليسوا في الضرورة أكثر سعادة، لكنَّ البحث يميل إلى إظهار علاقة إيجابية بين الدخل والسعادة. ما الذي يمكن تعلُّمه من الأثرياء حول كيفية تحسين سعادتنا؟ تأتي إحدى الأفكار من بحث يستكشف الطريقة التي يختار فيها الأثرياء العمل، حيث أجرى الباحثون مسحاً على ثمانمئة وثلاثة وستِّين فرداً من أصحاب الثروات الهائلة وعلى ألف ومئتين واثنين وثلاثين فرداً من أصحاب الثروات العادية للبحث عن أوجه التشابه والاختلاف في الطريقة التي يقضي فيها الأثرياء وقتهم، وكيف يؤثر ذلك في سعادتهم، فوجدوا أنَّ الاختلافات بين الأثرياء وغير الأثرياء كانت أقل مما توقعوا.

على سبيل المثال، قضت كلتا المجموعتين القدر نفسه من الوقت تقريباً في ممارسة الأنشطة الترفيهية والعمل والتنقل واستخدام الهاتف والكمبيوتر. ولكن ظهر اختلاف رئيسي واحد، حيث وجد الباحثون أنَّ الأثرياء كانوا أكثر عرضة إلى قضاء بعض الوقت في أنشطة العمل التي توفر المزيد من الاستقلالية الشخصية، أي العمل الذي قرروا القيام فيه بأنفسهم بدلاً من اتباع إرشادات الآخرين، وقد ثبت أنَّ هذا يرتبط في زيادة الرضا عن الحياة.

إقرأ أيضاً: بالصور: أين ينفق الأثرياء أموالهم؟

المسار الثالث (التحلي بالصبر، فالسعادة تأتي مع تقدم العمر):

يقول الحديث النبوي الشريف: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ". ولحسن الحظ، لا يمكن قول الشيء نفسه عن السعادة.

تشير معظم الأبحاث المتعلقة في علم النفس إلى أنَّ السعادة والرضا عن الحياة يزدادان تدريجياً من أول مرحلة البلوغ إلى منتصف العمر، وأنَّ هذه النتيجة تنطبق على التفاؤل أيضاً. للوصول إلى هذا الاستنتاج، حلل الباحثون البيانات المأخوذة من عينة كبيرة من البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين ستَّة وعشرين إلى واحد وسبعين عاماً، وفي أربع مراحل زمنية خلال فترة سبع سنوات، طُلب من المشاركين إكمال اختبار التوجه نحو الحياة (Life Orientation Test)، وهو مقياس تفاؤل دقيق ومستخدم على نطاق واسع، ويتكون من ست أفكار هي:

  1. في أوقات الشك، أتوقع الأفضل عادةً.
  2. حينما أعتقد بأنَّ خطباً ما سوف يقع، فإنَّه لا يقع غالباً.
  3. أشعر دائماً بالتفاؤل تجاه مستقبلي.
  4. أتوقع أن تسير الأمور كما أريد في معظم الأحيان.
  5. أعتمد غالباً على الأشياء الجيدة التي تحدث لي.
  6. إجمالاً، أتوقع حدوث أشياء جيدة لي أكثر من الأشياء السيئة.

استخدم الباحثون هذه البيانات لرسم مسار التفاؤل بالقياس مع العمر، وتماشياً مع الأبحاث السابقة، وجدوا أنَّ التفاؤل يكون أقل في العشرينيات، ثم يرتفع بثبات إلى الثلاثينيات والأربعينيات من العمر، ويبلغ ذروته في الخمسينيات، ثم يتراجع تدريجياً بعد ذلك. على وجه التحديد، يتمتع الناس في سن الخامسة والخمسين بأعلى مستوى من التفاؤل.

وخلص الباحثون إلى أنَّ "مسار التفاؤل من سن السادسة والعشرين إلى الواحدة والسبعين سنة اتسم بزيادات معيارية متدرجة حسب العمر، بمعدل حوالي 0.15 انحرافاً معيارياً لكل عقد، قبل أن يستقر عند عمر الخامسة والخمسين، وبذلك تشير هذه النتائج معاً إلى أنَّ تطور التفاؤل بالقياس مع عمر البالغين يتخذ شكل U مقلوباً، ويصل إلى ذروته في أواخر منتصف العمر، على غرار سمات الشخصية الإيجابية الأخرى مثل احترام الذات والرضا عن الحياة".

إقرأ أيضاً: 35 قول وحكمة عن أهمية الصبر في حياة الإنسان

الخلاصة:

تشير الأبحاث الحديثة إلى أنَّ الأهمية والاستقلالية والعمر هي ثلاثة مكونات هامة للسعادة، وفي حين أنَّ مكون العمر ثابت، فإنَّ الأمر متروك إليك لتوجيه حياتك في اتجاه يعزز إحساسك في الأهمية والاستقلالية.

المصدر




مقالات مرتبطة