3 طقوس بسيطة يجب فعلها يومياً قبل الظهر

يُصاب مُعظمنا على اختلاف أعمارنا وبيئاتنا وثقافاتنا بشتات الفكر وفقدان التركيز لأبعد الحدود منذ بداية يومنا كل صباح؛ لذلك فإنَّ كلَّ شخصٍ منَّا يشقُّ طريقه يومياً بصعوبة في هذه الحياة، إضافة إلى ما نعانيه من تضاؤل الأهداف، وفتور العزيمة، وكثير من الإحباط والاستياء الذي لا ضرورة له، وننسى بأنَّ ساعات الصباح التي تسبق أو تمهِّد لمُنتصف النهار هامَّة جداً، وتشكِّل أساساً يُبنَى عليه سير اليوم بأكمله، كما ننسى أنَّنا يمكننا استخدام الطريقة التي نختار أن نمضي هذه الساعات من خلالها يومياً لتحديد نوعية أيامنا القادمة، ومن ثمَّ نوعية حياتنا بأكملها في النهاية.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "مارك كرنوف" (MARC CHERNOFF)، ويُحدِّثنا فيه عن أهم ثلاثة طقوس يمكن اعتمادها في الحياة قبل الظهيرة، والتي من شأنها تغيير حياتنا نحو الأفضل.

إنَّ النشاطات العادية التي نمارسها يومياً، كمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي، أو مشاهدة التلفاز، أو انشغال التفكير بأمورٍ خارجة عن سيطرتنا، عادةً ما ترسم مسار كلِّ يومٍ من حياتنا وتحدِّد إيقاعه، وهذا يعني أنَّنا نضيِّع كثيراً من طاقتنا ووقت راحتنا على أشياء سخيفة وغير هامَّة، فيما نفقد في الواقع تدريجياً كلَّ صلةٍ لنا بالنواحي الأكثر أهميةً من حياتنا والتي يمكننا السيطرة عليها.

من ناحية أخرى، يسمح لنا قضاء ساعات لطيفة وهادئة في الصباح منذ وقت استيقاظنا حتى الظهيرة عموماً بإعادة إثارة شعورٍ في داخلنا بالتحكُّم الهادف بحياتنا؛ وذلك كي نتولَّى زمام القيادة في حياتنا مرة أخرى، ونتمكَّن من عيش حياةٍ أكثر فاعليةً وتأنِّياً من جديد.

طقوسٌ بسيطة يمكنها تغيير حياتنا ويجب فعلها قبل وقت الظهيرة:

ينبغي الحرصُ على فعل هذه الطقوس أو النشاطات التي سنتحدث عنها لاحقاً قبل وقت الظهيرة حصراً، وليس في وقتٍ أبكر من ذلك؛ لأنَّنا لا نستيقظ جميعاً عند طلوع الفجر، ولا نمتلك جميعاً جداول أعمال وواجبات متشابهة، وبالتأكيد ليس عليك أن تكون مُلزَماً بجدول أعمال شخصٍ آخر كي تضيف تلك الطقوس إلى روتينك الصباحي، وتدمجَها ضمن نشاطاتك التي تؤديها صباحاً، ويكمنُ السر في إنجاز هذه الطقوس خلال ساعات الصباح الذهبية الخاصة بك قبل حلول فترة الظهيرة التي ستتغلب عليك وترهقك بكثرة واجباتها.

بعد أن اطَّلعنا على نبذة عن أهمية طقوس قبل الظهر، فمن المدهش جداً أنَّه لم يُطلَب منك فعل هذه الأشياء في الماضي، فقد قدَّمتُ وزوجتي "آنجل" كثيراً من النصائح مراراً وتكراراً عن تلك الطقوس في مُدوَّنتنا، ولكنَّ المشكلة هي أنَّ مُعظمنا يتكاسل عن أداء الأمور التي يجب عليه فعلها لنفسه على الرَّغم من وعينا ودرايتنا الفعلية بالنتائج السلبية المترتِّبة على ذلك.

لقد اعتدتُ وزوجتي "آنجل" أن نكون مُشتتين ونتصرَّف بعفوية خلال ساعاتنا الصباحية الأولى كأيِّ شخصٍ آخر؛ فقد كنَّا نستيقظ دوماً على عجلةٍ من أمرنا، ونضع ساعاتنا الصباحية الأولى تحت رحمةِ أي أمرٍ يواجهنا فجأةً، ونرتبك بين واجباتنا وعملنا ومهامنا واجتماعاتنا مع العملاء، والتي كانت تُعَدُّ بمنزلة عقباتٍ في طريقنا واحدةً تلو الأخرى، وقد كانت حياتنا بهذه الفظاعة، ولم نكن حينها ندري أنَّ الحياة يمكن أن تكون مختلفة، ومن ثمَّ فإنَّنا لم نؤمن بقدرتنا على تغيير الأمور، ليتبيَّن فيما بعد أنَّنا كنا مخطئَين آنذاك.

لقد طبَّقنا الطقوس الصباحية الثلاثة الواردة أدناه تدريجياً، وقد تغيَّر كلُّ شيءٍ في حياتنا منذ ذلك الحين؛ فقد أصبح الصباحُ في حياتنا بمنزلة أساسٍ متين يعود علينا بالمكاسب والنتائج الإيجابية باستمرار، وما زلنا نشيطَين ومستمرَّين بقوة في تحقيق النجاحات واحداً تلو الآخر منذ أكثر من عقدٍ من الزمن، إضافة إلى مساعدتنا للمئات من متلقي الكوتشينغ والمتدرِّبين والأشخاص الذين يحضرون مؤتمراتنا على تنفيذ هذه الطقوس في حياتهم أيضاً؛ إذ تشكَّرنا عديداً منهم لاحقاً بسبب ذلك، وآملُ أن تجدَها مفيدةً وقيِّمةً في حياتك أيضاً.

هُنا أريد أن أركِّز على فكرة التطوُّر التدريجي الذي سيطرأ على حياتك شيئاً فشيئاً عند تطبيقها؛ ومن ثمَّ إن لم تكُن تفعل أيَّاً من هذه الأشياء قبل وقت الظهيرة حالياً، فابدأ بممارسة الطقس الأول منها فقط، ومن ثمَّ حاول إضافة الطقس الثاني إلى حياتك لاحقاً في المستقبل، وهكذا دواليك، هذه الطقوس هي:

شاهد بالفيديو: 7 أشياء يقوم بها الأشخاص المنتجون أول 10 دقائق من العمل

1. غسل الأطباق أو الصحون المتسخة بمُجرَّد الانتهاء من تناول فطورك كلَّ صباح:

إنَّ وجبة الإفطار هي أهم وجبةٍ غذائية خلال يومك بأكمله، ويمكنك الاستفادة من هذه الوجبة واستثمارها في تعزيز الانضباط الذاتي لديك وتقوية إرادتك، وسأكرِّرُ التأكيد على أنَّ الانضباط الذاتي هو مهارةٌ أساسية وبالغة الأهمية وينبغي لكلٍّ منَّا تعزيزها وتطويرها في شخصيته.

يتجلَّى الانضباط الذاتي بالقدرة على التغلُّب على مصادر تشتيت الانتباه وتجاوزها وإنجاز الأشياء الأكثر أهمية في حياتك، ويتضمَّن كذلك التصرُّف واتخاذ الإجراءات طبقاً لِما تجدُه صحيحاً ومناسباً حسب معرفتك، بدلاً من الانسياق وراء مشاعرك اللحظية فقد تنتابك مشاعر التعب أو الكسل أو تشتت الذهن بأمرٍ آخر، فلا ينبغي عندها أن تنساق خلفها، كما يتطلَّب الانضباط الذاتي عادةً التضحيةَ بالمتعة والحماسة الآنية في سبيل تحقيق الأمور الأكثر أهميةً في الحياة.

يُعدُّ ضعفُ الانضباط الذاتي لدى مُعظمنا نتيجةً لضعف التركيز والانتباه لدينا؛ وبعبارة أخرى، غالباً ما نخبر أنفسنا بأنَّنا سنُقدِم على فعل أمرٍ ما ولكنَّنا لا ننفِّذه لاحقاً، ومن ثمَّ فإنَّ البدء بخطوات صغيرةٍ جداً مع الالتزام بها في كل صباح من خلال غسل أطباقك المُتَّسخة بعد تناول الإفطار هو إحدى الطرائق الأكثر فاعليةً وسهولةً لجعل الانضباط الذاتي جزءاً من يومك والمحافظة عليه.

إذ أقصدُ غسل أطباقك المتسخة بيدَيك الاثنتَين بالمعنى الحرفي للكلمة، والذي يُعَدُّ بمنزلة خطوة واحدةٍ بسيطة للتقدم نحو الأمام كلَّ صباح؛ فحين تنتهي من تناول الفطور، اغسل صحنك وملعقتك، وكذلك عليك غسل كوبك وركوة القهوة بعد إنهاء قهوتك الصباحية، ولا تترك أي أطباق متسخة في حوض المطبخ أو على طاولة الطعام لوقتٍ لاحق؛ بل اغسلها مباشرةً بعد الانتهاء من تناول الفطور.

ابدأ ببناء هذا الروتين في حياتك تدريجياً من خلال غسل الأطباق في الصباح واحداً تلو الآخر، وبمُجرَّد أن تستمر في فعل ذلك لبضعة أسابيع، يمكنك أن تنتقل إلى مرحلة التأكُّد من مسح حوض المطبخ وتنظيفه جيداً، ومن ثمَّ الانتقال إلى مرحلة تنظيف طاولة الطعام، ومن ثمَّ الحرص على ترتيب فراشك، وتوضيب وجبة غداءٍ صحية لنفسك، ويمكنك بعدها الانتقال للبدء بممارسة بعض التمرينات لتقوية عضلات البطن، أو ممارسة التأمل لعدة دقائق، وهكذا دواليك.

إذاً؛ عليك في كل صباحٍ فعل واحدٍ فقط من الأمثلة السابقة في كل مرة، لتجد أنَّك قد شرعتَ ببناء روتين انضباطٍ ذاتيٍّ صحيٍّ لنفسك، وتتأكَّد أخيراً من قدرتك على تنفيذ واجباتك ومهامك بتركيز وعزمٍ صادق؛ ولكنَّني سأكرِّرُ التأكيد على وجوب غسل الأطباق المتسخة فقط بعد الانتهاء من وجبة الإفطار خلال الأسابيع القليلة المقبلة، مع ضرورة فعل ذلك بوعي وانتباه وابتسامة كبيرة مرسومة على وجهك.

إقرأ أيضاً: حسَّن روتينك الصباحي مع 10 خطوات أثبتتها الأبحاث

2. ممارسة التمرينات الرياضية لمدة خمسة عشرة دقيقة على الأكثر واستثمارها في تدريب عقلك وجسمك:

تُعَدُّ ممارسة التمرينات الرياضية الطريقة الأسهل والأبسط والأسرع لتغيير حياتك؛ وذلك بسبب تقويتها وتعزيزها لجسدك وعقلك أيضاً، وتُعَدُّ ممارسة التمرينات نشاطاً بمُبادرة ذاتية يتطلَّب أو يفرض على الإنسان بذل مستوى ضروري مُعيَّن من المجهود الذهني والجسدي لتشجيع التطور والنمو وتعزيزه لدى الإنسان، كما أنَّها تغرسُ مباشرةً في العقل الباطن للإنسان شعوراً إيجابياً بالتحكُّم الذاتي، حتَّى عندما تبدو الظروف الأخرى في حياتك فوضوية ومضطربة.

في عالمٍ شاسعٍ لا يمكن التحكُّم بكل ما فيه، تصبح ممارسة التمرينات الرياضية بمنزلة مساحة شخصيةٍ مريحة لك؛ إذ تكون قادراً على التدرُّب واستعادة السيطرة أو الهيمنة على عالمك في الوقت ذاته؛ فأنتَ وحدك من يمكنه تحريك جسدك، أو وضع إحدى قدمَيك أمام الأخرى، وأنتَ الوحيد الذي يتسنَّى له تحديد إلى أي مدى ستضغط على نفسك لتحقيق إنجازٍ ما؛ ومن ثمَّ حين تبدأ يومك بهذه الطريقة متولِّياً زمام أمورك، سيصبح التعامل مع العالم الخارجي أسهل، إضافة إلى أنَّ الالتزام بممارسة التمرينات الرياضية يغيِّر تماماً طريقة عمل العقل.

يناقش الدكتور "جون راتي" (John Ratey) في كتابه المُصنَّف ضمن قائمة أكثر الكتب مبيعاً المُسمَّى "الشرارة: العلمُ الثوريُّ الجديد للتمرينات الرياضية والدماغ" (,Spark: The Revolutionary New Science of Exercise and the Brain)، البيانات أو المعلومات التي جمعها خلال سنواتٍ من البحوث التي أجراها عن التغيُّرات العصبية التي تُحدِثُها ممارسة التمرينات الرياضية داخل الدماغ البشري؛ إذ ترفع ممارسة التمرينات الرياضية حسب قوانين الفيزياء من مستوى بروتين مُعيَّن في الدماغ، والذي يدعوه الدكتور "راتي" بـ "معجزة الدماغ البشري".

يصرِّح بقوله: "إنَّ ممارسة التمرينات الرياضية هي أقوى طريقةٍ لديك لتحسين وظائفك الذهنية، فالتمرينات الهوائية تملك تأثيراً كبيراً وجذرياً في التكيُّف، من خلال تنظيم وضبط الأنظمة التي قد تكون غير متوازنة في جسمك، وتحسين الأنظمة التي ليست كذلك، فالتمرينات الرياضية في الحقيقة هي أدوات ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها لأي شخصٍ يرغب بالوصول لأقصى قدراته وإمكاناته".

لقد توصَّلتُ وزوجتي "آنجل" وحدنا أيضاً لنتيجةٍ مماثلةٍ تقريباً، لكنَّها ليست مدعمةً بالأبحاث العلمية، فمع خبرتنا التي تمتدُّ لأكثر من عقدٍ من الزمن في العمل شخصياً مع متلقي الكوتشينغ الذي نقدمه والمتدربين - من خلال عملنا معهم فرداً لفرد أو تقديم الكوتشينغ لهم - وجدنا أنَّ التمرينات الرياضية هي حقاً دواءٌ شاملٌ لجميع الأمراض العقلية التي تصيب البشر؛ فهي تخفِّف بشدة من مستوى الاكتئاب الخفيف والمعتدل، وتخفض من مستوى القلق لدى الإنسان، وتعوِّض كذلك عن التأثيرات السلبية الناجمة عن الإرهاق الشديد، إضافة إلى كثير من الفوائد الأخرى، والجزءُ الأفضل بشأن التمرينات الرياضية هو أنَّها بالتأكيد ليست مُجرَّد تمرين ذهني فقط، بل هي تمرينٌ جسديٌّ أيضاً، ومن ثمَّ تحقِّق فائدةً مُضاعَفة.

على الرَّغم من روعة وفوائد التمرينات الرياضية التي ذكرتُها، إلَّا أنَّني أُوصي بممارستها لمدة 15 دقيقة فقط كلَّ صباح؛ وذلك لأنَّ هذا يُعَدُّ كافياً في البداية لتحقيق الفوائد المَرجوَّة منه دون المبالغة والضغط على نفسك بكثير من التمرينات، فالبدء التدريجي بخطوات بسيطة وصغيرة هام جداً؛ إذ نسمع كثيراً هذه الملاحظة، ولكنَّ كثيرين ينسون اتباعها.

لذا عليك البدء بممارسة التمرينات الرياضية لمدة 15 دقيقة أو أقل من ذلك؛ أمَّا إن شعرتَ بمقاومة وصعوبات كبيرة وفشلتَ في ممارستها لمدة 15 دقيقة، فيمكنك تخفيض مدتها إلى 10 أو 7 دقائق، ومن ثمَّ الالتزام بذلك لمدة شهر كامل على الأقل قبل أن تزيد مدة ممارستها من جديد في كل صباح.

شاهد بالفيديو: نصائح النَّاجحين لتغيير روتينك اليومي للأفضل

3. تعزيز الحضور الذهني من خلال ممارسة التأمُّل لمدة 15 دقيقة أو أقل:

ينطبق هُنا أيضاً المبدأ نفسه المذكور أعلاه عن البدء بخطوات صغيرة وتدريجية، ولكنَّ ممارسة التأمل صباحاً لمدة 15 دقيقة فقط ليس مهمةً سهلة بالنسبة إلى مُعظم المبتدئين؛ فخلال المحاولات الأولى للتأمل، يميل مُعظم الأشخاص المبتدئين في ذلك إلى إيجاد صعوبات كبيرة تجعل من تهدئة عقولهم أمراً شبه مستحيل؛ لذلك فإنَّ معظمنا يجرِّبون ممارسة التأمل لمرةٍ واحدةٍ أو مرتين فقط ولا يرَون أي قيمة أو فائدة في ذلك؛ وذلك لأنَّ التأمل لا يغرس في أذهاننا مباشرةً نفس الشعور بالسيطرة على أنفسنا وعلى العالم المحيط بنا كما تفعل التمرينات الرياضية، إلَّا أنَّه يمكن للتأمل أن يكون أكثر قوةً بكثير من خلال الممارسة والتدرُّب عليه والتحلي بالصبر، وهو ما يدفعني وزوجتي "آنجل" للتأمل كلَّ صباح قبل تناول الإفطار.

التأمل هو طقسٌ صباحي ضروري وبالغ الأهمية في حياتنا وحياة المئات من المتدربين والعملاء الذين عملنا معهم على مدار السنوات؛ وفي حين أنَّه قد لا يغرس في أذهاننا المستوى ذاتَه من التحكم والسيطرة بسهولةٍ مثلما تفعل التمرينات الرياضية، ولكنَّه يمدُّنا بمستوىً أعمق وأكبر من السيطرة، والتحكُّم سيمكِّننا في النهاية من التخلُّص من جميع الأمور العالقة في داخلنا والتي نعجز عن حلِّها، كما أنَّه يصلنا بذواتنا الحقيقية الصادقة من خلال السماح لنا بالوصول إلى جميع المناطق الذهنية والجسدية لدينا والتي نسيناها وفقدنا التواصل معها.

بصرف النظر عن كل التفاصيل، فإنَّ أكثر الفوائد العملية والأساسية للتأمُّل هما اثنتان؛ أولهما تخفيض الضغط النفسي والذهني، وثانيهما زيادة الحضور الذهني أو الوعي؛ ومن ثمَّ حين نعزِّز شعورنا بالاسترخاء والحضور الذهني خلال ساعات الصباح والتي تُعدُّ الأساس الذي يُبنَى عليه سيرُ باقي أحداث يومنا، سيسهُل التعامل مع جميع أحداث اليوم ابتداءً من ساعات الصباح تلك.

بسبب ازدياد وعينا وغياب التوتر، يزداد وعينا بالعبء الملقى على كاهلنا، وببذرة الأمل التي تنمو داخلنا، وببقايا الحزن الدفين في أعماق نفوسنا، ويزداد تقبلنا لها، ويمكِّننا هذا من إيجاد حلولٍ أفضل للمشكلات التي تعترضنا، وطرائق صحية أكثر للتكيُّف مع واقعنا، ويمنحنا إحساساً بأنَّ الناس من حولنا أكثر لطفاً ووداً وبأنَّ الطبيعة أكثر جمالاً.

حين نكون قلقين ومتوترين وشاردي الذهن في ساعات الصباح، تصبح أذهاننا مرهقةً ومُشتَّتة ومنقسمةً إلى شطرَين؛ أولهما يركِّزُ بإحكام على أي أمرٍ يضغط علينا ويشكِّل عبئاً على عاتقنا، في حين يُولي الشطرُ الآخر اهتماماً قليلاً لأي مهام وواجبات ينبغي إنجازُها بسرعةٍ في تلك الأثناء.

سأورد مثالاً توضيحياً لما سبق؛ تخيَّل مثلاً أنَّك متأخِّر عن عملك، وتندفع مسرعاً في أرجاء منزلك لتحضير نفسك استعداداً للمغادرة؛ فإن همَّ أحدُ أحبائك أو أفراد أسرتك في هذه اللحظات بإخبارك بأمرٍ هام بخصوص ما سيفعله خلال اليوم، فإنَّك ستركز القليل جداً من اهتمامك أو انتباهك على ما يخبرك به؛ بينما حين نكون أكثر حضوراً ونولي المزيد من التركيز والانتباه لكل لحظةٍ من حياتنا، ونطوِّر من وعينا وتقبُّلنا للَّحظة الراهنة من خلال التأمل، لن نكون شاردي الذهن ومشغولي البال كالسابق، وعندها سنتمكَّن من التنفُّس بعمقٍ أكبر، والاستماع باهتمام وتركيز أكبر لمن حولنا، كما أنَّ أعباء وتبِعات التوتر والضغط النفسي تنزاح عن كاهلنا، ويمكننا من خلال الممارسة والتدرُّب أن نتعلَّم كيف نحظى بمزيد من لحظات السكينة والاطمئنان وراحة البال في حياتنا.

لقد كتب أحد المُتدرِّبين لدينا مؤخَّراً: "إنَّ كل لحظةٍ من حياتنا هي فرصة جديدة، فاللحظة القادمة مُبتكَرة ومغرية ومليئة بالآمال كالآلاف من اللحظات التي ضيَّعتَها قبل ذلك، إضافة لكونها خاليةً تماماً من أيَّة أحكام أو تقديرات مُسبَقة، وليس عليك أن تجتاز أي اختبارٍ يُثبت أنَّك شخصٌ جيد قبل عيش تلك اللحظة فهي غير مشروطةٍ بالكامل، وكأنَّ هذه اللحظة القادمة تطمئنك وتؤكِّد لك بأنَّك حتَّى لو ضيَّعتها آلاف المرات سابقاً، فإنَّها ستعود مرة أخرى من جديد مراراً وتكراراً، وتنتظرك لتعيشها بانتباه وتركيز من خلال الترحيب بك واستقبالك بالأحضان".

سنتحدَّث فيما يأتي عن كيفية تحقيق الحضور الواعي من خلال ممارسة التأمل الصباحي، مع ملاحظة وجود عدة طرائق للتأمل، ولكنَّ الطريقة الآتية هي التي أمارسها برفقة زوجتي "آنجل" في الوقت الحالي؛ إذ يتعيَّن عليك الجلوس بوضعية مستقيمة في كرسيك مع وضع قدمَيك على الأرض وإراحة يدَيك بوضعهما في حضنك، ومن ثمَّ أغلِق عينَيك، وركِّز انتباهك وتفكيرك على تنفُّسك لمدة 15 دقيقة، أو أقلَّ من ذلك في البداية إن شعرت بأنَّها فترة طويلة، ولا تستطيع المحافظة على تركيزك خلالها.

الهدف هو قضاء الوقت بكامله في التركيز فقط على شعورك بصدرك في أثناء عمليَّتَي الشهيق والزفير، ممَّا سيَحُوْلُ دون تشتت وشرود عقلك القَلِق ودخوله في دوامة التفكير المُفرِط، ومع أنَّ هذا يبدو سهلاً، ولكنَّه يشكِّل تحدياً صعباً لممارسته لأكثر من دقيقتَين متتاليتَين، ولا سيَّما في بداية ممارستك لهذا الطقس أو الروتين، وتجدر الإشارة إلى أنَّه من المقبول تماماً إن ألهتك بعض الأفكار العشوائية أو حرفَتك عن مسار تركيزك؛ فمن المؤكَّد حدوث ذلك، وما عليك إلَّا إعادة تركيزك وصبِّه كاملاً على تنفُّسك.

إقرأ أيضاً: لماذا يجب أن تخطط ليومك؟ وكيف تقوم بذلك؟

المثابرة أساس النجاح في كل شيء:

لا قيمة أبداً للطقوس الصباحية الثلاثة المذكورة أعلاه إن لم يُعمَل بها باستمرار وانتظام؛ إذ إنَّ غسل أطباقك المتسخة، أو ممارسة التمرينات الرياضية، أو التأمُّل في أحد الصباحات فقط دون الانتظام على ذلك، لن يُحدِث أي فرق في حياتك؛ وإنَّما التأثير المُركَّب للخطوات والأفعال البسيطة التي تبدو مُملَّةً وروتينية على مرِّ الوقت هو ما يقودك إلى تحقيق نتائج إيجابية وقادرة على تغيير حياتك فعلاً، فلا يوجد ما يدعو للتشويق أو يُثير الحماسة في وضع إحدى قدمَيك أمام الأخرى يومياً لمدة أسابيع، ولكنَّها الطريقة التي تمكَّن من خلالها العديد من البشر الطبيعيين من تسلُّق أكثر من 88 كيلومتراً وصولاً إلى قمة أعلى جبلٍ في العالم وهو "جبل إيفرست" (Mount Everest).

كما أنَّه لا يوجد ما يدعو للتشويق والإثارة في غسل الأطباق المتسخة أو ممارسة التمرينات الرياضية أو الجلوس بهدوءٍ للتأمل لفترةٍ قصيرة كل صباح، ولكنَّ كلُّ ذلك كان له الفضل في امتلاكي وزوجتي "آنجل" لحياة أفضل بعد إدخال هذه الطقوس إليها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مئات من طلابنا وزبائننا الذين عملنا معهم.

إذ يحتاجُ العقلُ إلى تدريبٍ لاكتساب القوة الذهنية تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى كل عضلةٍ من عضلات الجسم البشري؛ إذ ينبغي أن يعمل باستمرار واتساق كي ينمو ويتطوَّر مع مرور الوقت، وهو ما تتيحه لك الطقوس الصباحية الثلاثة التي تحدَّثنا عنها في هذا المقال؛ فإن لم تضغط على نفسك وتبادر إلى تحقيق أهدافك من خلال خطواتٍ وطرائق بسيطة كلَّ صباح، فإنَّك ستنهار بالتأكيد خلال وقتٍ لاحق من اليوم عندما لا تسير أمورك بالطريقة التي تريدها.

في الختام:

الاختيار بيدك؛ لذا اختر غسل أطباقك المتسخة في حين أنَّه من الأسهل تركها لوقتٍ لاحق في حوض المطبخ، واختَر كذلك ممارسة التمرينات الرياضية في الوقت الذي يكون فيه النوم براحة والبقاء في الفراش أسهل وأكثر إغراءً بكثير، واختَر ممارسة التأمل حين يكون من الأسهل بالنسبة إليك أن تُلهي نفسك بشيءٍ آخر، وبرهن لنفسك من خلال طرائق بسيطة كل صباح أنَّ لديك القوة لتولِّي زمام أمورك خلال اليوم وإحكام سيطرتك على حياتك بأكملها.




مقالات مرتبطة