3 استراتيجيات للتغلب على سلوك جلد الذات المدمر للشخصية

غالباً ما يكون الأشخاص ذوو الطموح العالي أسوأ أعداء لأنفسهم؛ لذا سأحدِّثكم في مقالي هذا عن ثلاث استراتيجيات للتغلب على سلوكات التدمير الذاتي.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن رجل الأعمال والكاتب كريستوفر مايرز (Christopher Myers)، والذي يُحدِّثنا فيه عن سلبيات جلد الذات وكيفية الكف عنه.

لماذا نحارب أنفسنا بكل شراسة وكأنَّنا نكرهها؟ أجد نفسي أفكِّر في جواب هذا السؤال كلَّ يوم؛ حيث يبدو وكأنَّنا جُبِلنا منذ نعومة أظفارنا على أن نؤدي دور البطل والخصم في مسرح حياتنا، ونبذل قصارى جهدنا لعرقلة طموحاتنا رغماً عن أنفسنا.

نحن نعلم ما الصواب وما فيه مصلحتنا؛ لكنَّنا نحارب هذه الأشياء دون كلل، سواء أكان الأمر يتعلق بالاستيقاظ لممارسة ساعة من التمرينات الرياضية، أم الالتزام بفترات من التركيز المستمر، أم العمل بجد لتحقيق هدف مُحدَّد، فإنَّنا نجد أنفسنا نكافح لاتخاذ الخطوة التالية.

على الرغم من أنَّ السلوكات المُدمِّرة للذات تصيب الجميع بشكلٍ أو بآخر، إلا أنَّ الأفراد الطموحين للغاية هم الأكثر عرضة للخطر.

أنا أندرج ضمن هذه الفئة؛ فقد تعلَّمتُ أنَّ عيش حياة العواقب هو شن حرب ضد الذات، ولطالما كنتُ أكثر سعادة عندما يكثر انشغالي، ولهذا السبب سعيتُ دائماً لتحمُّل أعباء العمل الشاقة، فلقد علَّمَتني التجربة أنَّه كلما كان عليَّ فِعل المزيد، وجدتُ نفسي أكثر قدرة على القيام به.

ينصبُّ تركيزي الآن على إدارة شركة قروض ضخمة ومزدهرة؛ ومع ذلك هذا ليس كلَّ ما أفعله، فأنا أُدير أيضاً منظمة غير ربحية ذات صلة وأحاول التوسع فيها، كما أُدرِّس العديد من المواد الجامعية، والآن أعمل على كتابة كتاب آخر، وأقدِّم المشورة لكلٍّ من شركة محاماة ومكتب عائلي، وأعمل كعضو مجلس إدارة للعديد من الشركات الناشئة، والأهم من ذلك كله، أنا ربُّ أسرة.

تمكَّنتُ من أداء العديد مِن المهام دفعة واحدة وتحقيق النتائج التي أرغب فيها؛ لكن لم يكن هذا بالأمر السهل، فأنا في صراع داخلي دائم مع ذاتي (ألد أعدائي)، وهذا ما يجعل الحياة صعبة عليَّ ومحبِطة في كثير من الأحيان.

كثيراً ما تستحوذ عليَّ هواجس أن يصيبني التشتيت والشك بالنفس والقلق، مما يسبب لي أذىً نفسياً وإحباطاً لا أرغب فيهما في حياتي، ونتيجةً لذلك، أجد نفسي في حالة صراع دائم لمقاومة رغباتي ومَواطن ضعفي وعواطفي.

شاهد بالفيديو: 10 عادات تُدمِّر الذات والثقة بالنفس

في بعض الأحيان، أسمح للأحداث الخارجية السلبية بإفساد يومي، وتمنعني من التركيز، وتجعلني أعاني في مواصلة عملي، وفي أحيان أخرى، أسمح لعوامل التشتيت بأن تسيطر عليَّ وتتمكن مني، فأهدر وقتي الثمين في قراءة الأخبار أو متابعة النشرة الاقتصادية.

وفي أسوأ الحالات، أسمح لمخاوفي وهواجسي - ومعظمها محض أفكار - بالسيطرة على ذهني؛ لكنَّ مِثل هذه الأفكار لا تفعل شيئاً سوى استنزاف تركيزي وصرفِ انتباهي عن الأمور التي في متناول يدي.

عندما أواجه مِثل هذه العقبات التي سببتُها لنفسي، عادةً ما يكون رد فعلي إلزام نفسي بمزيدٍ مِن الانضباط الذاتي؛ لكنَّني اكتشفتُ أنَّ هذا النهج يطيل فقط المعاناة مِن هذه العقبات التي لا مفرَّ منها، وعندما يتمثَّل الصراع بالنسبة إليك بمحاولة مقاومة الرغبات القاهرة؛ فستجد نفسك في النهاية داخل حلقة مِن الفشل المتواصل. تخذلنا قوة إرادتنا في بعض المواقف، وحتى لو بذلنا ما في وسعنا للصمود والحفاظ عليها، سيغلبنا التعب ونستسلم في نهاية المطاف. 

إقرأ أيضاً: كيف تعيش حياتك برضا تام

بدلاً مِن أن تفكِّر ما إن كان عليك قمعُ ميولك المدمرة لذاتك أو إنكارها، فمِن الحكمة تقبُّلها وتحويلها إلى أمر نافع يعزِّر لديك وجهات نظر وسلوكات صحة أكثر.

على مر السنين، عملتُ على تطوير ثلاث استراتيجيات ساعدَتني على اكتساب سيطرة أفضل على ذهني وردود أفعالي.

1. التفكر في الماضي للحصول على الإلهام:

يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (Friedrich Nietzsche) في كتابه "نحن الفقهاء اللغويون" (We Philologists): "لطالما سعى الناس لفهم الماضي من خلال الحاضر؛ لكن هل يمكننا فِهم الحاضر مِن خلال الماضي؟".

قصدَ نيتشه (Nietzsche) بقوله أنَّ هذا العالم ليس فيه جديد، فالصراعات التي أواجهها أنا وكثيرون غيري ليست فريدة من نوعها. تاريخ البشرية أفضل معلِّم مزدان بالأمثلة الواضحة المعبِّرة عن فداحة تدمير الذات والتي لا تجدها في أيِّ كتاب عن التطوير الذاتي. 

على سبيل المثال: تروي مسرحية أجاكس (Ajax) لكاتب التراجيديا اليوناني سوفوكليس (Sophocles) قصة محارب يوناني فذٍّ يسمح للإهانات والإخفاقات المتصورة بأن تُؤثِّر في تفكيره، فتنحرف حياته الناجحة كلياً عن مسارها، ويودي به الأمر في النهاية إلى الانتحار.

قد يبدو هذا مأساوياً؛ لكن كم مرة سمحنا بتصورنا المشوَّه لموقف ما -سواء كان خسارة ترقية أم ضياع فرصة- للتحكم في تصرفاتنا وردود أفعالنا؟ أنا يَحدثُ لي هذا كثيراً.

يمكِن أن تساعدك الأعمال الأدبية الفلسفية والدرامية في العالم القديم على معرفة حجم صعوباتك الصحيح، لتتجنَّب التفكير في كونك الشخص الوحيد في الكون الذي يعاني، ويساعدك التعلم من أخطاء الآخرين - سواء من خلال أمثلة مستقاة مِن الحياة الواقعية أم الخيال - على معرفة كيفية التعامل مع النتائج المتخيَّلة واتخاذ قرارات أفضل في حياتك.

إن قررتَ محاربة الصوت الداخلي (ألد أعدائك)، فانغمِس في قراءة الأعمال الأدبية الغابرة، وستُذهَل مِن مقدار تشابهها بما يجري في عصرنا هذا.

2. مخاطبة نفسك بصيغة الغائب:

قد تعتقد أنَّ التحدث إلى نفسك هو علامة على اضطراب نفسي؛ لكنَّه في الحقيقة أداة مفيدة تساعدك في التغلب على الصراعات.

يرجع السبب الذي يجعلنا قادرين على تقديم النصح لغيرنا في الوقت الذي نواجه فيه صعوبة في تطبيق هذه النصائح على أنفسنا إلى المنظور الذي نرى من خلاله الأمور، حيث يمكِنك أن تقدِّر طبيعة المواقف التي يمر بها الآخرون بوضوح أكبر وتُكوِّن رد فعل مبني على الحقائق لا المشاعر.

جرِّب أن تُعامِل نفسك على أنَّك "الآخر"، وخاطِب نفسك بصيغة الغائب، وبذلك تكون لديك قدرة أكبر على معرفة التصرف الصحيح فوراً.

يجب أن نتذكر جميعنا أنَّ بإمكاننا التحكم بردود أفعالنا، وكما يقول الإمبراطور الروماني السادس عشر ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius) في كتابه "تأملات" (Meditations): "إذا أشعرَتك العوامل الخارجية بالضيق؛ فلن يكون ألمك نتيجة للعوامل بحد ذاتها؛ بل لأنَّك أعطيتَه أكبر من حجمه، وستكون لديك القدرة على إبطاله متى ما أردت".

لقد اكتشفتُ أنَّ التعامل من صراعاتك كمراقب بعيد في بعض الأحيان يمنحك المسافة اللازمة لتطبيق نصيحة أوريليوس (Aurelius).

إقرأ أيضاً: تعرّف على آلية مواجهة الأفكار السلبية لعيش حياة إيجابية وسعيدة

3. بدء صفحة جديدة كل يوم:

كانت آخر استراتيجية تعلَّمتُها على مر السنين هي أن أدع أحداث الماضي في الماضي، وأركز نظري إلى الأمام، وأتطلع دائماً إلى المستقبل، فلا يمكِن تغيير الماضي مهما حاولنا ذلك؛ لذا ربما يكون التفكير في إخفاقات الماضي هو أخطر عمل تخريب ذاتي يمكِن لأي شخص أن يرتكبه بحق نفسه، فقط دع كل شيء يمضي في نهاية كل يوم.

ربما تشتتَ انتباهك أو شغلَ بالك خبراً سيئاً، مما جعلكَ تتأخرُ عن إتمام عملك وتشعر وكأنَّك تختنق، فهل يجب أن تُفكِّر في ذلك وتجلد نفسك؟ بالطبع لا. وكما قال الفيلسوف الروماني سينيكا (Seneca): "ابدأ حياتك في الحال، واحسب كل يوم منفصل كحياة منفصلة". وبدلاً من التمسك بإخفاقات الماضي، يجب أن تمنح نفسك بعض الثناء، وتعلَّم مِن تجاربك، واجمع شتات نفسك، وامضِ قدماً.

أسوأ خطأ يمكِن أن نرتكبه هو الاعتقاد بأنَّ حياتنا - أفعالنا وقراراتنا وعواطفنا - مدفوعة بقوىً خارجية، وأنت الوحيد الذي يمكِنك التحكم فيه في هذا العالم، وقد يحاربك عقلك، لكن ليس عليك السماح له بالفوز؛ بدلاً من ذلك، توخَّ الحذر دائماً من أفعال وأفكار التدمير الذاتي، وإذا تمكَّنتَ من التغلب على تلك الهواجس؛ فستجد أنَّك قادر على تحقيق أكثر بكثيرٍ مما كنتَ تتخيله.

 

المصدر




مقالات مرتبطة