تجري عملية التأليف وفق مراحل معيَّنة تبدأ بتكوين فكرة أو صورة في ذهن الكاتب، يعكف الكاتب بعد ذلك على تطوير الفكرة وتحسينها، وكتابة مزيد من الخواطر على الأوراق وفي مذكرة الهاتف المحمول، ثم ما يلبث أن يقرر تجميع هذه الأفكار وتدوينها في ملف واحد على الحاسوب، وهنا تحدث الصدمة الأولى عندما يدرك الكاتب أنَّ أفكاره وخواطره عشوائية وغير منظمة ولا يمكن أن تشكل قصة مترابطة منطقياً، وأحياناً تكمن المشكلة في عدم توافق صياغة الأفكار والخواطر الناتجة مع هدف المؤلف ورسالة الكتاب. فليس ثمة شعور يضاهي روعة الإنتاج الإبداعي وتحويل الأفكار والمشاعر إلى قصص هادفة ومترابطة منطقياً.
عوائق تأليف القصص:
يمكن تشبيه الكتاب بكائن حي له شكل وقصة وهدف في الحياة، لهذا السبب تتسم المراحل الأولى من التأليف بالصعوبة والتعقيد، وتنجم هذه التعقيدات عن صعوبة تنظيم الأفكار والخواطر في قصة مترابطة منطقياً، ويمكن التغلب على شعور العجز في المراحل الأولى عن طريق بناء القصة حول عاطفة أو ذكرى محتدمة، يمكنك أن تنطلق من هذه العاطفة في كتابة المحاور الرئيسة من المقدمة إلى المرحلة التي تتصاعد فيها الأحداث وتبلغ نقطة الذروة وصولاً إلى الخاتمة.
غالباً ما يواجه الكاتب صعوبة في إقصاء الأفكار والمحاور التي لا تخدم الهدف الرئيس للقصة، وتقتضي الطريقة المثالية لتنظيم الأفكار وتسلسل الأحداث في القصة تحديد صلب الموضوع سواء أكان عن الحزن أم الفقدان أم النصر أم الأمل على سبيل المثال، وحذف الأفكار الخارجة عنه.
أحياناً يكمن العائق في بنية القصة بحدِّ ذاتها، وذلك عندما يجهل الكاتب التواريخ الدقيقة للأحداث والتجارب، أو يعجز عن الاختيار ما بين المنطق والعاطفة في بناء القصة، وتتطلب الدقة تحكيم الجانب المنطقي من الدماغ وذكر الحقائق، في حين يقتضي السرد العاطفي بناء مراحل القصة وتسلسل الأحداث بالاعتماد على التطور العاطفي.
يمكنك أن تروي قصة عن الغضب تنتقل فيها من سلوكات والديك إلى حادثة قمت خلالها بالتعبير عن غضبك بنفس أسلوبهما، فقد يصل الفارق الزمني بين هذين الحدثين إلى 20 عاماً، ولكن يدرك القارئ الرابط العاطفي والتسلسل المنطقي فيما بينهما، ويستنتج العبرة من سرد القصة.
خطوات تأليف الكتاب:
يبحث الإنسان عن الأنماط والعلاقات التي تربط تجاربه، وتحدد منحى حياته وتسلسل الأحداث فيها لكي يكتشف الهدف والمعنى من وجوده وكفاحه في الحياة.
تعتمد معظم منهجيات سرد القصص والتأليف على أسلوب القوس أو الموجة، ويتألف هذا النهج من مجموعة من المراحل التي تبدأ بحالة هدوء واستقرار تام لا يلبث أن يتصاعد ويتأزم، ويحتدم الصراع في القصة حتى يبلغ الذروة ويصبح شكل القصة أشبه ما يكون بموجة عملاقة سرعان ما تخمد وتتكسر ويعود الوضع إلى التوازن والاستقرار مجدداً في الختام.
تُعد تقنية الموجة الأسلوب السردي الأكثر شيوعاً بين المؤلفين، وتشرح المؤلفة "جين أليسون" (Jane Alison) في كتابها "التعرج، الدوامة، الانفجار" (Meander, Spiral, Explode) أنَّ الإنسان يبذل ما بوسعه لاكتشاف أنماط الشخصيات التي تظهر في تجاربه وتسلسل الأحداث في حياته، ويحاول أن يعيد صياغة هذه التجارب بأسلوبه الخاص لكي يضفي عليها مزيداً من المعنى والعاطفة ويشاركها مع الآخرين.
تقتضي الخطوة الرئيسة لتأليف الكتاب تمييز الأنماط المتكررة في الحياة وصياغتها بأسلوبك الخاص، وهي عملية صعبة إلى حدٍّ ما. فيما يأتي 3 خطوات لتأليف الكتاب:
1. تحديد ذكرى مؤثرة بالنسبة لك:
تفتضي الخطوة الأولى تحديد الذكرى التي تشكل محور القصة وبناء الأحداث حولها، ثم عليك أن تكتب كافة التفاصيل الحسية المتعلقة بالذاكرة مثل المنظر، والإحساس، والرائحة، والملمس، والمذاق، فحاول أن تتذكر الألوان، والأشياء، والحركات التي تشكل الحدث، وتكتشف كافة أبعاد وتفاصيل الذكرى.
هل كنت ترتدي قميصاً أصفر عندما قابلت حب حياتك قرب قسم الليمون في متجر البقالة؟ يمكن أن يتكرر نمط اللون الأصفر في بقية الذكريات، وبوسعك أن تعتمد على هذه الأنماط في تأليف قصتك.
2. تحديد محور القصة:
يجب عليك أن تحدد محور القصة وتحذف الأفكار الخارجة عنه سواء كانت تحكي عن الحب أم الفقدان أم الكفاح المهني، وحاول أن تندمج بالقصة بشكل كامل لكي تدرك الأنماط التي تظهر وتتكرر في أحد جوانب حياتك؛ قد تتلقى أزهاراً صفراء في زفافك، أو تطلب تصميم شعار شركتك الخاصة بنفس لون سيارة والديك عندما كنت طفلاً على سبيل المثال، فغالباً ما تتجسد موضوعات الحب والشجاعة بألوان زاهية ونابضة بالحياة تعكس قوة هذه العواطف.
3. اختيار هيكلية سرد تناسب القصة:
يمكنك أن تستخدم أساليب سرد القصص التقليدية مثل: نموذج رحلة البطل الذي يروي تسلسل الأحداث في مغامرات الشخصية الرئيسة وتجاربها الحياتية، أو يمكن سرد قصة عن مفهوم أو فكرة تهدف للوصول إلى استنتاج منطقي يشكل خاتمة القصة.
في الختام:
يمكن تعريف التأليف على أنَّه عملية استنتاج المعنى من التجارب الحياتية، وهو يكشف عن نظرة الكاتب تجاه نفسه، وتتيح كتابة القصة للمؤلف إمكانية اكتشاف أفكاره ووجهات نظره ومواقفه في الحياة، والتصالح مع تجارب الماضي، والشعور بالإنجاز في الحاضر، فتؤثر القصص الملهمة في حياة القارئ وقناعاته ووجهات نظره الشخصية، لكنَّ التغيير الأكبر يكون من نصيب المؤلف.
أضف تعليقاً