ومن وجهة نظري أرى أنّ هناك هياطاً قد يكون مقبولاً اجتماعياً ولكن غير مقبول نظامياً، وهذا أقرب إلى التصحيح لأنه بتفعيل العقوبات النظامية القاسية قد يختفي، ولكن المشكلة الكبرى في ذلك الهياط المقبول اجتماعياً عند بعض الفئات وغير مخالف نظامياً! وهذا يحتاج وقت وجهد أكبر ولن يقف إلا بالوعي لأنه لا يخالف النظام ولكن يخالف الحكمة والمنطق ولا زال مقبولا لدى شريحة كبيرة من المجتمع، حتى لدى الطبقة المتعلمة التي تعتبره من الحرية الشخصية أو من باب «وأما بنعمة ربك فحدث»! والمشكلة لا تقف عند (المُهَايِط) بل في إصراره على توريث هياطه للصغار وزرعه على أنه من قيم الرجولة! فيتم تدوير الهياط من جيل إلى جيل وبأشكاله الثلاثة التالية:
1. هياط القول:
أوصى حكيم ابنه «أي بني، لا تَدَّعِ ما ليس فيك فإنك إمّا أن تكون كاذباً فتذهب هيبتك، أو تكون مبالغاً فلا يصدقك الناس». وهنا يجب أن يتم التفريق بين الإبداع اللغوي في الوصف والمديح والمفاخرة وبين المبالغة في الشعر والشيلات (مصطلح شعبي يدلّ على أحد أنواع التغنّي بالشعر) حتى نصل إلى تحقير الآخرين! والهياط بالقول يستمر مع الشخص حتى لو أصبح بدرجة علمية عليا فيتحول معه إلى هياط علمي! لذا لا تتعجب من شخص متعلم أو صاحب منصب بدرجة مهايط! سواء في وصف إنجازه العلمي أو المهني. لذا يجب تربية الجيل على تعزيز القول المبني على حقائق وتحليل ومنطق وعدم قبول المبالغة في الحديث في أي مجال كان.
2. هياط الفعل:
هياط الفعل قاعدته كبيرة ولكن الجزء الأكبر لهذه القاعدة هو فعل الهياط المبني على العادات والتقاليد! معظم عاداتنا وتقاليدنا غاية في الجمال مثل عادة الكرم والاحترام وغيرها، ولكن مع الأسف لم نطور أدوات تحقيقها ولا زلنا نقلد الطريقة التقليدية للوصول إلى الغاية! بينما هناك طرق كثيرة للوصول إلى ذات الغاية بلا ضرر ولا ضرار! لذا يجب تربية الجيل على القيم والطرق المتعددة لتحقيقها، حتى تتحول عادات الكرم والاحترام والعطاء إلى قيم وتصبح قاعدة تحقيقها ليس الموروث كما هو، بل الغاية التي كان يبحث عنها الموروث، ولكن بطرق حديثة ومتنوعة.
3. هياط الفكر:
ضعف الاهتمام بمهارات التفكير داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع جعل الهياط الفكري مقبولاً! حتى وصلنا إلى مرحلة أننا بقانون الجذب نستطيع أن نجذب كل ما نفكر به وأننا فقط علينا أن نفكر ماذا نريد أن نكون وسنكون! دون إعطاء وزن للميول والاتجاهات والإمكانيات! حتى أصبحنا في جوّ حالم وفريق يفسر تلك الأحلام، دون الخروج من حالة الهياط الفكري للبحث عن أبواب لرفع المهارات والإمكانيات التي تقربنا قليلاً إلى محيط تلك الأحلام. ووصلنا اليوم بسبب الهياط الفكري، خاصة مع الذات، إلى حالة وجود جيوش من الأشخاص ليست مشكلتهم عدم الثقة بالذات، بل الضحك على الذات وتضخيم الذات.
المصدر: صحيفة مكة.
أضف تعليقاً