10 أشياء يفعلُها الأشخاص المحبُّون لذاتهم بصورة مختلفة

يمكنك أن تكون الإنسان الأكثر روعةً في العالم، والذي يراه الجميعُ بوصفه شعاعاً من النور والحبِّ والعبقرية حين ينظرون إليه؛ لكنَّ كلَّ ذلك الإعجاب الخارجي لا قيمة له إن لم تر في نفسك ما رآه الآخرون، وأعلم ذلك لأنَّني اعتدتُ على النظر إلى الأشخاص الناجحين والسعداء والتساؤل عن السر وراء ذلك والطريقة التي يمكنني أن أكون بها مثلَهم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "مارك كرونوف" (MARC CHERNOFF)، ويُحدِّثنا فيه عن أهم الأمور التي يفعلها الأشخاص المحبون لأنفسهم وضرورة الاقتداء بهم.

بعد صراعٍ وكفاحٍ طويل من التعامل مع المحاولات الفاشلة وكُره الذات، ثقَّفْتُ نفسي وأدركتُ أنَّ السبب وراء عدم قدرتي على أن أكون سعيداً كالأشخاص الذين أحسدهم وأُعجَب بهم هو أنَّني لم أكُنْ أحبُّ نفسي بالطريقة التي يحبُّون أنفسَهم بها.

قد كان للانتقال من كُره الذات نحو حالةٍ من حبِّ الذات تأثيرٌ عميق بالشفاء الكليِّ بالنسبة إلي، إذ أنظرُ الآن إلى الأشخاص الناجحين والسعداء وأبتسم لأنَّني أعلمُ في قرارة نفسي بأنَّ الحياة التي يعيشونها هي نتاجُ سلسلةٍ من القرارات التي تدعم سلامتهم وعافيتَهم.

الحق يُقال، فإنَّ كلَّ ثانيةٍ تقضيها في التشكيك بقيمتك وأهميتك وكلَّ لحظةٍ تمرُّ عليك، وأنتَ تنتقد نفسَك هي خسارةٌ مأساوية وفادحة، وكأنَّها لحظةٌ جديدةٌ من حياتك تُهدَر سُدىً دون الاستفادة منها، وأودُّ تذكيرك بأنَّك لا تملك وقتاً كبيراً للأبد أيضاً؛ لذا، لا تضيِّعْ مزيداً من لحظات حياتك الجميلة، ولا تهدر مزيداً من وقتك في انتقاد نفسك وإن للحظة واحدة، فاليومُ أفضلُ وقتٍ كي تبدأ بحب نفسك.

إليكَ فيما يأتي 10 أشياء يفعلُها الأشخاص المحبُّون لأنفسهم بطريقة مختلفة:

1. إخبار أنفسهم دوماً بأنَّهم جيدون كفايةً ورائعون للغاية:

قد يبدو هذا الأمرُ مُبسَّطاً للغاية؛ لكنَّه بالتأكيد ضروري وبالغ الأهمية؛ لذا أخبرْ نفسَك بأنَّك جيدٌ بما يكفي وتستحقُّ كلَّ ما لديك من هباتٍ ونِعَم في أيِّ وقتٍ تشعر فيه بأنَّك لستَ كذلك؛ لأنَّ أصعب جزءٍ من الحياة أحياناً هو الإيمان ببساطةٍ أنَّك جديرٌ بهذه الحياة التي تعيشُها وتستحق كلَّ الخير فيها، وأنتَ كذلك بالفعل؛ لذا تقبَّلْ عيوبك ونقاط ضعفك واعترفْ بأخطائك، ولا تلجأ للاختباء أو الكذب، وتقبَّلْ حقيقتك كذلك وتعلَّمْ أن تصبح أكثر قوةً انطلاقاً منها؛ لأنَّها لن تضرَّك أبداً، ولن تعوقك عن التقدم والتطور في حياتك، وتذكَّرْ دوماً أنَّك جيدٌ بما فيه الكفاية تماماً كما أنتَ الآن لتصبحَ أقوى بكثير مما كنتَ عليه دوماً.

اعلمْ أنَّ الأخطاء التي ترتكبُها خلال مسيرتك في هذه الحياة لن تؤذيك؛ بل إنَّ إنكارها وإخفاءَها ورفضَ الاعتراف بها هو ما يضرُّك ويؤلمك؛ فالأشخاص الذين يمتلكون العيوب ويرتكبون الأخطاء جميلون ورائعون للغاية، ومحبوبون وقادرون على العطاء، والمساعدة وتعليم مَنْ حولهم، في حين أنَّ المتصنَِّعين والمخادعين ليسوا كذلك إطلاقاً.

يجدر بك أن تعرف أنَّك على حالك وشخصيَّتك هذه لسببٍ مُعيَّن؛ لذا تجاهلْ كلَّ ما يُلهيك ويصرف انتباهك عن التركيز على نفسك واستمعْ فقط إلى الصوت الحقيقي الذي ينبع من داخلك واهتمَّ بشؤونك الخاصة، وقدِّرْ قيمة أمنياتك الطيبة وأهدافك العُظمى وحافظ عليها قريبةً وعزيزةً من قلبك، وخصِّصْ وقتاً لتعزيزها كلَّ يوم، ولا تخفْ من الوحدة أو من الاعتياد عليها ومحبتها، ولا تسمحْ لتجاهل أيِّ أحدٍ لك أو مشكلاته وسلبيته ومآسيه بإفشالك أو إبعادك عن حقيقتك وحبِّك لشخصيَّتك.

2. الإيمان بقدرتهم على التغلُّب على التحديات التي يواجهونها:

تجعلُ التحديات العظيمة والصعوبات الكبيرة حياتَنا ممتعةً ومشوقة، في حين أنَّ التغلُّب على تلك التحديات وتجاوزها يحوِّلها إلى حياةٍ هادفةٍ، ويمنحها المغزى والأهمية، ويعلم الأشخاص الذين يحبُّون أنفسَهم فعلاً هذا الأمر، ويعيشون حياتهم بناءً على ذلك؛ إذ إنَّ طريقة تعاملك مع تحديات الحياة وصعوباتها هي ما يحدد مستوى نجاحك وسعادتك.

لذا أنصحك بتقبُّل الأخطاء التي ارتكبتَها في الماضي بصدرٍ رحب، وتعلُّم الدروس والعِبَر منها، والسخرية من المشكلات ومشقَّات الحياة التي تعترضك واستمداد القوة والعزم منها، والاستمتاع بالمصاعب والتحديات التي تواجهك؛ ومن ثمَّ هزيمتها والتغلب عليها؛ وعلى الرَّغم من أنَّ تطبيقَ النصائح السابقة لن يُشعِرَك بالراحة والطمأنينة دوماً بكلِّ تأكيد، إلَّا أنَّه يستحقُّ بالفعل كلَّ ذلك الجهد والعناء.

يُشبه الانزعاج أو الألم العاطفيُّ حين يتم تقبُّله أمواجَ البحر المتلاطمة التي ترتفع لتبلغ ذروتَها، ثمَّ تصطدم بالشاطئ وتنهار مختفيةً لتتلوها موجةٌ أخرى؛ إذ تجرفُ كلُّ موجةٍ معها عبئاً يثقل كاهلك وترسم شكلاً جديداً لشخصيَّتك، وتُودع فيها كنوزاً من المعارف والخبرات التي لم تتوقع امتلاكَها أبداً؛ فتتخلص من قلة الخبرة والتجربة وتكتسبُ الوعيَ بدلاً من ذلك، وتتخلص من الإحباط لتحلَّ محلَّه المرونةُ النفسية، وتُنتَزَع الكراهية من قلبك ليحلَّ مكانَها اللُّطف والطيبة.

لن يُخبرك أحدٌ يوماً بسهولة تلك الأمواج العاطفية المليئة بالتجارب والخبرات؛ لكنَّ إيقاع الانزعاج والآلام العاطفية الذي تتعلَّم أن تتحمله، وتتعايش معه في أثناء ذلك طبيعيٌّ ومفيدٌ وضروريٌّ للغاية؛ إذ يجعل منك الألمُ في النهاية شخصاً أكثر قوةً وصحة ممَّا كنتَ عليه سابقاً قبل الشعور به.

شاهد بالفيديو: 12 حقيقة عن حب الذات يجب على الجميع أن يتذكرها

3. اختيار تحمُّل المسؤولية، بدلاً من إلقاء اللوم على الآخرين:

حين يحدُث أمرٌ سيئ أو مشكلةٌ ما، يبحثُ الأشخاص المحبون لأنفسهم عن طريقة لتحمُّل المسؤولية عمَّا حدث، بدلاً من التفتيش عن أحدٍ ما لتوجيه أصابع الاتهام إليه؛ إذ يعلمون أنَّ إلقاء المسؤولية والملامة على أشخاصٍ آخرين لن يحلَّ المشكلة؛ بل سيُثير الشعور بالقلق والعجز والضعف داخل أنفسهم؛ إذ يُسدي هؤلاء الأشخاص معروفاً لأنفسهم باختيارهم تحمُّلَ المسؤولية الكاملة عن أخطائهم ومشكلاتهم من خلال تشجيع التغييرات الإيجابية والتقبُّل في حياتهم، بدلاً من التوتر والغرقِ في الحزن والركود.

تذكَّرْ دوماً أنَّك الشخص الوحيد المسؤول عن نجاحك وسعادتك؛ إذ ستبدأ المرحلة الأفضل في حياتك في اليوم الذي تقرر فيه أنَّ حياتك هي مسؤوليتك وملكٌ لك وحدك دون أن تعتمد أو تتَّكل على أيِّ شخصٍ آخر أو تلقي اللوم عليه فيما يحدث فيها؛ إذ تتمتع بالسيطرة والتحكم الكامل على حياتك الحالية؛ لذا صدِّقْ وآمنْ من أعماق قلبك بأنَّك قادرٌ على فعل ما خُلِقْتَ لأجله.

على الرَّغم من صعوبة ذلك في بعض الأحيان، إلَّا أنَّه عليك أن ترفض اتِّباعَ طريق مُحدَّد أو مرسوم لك مُسبَقاً من قبل الآخرين في هذه الحياة أو طلبَ الإذن من جميع مَنْ حولك، وضَعْ قواعدك الخاصة بك وخطة عمل فريدة في حياتك، فلا سعادةَ أو نجاح يُرجى من عيش الحياة بحذرٍ أو الرضى والقبول بحياةٍ أقلَّ نجاحاً من الحياة التي تستطيع أن تعيشَها.

إقرأ أيضاً: لا تكن ضحيةً: بل تحمَّل المسؤولية

4. حرصهم على تثقيف أنفسهم وتعليمها:

قال "مهاتما غاندي" (Mahatma Gandhi) ذاتَ مرةٍ: "عِشْ حياتَك كما لو كنتَ ستموت غداً، وتعلَّم كما لو أنَّك ستعيشُ للأبد"؛ فالحياةُ حقيقةً بمنزلة كتابٍ ضخمٍ مليءٍ بالتجارب والمعارف؛ ومن ثَمَّ فإنَّ الأشخاص الذين لا يسعَون إلى التعلم وتثقيف أنفسهم يقرؤون بضعة صفحاتٍ منها فقط؛ بمعنى أنَّهم لا يتعرفون إلى جميع الجوانب الجمالية في هذه الحياة، ولا يستمتعون بها؛ إذ يُتيح لك التعلمُ والوعي ونهل المعارف واكتساب الخبرات عيشَ حياة أفضل والشعور بالرضى تجاه نفسك.

الأشخاص المحبون لأنفسهم متكيِّفون مع هذا الأمر ويحرصون على التعلم وتثقيف أنفسهم حرصاً بالغاً، ويعلمون أنَّ كلَّ التعلُّم والثقافة عبارةٌ عن تعليم ذاتي؛ إذ ليس من الهام حقاً إن كنتَ تجلس في قاعة دراسية في كليَّتك أو في أحد المقاهي لأنَّنا لا نتعلم أيَّ شيءٍ دون أن نمتلك رغبةً فعليةً في ذلك، والأشخاص الذين يخصصون وقتاً ويأخذون بزمام المبادرة للسعي إلى كسب المعرفة خلال وقتهم الخاصِّ هم الوحيدون الذين يكسبون تعليماً وثقافةً حقيقيةً في هذا العالم.

انظر إلى حياة أيٍّ من العلماء أو رواد الأعمال أو الفنانين أو الشخصيات التاريخية المشهورة على نطاق واسع ممَّنْ يمكنك التفكير بهم أو تذكُّرهم، وستجدُ أنَّهم كانوا نتاجَ تعليمهم الذاتيِّ لأنفسهم بصورة مستمرة، سواء حصلوا على تعليم رسميٍّ أم لا، مستثمرين مقداراً زاخراً وكبيراً من وقتهم وطاقتهم في تحسين أنفسهم وتطويرها، وهو ما يُعدُّ - لأسباب واضحةٍ طبعاً - أحدَ أرفعِ أشكال محبَّة الإنسان لذاته.

5. تعزيز شغفهم ومواهبهم وتغذيتُها:

إن أردتَ أن يكون لحياتك معنى أو مغزى هام، فعليك أن تعيشَها لنفسك وتختارَ المسار الذي تشعر بأنَّه صحيح ومناسب لك، وليس الذي يبدو صحيحاً بالنسبة إلى جميع مَنْ حولك؛ إذ يشعر كلُّ شخصٍ في عالمنا هذا بنزعةٍ لطيفةٍ من الجاذبية أو الإغراء تجذبه نحوَ فكرةٍ أو نشاط ما؛ لكنَّ تلك النزعة لا تكون لطيفة جداً أحياناً؛ بل تتغلب عليه وتجذبه إلى السير في طريقها مهما كلَّف الأمر.

يُدرك الأشخاص المحبون لأنفسهم تَوقهم الداخلي ورغباتهم الشديدة، ويحترمونها ويعترفون بها على أنَّها أمرٌ هام للغاية، ويكرِّسون وقتَهم وطاقاتهم لتغذية تلك الرغبات وتلبيتها، ويعلمون حقاً أنَّ إشباع رغباتهم وتَوقهم الداخلي وتغذيتَها أكثرُ أهميةً بكثير من أيَّة مخاوف قد تكون لديهم عن نظرة الآخرين لهم عند فعلهم ذلك.

لذا أحثك ألا تعيشَ حياتك بوصفك متفرجاً بعد الآن؛ بل عِشْ في هذا العالم، وفي هذا اليوم، وفي كلِّ الأيام القادمة من الآن فصاعداً بوصفك مشاركاً فعَّالاً ومليئاً بالطاقة يمكنه ترك أثرٍ حقيقي في هذا العالم، واسألْ نفسَك كلَّ صباح عن الأمور الهامة حقاً بالنسبة إليك؛ ومن ثمَّ تحلَّ بالشجاعة والحكمة وحرية الإرادة لجعل يومك يتمحور حول تلك الأمور والعمل على تحقيقها بكلِّ استطاعتك.

6. تعليم الناس كيفيةَ معاملتهم بطريقة صحيحة وجيدة:

لن يقدِّرَ الجميعُ ما تقدمه لهم أو ما تفعلُه من أجلهم؛ لذا عليك أن تكتشفَ الأشخاص الذين يستحقون اهتمامَك ورعايتك، وتفرِّقَ بينهم وبين مَنْ يستغلك ويستفيد منك فقط؛ فإن أهدرتَ وقتَك وطاقتك وضيعتَها سُدىً باهتمامك بالعلاقات الخاطئة، قد ينتهي بك الأمرُ بالدخول في حلقةٍ مُضجِرة ومملة من الصداقات السريعة والعابرة والعلاقات العاطفية السطحية، والتي تُعَدُّ مثيرةً ومشوِّقة بقدر ما هي معدومة الهدف والجدوى، إضافة إلى إحساسك بشعورٍ عام من التعجُّب والتساؤل عن السبب الذي يجعلك تبدو دائماً وكأنَّك تراوح مكانك دون أي تقدُّم في حياتك في أثناء سعيك إلى كسب المودة والعطف من الآخرين.

لذا فإنَّ الأشخاص المحبين لأنفسهم يتعاملون مع العلاقات الاجتماعية من مُنطلَق احترام الذات والاكتفاء الذاتي؛ فهم لا يتوقعون أن يحبَّهم الجميع من حولهم ولا يحتاجون إلى ذلك أيضاً؛ بل يعلمون جيداً ما يحتاجون إليه ليشعروا بحبِّ الآخرين واحترامهم، وما ينبغي لهم تقديمُه لهم؛ لذا فإنَّهم يُعلِمون المحيطين بهم بلُطفٍ ورفقٍ عن حدود التعامل معهم في علاقاتهم؛ ومن ثَمَّ إنَّ تجاوز أحدٌ ما تلك الحدود معهم مراراً وتكراراً، يجعلهم يبتعدون عنه؛ إذ يملك الأشخاص المحبون لأنفسهم ما يكفي من المنطق والقدرة للابتعاد والتخلي عن علاقتهم بهؤلاء الأشخاص.

شاهد بالفيديو: مهارات التعامل مع الآخرين

7. المحافظة على مبادئهم ومعاييرهم:

إنَّ تزييف الحقائق أمرٌ مروِّع ومخيف للغاية؛ كأن تدَّعي بعدم حاجتك إلى الحب والاحترام في حياتك في حين أنَّك تحتاجُ إليهما بالفعل، أو تكذبَ على نفسك بالتظاهر بأنَّ كلَّ شيءٍ يسير على ما يُرام في حين أنَّ العكس هو الصحيح، أو تُقنعَ نفسك بأنَّك تحبُّ عملك، بينما تعرفُ حقَّ المعرفة بأنَّك قادرٌ على تحقيق إنجازات أفضل بكثير.

خلاصة القول هي: عليك أن تحبَّ نفسك حباً كافياً كي لا تخفِّض أبداً من معاييرك أو تتنازل عن مبادئك لأسباب خاطئة؛ إذ يتعلق الأمر بعيشِ حياة مشرِّفة ومحترمة، وفعل الأمور الصائبة والصحيحة مهما كلَّف ذلك حتَّى عندما لن يعرفَ أحدٌ إن فعلتَ ذلك أو لا؛ ففي نهاية المطاف، سُمْعتُك هي ما يعرفه الناس عنك، بينما نزاهتك وشرفُك هو ما تعرفه عن نفسك حقاً.

8. حضورُهم وانهماكُهم بالمشاركة في اللحظة الوحيدة المضمونة بالنسبة إليهم:

يقدِّر الأشخاص المحبُّون لأنفسهم قيمتَهم جيداً؛ ولذلك فهم يقدِّرون جيداً، ويهتمون بطريقة قضائهم لوقتهم ويُدركون أنَّ اللحظة الوحيدة التي يملكونَها فعلياً هي اللحظةُ الراهنة التي يعيشون فيها؛ لذا فإنَّهم يحرصون على مَلئها بالنشاطات واستثمارها بالكامل.

المُلهيات في متناول أيدينا ومنتشرةٌ في كل مكان هذه الأيام، لكن علينا أن نتذكر البحثَ جيداً عمَّا يساعدنا على التركيز بصورة أكبر ومحاولة تحسين حياتنا، كما ينبغي لنا أن نتعلم كيف نكون أكثر إنسانية وتعاطفاً من جديد؛ من خلال عدم تجنُّب التواصل البصري مع الآخرين والنظر في عيونهم، وعدم الاختباء وراء آلاتنا وأجهزتنا الحديثة، والإكثار من الابتسام في وجه مَنْ حولنا، والسؤال عن أحوال الناس والاستماع لقصصهم؛ إذ يضيعُ منَّا كثير من الحبِّ والخبرات حين لا نفعل ذلك.

يؤدي عدم القدرة على التركيز في اللحظة الراهنة إلى قلة الوعي، مما يسبب بدوره صعوباتٍ وتحديات كُبرى في التواصل مع الآخرين؛ ومن ثَمَّ مشكلاتٍ في علاقاتنا الاجتماعية الأكثر أهمية، إذ لا يمكنك التواصل مع أحدٍ أو مع نفسك حتَّى ما لم تكُن مندمجاً باللحظة الراهنة ومركِّزاً عليها تركيزاً كاملاً، وهو ما لا يمكنك تحقيقُه عندما تهدرُ حياتك بكاملها من خلال الإفراط باستخدام تطبيقات الهاتف المحمول من "فيسبوك" (Facebook) و"سناب شات" (Snapchat).

إن كنتَ متعلِّقاً بهاتفك المحمول ومرتبطاً به باستمرار، وتستمع لمَنْ حولك دون أن تركز في كلامهم، وتفهمَ معناه حقاً، فيما تبحثُ بعينَيك عن آخر خبرٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنَّك تسلبُ نفسَك متعةَ تجربة علاقاتٍ حقيقيةٍ في الواقع، وعيشِ حياةٍ حقيقية، وينطبقُ هذا الأمرُ أيضاً على إرسال الرسائل النصية لأنَّ فقدان أو خسارة عيشِ إحدى ذكرياتك مع أحبائك أسوأ بكثير من تفويت رسالةٍ ما.

إقرأ أيضاً: عيش اللحظة: حاجة ملحة في ظل انعدام الطمأنينة

9. مشاركتهم الوافرة مع الآخرين:

لا يحتاج الأشخاص المحبون لأنفسهم إلى امتلاكَ كل شيء أو حتَّى الكثير كي يشعروا أنَّ لديهم ما يكفي لمشاركته مع الآخرين؛ إذ يعلمون بأنَّهم يتمتعون بالمقوِّمات التي تُمكِّنهم من عيش حياة جيدة بطريقة أو بأخرى؛ لذا فإنَّهم لا يخافون من مشاركة الوفرة مع الآخرين.

لعلَّك حزينٌ وتشعر بالإحباط قليلاً أو أنَّك دون المستوى في الوقت الراهن، ولعلَّ أموالك قليلةٌ أيضاً؛ لكنَّني متأكد إن فكرتَ مُطوَّلاً في الأمر، ستجدُ أنَّك تتمتع بنوعٍ ما من الثراء أو الغنى، والذي يمكنك مشاركتُه مع شخصٍ آخر في الوقت الراهن؛ فربَّما تملك صبراً كبيراً، ويمكنك أن تكون بذلك مستمعاً جيداً كلَّه آذانٌ صاغية لمَنْ حوله، أو قد تتمتع بمعرفة وعلمٍ وافر عن موضوعٍ استثنائيٍّ مُحدَّد، ويمكنك مشاركة ذلك مع الآخرين، وقد تتمتع بقوَّة كبيرة مُقارنةً بجارتك العجوز؛ لذا يمكنك مساعدتُها على حملِ السلع الغذائية التي اشترَتها إلى أعلى الدرج، وحتَّى الابتسامات الوفيرة يمكنها أن تساهم كثيراً وتؤدي دوراً كبيراً في إضفاء الإشراقة والبهجة على أيام مَنْ حولنا على طول مسار حياتنا؛ وكما تعلم: كما تدين تُدان.

10. عدم شعورهم بالاستياء والذنب الشديد بسبب أمورٍ لا يمكن التحكُّم بها:

يعلم الأشخاص المحبون لأنفسهم أنَّنا في بعض الأوقات يُقدَّر لنا أن نقف مكتوفي الأيدي دون القدرة على التقدُّم أو التطور إطلاقاً، ويتفاقمُ هذا الحالُ عادةً لفترةٍ من الزمن؛ فحين نُضطَرُّ إلى الشعور بألم عدم اليقين في أعماق قلوبنا وعقولنا، فإنَّنا نتعلَّم في النهاية كيفية التسليم والاستسلام لحقيقة أنَّه مهما حاولنا التخطيط وفرض سيطرتنا وفرضَ حصول نتيجةٍ ما، فإنَّ بعضَ الأشياء في الحياة لا تحدُث حتَّى تكون جاهزةً لذلك.

تنتهي الأشياء الجيدة في حياتنا أحياناً مبكراً جداً؛ لكنَّ الأشخاص المحبين لأنفسهم لا يُقاومون هذه الأمور المُقدَّرة والخارجة عن سيطرتهم إطلاقاً؛ إذ يعلمون أنَّ تلك النهايات تمثِّل وقتاً مثالياً للتأمُّل الذاتي أو فحص الذات، والذي يمكنه أن يؤدي إلى تجديدِ أنفسهم والشعورِ بالامتنان للتجارب التي مرُّوا بها والخبرات التي اكتسبوها، والبدءِ بفصول جديدةٍ من حياتهم بطريقة قوية وراسخة.

في الختام:

قسِّمْ قطعةً من الورق إلى عمودَين، واكتُبْ في أحدهما كلَّ الأمور التي تحبُّها في نفسك، مثل نقاط قوة شخصيَّتك والمواقف الصعبة التي تجاوزتَها والأشخاص الذين أثَّرتَ في حياتهم وإنجازاتك الشخصية وقيمك ومبادئك التي تزيد احترامك لنفسك؛ وفي العمود الآخر، أنشِئْ قائمةً بنقاط ضعفك الشخصية أو المشكلات التي ما زلتَ تعاني منها، فربَّما تكون أنانياً في بعض الأحيان أو تتجنب تحمُّل المسؤولية عمَّا تفعله أو لم تتابع تنفيذ التزاماتك وتعهُّداتك حتَّى النهاية؛ إذاً سلِّط الضوءَ على تلك المشكلات مهما كانت لتفحُّصها والبحث في أسبابها وأخرجْها للعلَن، وستشعر تلقائياً بأنَّها أقلُّ عيباً وخِزياً.

في نهاية التمرين، اقرأْ كلَّاً من عمودَي نقاط القوة والضعف بصوتٍ عالٍ، من ثمَّ ضَعْ يدك على قلبك، وردِّدْ ما يأتي: "أنا قوي، أنا ضعيف ومُنهار، لديَّ كثير من العيوب والأخطاء، وما زلتُ أتعلم، أنا كائن بشريٌّ حساس وسريع التأثُُّر، وأسمح لنفسي بأن أحبَّ ذاتي بصورة مُطلَقة دون قيدٍ أو شرط على الرَّغم من كلِّ ما سبق، وأنا أتطوَّر وأنمو باستخدام أخطائي السابقة في الماضي نبراس لرحلتي في هذه الحياة من التطور والنموِّ، وأتقبَّل نفسي كما هي على حالها، ولديَّ نيةٌ بأن أصبح شخصاً أفضل يوماً بعد يوم".

أنصحك بإعادة قراءة هذا المقال وممارسة التمرين السابق كثيراً، وإمضاء الوقت بالتأمُّل في العادات والمسارات التي تفيدك وتخدمك في حياتك، وتلك التي تعوقك وتمنعك من التقدم والتطور، ومحاولة فهم الشعور بالألم الذي سبَّبه لك انقطاع التواصل مع نفسك والمحافظة عليه بلُطفٍ ضمنَ إدراكك الواعي، وستتطور وتزدهر ويزداد وعيُك الذاتي ويقظتك الكاملة وحبُّك لنفسك من خلال تطبيق النصائح السابقة، وحين تتعلَّم الاقتناعَ بأنَّك كافٍ وجيد كما أنت، ستتعلم أيضاً تقبُّل الآخرين وحبَّهم بمزيدٍ من التعاطف، ودون إطلاق الأحكام عليهم وانتقادهم.




مقالات مرتبطة