ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الدكتور "بيتر فايس" (Peter Weiss)، ويخبرنا فيها عن تجربته مع ارتفاع ضغط الدم.
لن أنسى أبداً تلك المكالمة الغريبة، حين قاطعَتني الممرضة في أثناء معاينة المرضى قائلة: "مكالمة من غرفة الطوارئ، إنَّها حالة طارئة".
اعتذرتُ من غرفة المعاينة وأجبتُ على المكالمة؛ حيث سمعتُ طبيب الطوارئ، الذي كنتُ أعرفه جيداً، يتمتم شيئاً حول الدكتور "دانتزلر" (Dr. Dantzler)، فاضطربتُ، وتذكرتُ أنَّه في إجازةٍ اليوم، فكيف يمكنني المساعدة؟ ثم كرر ما قاله وشعرتُ حينها بالضعف واضطررتُ إلى الجلوس.
كان يخبرني أنَّ صديقي الدكتور "دانتزلر" (Dr. Dantzler) الذي كان يقوم بترميز الإجراءات الطبية، أُصيب بسكتة قلبية؛ نوبة قلبية كبيرة، وتوفي في ذلك اليوم الدكتور "جريج دانتزلر" (Greg Dantzler) ذو الـ 39 عاماً. لقد كان رجلاً محبوباً ومحترماً ويبدو دائماً في صحة جيدة، والآن، مات "دانتزلر" من ذلك القاتل الصامت؛ وهو ارتفاع ضغط الدم. كان ذلك قبل أكثر من 20 عاماً، وأنا أفتقده كل يوم.
شاهد بالفديو: 8 نصائح يومية لتحظى بصحة جيدة
يمكن لارتفاع ضغط الدم أن يُلحق الضرر بجسمك لسنوات قبل أن تعرف حتى أنَّك تُعاني من مشكلةٍ ما، وقد يُفاجئك في كثيرٍ من الحالات، كما فعل مع صديقي.
هناك العديد من العوامل التي تؤدي إلى خطر ارتفاع ضغط الدم، مثل العمر والبدانة وزيادة الوزن، وبينما يضعك نمط الحياة الكسول في خطر كبير، فإنَّه يترافق أحياناً مع زيادة الوزن؛ كما يُعَدُّ التاريخ الطبي للعائلة أيضاً عاملاً خطيراً، فإذا كان أحد والديك يعاني من ارتفاع ضغط الدم، فسوف تكون معرضاً لذلك بشكلٍ كبير.
ويمكن أن يكون العِرق عاملاً لذلك أيضاً؛ حيث يُظهر مقال نُشِرَ في "المجلة الأمريكية للعلوم الطبية" (The American Journal of Medical Sciences) أنَّ الأمريكيين الأفارقة عموماً يعانون من ارتفاع ضغط الدم، والذي يرتبط مع ارتفاع معدلات السكتة الدماغية، وأمراض الكلى، وفشل القلب (الدكتور "دانتزلر" كان أسود البشرة).
راجعَتني سيدة لديها ابنتان في سن المراهقة، أرسلَتها إليَّ صديقتها التي كانت تعتقد بأنَّها تعاني من الصداع النصفي الحيضي (menstrual migraine)، وكانت تبلغ من العمر 45 عاماً، وتعاني من زيادة الوزن، وتشكو من تفاقم الصداع خلال الأشهر القليلة الماضية، لقد تناولَت فحسب بعض المكملات الغذائية دون وصفة طبية.
كانت القراءة الأولية لضغط الدم عند وصولها 185/110، وحاولَت أن تخبرني أنَّ ضغط دمها كان مرتفعاً لأنَّها كانت تنتظر أكثر من ساعة لرؤيتي، ولأنَّها تشعر بالتوتر عندما تذهب إلى طبيب جديد، سألتُها متى كانت آخر مرة قابلتِ فيها طبيباً، فأجابت بصوت منخفض: "ربما قبل 5 إلى 7 سنوات".
أعدتُ فحص ضغط الدم بنفسي وحصلتُ على نتيجة 195/125، فلم تكن الأمور تسري في الاتجاه الذي توقعتُه؛ حيث تُعَدُّ النسبة 120/80 تقريباً هي القراءة الطبيعية لضغط الدم، وهناك ظاهرة تسمى "فرط ضغط المعطف الأبيض"، وهي ارتفاع ضغط الدم المؤقت الناتج عن الذهاب إلى أماكن العيادات مثل المستشفى، والتي يمكن أن تسبب القلق لبعض الناس.
لكن لم يكن الحال كذلك مع السيدة، والتي لم أكن أروقها في ذلك الوقت، شرحتُ لها أنَّ ما أسمته صداع الحيض النصفي لم يكن صداع الحيض النصفي الفعلي، ما دامت تعاني من الصداع طوال الوقت، وليس فقط في أثناء دورتها الشهرية، فأردتُ أن أرسلها إلى غرفة الطوارئ، حيث أخذنا قراءات عدة لضغط الدم، وكلها كانت عالية للغاية، وكان الوقت متأخراً بعد الظهر ولم أكن لأعاين أيَّ أحد في ذلك الوقت المتأخر من اليوم على أيِّ حال.
هناك بعض الأدوية التي تُصرَف بوصفة طبية، والأدوية المتوفرة دون وصفة طبية، والتي يمكن أن ترفع ضغط الدم إلى النطاق غير الطبيعي؛ كحبوب منع الحمل، والاستخدام المزمن لمضادات الالتهاب غير الستيروئيدية (موترين (Motrin)، أدفيل (Advil)، وغيرها)، والمنشطات، والأدوية المثبطة للوزن، وكذلك مضادات الاحتقان؛ فارتفاع ضغط الدم في بعض الأحيان ليس خطيراً عادة، إلا إذا وصل إلى مستوى ضغط تلك المريضة.
طلبتُ منها الاستلقاء والراحة مدة خمس دقائق، وظلَّ ضغط دمها مرتفعاً عند الحد 195/120، ظننتُ أنَّني أمرُّ بيومٍ سيِّئ، ولكنَّ يوم المريضة كان أسوأ للغاية، أخبرتُها أنَّ عليها الذهاب إلى غرفة الطوارئ، فقد كانت على شفير سكتة دماغية، ولم يكن لديها خيار آخر.
كان زوجها معها وتوجها مباشرة إلى المستشفى؛ إذ كان ضغط دمها أعلى من ذلك بكثير، في نطاق الـ 200؛ حيث أظهر التخطيط الكهربائي للقلب (EKG) في المستشفى تغيرات تتوافق مع حالة القلب الإقفارية (حالة من آلام الصدر المتكررة أو الانزعاج الذي يحدث عندما لا يتلقَّى جزء من القلب كمية كافية من الدم)، فكانت المريضة تعاني من نوبة قلبية.
ليست كل حالات ارتفاع ضغط الدم مثل حالة صديقي الدكتور "دانتزلر" أو حالة تلك المريضة؛ إذ إنَّ معظمها حالات أكثر وضوحاً، وفي كثير من الأحيان، سأخبر المريض أنَّ ضغط دمه كان مرتفعاً بشكل طفيف، وسأطلب منه شراء جهاز قياس ضغط الدم سهل الاستخدام من متجر الأدوية المحلي، وقياس الضغط وتسجيل القراءة مرتين في اليوم مدة أسبوعين، وأُحذِّره من أخذ ضغط دمه عند مشاهدة الأخبار أو التحدث عن السياسة أو المجادلة مع زوجته.
كانت تلك المريضة محظوظة في نهاية الأمر، فقد كانت أزمتها القلبية خفيفة وبدأَت باستخدام أدوية ضغط الدم ذات التأثير السريع، ومن ثمَّ حُلَّت مشكلة الصداع، وكانت محظوظة أيضاً؛ لأنَّها تلقَّت نداءً أشعرها أنَّها بحاجة إلى تفقُّد صحتها، ولم يكن الأوان قد فات لتحسين حالتها الصحية.
يُعَدُّ الضغط العالي في الحقيقة قاتلاً صامتاً، ومع ذلك، من السهل جداً التحقق منه، ومن السهل أيضاً تصحيحه وجعله في المستوى الطبيعي لدى معظم الناس، فلا تخافوا من إجراء الفحص، والأهم من ذلك، لا تخافوا من تلقِّي ما سيقال لكم؛ حيث يُعَدُّ إيجاد التوازن الصحيح في الحياة من خلال ممارسة التمرينات الرياضية، وتناول الطعام بشكل جيد، وعدم الخوف من القيام بما عليك فعله لتحيا بصحة جيدة، هو الحل، فأنا أعلم جيداً أنَّ القول أسهل من الفعل.
بعد بضعة أشهر من زيارة المريضة، أرسلَت إليَّ لوحةً تصوِّر مريضاً جالساً على طاولة المعاينة يقول: "طبيبي قلق بشأن ارتفاع ضغط الدم؛ لذا قلتُ له: في المرة القادمة لا تتركني جالساً في غرفة الانتظار مدة ساعتين".
إنَّها تبالغ؛ لقد انتظرَت مدة ساعة واحدة فقط!!
أضف تعليقاً