يُفيد التَّعاطف في ضمان تلقِّي الناس لأفضل رعايةٍ صحيَّة، ويُساعد المرضى من مُختلف الخلفيَّات والثَّقافات على تلقِّي الرعاية المُثلى لهم، وعلى الشعور بالأمان تجاه إجراءات رعايتهم الصحيَّة؛ لكنَّ أولئك الذين يعملون في الرعاية الصحيَّة يُمكن أن يُصابوا بالإرهاق، الذي قد يؤثر سلباً في قُدرتهم على التعاطف مع المرضى.
يُمكن أن يُهمَل التَّعاطف في مجال الرعاية الصحيَّة، ويُمكن أن نواجه صعوبة في أن نكونَ عطوفين، خصوصاً أنَّ ذلك يتطلَّب من طاقم العمل أن يعرِّضوا أنفسهم للصدمات أو الألم، وقد لا يملكون الوقت الذي يسمح لهم بتنميةِ علاقاتهم مع المرضى، كما يتطلب التعاطف من عُمَّال الرعاية الصحيَّة أن يكونوا مَرنين ليتأقلموا مع كُلِّ مريضٍ على حِدة، خصوصاً إن كانت مُعتقدات المريض تتعارضُ مع مُعتقداتهم.
الإرهاق والتعاطُف:
هذه المشكلات في الرعاية الصحية يُمكن لها أن تُسبِّب الإرهاق الشائع بين عُمَّال الرعاية الصحيَّة، فقد تتضمَّن أعراضُ الإرهاق: التَّعب والتهكُّم وإحساساً مُنخفضاً بالإنجاز، ويجعل كل ذلك العناية الجيدة بالمرضى أمراً أكثر صعوبةً.
يحدُث الإرهاق لأسبابٍ عِدَّة، ومن ذلك بيئة العمل المتوترة وقِلة الدعم وسوء الموازنة بين الحياة الشخصية والمهنية، ويُمكن أيضاً أن يحدث بسبب قلَّة التحكُّم والانهماك بالعمل ذاته.
تُظهر الدراسات أنَّ زيادة الإرهاق تُخفض نسبة التعاطف؛ فهما مُرتبطان ببعضهما بعلاقةٍ عكسيَّة، لكن هُناك ثقافة منتشرة في المجال الطبِّي ترفض مشكلات الصحَّة العقليَّة مثل الإرهاق لدى الأطبَّاء، والعديد من الأطبَّاء العامين، على سبيل المثال، يُقرُّون بعدمِ امتلاكهم الوقت للارتباط معنويَّاً بالمرضى أو الزُّملاء، على عكسِ بعضِ المِهنِ الأُخرى، فإنَّ الطب يُشجِّعُ مُمارسيه على تدبُّر أمورهم وحدهم.
في دراسةٍ قُمتُ بها أنا وزُملائي أجرينا بها استكشافاً لتجربة الأطباء العامين في التعامُلِ مع ضغط العمل وطريقتهم في التحمُّل، أخبرَنَا أحدُهم أنَّهم يمرُّون بحالة انذهالٍ بعد عودتهم إلى المنزل من أماكن عملهم؛ وذلك لأنَّهم اختبروا مشاعر الكثير من الناس دونَ امتلاك الوقت لمُعالجتها، وآخرون أشاروا إلى الخوف الدائِم الذي يُصيب الأطباء العامين من ارتكابِ الأخطاء.
تُظهر دراستنا أيضاً كيف يتسلَّل الإرهاق إلى الأطباء، ويجعلهم حزينين ومُحاصَرين، ومن المُثير للاهتمام، أنَّنا وجدنا أنَّ التَّعافي من الإرهاق قد يعني التعاطف تعاطفاً أكبر مع المرضى ذوي الأمراض العقلية؛ إذ من المُمكِن أن يفهم الأطباء العامون تجاربَ المرضى فهماً أعمق.
إنَّ حجم القضايا التي يُمكن إدارتها، واستخلاصَ المعلومات، ودعمَ الأقرانِ، والدعمَ التَّنظيمي قد يُساعدون الناس على تجنُّبِ الإرهاق - أو التعافي منه - وقلة التعاطف. إحدى النصائح لأولئك الذين يعملون في الرعاية الصحيَّة هي وضع حدودٍ للعلاقةِ مع مرضاهم، على سبيل المثال: يجب على استشاريي الأطفال المُعنَّفين تذكير أنفُسِهم أنَّهم ليسوا أهل هؤلاء الأطفال.
يُمكن لممارسي مهنة الرعاية الصحيَّة أيضاً أن يمارسوا العناية الذاتية مثل أخذ إجازة أو التمرُّن أو التأمُّل، وتخصيص الوقتِ لجمع المعلوماتِ بانتظام مع زميلٍ عن تجاربَ صعبة؛ لكنَّ هذا أقصى ما تستطيع تحقيقه من الرعاية الذاتية.
بدأ مفهومُ "الإصابة المعنوية" بمنافسة "الإرهاق" بوصفه طريقة لفهم مشكلة عمال الرعاية الصحيَّة، وتكمن فكرته في أنَّ النَّاس يمكن أن يُعرَّضوا للصدمات في العمل الذي ينتهك إحساسهم الأخلاقيَّ بالصواب والخطأ، وينتج عن هذا صدام مع القيم والمشاعر الراسخة كالخزي والخيانة.
استُعمِل المصطلح هذا لفهم تجارب المحاربين القدامى، والآن يسلط الضوء على دور السلطات في الطريقة التي قد يخالف بها العمال أخلاقياتهم؛ وهذا يؤدي إلى ضعف جودة العمل.
قد يكون أحد الأمثلة على الإصابة المعنوية عندما يجهد الأطباء أنفسهم للتفكير تفكيراً صحيحاً، أو حين يجبرون على اختيار أيٍّ من المرضى سيمنحونه الإذن لدخول المشفى أولاً لتلقِّي العلاج.
يمكن لتنمية التعاطف أن تكون شيئاً صعباً على أولئك الذين يعملون بقسم الرعاية الصحيَّة، خصوصاً حينما تجعل البيئة المتوترة الإرهاقَ أمراً شائعاً، ولكن هناك بعض الأبحاث التي تشير إلى أنَّ المستويات العالية من التعاطف قد تحمي من الإرهاق.
يحتاج هذا الارتباط إلى دراسةٍ أكثر، بينما تكهَّن الباحثون بأنَّ الأطباء القادرين على فهم منظور مرضاهم فهماً أفضل قد يشعرون بأنَّهم أكثر ارتباطاً بهم وأكثر إفادةً لهم، ويمكن لهذا أن يخفف بعض ضغوطات العمل.
أضف تعليقاً