تقدِّم الزيادة المفاجئة في العمل من المنزل المشاكل تماماً مثلما تقدِّم الفرص؛ فمن ناحية، تقدِّم الشركات الناشئة -مثل: سلاك (slack)، وزوم (Zoom)- والشركات العملاقة الراسخة -بما في ذلك: جوجل، ومايكروسوفت- أدواتها مجاناً، وذلك على أمل أن يستمرَّ الأشخاص الذين يستخدمونها في الأزمات باستخدامها عند عودة الحياة إلى طبيعتها، في حين تواجه الشركات التي لم تعتد على وجود غالبية اتصالاتها عبر شبكاتٍ افتراضيةٍ خاصَّةٍ (VPNs) مخاوف غير عادية؛ وفي الوقت ذاته، يتعرَّض مزودو خدمة الإنترنت إلى الكثير من الضغوطات لرفع الحدِّ الأقصى المسموح به من استهلاك الإنترنت بحيث لا ينفصل العاملون عن بُعدٍ وأرباب عملهم عن بعضهم بعضاً.
ولكن، يبدو أنَّ الوضع لن يعود أبداً إلى ما كان عليه؛ فقد بدأ العديد من موظفي الشركات الذين أُرسِلوا إلى المنزل التساؤل عن سبب اضطرارهم إلى الذهاب إلى المكتب إن كان بمقدورهم إنجاز أعمالهم كلِّها من المنزل.
كانت شركات التكنولوجيا الكبيرة من أوائل الشركات التي تحوَّلت إلى نظام العمل عن بُعدٍ لجميع موظفيها، وذلك بناءً على البنية الأساسية الموجودة مسبقاً مثل: مجموعات الدردشة في المكاتب، والوصول عن بُعدٍ إلى الأدوات الهامَّة، وإمكانية إجراء الكثير من الأعمال المعرفية عن بُعد.
أوصت بعض الشركات في سياتل -مثل: أمازون، و"لينكد ان"، ومايكروسوفت، وجوجل- العمَّال بالتوقُّف عن الذهاب إلى المكتب في أواخر فبراير الماضي (2020)، كما نصحت شركة تويتر بشدةٍ جميع موظَّفيها في جميع أنحاء العالم بالشيء نفسه في أوائل مارس الماضي؛ ومن ثمّ جعلته إلزامياً.
قالت مديرة الموارد البشرية في تويتر "جينيفر كريستي" في رسالةٍ إلى الموظفين: "نتفهم أنَّ هذه خطوةٌ جديدة، ولكن هذه أيضاً أوقاتٌ جديدة". وقد وَعَدَتْ بتعويض الموظفين -بما في ذلك العاملين بالساعة- وتقديم النفقات المطلوبة لإنشاء مكاتب منزلية، وتغطية تكاليف شراء أشياء مثل: أجهزة الكمبيوتر، والمكاتب، والكراسي المريحة؛ وأضافت (كريستي): "لا يغيِّر العمل من المنزل عملك اليومي بشكلٍّ عام، بل يعني أنَّك ستفعل ذلك، ولكن من بيئةٍ مختلفة".
في الواقع، دفع هذا النوع من التوظيف العديد إلى التساؤل عمَّا إذا كانت الشركات التي تتبنَّى العمل عن بعدٍ في أوقات الأزمات قد تجد نفسها في مأزقٍ مع عودة الوضع الطبيعي، حيث سيكون من الصعب رفض طلبات الموظفين إذا طلبوا أن يستمرُّوا في العمل من المنزل، خاصةً إذا كانت الموارد البشرية قد اشترت لهم مكاتب جديدةً بالفعل.
قال "مات مولنويج"، الرئيس التنفيذي "لووردبريس Wordpress" و"تمبلر Tumblr" ومالك شركة "Automatti": "لم أكن أتخيَّل أنَّ ثورة العمل عن بُعدٍ ستسود بهذه الطريقة"، والواقع أنَّ شركة "مولوينج" تعمل عن بُعدٍ بالفعل، وهو يتوقَّع أنَّ التغيُّرات قد توفِّر أيضاً الفرصة للعديد من الشركات لكي تبني أخيراً ثقافةً تسمح بمرونة العمل بعد طول انتظار.
وأضاف قائلاً: "ستتاح الفرصة لملايين الأشخاص لتجربة أيامٍ دون تنقُّلاتٍ طويلةٍ للعمل، أو عدم القدرة على البقاء في المنزل عندما يكون أحد أفراد الأسرة مريضاً. قد تكون هذه فرصةً هائلةً لإعادة ضبط طريقة عملنا"؛ وهذا هو بالتأكيد ما تأمله القطاعات التي تؤيد فكرة العمل عن بُعد.
قال المتحدِّث الرسمي باسم شركة (سلاك Slack): "نحن على أتمِّ استعدادٍ لهذا الموقف، فأولاً وقبل أيِّ شيء، نحن نقلق بشأن العائلات والأفراد المتضرِّرين من فيروس كورونا، ونركِّز حالياً على مساعدة الأشخاص حول العالم على التكيُّف مع العمل عن بُعدٍ باستخدام الموارد المجانية. على سبيل المثال: نحن نقدِّم لأول مرةٍ مشوراتٍ مجانيةً للشركات التي تتكيَّف مع العمل عن بعد، وقد تحدَّثنا إلى شركاتٍ من جميع الأحجام والعاملة في مختلف المجالات؛ ومن الشركات الكبيرة التي تضمُّ مئات الآلاف من الموظفين، إلى الشركات الصغيرة التي تتألَّف من خمسة أعضاء".
ليست سلاك هي الوحيدة، فقد جعلت شركة مايكروسوفت "الحزمة الإنتاجية" الخاصة بها مجانيةً للشركات الصغيرة خلال الأشهر الستة المقبلة، بما فيهم منافستها سلاك؛ وكذلك حذت "جوجل" حذوها أيضاً، في حين رفعت خدمة التواصل عبر الفيديو "زوم" بعض القيود، ما سمح للمحادثات بتجاوز 40 دقيقة.
ولكن، في حين كان انتقال بعض الشركات إلى ثقافة العمل عن بعدٍ سلساً، واجهت شركاتٌ أخرى مشاكل كان بعضها طفيفاً نسبياً، فمثلاً: اكتشف موظفو فيسبوك أنَّ عنوان IP لشبكة الشركة الخاصة بهم قد حُظِرَت من قبل خدمة توصيل الوجبات الجاهزة (DoorDash) بسبب السلوك المشبوه، حيث قام موظفو فيسبوك بطلب تسليم الوجبات الجاهزة من شركة DoorDash في جميع أنحاء منطقة خليج سان فرانسيسكو في كاليفورنيا في أثناء تسجيل دخولهم إلى شبكة فيسبوك الخاصة، متصلين من عنوان بروتوكول الإنترنت (IP) نفسه، مما اضطر شركة DoorDash إلى الاعتقاد بأنّ شخصاً واحداً قام بطلب كل هذه الوجبات وقاموا بحظره.
تعاملت بعض الدول الأخرى مع الأمر بشكلٍ أكثر جدية، حيث تسبَّب الخوف المبكِّر من انهيار شبكات الإنترنت المنزلية تحت ضغط الاستخدام، بضغطٍ على مقدِّمي الخدمات في المملكة المتحدة.
وأشار مزودو خدمة الإنترنت في المملكة المتحدة إلى أنَّ ذروة النشاط كانت في الفترات المسائية عند مشاهدة بث نتفليكس، ولعب ألعاب الفيديو عبر الإنترنت؛ والذي غالباً ما يساوي عشر أضعاف الطلب المعتاد في أثناء النهار.
الأمر الأكثر أهميةً هو حقيقة أنَّ استخدام الإنترنت بشكلٍ عامٍ يتزايد في جميع المجالات. تقول شركة "كلاود فلير" (CloudFlare) التي توفِّر بنية تحتية أساسية تدعم مساحةً كبيرةً من الإنترنت، أنَّها كانت تتعقَّب هذه الزيادة.
يقول رئيسها التنفيذي "ماثيو برينس": "مع زيادة عدد الأشخاص الذين يعملون من منازلهم، ازداد معدل الحركة في المناطق المتضررة بحوالي 10٪ تقريباً في المتوسط؛ ففي إيطاليا التي فرضت الحجر الصحي على مستوى الدولة، ارتفعت ذروة حركة الإنترنت بنسبة 30٪. لقد تغيَّرت أنماط حركة الإنترنت إلى ذروة الازدحام في أوقاتٍ مبكِّرةٍ من اليوم في المناطق المتأثرة بالفيروس".
تبدأ المشاكل الحقيقية عندما تُعلَّق المدارس عن العمل، فوفقاً لتقريرٍ من (بلومبرج نيوز)، ارتفع استخدام الشبكة المحلية الإيطالية لأكثر من الثلثين، ليس بسبب العمل من المنزل، ولكن بسبب عودة أطفال المدارس إلى المنزل وتفرُّغهم لألعابٍ مثل: فورتنايت (Fortnite)، ومثيلاتها.
من المرجَّح أن تؤثِّر الارتفاعات في الاستخدام على أشخاصٍ يدفعون مقابل الإنترنت في وقت الذروة، وهو أمرٌ شائعٌ بين أولئك الذين يعتمدون على الاستخدام الكبير للهواتف المحمولة.
بدأ بعض مزودي خدمات الإنترنت -بما في ذلك شركة "إيه تي آند تي" (AT&T)- تعليق هذه الممارسة لتجنُّب إلقاء اللوم عليهم لمنع العمل، ولكن لم يفعل الجميع ذلك.
مع ذلك، لا يمكن للتكنولوجيا أن تذهب إلى أبعد من ذلك، فالعمل من المنزل ليس متاحاً للجميع. قال أحد العاملين في مجال التكنولوجيا، والذي أُرسِل للعمل من المنزل: "لقد عملت عن بُعدٍ بنسبة 100٪ من قبل، وأعرف من تجربتي أنَّه حتى الانطوائي سيصل لمرحلةٍ يرغب فيها برؤية إنسانٍ آخر، والخروج من المنزل".
أدواتٌ للعمل عن بعد:
1. سلاك Slack:
تُعدُّ منصّة "سلاك Slack"، مكان العمل الوحيد لإدارة شركة "أوبر Uber"، وهي وسيلةٌ محبوبةٌ ومكروهةٌ بالقدر نفسه، ولكن هناك شيءٌ واحدٌ تسعى إليه، وهو "نموذج العمل المجاني". فبدلاً من الحاجة إلى تسجيل المؤسسة بالكامل، يصبح من السهل على الفِرَق أو المكاتب الفردية البدء بالمستوى المجاني، والتوسُّع على النحو الذي تراه مناسباً؛ ممَّا يعني أنَّها أفضل وضعٍ لمساعدة العاملين في المنازل على إعادة المحادثات الشخصية التي يُجرُونها في المكاتب.
2. تريلو Trello:
بينما يجعلك سلاك تشعر أنَّك تتوجَّه إلى زميلٍ لإجراء محادثةٍ سريعةٍ شخصيةٍ بقدر ما هي مهنية، يشبه تريلو رئيسك في العمل وهو يسير بالجوار "لمجرَّد التحقُّق من أحوالك".
يتيح برنامج إدارة المشروع هذا للفرق الفرصة لترتيب المهام وتعيينها، وتعقُّب تقدُّم المشروع على نطاقٍ أوسع، وإنشاء سير عملٍ للمهام المتكررة؛ وهو مثاليٌّ لليوم الرابع أو الخامس من العمل من المنزل عندما تبدأ التساؤل عمَّا إذا كان رئيسك قد نسي أنَّك موجودٌ أم لا.
3. زوم Zoom:
رفع تطبيق زوم حدوده على الحسابات المجانية كاستجابةٍ للأزمة، وهو يدعم نظرياً ما يصل إلى ألف مشاركٍ في اجتماعٍ واحد، رغم أنَّه ليس من الواضح بَعد إذا كان ذلك إيجابياً حقاً أم لا.
ومع ذلك فقد شهدت الشركة بعض الخلافات حول ملحقٍ إضافيٍّ غير آمنٍ لعملاء "ماك Mac"، وقد جرى تعديله في يونيو إلى خاصية "رصد الانتباه" (attention tracking) المريبة، والتي تسمح للرؤساء باستخدام الذكاء الاصطناعي للتحقُّق ممَّا إذا كان موظفوهم ينظرون بالفعل إلى الشاشة أم لا.
4. توماتيس Tomates:
لا تقلُّ أهمية التأكُّد من أنَّك تعمل جيداً في المنزل عن أهمية التأكُّد من أنََك تأخذ فترات راحةٍ من العمل في المنزل.
تعدُّ طريقة بومودورو -طريقةٌ معروفةٌ لإدارة التركيز تسمح لك بتقسيم اليوم إلى أجزاء، مدة كلٍّ منها 20 دقيقة، مع استراحةٍ مدَّتها خمس دقائق- أحدَ هذه السُبل.
يساعدك تطبيق توماتيس البسيط والرخيص على تشغيل أجهزة التوقيت هذه أوتوماتيكياً، ويمكن لأيِّ تطبيقٍ مشابهٍ أو جهاز توقيتٍ طبيعيٍّ بسيطٍ أن يجدي نفعاً أيضاً.
أضف تعليقاً