ومِن هنا تتَّضح أهميةُ اختيار الأصدقاء الصالحين الذين ينفعون الإنسان في دينه ودنياه، ويقرِّبونه من الله ورسوله، ويعينونه على الخير والطاعة، وينصحونه فيما يصلحه ويصلح له.
لكن للأسف يقع بعض الناس في شرك رفاق السوء، الذين يَضِرُّون الإنسانَ في دينه ودنياه، ويُبعدونه عن اتِّباع أوامر الله وسنَّة رسوله، ويحرِّضونه على الشر والمَعصية، ويَغرُّونه بالباطل والهوى، ويَخدعونه بالكلام اللَّين والمنطق الساحر، وهؤلاء رفاق السوء هم أعداء الإنسان الحقيقيون، الذين يريدون هلاكه وضياعه في الدنيا والآخرة.
سنتناول في هذا المقال بعض الجوانب المتعلِّقة برفاق السوء، ومخاطرهم على الفرد والمجتمع، وكيفية الوقاية منهم والابتعاد عنهم، والاستعانة بالله تعالى في ذلك.
من هم رفاق السوء؟
رفاق السوء هم أولئك الذين يؤثِّرون سلباً في شخصية وسلوك ومستقبل صديقهم، ويدفعونه إلى الانحراف والمعصية والتهوُّر، يتميَّز رفاق السوء بصفاتٍ سيئة مثل الخيانة والاستغلال والأنانية والتحريض على الشرِّ، ويجب على المسلم أن يتجنَّب رفاق السوء ويبتعد عنهم، ويحاول دعوتهم إلى الهداية والإصلاح، فرفاق السوء يخالفون تعاليم الإسلام وسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أمرَنا بالاختيار الحكيم للأصدقاء والرفاق، وقال: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).
صفات رفاق السوء:
رفاق السوء هم أولئك الذين يضرُّون بصديقهم ويجعلونه يبتعد عن الله والخير، ومن الصفات التي يجب تجنُّبها في رفقاء السوء:
- التشجيع على فعل المُنكرات والمعاصي، وتزيينها في النفوس، وفتح أبواب الشرور.
- الخيانة وعدم الولاء والثقة، والاستغناء عن الصديق في أي وقت.
- الحثُّ على أذية الخلق، والوقيعة في أهل العلم والفضل والصلاح.
- التذكير بالفساد، وتأجيل التوبة، وبيان أنَّها ممكنة بعد الكبر في السِنِّ.
- التشجيع على البخل والطمع، والحثُّ على جمع المال بطرائق غير مشروعة، والتحذير من الصدقة والزكاة والإنفاق في سبيل الله.
- الاستهزاء بالدين والعقيدة، والسخرية من الأشياء المقدَّسة، والتشكيك في الآيات والأحاديث، والتقليد الأعمى للغَرب والمُلحدين.
- الانغماس في الشهوات والملذَّات، والتورُّط في الزِّنا والخمر والمخدرات والمقامرة، والتعرُّض للأمراض والعقوبات الدنيوية والأخروية.
- الحسد والبغضاء والنفاق، والتمنِّي بالشر للصَّديق، والفرح بمصيبته، والحزن بنعمته، والتقارب منه للمصلحة فقط.
هذه بعض الصفات التي يجب تجنُّبها في رفاق السوء، والتي تدلُّ على بُعدهم عن الله واتباعهم سبيل الشيطان، فالمسلم الحكيم يختار رفقةً صالحةً تُعينه على الطاعة، وتدلُّه على الخير وتعينُه عليه.
شاهد بالفديو: 7 أنواع من الأصدقاء ابتعد عنهم تماماً
أحاديث نبوية شريفة عن أصدقاء السوء:
بعض الأحاديث النبوية عن رفاق السوء هي:
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلَّا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلَّا تقي).
2. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّما مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إمَّا أن يحذيك وإمَّا أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيِّبةً، ونافخ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك وإمَّا أن تجد منه ريحاً خبيثةً).
3. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إيَّاكم والجلوس على الطرقات، قالوا: ما لنا بد، إنَّما هي مجالسنا نتحدَّث فيها، قال: فإذا أَبَيتُم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقَّه، قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر).
ما هي النصائح التي يقدمها الإسلام لتجنُّب رفاق السوء الخطرين على المجتمع؟
يقدم الإسلام عدداً من النصائح لتجنُّب رفاق السوء الخطرين على المجتمع، ومنها:
1. تغيير البيئة:
والانتقال من المكان الذي يجتمع فيه أصدقاء السوء، أو ترك المدينة أو الحيِّ أو الشارع الذي يسكن فيه للتخلُّص من شرِّهم.
2. البحث عن رفقةٍ صالحةٍ:
تعين على الحق والهدى، لأنَّ المؤمنَ ضعيفٌ بنفسه قويٌّ بإخوانه.
3. الإكثار من الطاعات:
والابتعاد عن الكبائر والموبقات، فإذا أكثر المرء من الطاعات والخيرات أحبَّها وأحبَّ أهلها، وأبغضَ الكفرَ والفسوق والعصيان بإذن الله.
4. الانشغال بتعليم العلم النافع:
وتلاوة القرآن الكريم وتعلُّمه، وملءِ أوقات الفراغ بالطاعات، فهذه من أنفع الوسائل للتخلُّص من الرفقة السيئة.
5. التأمُّل في المفاسد التي تعود على المرء من مخالطته لرفقة السوء:
ويعينه على التخلُّص منها، ومن ذلك أنَّ أصدقاءَ المعصية ورفاق المصالح الدنيوية أوَّل من يتخلَّون عن صديقهم يوم القيامة.
6. التوبة ممَّا سبق:
والعزم الجادُّ على تغيير حالك إلى الأحسن، مع الإكثار من دعاء الله سبحانه أن يوفِّقك لرفقةٍ صالحةٍ تدلُّك على الخير وتعينك عليه، وأن يصرف عنك السوء وأهله.
7. استشعار المرء لمراقبة الله جلَّ وعلا له:
واطِّلاعه عليه في كلِّ الأحوال وفي الأوقات جميعها، فمن استشعر ذلك الأمر حقَّ الاستشعار، سَهُلَ عليه الابتعاد عن الشر وأهله، واشتغَل بما يعلم أنَّه يُرضي الله جل وعلا.
عقاب رفاق السوء في الدنيا والآخرة:
أصدقاء السوء هم الذين يضرُّون بصديقهم ويجعلونه يبتعد عن الله والخير، وعقوبة أصدقاء السوء في الدنيا والآخرة هي:
1. في الدنيا:
يَفقدون السعادة والطمأنينة، ويعيشون في الضيق والهمِّ والغمِّ، ويتعرَّضون للمشكلات والمصائب والعقوبات الإلهية، ويُنبَذون من المجتمع ويَكرههم الناس، ويَخسرون الأصدقاء الصالحين والأقارب الوفيِّين، ويُضيِّعون أوقاتهم وأعمارهم فيما لا ينفعهم ولا يزيدهم إلا خسراناً.
2. في الآخرة:
يُعذَّبون في النار مع الشيطان وأعوانه، ويَندمون على ما فعلوا من الشرور والمُنكرات، ويتبرَّؤون من بعضهم ويَتَّهمون بعضهم بالضلال والإغواء، ويَتمنَّون لو أنَّهم اتَّبعوا الرسول والمؤمنين، ويَتمنَّون لو أنَّهم لم يَتَّخذوا رفاق السوء أخلَّاء، كما يقول الله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً * لقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً) [الفرقان: 27،28،29].
لذلك يجب على المسلم تجنُّب أصدقاء السوء والابتعاد عنهم، واختيار أصدقاء صالحين يعينونه على طاعة الله والتقرُّب إليه، وينصحونه بالحقِّ ويُذكِّرونه بالخير، والله تعالى أعلم.
الآيات القرآنية التي تكلَّمت عن رفاق السوء:
الآيات القرآنية التي تكلَّمت عن رفاق السوء هي:
1. ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً﴾ [الفرقان: 27، 28، 29].
تصف هذه الآيات حالة الندمِ والحَسرةِ التي يشعر بها الإنسان الذي اتَّبع رفيقَ سوءٍ أبعدَه عن طاعة الله ورسوله، وجعله ينسى ذكرَ الله والتأهُّب للآخرة، ويبيِّن أنَّ الشيطانَ هو العدوُّ الحقيقيُّ للإنسان الذي يخذله في الدنيا والآخرة.
2. ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [الصافات: 50 - 57].
تصوِّر هذه الآيات مشهداً من مشاهد القيامة، فيتحدَّث أهلُ الجنَّة بينهم عن حالاتهم في الدنيا، ويذكُر أحدهم صاحبه الذي كان يكذِّبه ويستهزئ به، عندما كان يدعوه إلى الإيمان والتقوى، ويسأله عن حالهِ في النار، فينظر إليه ويجده في عذابٍ شديد، فيحمد الله على نعمته وفضله عليه بالهداية والنجاة.
3. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: 118].
هذه الآية تُحذِّر المؤمنين من اتِّخاذ الكفار والمنافقين أصدقاءً وموالين، فإنَّهم يَحقدون عليهم ويتمنَّون لهم الشرَّ والهلاك، ويُظهرون لهم الودَّ والمحبة وهم في قلوبهم يكمنون لهم العداوةَ والبغضاء.
4. ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ * وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ [الزمر: 60 - 63].
تصوِّر هذه الآيات مشهداً من مشاهد القيامة، حيث يَندم المجرمون على اتِّباع أصحاب الشرك والكفر والضلالة، ويَجدون أنَّهم لا ينفعونهم شيئاً ولا يَشفعون لهم عند الله، بل يكفرون بهم ويُبرَّؤون منهم، ويفترقون عنهم في الآخرة، فيدخل المؤمنون الجنة ويدخل الكافرون النار.
5. ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ [الكهف: 28].
تأمر هذه الآية المؤمن بعدم الطاعة والانقياد لمن غفل قلبه عن ذكر الله واتَّبع هواه وشهواته وكان أمره خارجاً عن حدود الشرع والعقل.
6. {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [السجدة: 13].
تبيِّن هذه الآية أنَّ اللهَ جعل للكافرين والمشركين قُرناء من الشياطين من الجنِّ والإنس، يُزيِّنون لهم ما بين أيديهم وما خلفهم من الدنيا والمعاصي والشهوات، ويَصرِفونهم عن الآخرة والطاعات والحقائق، فأصبحوا مغرورين بأنفسهم ومُستهترين بعقوبة الله، وحقَّ عليهم القول الذي قاله الله فيهم وعنهم من الوعيد والتهديد والإنذار، كما حَقَّ على أُممٍ قد خَلَت من قبلهم من "عاد وثمود وفرعون وقوم لوط" وغيرهم، الذين كذَّبوا رسلَ الله وعصَوا أوامره ونواهيه، فأهلكهم الله بأنواع العذاب والنكال، وتُحذِّر هذه الآية المؤمنين من اتِّباع الشيطان وأوليائه، وتحثُّهم على التمسُّك بالقرآن والسُنَّة والتقوى والإخلاص.
شاهد بالفديو: صفات الصديق الحقيقي
في الختام:
إنَّ رفاقَ السوء هم من أعظم النِّقم والبلاء على الإنسان في حياته، فهم يسحبونه إلى الهاوية ويجعلونه يُضيِّع دينه ودنياه، ويَحرمونه من السَّعادة والنَّجاح والتَّميز، لذلك يجب على كلِّ مسلمٍ أن يحرصَ على اختيار أصدقائه بعنايةٍ وحكمة، وأن يتَّقي الله في صُحبته ورفقته، وأن يتَّبع القرآن والسُّنة في كلِّ أموره، وأن يستعين بالله في ذلك، ونسأل الله أن يحفظَنا وإيَّاكم من شرِّ رفاق السوء وأن يرزقنا وإيَّاكم الأصدقاء الصالحين الذين يُقرِّبوننا منه ويَرفعوننا لديه.
أضف تعليقاً