المقدمة:
سوف أسرد فيما يلي قواعدي الخاصة بالحياة. إنّها ليست محفورة على حجر، كما أنّها ليست سريّة أو صعبة، وتقوم بشكلٍ كامل على الأشخاص السعداء الناجحين. لقد لاحظت أنّ السعداء هم الذين يتّبعون معظم هذهِ القواعد، كما أنّ البؤساء هم الذين لا يتبعونها. إنّ الشخص الناجح لا يُدرك في العادة أنّهُ الشخص الذي يلعبُ بشكلٍ طبيعي وفق هذهِ القواعد. أمّا الأشخاص الأقل تلقائيّة فسوف يشعرون عادةً أنّ ثمة شيئًا ناقصًا في حياتهم، وسوف يقضون كل حياتهم بحثًا عن هذا الشيء، بحثًا عن أنفسهم، وعن المعجزة التي سوف تضفي على حياتهم المعنى، وتملأ الخواء الذي يشعرون بهِ، ولكن الإجابة مع ذلك تكون أبسط كثيرًا لأنّ كل المطلوب هو مجرد إجراء تغييرات بسيطة في السلوك.
القاعدة الأولى: تحرّ السريّة
قد تكون هناك بالفعل أوقات تشعرُ فيها برغبةٍ في التحدث مع الغير بشأن ما تفعلهُ لأنّك وهو أمر طبيعي تمامًا تريد أن يُشاركك أحد ما تشعر بهِ، حسنًا، لا يُمكنك أن تفعل ذلك، ولا يسعك أن تفعل ذلك. دع الآخرين يكتشفوا من تلقاء أنفسهم ما أنت بصددهِ، قد تظنّ أنّ هذا ليس منصفًا، ولكنّهُ في واقع الأمر أكثر إنصافًا مما تظن. أنت إن أخبرت الآخرين، فسوف يسعون لتجنّبك، كما أننا جميعًا نكرهُ من يعظنا. إنّ الأمر أشبه في واقع الأمر بمحاولة الإقلاع عن التدخين، واكتشاف حياة أكثر صحة، إذ تنتابك فجأة الرغبة في تغيير كل أصدقائك المدخنين، المشكلة هي أنّهم لم يستعدوا بعد للإقدام على هذهِ الخطوة، وقد ينعتوك بالمتكبر أو المتباهي، بل والأسوأ من ذلك، قد ينعتوك بالمدخن السابق، وكم نكره جميعًا كل هذا. إذن القانون الأول ببساطة شديدة هو: لا تعظ، ولا تذع الأمر، ولا تسعَ لتغيير الغير، لا تصح بأعلى صوتك من أعلى السطح، ولا حتّى تنوّه إلى الأمر.
القاعدة الثانيّة: سوف يتقدّم بك العمر، ولكنّك لن تصبح بالضرورة أكثر حكمة
هناك افتراض بأنّهُ كلّما تقدّم بنا العمر، أصبحنا أكثر حكمة، ولكن هذا ليس صحيحًا بالضرورة، القانون هو أنّنا قد نبقى كما نحنُ، قد نظل نقترفُ أخطاء، ولكنّنا فقط سوف نقترف أخطاء جديدة، أخطاء مختلفة، هذا كل ما في الأمر، سوف نتعلّم من التجارب، وقد لا نقدم على نفس الأخطاء ثانيّة، ولكننا سوف نقترف أخطاء جديدة تمامًا، ولكن السر هو قبول ذلك وعدم محاسبة نفسك وتوبيخها عندما تسقط فريسة أخطاء جديدة، إنّ القانون في واقع الأمر هو: كن مترفقًا بنفسك عندما تسقط في مثل هذهِ الأخطاء، كن متسامحًا ومتقبلًا أنّ هذا يُمثّل جزءًا من التقدم في العمر الذي لا يجب أن يكون ملازمًا لاكتساب الحكمة.
بالنظر إلى الماضي، قد تكون لدينا القدرة على رؤية الأخطاء التي سقطنا فيها، ولكنّنا مع ذلك لا نملك القدرة على رؤية الأخطاء التي ما زالت في انتظارنا، لأن الحكمة لا تعني عدم اقتراف الأخطاء، وإنمّا تعلّم كيفية الإفلات منها بكرامتنا وسلامتنا العقليّة.
القاعدة الثالثة: اقبل فما حدث قد حدث
الكل يقترف أخطاء، وأحيانًا تكون هذهِ الأخطاء أكثر خطورة، وفي الغالب تكون هذهِ الأخطاء عادة غير متعمّدة أو شخصيّة، وأحيانًا قد لا يعي الشخص ما يفعلهُ، وهذا يعني أنّهُ إذا أساء الأشخاص التصرف مع شخص ما، فهذا لا يعني بالضرورة أنّ الخطأ كان مقصودًا، ولكنّهُ كان نابعًا من السذاجة، أو الحماقة.
إن كنت تريد أن تتخلّص من كل مشاعر الاستياء والندم والغضب فإنّهُ يُمكنك أن تقبل بأنّك كائن بشري رائع بسبب كل الأشياء السيئة التي حدثت معك, إنّ ما وقع قد وقع، ويجب أن تتكيّف معهُ، لا تنعت الأشياء بـ جيّد، أو سيئ، أعلم أن هناك بعض الأشياء التي تكون بالطبع سيئة، ولكن الطريقة التي نسمح فيها للأشياء بأن تؤثر علينا هي السيئة، يُمكنك أن تتحرر من كل هذهِ الأشياء، أن تتحرر من الشعور بالاستياء، وتحتوي هذا السوء باعتبارهِ تجربة إيجابيّة وليست سلبيّة، فإنّ ما حدث قد حدث وأنت بحاجة لأن تتخطاه فقط.
القاعدة الرابعة: إقبل نفسك
إن قبلت بأنّ ما حدث قد حدث، فسوف تقبل نفسك كما هي، لن يسعك أن تعود إلى الوراء لكي تغيّر شيئًا، أي عليك أن تعمل من واقع نفسك، ليس عليك أن تُحسّن أو تُغيّر أو تناضل من أجل المثاليّة، وإنّما العكس تمامًا، فقط إقبل نفسك، هذا يعني أن تقبل كل عقدك، ومشاكلك العاطفيّة، كل الجراح الأليمة، كل الضعف، وكل ما تموج بهِ نفسك، وهذا لا يعني أيضًا أنّنا كلنا سعداء بكل ما فينا، وأننا سوف نخلد للكسل ونعيش حياة سيئة. وإنّما يعني أنّنا سوف نقبل ما نحنُ عليهِ، وسوف نسعى للتحرّك والمضي قدمًا من هذا المنطلق، أمّا ما لن نفعلهُ فهو أن ننقض على أنفسنا، لأنّ بها جوانب لا تروق لنا، نعم يُمكننا أن نغيّر الكثير، ولكن هذا سوف يحدث في وقت لاحق.
ليس هناك مجال للخيار في واقع الأمر. يجب أن نقبل أنفسنا كما نحنُ، مهما كانت نتيجة أي شيئ حدث، هذا هو كل ما في الأمر، أنت مثلي مثل جميع البشر، هذا يعني أنك معقد للغاية، أنت تأتي مفعم بالرغبات والمخاوف والذنوب، وكل ما هو مثير للشفقة، تأتي بالأخطاء، والمزاج السيئ، والتردد، هذا هو سر روعة الكائن البشري وتعقيدهُ، لا يملك أي منّا أن يكون مثاليًا، نحن نبدأ من حيثُ ما حصلنا عليهِ، ومما نحنُ عليهِ بالفعل، وعندها فقط يُمكن الاختيار في كل يوم، يجب أن نناضل من أجل ما هو أفضل.
كف عن تصيّد أخطائك بنفسك، وبدلًا من ذلك، تقبل نفسك كما هي، إنّك تبذل قصارى جهدك الآن، لذا يجب أن تمنح نفسك تربيتة على الظهر وتواصل المُضي قدمًا.
القاعدة الخامسة: اعمل ما يهم وما لا يهم
أعتقد أنّ القانون يعني أن تركّز على ما هو مهم بالنسبة إليك، وبالنسبة لحياتك، وأن تجري تغييرات إيجابيّة لكي تضمن إسعاد نفسك، هذا لا يعني رسم خطط مستقبليّة طويلة المدى بكل تفاصيلها، وإنّما يعني أن تعرف بشكل عام الغاية التي تمضي إليها وما تفعلهُ، إبقى يقظًا بدلًا من أن تبقى نائمًا.
هنالك بعض الأشياء التي تهم في الحياة، والكثير من الأشياء التي لا تهم بالمرة، ولن تحتاج إلى الكثير من الجهد للتمييز بينها، كما أن ّ هناك الكثير من الأشياء الأخرى التي لا تهم ولكن يُمكنك أن تختار بينها. أنا لا أعني بهذا الكلام أن نتخلى عن الترفيه كليًا في حياتنا، بل يُمكننا أن نُقدم على على أفعال وأشياء ليست ذات أهميّة، ولا أجد هناك بأسًا في ذلك، تخصيص وقت للأصدقاء والأحباء أمر مهم، ومعرفة صيحات الموضة ليست مهمة، سداد الدين أمر مهم ولكن نوع مسحوق الغسيل الذي تستخدمهُ لا يهم، رعاية الأبناء وتلقينهم قيمًا حقيقيّة أمر مهم، ولكن اقتناء آخر صيحات الموضة في ملابسهم لا يهم هل فهمت ما أعنيهِ. فكّر في كل الأشياء المهمة التي تقوم بها واستكثر منها.
القاعدة السادسة: كُن مرنًا في تفكيرك
بمجرد أن تكتسب فكرًا متبلورًا جامدًا مهيكلًا تكون قد خسرت معركتك، وبمجرد أنّك تملك كل الإجابات فسوف تكف عن الحركة، وعندما تستقر على طرق ثابتة تكون بالفعل قد أصبحت جزءًا من التاريخ.
لكي تحصد مكاسب الحياة عليك أن تبقي كل الخيارات مفتوحة ومتاحة أمامك، عليك أن تبقي على مونة فكرك وحياتك، يجب أن تكون مستعدًا للإنحناء عند هبوب العاصفة، وأقسم إنها دائمًا ما تهب عندما تكون في أقل الأوقات استعدادًا لها. في اللحظة التي تقرر فيها أن تتبنّى نمطًا مستقرًا تكون قد حكمت على نفسك بالسقوط على جانب الطريق، قد تكون بحاجة لأن تختبر تفكيرك بمنتهى الدقة لكي تدرك ما أعنيه.
إنّ التفكير المرن هو أشبه ما يكون بالفنون الحربيّة يجب أن تكون على استعداد للإنبطاح، والتمايل، والمراوغة، والإنسلال، حاول أن تنظر إلى الحياة ليس باعتبارها عدوًا ولكن على أنّها صديق مشاكس. إن كنت مرنًا فسوف تشعر بالمرح، أمّا إن بقيت جامدًا في قوالب ثابتة فسوف تسقط في الحال.
يجب أن ترى الحياة على أنّها سلسلة من المغامرات، يجب أن تنظر إلى كل مغامرة على أنّها فرصة للاستمتاع، وتعلّم شيئ ما واكتشاف العالم، وتوسيع دائرة خبراتك وأصدقائك وتعميق آفاقك، إنّ تجنّب المغامرة يعني تهميش نفسك.
القاعدة السابعة: اهتم بالعالم الخارجي
إنّ الإهتمام بالعالم الخارجي يعني أن تعمل على تنمية نفسك، أي أنّك تعمل لصالحك أنت وليس لمصلحة العالم، وأنا لا أعني بذلك مشاهدة الأنباء بشكلٍ دائم والقراءة، والاستماع، والحديث، والاطلاع على كل ما يجري من حولنا. إنّ اللاعب الماهر لا يسقط فريسة حياتهِ الخاصة، لا يعيش داخل فقعاعة ضئيلة، يجب أن تجعل هدفك هو معرفة ما يجري في العالم من حولك، من أحداث، وموسيقى، وأزياء، وعلوم، وأفلام، وطعام، ووسائل مواصلات. إنّ اللاعب الماهر هو الذي يملكُ القدرة على التحدّث في كل شيئ، وأي شيئ تقريبًا، لأنّهُ يهتم بكل ما يجري، هذا لا يعني أنّك يجب أن تملك بالضرورة آخر صيحة في كل شيئ، ولكن عليك أن تملك فكرة جيدة عن كل ما يتغيّر، ما هو الجديد وما الذي يحدث، سواء داخل مجتمعك أو في الجانب الآخر من العالم.
إنّ أكثر الناس سعادة، واتزانًا ونجاحًا في الحياة هم الذين يمثلون جزءًا من شيئ، هم الذين يمثلون جزءًا من العالم، ولا يعيشون بمنأى عنهُ، كما أن أكثر الناس تحفيزًا وجذبًا لمن حولهم هم الذين يُبدون اهتمامًا كبيرًا بكل ما يجري حولهم، إنّ الإهتمام بالعالم الخارجي يعني أن تعمل على تنمية نفسك، أي أن تعمل لصالحك أنت وليس لمصلحة العالم.
القاعدة الثامنة: السمك الميّت فقط هو الذي يسبح مع التّيار
الحياة صعبة والقاعدة هي أن تشكر الله، إنّها كذلك، لو كان الأمر كلهُ سهلًا لما كنّا قد اختبرنا، وابتُلينا، وقذفنا في بوتقة الحياة، لم نكن لنكبر أو نتعلّم أو نتغيّر أو نُمنح فرصًا لكي نسمو على أنفسنا، لو كانت الحياة سلسلة من الأيّام الحلوة لكنا قد سئمنا، لو لم يكن هناك مطر لما شعرنا بسعادة غامرة عند توقّف المطر أخيرًا حتّى يتسنى لنا الذهاب إلى الشاطئ، لو كانت الأمور سهلة لما اكتسبنا القوة.
إذن عليك أن تكون شاكرًا، لأنّك تعترك الحياة في بعض الأوقات، وعليك أن تدرك أنّ السمكة الميتة فقط التي تسبح مع التيّار، أمّا بالنسبة للباقين منا فسوف تكون هناك دائمًا أوقات من النضال والكفاح المحتدم، سوف يُفرض علينا أن نواجه الشلالات والفيضانات العاتيّة، ولكن ليس أمامنا خيار، يجب أن نواصل السباحة وإلّا فسوف نُسحق، وكل دفعة بذيولنا وكل حركة بزعانفنا سوف تجعلنا أكثر قوة ولياقة وسعادة ومرحًا.
القاعدة التاسعة: كن مستشار نفسك
في أعماق كل منا ثمة حكمة، هذا هو ما يُطلق عليه الحدس، إنّ الإنصات إلى حدسك عملية تعليميّة بطيئة، تبدأ بإدراكنا لهذا الصوت الداخلي الخافت، أو هذهِ المشاعر التي سوف تُنبئك بأنّك قد اقترفت شيئًا لم يكن يجدر بك أن تفعلهُ، إنهُ صوت شديد الهدوء والدقة، ويتطلب صمتًا وتركيزًا لكي تُحسن الإصغاء إليهِ.
يُمكنك أن تسميه الضمير إن شئت، ولكنّك تعلّم دائمًا في قرارة نفسك الخطأ عندما تقترفهُ، تعلّم متى يجب أن تعتذر، أو تصلح الأمر، أو تعيد الأشياء إلى نصابها، أنت تعلم وأنا أعلم أنك تعلم، أعلم لأننا جميعًا نعلم. ليس هناك مفر.
بمجرد أن تشرع في الإصغاء إلى صوتك الدّاخلي، أو استشعار مشاعرك، سوف تجدها مجدية، سوف يكون هذا الصوت أكثر من مجرد صوت ببغاء يُردد نفس الكلمات فوق كتفك، لقد أفسدت الأمر ثانيّة بعد كل مناسبة، إنّ مفتاحك هو أن تُنصت لما يُمليهِ عليك الحدس بشأن ما أنت بصدد فعلهِ، وما إن كان صحيحًا، ولكن قبل أن تقدم على الفعل.
أصغ، هذا هو كل ما عليك عملهُ، إن كنت تبحث عن مستشار تثق بهِ، من يُمكن أن يكون؟ يبدو لي من المنطقي أن يكون هذا المستشار هوأنت، لأنّك تملك كل الحقائق، وكل الخبرة، وكل المعرفة بداخلك، لا أحد غيرك يملك كل هذا، لا أحد يملك أن يثب بداخلك، ويرى تحديدًا ما يجري.
كانت هذهِ مقتطفات مهمة من كتاب قواعد الحياة للمؤلف ريتشارد تمبلر، الذي نتمنى أن تستفيد من كل المعلومات المهمة التي وردت فيهِ.
المصادر:
أضف تعليقاً