أولًا: إنّني إنسان
إنّ البداية هي أن نعترف بأنّ لكلٍ منّا الحق في احترام الآخرين، فقط بسبب وجودنا، فقط لأننا بشر، بصرف النظر عن أي أسباب أخرى، لسنا مضطرين لأن نقبل رغبات الآخرين وما يُفضلونه، يجب أن يختار كل فرد بنفسهِ ما يُريدهُ، دون أن يُبدي أي شرح أو تبرير للآخرين.
إنّ عبارة أنني إنسان تنطوي على جزئيّة نفسيّة دقيقة، فالعقل سيقبل كل ما نُخبره بهِ إذا كررنا هذهِ العبارة بشكلٍ كافٍ، ليس الموضوع هنا في أنّ ما نقولهُ صواب أو خطأ، أو إيجابي أو سلبي، فإّن كررنا هذهِ الكلمات بشكلٍ كافٍ، سنؤمن بها في النهاية، ساعدَ هذا الإسلوب الأفراد على أن يُقابلوا المشاعر السلبيّة بعبارات إيجابيّة، وعادة ما يُطلق على هذا الأسلوب تسمية مجاورة الذات.
إذا نظرت إلى صورتك في المرآة كل يوم لمدة ثلاثين يومًا، وكررت بصوتٍ عال خمسين مرة باقتناع: أنا بائع ماهر، أو سأكون الأول في هذه الدورة، فسوف يقبل عقلك ما تقولهُ كما لو كان حقيقة واقعة، وسوف تزدادُ ثقتك بنفسكَ، وتشتدُ رغبتك في أداء الأمور التي تعد لأزمة للنجاح مثل تحديد العملاء المرتقبين أو المواظبة أو صقل عرضك التقدمي أو إجراء الإصالات بالعملاء، أو المواظبة على حضور جميع الفصول التعليميّة، وما إلى ذلك. إنّ إقناع نفسك بقدرتك يُعد أوّل خطوة هامة لبلوغ أي هدف.
ويقول الخبراء إنّ أهم عنصر يجعل الأطفال يكتسبون إحساسًا بتقدير الذات هو على الأرجح أن يقدرهم الآخرون لما لديهم من سمات فريدة للشخصيّة، وعقل وذكاء، ومواهب، فلا يوجد اثنان متشابهان، لذلك يجب أن نتعلّم من البداية أن نقيس أداءنا وفقًا لقدراتنا لا وفقًا لقدرات زملائنا أو أقاربنا.
ثانيًا: نقطة البداية لتحسين تقدير الذات
بغض النظر عن تجاربك السابقة، فلدينا خبر سعيد: لن يفوت الأوان أبدًا حتّى تتعلّم وتغيّر رأيك في نفسك وقدراتك، أول خطوة للإصلاح الذاتي هو التقييم الذاتي. تبدأ هذهِ العمليّة بتقييم صادق لنقاط ضعفك وقوتك، ورغبة جادة في التغيير للأفضل.
من المهم أن نتعلّم من البداية أنّهُ توجد جوانب عديدة لشخصيتنا تسهم في تقديرنا لذواتنا، يتحدّث آديل شيل المتخصص في التخطيط الوظيفي في نيويورك والمحاضر عن هذا الموضوع في إحدى المقالات (من أكبر الأخطاء التي ما زالت عالقة بأذهاننا أنّهُ يوجد ما يُسمى بالذات الحقيقية الثابتة، ولكنّنا نتصرّف بشكلٍ مختلف عن اختلاف الظروف.
إننا نقوم بتعديل سلوكنا ليتناسب مع الموقف. فكّر في هذا الأمر: إننا نتكلّم مع والدينا بشكل يختلف عن أطفالنا و زملائنا أو رؤسائنا. إنّ كياننا الحقيقي يضمُ مجموعة من الذوات، بعضها أكثر خبرة وأفضل مظهرًا، إذا نظرنا إلى أنفسنا بهذه الطريقة، فستكون هناك فرص أكثر للتغيير، بدلًا من أن نلزم أنفسنا بذات واحدة مزعومة نُلاقي شتى أنواع العذاب كي ننسجم معها.
لكي تغيّر أي شيئ فيك، لا بُدّ أن تقبل هذه الحقيقة: توجد أشياء يُمكن أن تسيطر عليها، وأخرى لا يُمكنك أن تسيطر عليها. يرجع ضعف تقدير الذات إلى التأثير التراكمي للطريقة التي يتعامل معها والدك أو أصدقاؤك أو أقاربك أو أي إنسانٍ آخر يمثل قيمة كبيرة لك. أي أنّ حل المشكلة يكمن في الماضي.
لا يُمكن تغيير الماضي، ولكن يُمكنك أن تغيّر الطريقة التي يؤثر بها عليك، يجب أن تترك الماضي خلف ظهرك. أعلم أنّنا لا نستطيع أن نتحكّم في الآخرين أو الطريقة التي يتعاملون بها معنا، ولكن نستطيع أن نتحكّم في رد فعلنا تجاههم.
خذ على نفسك عهدًا بأنّك لن تسمح لأحد بعد الآن أن يتحكّم في حياتك أو في رد فعلك تجاههُ، أو تجاه الأحداث التي يفتعلها. أمسك بزمام الأمور. أعلم أنّك وحدك تختار الطريقة التي تمارس بها حياتك. لا تتطلب هذه الأمور تغيّرًا جوهريًا في شخصيتك، وإنّما تحتاج فقط إلى التزام تام بأن تُلقي الماضي وراء ظهرك، وأن تفكر في إمكانيات المستقبل لا في تجارب الماضي الفاشلة.
ثالثًا: هيّا رفرف بجناحيك
توجد أمور محددة يُمكن أن تقوم بها لتشرع في تكوين صورة إيجابيّة وصحيّة عن نفسك، ولتتحمّل مسئوليّة حياتك، وتعيشها بطريقتك، يُمكن أن تطبق التقنيات السبعة التاليّة لتطير منفردًا:
قيّم ذاتك ثُمّ تقبّلها:
إبدأ بجديّة في مراجعة نقاط قوّتك وضعفك، وحدّد ما تحبّه عن نفسك، وما لا تحبّه. لا يوجد إنسان كامل على وجهِ الأرض، هنِّئ نفسك على الأشياء التي تحبّها، وخذ عهدًا على نفسك أن تُغيّر أوتتجاهل الأشياء التي لا تحبها، وذلك بحسب الأهميّة التي تشكّلها هذهِ الاشياء بالنسبة للصورة الكليّة عن نفسك.
راجع قيمك ومبادئك:
هل لديك قيم ومبادئ واضحة ومحددة تعيش وفقا لها دائمًا؟ إذا لم يكن لديك فإنّهُ من السهل جدًا أن تسيطر عليك آراء الآخرين الذين يستغلونك لتحقيق أهدافهم الخاصة. تأكّد من قوتك على أرض صلبة.
غامِر بحسابك:
قلّل من المخاطر عن طريق التفكير الواعي في البدائل، ولكن لا تخشى أن تُجرّب شيئًا جديدًا عندما تكون احتمالات النجاح في مصلحتك.
تعلّم من الفشل:
إنّ الأخطاء ليست خالدة، تعلّم منها، وانتقل منها إلى تحدٍ آخر، إنّك ستزداد قوّة نتيجة المحاولة، ومن المرجح أنّك ستنجح في المرة القادمة.
عش في المستقبل:
لا تغرق في الماضي بإحياء التجارب الفاشلة، أو تحاول أن تعود بذهنك إلى إنجازاتك السابقة، انظر في المرآة واسأل نفسك هذا السؤال: ماذا قدمت لي حتّى الآن؟ ماذا تنوي أن تقدمهُ لي غدًا؟
اختر التأثيرات الإيجابيّة:
لا تُبدّد وقتك مع هؤلاء الذين يُقلّلون من شأنك، إذا كانت لديك علاقة هدامة، فالجأ إلى شخصٍ مُتخصّص يُمكنه أن يُساعدك. إذا كنت تحبّ ببساطة أن تحسّن رأيك عن نفسك، إقرأ كتابًا إيجابيًا لا يحتاج إلى معلّم، أو انضم إلى إحدى مجموعات الدعم التي تزيد من تقديرك لذاتك.
طالِب بالاحترام:
إذا لم تُعجبك الطريقة التي يتعامل بها الآخرون معك، فأخبرهم بذلك. أخبر أصدقاءك وأفراد أسرتك وزملاءك بأنّك تتوقّع منهم نفس الاحترام والتقدير الذي تكنّهُ لهم. نادرًا ما يُمنح الاحترام بلا مقابل، فلا بُدّ أن يكون له ثمن عندما يعلم الآخرون أنّهُ لم يعد في استطاعتهم أن يُقلّلوا من شأنك، فسوف يتوقفون عن المحاولة.
رابعًا: شجاعة التغيير
يتطلّب تغيير أي شيئ فيك شجاعة وتصميمًا ومثابرة كافية لتستمر حتّى النهاية، من الصعب أن تتحوّل من شخصٍ سلبي أو محايد إلى مفكّر إيجابي لأنّك تسير بذلك ضد تيار الخضوع للقواعد. إنّ المُفكرين الإيجابيين يُمثلون الأقليّة في أي مجموعة، في موقع العمل أو المدرسة أو الأحداث الاجتماعيّة أو في البيت، فإنّ الاتجاه العام في التفكير هو أن نركّز على أسباب الفشل واحتمالاتهِ، بدلًا من التركيز على إمكانيّة النجاح.
امتلك الشجاعة لتكون مختلفًا، ولكن لا تكن مناقضًا أو متباهيًا باستقلالك. إنّ الصفة التي تجذب الأنظار إلينا وتجعل منّا شخصيات مميزة هي شجاعتنا في أن نكون صادقين مع أنفسنا.
خامسًا: بناء الثقة
إنّ للثقة بالنفس أثرًا عجيبًا، إذ أنّ الرجال والنساء الذين يثقون بأنفسهم يجذبون انتباه الآخرين بنسبة كبيرة، ويتقدّمون في أعمالهم بصورة سريعة. ويبدو أنّ شيئًا عجيبًا قد حدث لهم عند الولادة، فالنجاح يأتي إليهم بشكلٍ طبيعي وبسهولة.
إذا تعمقّت أكثر من ذلك، لوجدّت أنّ ثقتهم هذهِ نتيجة عمليّة الاجتهاد المستمر الذي يُمكن أن يقوم بهِ أي شخص منّا، إنّ الثقة تتحققُ للبعض بسهولة وبشكلٍ طبيعي، ولكن العمليّة واحدة. فمبادئ الثقة يُمكن أن يتعلّمها الجميع ويُطبّقوها بسهولة، إليك بعض الأساليب التي يُمكن أن تطبقها لتصبح مفكرًا إيجابيًا، إنسانًا واثقًا يرى احتمالات النجاح بدلًا من احتمال الفشل:
- خالط الأشخاص الإيجابيين.
- أعد قائمة بالإيجابيات والسلبيات.
- تعلّم من التجربة.
- خصص وقتًا للتفكير.
- أجبر نفسك على التركيز على الإيجابيات.
- تعلّم أن تتعلّم مع الآخرين.
- إفتح أنتَ الحوار.
- كن كريمًا في المجاملة.
- تجنّب المواقف التي تنطوي على الضغط.
- إبدأ يومك بإيجابيّة.
- خذ راحة.
- كن واقعيًا.
- خاطر بشكل مدروس.
- تعلّم أشياء جديدة.
- أنظر إلى النكسات بشكلٍ بنّاء.
- فكّر قبل أن تتحدّث.
- ارتدِ ملابس مناسبة.
- اعتنِ بصحتك.
- ساعد الآخرين.
سادسًا: عادة تقدير الذات
تُكتسب العادات الذهنيّة بنفس الطريقة التي تُكتسب بها العادات الجسديّة، تقوم آراؤنا عن أنفسنا على مجموعة من التجارب السلبيّة والإيجابيّة التي تراكمت عبر السنين، عندما نُجرب شيئًا فلا ينجح كما خططنا لهُ، فإنّنا نميلُ إلى تذكّر التجربة. عندما يرفض الأخرون فكرة تعرضها من البداية على سبيل المثال، فسوف نشعر بعدم الاطمئنان في المرة القادمة، عندما نفشل في عرض أفكارنا بصورة مستمرة، دون أن نراجعها بغيّة تصويب ما بها من أخطاء، نفترضُ أنّنا عاجزون عن تطوير أفكار عمليّة، فنتوقّف عن المحاولة في النهاية.
إنّ القدرة على تقييم الأفكار والأفعال بموضوعيّة، وتعديل السلوك وفقًا لذلك، تعد مسألة حيويّة للحفاظ على تقدير الذات، عندما يشكّ الآخرون في فكرتنا، فإنّ ردُّنا الطبيعي هو أن ندافع عنها. إذ أصبحنا مُدافعين أكثر من اللازم، فربما نصرف عنّا الآخرين الذين يُسهمون كثيرًا في تطبيق الفكرة، وربما نفعل التعديل اللازم الذي قد يجعل من الفكرة الجيّدة فكرة عظيمة، لا يعني النقد البناء بالضرورة هجومًا شخصيًا، اقبلهُ إذًا كما هو ووظفهُ لصالحك في العمل.
سابعًا: أنتَ كما ترى نفسك
من المحتمل أنّك ستُصبح بمرور الوقت كما تعتقد في نفسك، إذا كنت مفعمًا بأفكار سلبيّة هدّامة، فسوف تكون إنسانًا حزينًا وغير سعيد، إذا تخلّصت من هذهِ الأفكار، وركزّت على أمور إيجابيّة فسوف تكون إنسانًا سعيدًا ومنتجًا.
إنّ العقل يميل بطبيعهِ إلى تحويل أفكارك المجردة إلى نظيرها الملموس، تلك هي وظيفتهُ، يُعدّ عقلك بمثابة الكمبيوتر المركزي الذي يُخبرك متى تأكل وتنام وتؤدي وظائف لا حصر لها ضرورية لنموك نموًا صحيحًا ولبقائك في هذه الحياة. ومن ثم من الضروري أن تتحكّم في المعلومات التي تدخلها إلى عقلك، وإلّا فسوف يتصرف تمامًا مثلما يفعل نظيرهُ الآلي: فيدخل ويُخرج أشياء لا قيمة لها.
مثل أهم الأمور في حياتك، فإنّ إدارة أفكارك وتوقعاتك المتعلقة بوظيفك وتعليمك وأسرتك وصداقاتك وصحتك ولياقتك، ليست شيئًا يُمكنك القيام بهِ أو الاستغناء عنهُ بسرعةٍ خاطفة، بل إنّها عمليّة برمجة صعبة، ومملة في كثيرٍ من الأحوال، وتحتاجُ إلى وقت، ولكنّها عمليّة ممكنة النجاح.
يبدأ النجاح في أية محاولة بالاختيار الواضح لما تودُ أن تحققهُ. إذ بدون غرض محدد، فإنّ الأمور تتساوى، إنّ تحديد الهدف يجعلك تمسك بزمام حياتك، إنّك تحدد ما تودُ أن تحققهُ في أي وقت، وتحدد أيضًا أهدافك سواء القريبة أو المتوسطة أو بعيدة المدى، التي تساعدك على بلوغ غايتك، بدون أهداف محددة، ربما تيار من الأحداث والقوى الخارجيّة العشوائيّة التي لا تعني شيئًا بالنسبة لك.
وبمزيد من البساطة، فإنّ إعداد خطة لحياتك يُشبه تنظيم رحلة عبر البلاد، فكلاهما يحتاج منك إلى تحديد غايتك إذا كان لديك أي أمل في الوصول إليها، وكلاهما يتضمن بالضرورة أهدافًا جزئيّة يجب أن تحققها إذا كنت تريد أن تصل إلى هدفك الأساسي الذي حددتهُ سابقًا. سوف تشكل الخطة الجديدة أيضًا مرونة كافيّة لكي تتكيّف مع المنعطفات والتأخيرات، وسوف تخصص الوقت اللازم للقيام برحلة فرعيّة أو اثنتين لدراسة الاحتمالات المثيرة التي تظهر بشكل غير متوقع.
ثامنًا: عناصر الهدف
إنّ تحديدك الهدف يُساعدك في تركيز طاقاتك وأفكارك على ما تُريد أن تُحقّقه، كما يضمن لك عدم الوقوع في فخ الإفراط في النشاط، ويُساعدك في مواصلة السير على الطريق السليم مهما تغيّرت الظروف أو طرأت أحداث غير متوقعة. ربما تؤخرك هذهِ الأشياء بشكلٍ مؤقت أو تُبعدك عن هدفك، ولكن إذا كان لديك هدف محدد وتمتلك الإصرار والقدرة على تحقيقهِ، فلن يطول تأخرك أبدًا إن العوائق ماهي إلّا مصادر إزعاج مؤقتة لا بد أن تتغلّب عليها لكي تصوّب مسارك.
تلك هي العناصر الأربعة التي يتكوّن منها أي هدف:
- عبارة واضحة ودقيقة مكتوبة لما تُريد أن تُحقّقه.
- خطّة لتحقيق هدفك.
- جدول زمني لتحقيق الهدف.
- تعهّد من جانبك بتحقيق الهدف بغض النظر عن العقبات التي يجب أن تتغلّب عليها.
في الختام: كتاب الثقة بالنفس إبراهيم الفقي
كانت هذهِ مقتطفات من كتاب الثقة والاعتزاز بالنفس للدكتور إبراهيم الفقي، هذا الكتاب الرائع الذي يحتوي على العديد من المعلومات المهمة عن تطوير الذات والنفس.
أضف تعليقاً