التربية الإيجابية ليست مجرد نهج تربوي يتضمن قائمة من القواعد والنواهي، بل هي فلسفة حياة ورحلة إلى داخل عالم الأطفال، حيث يزدهرون في بيئة تمتلئ بالحب والتشجيع دون فرض القواعد الصارمة، فكلمة لطيفة يمكن أن تلهم حياة طفلك وتغير من مسارها، والتفاؤل في حديثك معه وتركيزك على صفاته الإيجابية يمكنه أن يصنع فارقاُ لا يقدر بثمن، وبما أن الأطفال يتفاعلون بشكل حساس مع البيئة التي يعيشون فيها، يصبح من المهم معرفة معنى التربية الإيجابية وأدواتها التي يمكن أن تسهم في خلق تلك البيئة المحفزة للنمو وتشكيل شخصية الفرد المتزنة وتوجيها نحو النجاح.
مفهوم التربية الإيجابية
التربية الإيجابية تمثل مبدأً تربوياً مبني على فكرة أن الأطفال يولدون صالحين وبحالة صحية نفسية جيدة وبرغبة طبيعية في اتخاذ القرارات الصحيحة وفعل الصواب، حيث تعزز التربية الإيجابية فلسفة الاحترام المتبادل واستخدام أساليب تهذيب إيجابية لتعزيز التطور السلوكي الإيجابي المستقبلي للأطفال، بدلاً من مجرد معاقبتهم على تصرفاتهم السلبية السابقة.
ويسعى نهج التربية الإيجابية أيضاً إلى إرساء أسس تنمية الذات والسعادة، ويشدد على الاهتمام المتزن بالطفل دون الإفراط في التدليل وتقدير الطفل بشكل يتلاءم مع حقيقته، فلا يكون هذا التقدير أعظم من قدراته الحقيقة فيصاب بالغرور ولا أقل منها فيشعر بالذل.
كما تهتم التربية الإيجابية بالفروق الفردية ونقاط القوة الفريدة التي يمتلكها كل طفل مما يخفف من حدة التوترات التي يصادفها الطفل في حياته، فهي تهدف إلى تنمية أطفال صحيين نفسياً، حيث يتم تشجيعهم على التفاعل الإيجابي وتحقيق النجاح في تجاربهم المختلفة، فالطفل من وجهة نظرها قادر على الإنجاز وتحقيق الذات والسعادة.
أهمية التربية الإيجابية
1. مشكلات سلوكية أقل
تقدير ودعم الطفل يعزز شعوره بالقيمة الذاتية وعندما يتلقى تشجيعا وإشادة عند قيامه بسلوك إيجابي، يتحفز على تكرار هذا السلوك وتجنب السلوكيات السلبية، وبالتالي التقليل من إمكانية تطور المشكلات السلوكية لديه.
2. بناء علاقات صحية (كفاءة اجتماعية)
التركيز على التفاعل الإيجابي والاحترام المتبادل يسهم في إقامة علاقات قوية وصحية، فمن بين أهداف التربية الإيجابية الأساسية بناء روابط إيجابية في مختلف السياقات الاجتماعية.
3. علاقة وثيقة بين الوالدين والطفل بشكل خاص
بفضل التربية الايجابية تتسم العلاقة بين أطراف العائلة بالود والثقة، مما يسهم في تشجيع الطفل على التعبير عن أفكاره ومشاعره بحرية دون الحاجة إلى استخدام العقوبات أو الصراخ، يُظهر هذا النهج فعاليته في توجيه السلوكيات غير الملائمة دون الحاجة إلى النزاع.
4. تعزيز السلوك الإيجابي
التركيز على السلوك الإيجابي في التربية يعزز اتخاذ القرارات الصحيحة وتطوير عادات حياة إيجابية. يمكن لهذا النهج أن يسهم في تشكيل سلوكيات إيجابية تؤدي إلى التطوير الشخصي والمجتمعي.
5. تقوية الصحة النفسية
عندما يكون للأفراد تجربة إيجابية في التفاعل مع الآخرين وفي تلقي الدعم والتشجيع، يزيد ذلك من مستويات الرضا ويقلل من مستويات التوتر والقلق.
6. تقدير الذات والصحة العقلية
يظهر أن الأطفال الذين يتربون في بيئة إيجابية يتمتعون بمستوى مرتفع من تقدير الذات، حيث يؤمنون بإمكانيتهم في أداء الأنشطة بنفس المستوى الجيد الذي يقوم به غالبية الأطفال الآخرين، كما يتسم هؤلاء الأطفال بمرونة نفسية تجعلهم قادرين على التعافي بسهولة من الصدمات والإخفاقات وبالتالي تجاوز الصعوبات.
7. تحسين التحصيل التعليمي
التربية الايجابية سبب رئيسي في تحسين التحصيل الدراسي للطفل والاستفادة من كل المعلومات المقدمة له.
8. تحسين بيئة التعلم
يُعتبر التركيز على السلوك الإيجابي والتشجيع في بيئة التعلم مهمًا لتحفيز الطلاب وتعزيز التفاعل الإيجابي مع المعرفة والتعلم، مما يساهم في تحسين أداء الطلاب ومشاركتهم الفعّالة في عملية التعلم.
9. تقليل الضغط عن الوالدين
تقليل الضغط النفسي على الوالدين يعتبر نتيجة إيجابية إضافية للتربية الإيجابية، إذ أظهرت الدراسات أن الوالدين الذين يتبنون نهجاً إيجابياً في تربية أطفالهم يستفيدون أيضاً من تحسين تقدير ذاتهم وتعزيز الثقة في قدرتهم على توجيه أطفالهم، يقلل هذا النهج الإيجابي من الضغوط النفسية المترتبة على مسؤولية التربية، حيث يكون لدى الأطفال مهارات أفضل في ضبط النفس والسلوك الإيجابي.
شاهد بالفيديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء
أدوات التربية الإيجابية وأساليبها
1. الديمقراطية
نظام التربية الديمقراطي يتميز بابتعاده عن السيطرة الصارمة على الأطفال أو قمع إرادتهم من قبل الوالدين، حيث يتم تقييم سلوك الأبناء وفق معايير مطلقة محددة للسلوك، ويُشجع الوالدين في هذا النظام الأطفال على المشاركة في المناقشات ويُساعدونهم في اتخاذ القرارات، مع منحهم حرية الاختيار والفرصة للتعبير عن آرائهم ومشاعرهم.
2. التقبل (الدفء والحنان)
التقبل، المعروف أيضا بالدفء والحنان، يظهر من خلال السعي للتفاعل مع الطفل، والتعبير عن حبه وتقديره لآرائه وإنجازاته، والتفاعل معه بإيجابية، وتشجيعه على السلوك الإيجابي، وتقديم الرعاية والدعم، بالإضافة إلى شرح وتوضيح الأمور له، باختصار يتجسد أسلوب التقبل في تجاوب الوالدين مع الاحتياجات العاطفية والاجتماعية للطفل.
3. الحزم الإيجابي
الحزم الإيجابي يعبر عن تعامل متزن ومحب مع الطفل، حيث يتم التفاعل معه بطريقة إيجابية تتضمن تنبيه إلى أخطائه بشكل بنّاء، وتحفيزه على تبني نماذج ناضجة للسلوك، يتم ذلك من خلال توضيح ما هي السلوكيات المقبولة والمرغوبة، وذلك في جو من الحب والتقدير، يُشجع الطفل في هذا السياق على التحاور والتعبير عن آرائه، مما يسهم في تطوير فهمه للسلوكيات الصحيحة.
4. التسامح
التسامح في سياق التربية الإيجابية يعني فهم الأخطاء والسلوكيات السلبية للأطفال بشكل متسامح، وعدم الاعتماد على العقوبات الصارمة، بدلاً من ذلك، يشجع التسامح على تقديم توجيه إيجابي ودعم للطفل ليتعلم من أخطائه وينمو بالإضافة لإتاحة الفرصة لهم أن يشكلوا مستقبلهم ويشبعوا حاجاتهم ويحققوا مطالبهم المقبولة واختيار الأنشطة التي يرغبون بممارستها دون فرض أي سيطرة من الوالدين.
5. أسلوب الاستقلال
يركز هذا الأسلوب على تشجيع الأطفال على تطوير مهارات الاستقلال واتخاذ القرارات بمفردهم دون دفعهم في اتجاهات محددة أو قمع ميولهم، حيث، يقوم الأهل على توفير بيئة داعمة تسمح للأطفال بتجربة تحمل المسؤولية وتنمية الثقة بأنفسهم، مما يساعدهم في التنمية الشخصية والاجتماعية بشكل إيجابي.
6. أسلوب الاندماج الإيجابي
من أساليب التربية الإيجابية التي تركز على تفاعل الوالدين مع الطفل بطريقة تجعل الطفل يشعر بالانتماء والتساوي معهما، يتم ذلك من خلال الدمج، حيث يشعر الطفل بأنه يُقدر ويُحب بغض النظر عن أفعاله، فيشجع الوالدين السلوكيات الإيجابية التي يقوم بها ويمدحان مهاراته ويقدران جهده في أي أمر يقوم به.
7. أسلوب الثواب والعقاب
أسلوب العقاب والثواب في التربية الايجابية يعتمد على استخدام التحفيز بالمكافأة (الثواب) لتعزيز السلوك الإيجابي، واستخدام العقوبة لتقليل السلوك السلبي، ويهدف هذا الأسلوب إلى تعزيز السلوك المرغوب وتحفيز التحسن، حيث يتم مكافأة الأطفال عند أتباعهم سلوكاً إيجابياً مرغوباً، وفي المقابل، يُعاقَبون عند اتباعهم سلوكاً غير مرغوب فيه.
أساليب الثواب التي يمكن استخدامها
- الإشادة والتقدير: الثناء والإشادة بالجهود المبذولة هو أحد أفضل أنواع المكافآت، يشمل ذلك كلمات الإعجاب والتقدير على الأداء الإيجابي.
- المكافآت المادية: يمكن تقديم مكافآت مادية صغيرة كتحفيز، مثل الهدايا الصغيرة.
- الوقت المميز مع الوالدين: تخصيص وقت خاص للطفل قد يكون مكافأة قيمة، سواءً كان ذلك للقراءة معا أو للقيام بأنشطة ممتعة.
- منح الإذن للمشاركة في نشاط محدد: يمكن استخدام الإذن للمشاركة في نشاط محدد كمكافأة مثل مشاهدة فيلم أو اللعب لفترة إضافية.
- مخطط المكافآت: إنشاء مخطط يحقق الأهداف الصغيرة وتقديم مكافآت عند تحقيقها.
شاهد بالفيديو: 12 طريقة تظهر بها لأولادك أنك تحبهم
أساليب العقاب التي يمكن استخدامها
- التعويق الزمني (Time-out): إرسال الطفل إلى مكان هادئ لفترة معينة للتفكير في سلوكه. يجب أن يكون هدف ذلك توفير فرصة للتهدئة والتفكير في السلوك الخاطئ، وليس عزله بمفرده وإبعاده عن العائلة.
- سحب المكافأة: في حالة عدم اتباع الطفل للقواعد، يمكن سحب بعض المكافآت المخصصة مسبقاً.
- الحوار والتفاوض: التحدث مع الطفل بشكل فعّال لفهم أسباب السلوك السلبي وتشجيعه على التفاوض والتعاون.
- أسلوب الإرشاد والنصح: يتضمن هذا الأسلوب إرشاد الأطفال وتوجيههم نحو السلوك الصحيح والإيجابي، ويشمل ذلك شرح القيم والأخلاقيات، وتقديم نصائح بناءة لمساعدة الأطفال على فهم العواقب المحتملة لتصرفاتهم.
- أسلوب القدوة: يعتمد هذا الأسلوب على قوة المثال والسلوك الذي يقدمه الوالدين كنموذج للأطفال، من خلال تقديم سلوك ايجابي وتطبيق القيم والمبادئ في الحياة اليومية، يتعلم الأطفال من الوالدين كيفية التصرف بشكل صحيح وكيفية التعامل مع التحديات.
- أسلوب احترام شخصية الطفل: يركز هذا الأسلوب على معاملة الطفل باحترام وتقدير ويشمل الاستماع لآرائهم، ومشاركتهم في اتخاذ بعض القرارات، وتشجيعهم على التعبير عن أفكارهم بحرية.
- أسلوب وضع الحدود: يتضمن هذا الأسلوب وضع قواعد وحدود واضحة للطفل، مع التركيز على التوازن بين الحماية وتشجيع الاستقلال، يساعد هذا الأسلوب على توجيه السلوك الطبيعي وتوفير بيئة آمنة ومحددة لتطوير النمو الإيجابي.
نصائح في التربية الإيجابية
- ابحث عن الأسباب الحقيقية وراء سلوكيات الأطفال: فهم أسباب سلوكيات الأطفال أمر ضروري، حتى لو كانت هذه الأسباب غير مفهومة للوالدين قد تكون مهمة ومنطقية للطفل.
- كن قدوة حسنة لطفلك: الأطفال يتعلمون من خلال تقليد الآخرين لاسيما الوالدين، فعندما يصرخ أحد الوالدين عندما يغضب، سيقوم الطفل بالصراخ أيضا عندما يشعر بالاستياء والعكس صحيح.
- توقف عن إعطاء الطفل هدايا أو مكافآت مقابل عدم إزعاجك.
- علم طفلك إدارة انفعالاته وكيفية التحكم في مشاعره وتعبيره عنها بطريقة صحية وفعّالة.
- الحنان لا يعني التساهل، بل يعني أن يمارس الوالدين السلطة بطريقة هادئة ومتزنة، يمكن للوالدين أن يعلموا أطفالهم بلطف أن الحصول على كل ما يرغبون فيه ليس ممكنا دائما، ودون اللجوء إلى رفع الصوت أو التكرار المتكرر لكلمة "لا".
- ابتعد عن أسلوب العزل الذي يمكن أن يكون له آثار سلبية أكثر من إيجابياته المتوقعة.
- كن ثابتا على مواقفك وواضحا في أفعالك.
- لا تقسو على الطفل فهناك سلوكيات طبيعية في عمر معين وليس لها بديل: مثل ثورات الغضب هي مشاعر كبيرة والطفل في المراحل العمرية المبكرة يعجز عن ضبط نفسه حيث أن هذا الجزء من الدماغ لم يتطور بعد.
- ابدأ بالتربية الايجابية في وقت مبكر منذ ولادة الطفل.
في الختام
تتضح أهمية التربية الإيجابية في تحول العلاقة بين الوالدين والأطفال إلى تفاعلات صحية ومثمرة، من خلال فهم احتياجات الأطفال، وتوجيههم بلطف، وتشجيعهم على التفكير الإيجابي، يمكن للوالدين والمربين تحقيق بيئة تربوية تعزز نمو الطفل بشكل صحيح، يتطلب الأمر جهداً وصبراً، ولكن الثمار الإيجابية ستظهر في تطور شخصية الأطفال وتحقيقهم لإمكانياتهم الكاملة في المستقبل.
المصادر +
- التربية الإيجابية وفوائدها - تسع نصائح أساسية
- كيف تربي أطفالك؟.. إليك أهم أساليب التربية الإيجابية غير المباشرة للأبناء
- سهام علي شريف و فاطمة سعيد بركات، أساليب التربية الإيجابية وعلاقتها بالاتزان الانفعالي لدى الأبناء من طلاب جامعة 6 أكتوبر، مجلة
أضف تعليقاً