سنتعرَّف في هذا المقال إلى خطوات عمليَّة وأساليب مدروسة تساعد على بناء بيئة منزلية إيجابية، وهذا يسهم في تحسين نوعيَّة حياتنا جميعاً.
دعونا نستعد لبناء منزل يعزز من طاقتنا ويُشعرنا بالانتماء.
ما هي التربية الإيجابية؟
تُعدُّ التربية الإيجابية نهجاً متكاملاً يعتمد على الحبِّ والاحترام والتشجيع، وهذا يوفر بيئة صحية وآمنة للطفل، وتعزِّز هذه الطريقة في التربية نموَّ الطفل، وتساعده على تطوير ثقة إيجابية بنفسه، بعيداً عن الأجواء السلبية المليئة بالانتقاد والصراخ التي قد تؤدي إلى فقدان حسِّ الأمان والأدب، ولا تقتصر مسؤولية التربية الإيجابية على الوالدين فقط، بل تشمل جميع البالغين الذين يؤثرون في حياة الطفل، مثل الأجداد والمعلِّمين وغيرهم، ويتطلَّب هذا الأسلوب من مقدِّمي الرعاية أن يكونوا حساسين لاحتياجات الطفل، ويسعون إلى تلبيتها بطرائق فعَّالة؛ لأنَّ هذا يسهم في تكوين شخصيَّتة تكويناً متوازناً وسليماً.
التربية الإيجابية للأطفال
تنبع التربية الإيجابية من مشاعر المحبة، وتتجلَّى في الحب العميق الذي يقدِّمه مقدِّمو الرعاية للطفل، ولا تحتاج هذه التربية سوى إلى حبٍّ صادق وبعض المتطلَّبات الأساسية مثل الدعم والتوجيه، وهذا يسهم في بناء علاقة صحية تعزِّز ثقة الطفل بنفسه، وتساعده على النمو في بيئة مليئة بالتفهُّم والرعاية.
من أهمِّ المتطلَّبات الأساسية للتربية الإيجابية للأطفال:
1. السلام الداخلي عند الأهل
تختلف معتقدات التربية القديمة عن تلك السائدة في عصرنا الحالي، ويجد العديد من الآباء أنفسهم عالقين في تجاربهم السلبية مع والديهم، ويمنع هذا التعلُّق بالماضي الآباء من منح أطفالهم الطفولة السعيدة التي حُرِموا منها؛ لذا يجب أن يسعى الآباء أوَّلاً نحو تحقيق السلام الداخلي، من خلال مسامحة والديهم على عدم اتِّباع أساليب التربية الإيجابية، ويجب أن يتحوَّل هذا الألم الناجم عن استخدام طرائق تربوية قد تكون خاطئة في نظرهم - مثل العقاب البدني - إلى دروس قيِّمة تساعدهم على تعلُّم أساليب التربية الصحيحة التي تعزِّز من رفاهية أطفالهم، وتفتح أمامهم آفاقاً جديدة.
2. بناء علاقة متينة مع أطفالك
يستطيع الطفل الذي يتمتَّع بعلاقات وثيقة مع أهله أو مقدِّمي رعايته من التحكُّم في مشاعره وتصرُّفاته، وهذا يعزِّز ثقته بنفسه، وتشكِّل له هذه الروابط درعاً يحميه من التحديات والمواقف الصعبة التي قد يواجهها في حياته، وأظهرت الدراسات أنَّ الأطفال الذين يفتقرون إلى هذه العلاقات العميقة يميلون إلى تجنُّب الأهل عندما يشعرون بالضيق، وقد يلجؤون إلى سلوكات غير صحية بحثاً عن الهروب أو الدعم.
3. الاعتدال في التعامل مع أطفالك
تتطلَّب التربية الإيجابية من الأهل أن يكونوا متوازنين في تعاملهم مع الطفل، فيجب ألَّا يفرطوا في التساهل أو الصرامة، وأن يضعوا قوانين واضحة توفِّر للطفل شعوراً بالأمان، ويساعده ذلك على تجنُّب القلق واتخاذ القرارات الخاطئة، كما يحتاج الطفل إلى بيئة إيجابية يشعر فيها بالحب والدعم، ويتمكَّن الأهل من تربية طفل ينمو بثقة وأمان، ويثرون القيم التي تسهم في تشكيل شخصيته من خلال تحقيق التوازن بين الحزم والحنان.
4. التركيز على الإيجابيات
قد يصعب تحويل المواقف السيئة إلى مواقف إيجابية، خاصةً مع الأطفال العنيدين الذين يعبِّرون عن أنفسهم بالصراخ، ويجب أن يدرك الأهل أنَّ سلوكات الطفل السلبية غالباً ما تكون ناتجة عن احتياجات عاطفية أو فكرية أو جسدية أو روحية، ويلجأ الطفل في هذه اللحظات إلى والديه بحثاً عن الدعم؛ لذا يجب على الأهل أن يسعوا لفهم احتياجات أطفالهم، ويعملوا على تعليمهم طرائق إيجابية للتعبير عن مشاعرهم، ويمكنهم من خلال هذه العملية تحويل سلوكات الغضب إلى فرص لبناء التواصل، وتطوير مهارات التعبير الصحي.
شاهد بالفيديو: 18 طريقة تجعل تربية الأطفال سهلة
نصائح لتعزيز التربية الإيجابية
تسعى التربية الإيجابية إلى تعزيز مجموعة من المهارات الأساسية، مثل الفاعلية في العلاقات، والتأثير الإيجابي في الحياة، والانضباط الذاتي، والقدرة على التحكُّم بالنفس، وفهم المشاعر الشخصية، كما تشجِّع هذه التربية على تنمية المشاعر الإيجابية لدى الطفل، وتساعده على تجاوز المشاعر السلبية.
إليك أهم النصائح لتعزيز التربية الإيجابية:
1. احترِم طفلك
تعملُ مبادئ الاحترام المتبادل بين الآباء وأبنائهم على تحقيق توازن بين الحزم واللطف، فالحزم يتحقَّق من خلال احترام الكبار لمتطلَّبات الموقف، بينما يتجلَّى اللطف في احترام احتياجات الطفل، ويشعر الأطفال براحة أكبر في بيئة تحكمها قوانين ومبادئ واضحة يحترمها الجميع، كما ينبغي أن يشارك الأطفال في وضع هذه القوانين، وأن تُطبَّق على الجميع، ولا سيَّما الكبار، ويعزِّز هذا الأمر الاحترام المتبادل والثقة بين الأبوين وأبنائهم، ويقلِّل الجدل والغضب في المواقف الصعبة.
تُعدُّ ثقافة اعتذار الأبوين عند الخطأ من أهمِّ عوامل بناء الاحترام، فهذا يؤكِّد للطفل أنَّه جزء فاعل في العلاقة، وليس مجرد مفعول به، ويجعله يدرك أنَّ الجميع يخطئ ويصيب، وهذا يعزِّز رغبته في تصحيح أخطائه تعزيزاً فعَّالاً، بدلاً من اللجوء إلى الحلول السطحيَّة، ويجب على الأهل التعامل مع أطفالهم بلطف، مع الحفاظ على الحزم حفاظاً يتماشى مع مصلحة الأسرة والقوانين.
2. افهَم طفلك
يسعى الطفل في عمر السنتين لتحقيق استقلاله، فهو ليس عنيداً، ويستكشف الطفل في عمر التسعة أشهر العالم من حوله، فهو ليس فوضوياً، أمَّا الطفل في الرابعة، فلا يكذب بل يمرُّ بمرحلة الخيال.
تُعزِّز هذه الثقافة التربويَّة الفهم العميق لمراحل تطوُّر الطفل النفسية والبدنية، وهذا يساعد الأهل على تجنُّب كثير من الصدامات الناجمة عن نقص المعلومات، على سبيل المثال: يبحث الطفل في عامه الأوَّل عن الثقة والأمان، فكلَّما كانت الأم قريبة منه في الشهور الأولى، زادت قدرته على الاستقلال فيما بعد؛ لأنَّ هذا الاستقلال ينمو من قاعدة قويَّة تشعره بالأمان، وهذا يتعارض مع المعتقدات الخاطئة التي تجعل بعض الأهالي يتجنَّبون حمل طفلهم أو الاستجابة السريعة له عند البكاء؛ ظنَّاً منهم أنَّ ذلك سيجعله يعتمد على نفسه، وتعزِّز هذه الاستجابة للاحتياجات الأساسية شعور الطفل بالأمان، وهذا يسهم في تطوُّره الإيجابي.
3. استمِع إلى مشكلات طفلك، وحاوِل حلَّها
يُعدُّ التعاطف مع الطفل أحد أهمِّ مبادئ التربية الإيجابية، والذي تسمِّيه "جان نيلسون" أحياناً "التواصل قبل التصحيح"، ويتطلَّب هذا النوع من التواصل الالتزام بقواعد معيَّنة، مثل: الاستماع الجيِّد، وإظهار التعاطف من خلال تعبيرات الوجه ونبرات الصوت، ومشاركة الطفل مشاعره وأفكاره عند الحاجة، دون إصدار أحكام، ويُساعد توضيح مشاعر الطفل، مثل قول: "يبدو أنَّك شعرت بالظلم" على تمكينه من فهم مشاعره والتعامل معها تعاملاً أفضل.
شجِّع طفلك أيضاً على إيجاد حلول تنبع من داخله، بدلاً من الاعتماد على والديه، وهذا يتمُّ من خلال طرح أسئلة تفتح له باب التفكير، مثل: "هل ترى أنَّ الغضب قد حلَّ مشكلتك؟ كيف تحبُّ أن تواجه تلك المشكلة في المرة القادمة؟"، وتسهم هذه النوعية من الأسئلة في تعزيز وعي الطفل بأبعاد الموقف، وتؤكِّد على مشاعره، وهذا يسهِّل عليه إيجاد حلول لمشكلاته وحده في المستقبل.
4. شجِّع طفلك
يُعدُّ التشجيع من وسائل التهذيب القيِّمة، ويركِّز على تعزيز الأفعال الحسنة بدلاً من مجرَّد مدح الطفل، فعندما تقول: "لقد أصبحت ماهراً في حلِّ هذه المسألة"، فإنَّك تعزِّز سلوكاً معيَّناً بدلاً من القول: "أنت عبقري" الذي قد يؤدي إلى آثار سلبية على الأمد البعيد، فقد تكون التعبيرات بسيطة الفهم مثل: "أرى أنَّك منهمك في عملك" أكثر فاعليَّة من المدح المستمر بصفات قد لا تكون ملازمة للطفل.
قد يتطوُّر لدى الطفل اعتماد على الآخرين للشعور بالإنجاز، وهذا يؤدي إلى سلوكات غير صادقة، وذلك إذا اعتمد على المدح الخارجي لتحقيق الرضى، وبدلاً من ذلك، يساعد تشجيع الفعل الطفل على بناء ثقته بنفسه، ويعزِّز لديه رغبة التعلُّم، كما يجب أن يدرك الطفل أنَّ حبَّك له لا يتوقَّف عند عدم تحقيقه للأفعال الصحيحة؛ لأنَّ المدح المرتبط بالإنجازات فقط قد يجعله يشعر بعدم الأمان في علاقته معك؛ لذا يُعدُّ التشجيع الإيجابي المفتاح لبناء شخصية مستقلَّة وواثقة.
5. ركِّز على الحلول وابتعِد عن اللوم
غالباً ما يسيطر شعور الذنب والعجز على الطفل عندما يخطئ، ويزيد لوم الأهل له من هذا الشعور، ولا يساعده على تحسين سلوكه في المرات القادمة، وينتظر الطفل من والديه أن يشاركاه في اقتراح حلول للمشكلة الناتجة عن خطئه، وهذا يعزِّز مهاراته في حلِّ المشكلات، ويبني ثقته في قدرته على تجاوز الأزمات.
يؤدي الصراخ وكثرة اللوم إلى إحداث إحباط لدى الطفل، وهذا يجعله ينفر من التفاعل معك في المستقبل، ويزيد من مشاعر السلبية تجاه نفسه، ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الأهل هو "قولبة" أطفالهم بصفات سلبية، مثل وصفهم بأنَّهم "مهملون" أو "فاشلون" أو "لا يحسنون التصرف أبداً"، فقد تصبح هذه العبارات عند تكرارها لصيقة بهم، ولها عواقب وخيمة على شخصيتهم ونظرتهم لأنفسهم؛ لذا من الأفضل تعزيز الإيجابية ودعم الطفل في التعلُّم من أخطائه.
6. اتَّبِع أسلوب العواقب
يُعدُّ أسلوب "العاقبة" من أنجح طرائق التهذيب؛ لأنَّه يربط كلَّ تصرُّف خاطئ بعاقبة مناسبة تُظهر نتيجة منطقيَّة لذلك السلوك، على سبيل المثال: إذا أساء الطفل استخدام الألعاب وكسرَها، قد تكون العاقبة هي أخذ الألعاب بعيداً مع توضيح أسباب هذا التصرُّف، ويُظهر هذا له أنَّ الألعاب ستكون متاحة عند استخدامه لها استخداماً جيِّداً.
يرتبط أسلوب "العاقبة" بتفسير منطقي يجعل اعتراض الطفل - إن وجد - مؤقَّتاً، ويعزِّز قناعته بأنَّ تصرفات والديه كانت حكيمة وعادلة، ويُستخدَم بدلاً من اللجوء إلى العقاب البدني أو اللفظي، أو حتى تجاهل الطفل؛ لأنَّ هذه الأساليب التقليدية غالباً ما تؤدي إلى تفاقم المشكلات، وتنتِج شخصيَّات مشوَّهة، مثل الأطفال الساخطون أو المتمرِّدون أو المنسحِبون.
كما قد يؤدي التساهل المفرط - بخلاف ما قد يُتوقَّع - إلى شعور الطفل بعدم الأمان؛ لأنَّ القوانين تُعطي انطباعاً أنَّ الوالدين مهتمَّان ومسؤولان تجاهه، وهذا يُعزِّز شعوره بالاستقرار العاطفي.
7. افهَم سلوك طفلك
غالباً ما يكون كلُّ سلوك يظهر على الطفل - خاصَّة السلوكات السلبية - ناتجاً عن أفكار داخلية راسخة، على سبيل المثال: قد تكون ردود الفعل الغاضبة التي قد تبدو انتقامية نتيجة شعور الطفل بالإحباط؛ بسبب الانتقادات المتكرِّرة من الأبوين، وقد تُخفي هذه الرغبة في إظهار القوَّة شخصية هشَّة تشعر بعدم الأمان، وتُشجِّع التربية الإيجابية على تغيير المعتقدات، بدلاً من التركيز فقط على تعديل السلوك الظاهري؛ لأنَّ التغيير السطحي غالباً ما يكون مؤقَّتاً.
يمكننا استبدال السلوكات الخاطئة بسلوكات أفضل على الأمد الطويل من خلال اختيار الحلول الفعَّالة التي تؤدي إلى تغيير المعتقدات، على سبيل المثال: نوبات الغضب هي سلوك سلبي يُظهر الإحباط، وقد يبدو أنَّ إعطاء الطفل ما يريد هو حلٌّ سريع يُهدِّئ من غضبه، إلا أنَّ ذلك قد يؤدي إلى تكرار السلوك طلباً للمزيد، والحلُّ الفعَّال على الأمد البعيد بدلاً من ذلك هو الاعتراف بمشاعر الطفل ورغباته، مع توضيح أنَّه لا يمكن الاستجابة له في الوقت الحالي، فهذا يعلِّم الطفل كيفيَّة السيطرة على رغباته وتهدئة نفسه، ويعزِّز ثقته بنفسه وقدرته على التعامل مع التحديات تعاملاً إيجابياً.
آثار التربية الإيجابية في الأطفال
تسهم التربية الإيجابية التي تُمارَس منذ سنٍّ مبكِّرة في تطوير العلاقات الاجتماعية والعاطفية والعقلية للأطفال، وهذا يؤدي إلى تأثيرات إيجابية متعدِّدة، ويُعزَّز احترام الذات وقوَّة الشخصية لدى الأطفال من خلال هذه التربية، وهذا يساعدهم على بناء سلوكات إيجابية تُحسِّن من شخصياتهم منذ الصغر، كما يمكِّنهم هذا الأساس المتين من التعامل تعاملاً أفضل مع التحديات المستقبلية، ويُعدُّهم لحياة مليئة بالثقة والنجاح.
في الختام
إنَّ إنشاء بيئة منزلية إيجابية ليس مجرد تحسين للمظهر العام للمنزل، بل هو استثمار في رفاهيتنا النفسية والعاطفية، ومن خلال اتباع الخطوات العملية والأساليب المدروسة التي ناقشناها، يمكننا جميعاً تعزيز جوٍّ من الحب والطمأنينة في منازلنا، وهذا ينعكس إيجاباً على صحتنا النفسية والعلاقات الأسرية؛ لذا دعونا نلتزم بتحويل منازلنا إلى ملاذ يعزز من طاقتنا، ويجعلنا نشعر بالانتماء والراحة؛ لأنَّ البيت هو المكان الذي تبدأ منه السعادة.
أضف تعليقاً