وبعد أن صلَّى في بيت المقدس مع الأنبياء، عُرج به إلى السماء، ورأى هناك كثيراً من الملائكة، وفرض الله عليه الصلوات الخمس، ثم عاد إلى الأرض في نفس الليلة، وفي القرآن الكريم سورة مستقلة تدعى سورة الإسراء، يستهلها الله سبحانه وتعالى بقوله: "سُبْحَانَ الَذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ". (الإسراء – الآية 1).
تعد حادثة الإسراء والمعراج من أهم الأحداث في تاريخ الإسلام، فهي تؤكد قدرة الله تعالى على كل شيء، وتكريمه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنَّها تؤكد على شمولية دين الإسلام، فقد أرسل الله نبيه محمد إلى جميع الناس، وليس فقط إلى العرب.
بناء على نقطة التحول المصيرية هذه في مسيرة الدعوة الإسلامية، يحتفل المسلمون بحادثة الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من رجب من كل عام، وفي هذا المقال سوف نتحدث عن معجزات ليلة الإسراء والمعراج، وفضل ليلة الإسراء والمعراج، والدروس المستفادة من هذه الليلة المباركة.
معجزات ليلة الإسراء والمعراج:
معجزات ليلة الإسراء والمعراج كثيرة ومتنوعة، ومن أهمها ما يأتي:
1. الانتقال من مكة إلى القدس في لمح البصر:
هذه المعجزة من معجزات ليلة الإسراء والمعراج تؤكد قدرة الله تعالى على كل شيء، فهو قادر على أن ينقل نبيه محمد في لمح البصر من مكة إلى القدس، على الرغم من أنَّ المسافة بينهما كبيرة جدَّاً، وهي تبلغ حوالي 1500 كيلومتر، ويُذكر في الأحاديث النبوية أنَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم أُسري به من مكة إلى القدس في ليلة واحدة، وذلك في رحلة استغرقت مدة قصيرة جدَّاً، لا تزيد عن لحظة واحدة.
2. صلاة النبي محمد مع الأنبياء في بيت المقدس:
هذه المعجزة من معجزات ليلة الإسراء والمعراج تؤكد أنَّ الإسلام دين الجميع وليس حكراً على أهل منطقة معينة، وأنَّ النبي محمد هو نبي لجميع الناس، وليس فقط للعرب، ويُذكَر في الأحاديث النبوية أنَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم صلى في بيت المقدس مع الأنبياء، وذلك بعد أن عُرج به إلى السماء، وهذا يؤكد أنَّ الأنبياء جميعاً كانوا يؤمنون بالله تعالى ورسله، وأنَّهم كانوا يجتمعون في بيت المقدس للصلاة.
3. رؤية النبي محمد للملائكة في السماء:
هذه المعجزة من معجزات ليلة الإسراء والمعراج تؤكد قدرة الله تعالى على الخلق، فقد خلق الناس والملائكة وجميع المخلوقات، كما أنَّها تؤكد أنَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يتمتع بإيمان قوي، وقدرة على رؤية ما لا يراه غيره.
فضل ليلة الإسراء والمعراج:
لليلة الإسراء والمعراج فضل كبير عند المسلمين، فهي من أهم الأحداث في تاريخ الإسلام، وتحمل كثيراً من الدروس المستفادة، ومن فضل هذه الليلة ما يأتي:
1. فرض الصلاة على المسلمين خمس مرات في اليوم:
فهذه المعجزة تؤكد أهمية الصلاة في الإسلام، وأنَّها ركن من أركانه، وهذا من فضل ليلة الإسراء والمعراج.
2. من فضل ليلة الإسراء والمعراج أنَّها تحولت إلى مناسبة دينية هامة للمسلمين:
ولها مكانة خاصة في قلوبهم، وفي هذه الليلة يحرص المسلمون على أداء الصلاة، وقراءة القرآن، والدعاء، والذكر، والأعمال الصالحة الأخرى ابتغاء مرضاة ربهم، وفي هذا توحيدٌ لشملهم وجمعٌ لهم على ما فيه خير وصلاح للأمة الإسلامية.
3. من فضل ليلة الإسراء والمعراج أنَّ في هذه الليلة تقام الاحتفالات الدينية:
وتقام حلقات الذكر والدعاء، ويتبادل المسلمون التهاني والتبريكات، وهذا ينشر الألفة فيما بينهم ويكون سبباً في نسيان الأحقاد والمشكلات.
شاهد بالفديو: عبارات وأقوال رائعة عن الإيمان
الأعمال المستحبة في ليلة الإسراء والمعراج:
إنَّ ليلة الإسراء والمعراج هي ليلة مقدسة ومباركة، وقد شهدت كثيراً من المعجزات وكان لها فضل كبير على الإسلام عامة والمسلمين، لذا من المستحب التقرب في هذه الليلة لله سبحانه وتعالى، وذلك عبر القيام بالأعمال المستحبة في ليلة الإسراء والمعراج، والتي نذكر منها:
1. الصلاة:
يُستحب للمسلم أن يصلي ركعتين أو أكثر في ليلة الإسراء والمعراج، ويقرأ فيهما سورة الإسراء.
2. قراءة القرآن:
يُستحب للمسلم أن يقرأ القرآن الكريم في ليلة الإسراء والمعراج، وخاصة سورة الإسراء وسورة النجم.
3. الدعاء:
يُستحب للمسلم أن يدعو الله تعالى في ليلة الإسراء والمعراج، ويسأله ما يشاء من خير الدنيا والآخرة.
4. الذكر:
يُستحب للمسلم أن يذكر الله تعالى في ليلة الإسراء والمعراج، ويكثر من الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
إقرأ أيضاً: أفضل الأيام عند الله تعالى في الدين الإسلامي
بعض الدروس المستفادة من ليلة الإسراء والمعراج:
تحمل ليلة الإسراء والمعراج كثيراً من العبر والرسائل التي أراد الله سبحانه وتعالى إيصالها إلى عباده المسلمين عبر إسراء نبيهم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وفيما يأتي بعض الدروس المستفادة من ليلة الإسراء والمعراج:
1. ليلة الإسراء والمعراج نقطة تحول في طريق الدعوة الإسلامية:
لقد كانت ليلة الإسراء والمعراج منعطفاً مفصلياً في الدعوة الإسلامية، ولقد كانت هذه الحادثة سبباً في دخول الكثيرين الإسلام، فهي معجزة حقيقية أثبتت قدرة الله سبحانه وتعالى على فعل أي شيء.
2. ليلة الإسراء والمعراج إثبات لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم:
منذ بدأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالمجاهرة في نشر الدعوة الإسلامية وهو يتعرض للاتهام بالكذب والادعاء (حاشا لشخصه الكريم)، إلى أن جاءت معجزة ليلة الإسراء والمعراج فأثبت الله نبوته لكل المشككين.
3. تؤكد حادثة الإسراء والمعراج كرامة النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
فهو نبيُّ الله الذي اصطفاه وكرَّمه بهذه المعجزة العظيمة، وهذا يؤكد مكانة النبي محمد عند الله تعالى، وأنَّه أعظم الرسل والأنبياء، وهذا الدرس هام للمسلمين، لأنَّه يؤكد ضرورة محبة النبي محمد، وتقديره، والاقتداء به في جميع أمور الحياة، كما أنَّه يؤكد على ضرورة الاقتداء به في الدعوة إلى الله تعالى، والصبر على الشدائد.
4. ليلة الإسراء والمعراج دلالة على العدالة الإلهية وجزاء الصابرين كل خير:
فهي كانت جزاء لصبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم على كل المُصاب الذي ألمَّ به من وفاة زوجته خديجة وعمه أبو طالب إضافة إلى صبره على عداء الكفار وأذاهم له، ولقد نُقِلَ عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء: "اللهم إنِّي أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملَّكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل على سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك".
5. ليلة الإسراء والمعراج تبيان لمكانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى:
فلقد كرَّمه برؤية مخلوقاته النورانية وإطلاعه على الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ومنحه مكانة لم يمنحها قبله لأي أحد من مخلوقات السماوات والأرض،كما أنَّ فيها إثبات أنَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأنَّ الدين الذي أرسل به _ دين الإسلام _ هو اللبنة الأخيرة في الطريق إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى، ودليل ذلك أنَّ النبي المصطفى قد أمَّ الأنبياء الكرام عليهم السلام في الصلاة.
6. تُظهِر ليلة الإسراء والمعراج مكانةَ وقيمةَ المسجد الأقصى الذي اختاره الله سبحانه وتعالى:
ليسري بعبده إليه في تلك الليلة المباركة، وهذا ما يزيد تمسُّكنا بهذا المكان المقدَّس وعزيمتنا على استعادته من بين أيدي المعتدين.
7. من الدروس المستفادة من الإسراء والمعراج هي التأكيد على الدور النبيل الذي قام به الصحابة عليهم السلام:
وتحديداً الصحابي الجليل أبو بكر الصديق، الذي صدَّق النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن كذَّبه معظم أهل مكَّة.
8. من الدروس المستفادة من ليلة الإسراء والمعراج أنَّ المؤمن عليه أن يكون مخلصاً في إيمانه:
اقتداءً بالمؤمنين الذين صدَّقوا النبي صلى الله عليه وسلم رغم أنَّ استيعاب معجزة الإسراء والمعراج في ذلك الوقت كان فوق مستوى العقل البشري.
9. لعل آخر الدروس المستفادة من ليلة الإسراء والمعراج التي سنأتي على ذكرها في هذا المقال هي إثبات وحدة الأديان السماوية وتآخي المؤمنين بديانة التوحيد:
فالأنبياء قد صلوا معاً في تلك الليلة المباركة ليكونوا قدوة لأتباعهم في تقبُّل الآخرين واحترام معتقداتهم ما دامت تفضي إلى خالق واحد.
في الختام:
إنَّ ليلة الإسراء والمعراج هي ليلة عظيمة لها فضل كبير عند المسلمين، فهي مناسبة دينية هامَّة، وتحمل كثيراً من الدروس المستفادة التي يجب أن يتعلَّمها المسلمون ويطبقوها في حياتهم، وعلى المسلم أن يحرص على اغتنام هذه الليلة المباركة، وأداء الأعمال الصالحة فيها، والدعاء إلى الله تعالى أن يتقبَّل منه صالح أعماله، وأن يرزقه الهداية والتوفيق.
أضف تعليقاً