ممَّا لا شك فيه أنَّ عام 2020 كان أكثر عام استخدمنا فيه الإنترنت في حياتنا؛ فبدءاً من الاختبارات القصيرة ووصولاً إلى قصص ما قبل النوم ومقابلات التوظيف، كان كل شي يحدث عبر تطبيق زوم (Zoom)، والسؤال هو: هل سنبقى كذلك إلى الأبد؟ إنَّه سؤال يتعلق بشكل خاص بمؤسسات التعلم والتطوير والعاملين فيها، ففي عام كان فيه تقديم التدريب وجهاً لوجه مستحيلاً إلى حدٍّ كبير، كيف تكيَّف قطاع التعلم والتطوير، وكيف يبدو المستقبل بالنسبة إليهم؟
في دراسة أجرتها جامعة آردين (Arden University) المتخصصة في التعلم عبر الإنترنت والتعلم التقليدي، قال ما يقرب من 60٪ من المتخصصين في التعلم والتطوير إنَّ الوباء قد غير مواقف مؤسساتهم تجاه التعلم الرقمي.
التغير في وجهات النظر:
لو أنَّك سألت عن رأي كثير من الناس في التعلم عبر الإنترنت قبل بضع سنوات، فعلى الأرجح ما كنت ستتفاجأ عند سماعهم يقولون عنه: "بدعة" أو "في المقام الثاني" أو حتى "مضيعة للمال"، لكن ما يُظهر التغيير الصارخ في المواقف هو أنَّ الكلمات الأكثر ارتباطاً بالتعلم الرقمي عبر الإنترنت التي وجدناها من خلال البحث كانت: "مبتكر" و"سريع" و"مستقبلي".
إذاً ما الذي تغير؟ ليس هناك شك في أنَّ الوباء كان عاملاً حاسماً في ازدياد تقبُّل التعلم عبر الإنترنت كأداة تدريب قابلة للتطبيق، لكنَّ المتخصصين في مجال التعلم والتطوير والمؤسسات التي يمثلونها لديهم معايير عالية ويتوقعون الحصول على الجودة مقابل سعر مقبول؛ إذ إنَّهم لن ينتقلوا إلى التعلم الافتراضي إذا لم يحصلوا على الجودة والنتائج التي يبحثون عنها.
لا يُظهر التغيير في المواقف تجاه التعلم الافتراضي أنَّ المؤسسات أصبحت تشعر براحة أكثر في التعامل مع المنصات والاتصالات عبر الإنترنت فحسب؛ بل يُظهر أيضاً أنَّ جودة التعلم المُقدَّم قد خضعت إلى تغييرات هائلة في السنوات القليلة الماضية.
شاهد بالفيديو: أهمية التعليم عن بعد
جودة أفضل وتوقعات أعلى:
يعود هذا التحول في الجودة إلى مجموعة من العوامل؛ حيث مكَّن تطور منصات تقديم المحتوى وتحسينها وزيادة إمكانية الوصول إلى أدوات التعاون عبر الإنترنت القائمين على عملية التعليم من نقل خدماتهم إلى ما هو أبعد من نهج تقديم المحتوى باستخدام تطبيق باوربوينت (PowerPoint).
وفي الوقت نفسه، أصبح المستخدمون أكثر تطلباً؛ فهم يتوقعون أن يتعلموا بطريقة تعكس طريقة عملهم المرنة الآن، وذلك مع التركيز على المخرجات وتنوع المواقع، كما أنَّهم يتوقعون بشكل معقول أن يواكب التعلم والتطوير خبرتهم الواسعة في المنصات الإلكترونية، سواء كانت إمكانية وصول العملاء إلى أمازون (Amazon) وتجاوبه معهم، أم تجربتهم في استخدام منصات الألعاب، فقد أدى هذا التطور في التكنولوجيا وتغيُّر متطلبات السوق إلى ظهور جيل جديد من المتخصصين في التعلم عبر الإنترنت.
هؤلاء هم مقدمو الخدمات الذين انضموا إلى سوق التدريب الافتراضي كمتخصصين في هذا المجال، والذين هم جاهزون للاستفادة منه؛ وليس فقط مقدمي الخدمة الحاليين الذين يحاولون الانتقال إلى نموذج التدريب عبر الإنترنت من أجل الحفاظ على بقائهم في السوق؛ لذلك تلعب قوى السوق دوراً هاماً، حيث يُرغم هؤلاء جميع من في قطاع التعلم والتطوير -من الجامعات العريقة إلى شركات الاستشارات العاملة في مجال التعلم والتطوير- على رفع مستوى نشاطهم عبر الإنترنت وبالتالي زيادة الجودة في كل قطاع.
أولويات التدريب:
لتوضيح أهمية الوصول إلى تعلم عالي الجودة عبر الإنترنت، سألنا صانعي القرار في مجال التعلم والتطوير عن أولوياتهم الرئيسة في التدريب والتطوير؛ فكانت إجاباتهم كما يلي:
- زيادة وصول العاملين عن بعد إلى برامج التدريب.
- زيادة مرونة التعلم.
- زيادة التركيز على التعلم الرقمي.
من الواضح أنَّه بدلاً من أن يكون مجرد إجراء مؤقت يسمح باستمرار التعلم خلال اضطرابات هذا العام؛ أصبح التعلم الرقمي في الواقع، الأداة الأكثر أهمية من مجموعة أدوات التعلم والتطوير في المؤسسات.
في الواقع، تقول 93٪ من المؤسسات التي شملها استطلاعنا إنَّ التعلم والتطوير إما "هام" أو "حاسم" لمؤسساتهم، وهناك دليل واضح على أنَّ معظم المتخصصين في مجال التعلم والتطوير سوف يبحثون عن حلول رقمية لتلبية احتياجاتهم التدريبية.
ومن الهام أن نضع في اعتبارنا، أنَّ 64٪ من المتخصصين في مجال التعلم والتطوير الذين تحدثت إليهم جامعة "آردين" ذكروا "جودة التدريب" كأولوية قصوى عند اختيار التدريب لمؤسساتهم، طالما أنَّ الحلول الرقمية والحلول عبر الإنترنت تقدمان جودة عالية، فإنَّهما ستشكلان عنصراً أساسياً في محفظة التدريب للمؤسسات.
نهاية نموذج التدريب وجهاً لوجه:
هل هذا يعني أنَّ التدريب وجهاً لوجه سيصبح شيئاً من الماضي؟ لا يبدو ذلك؛ حيث تُظهر الأبحاث أنَّ معظم المؤسسات تبحث عن مزيج من التواصل عبر الإنترنت ووجهاً لوجه، فيقول واحد من كل ثلاثة إنَّهم سيستخدمون كلا النموذجين في المستقبل، وما سيتغير بالنسبة للتدريب وجهاً لوجه هو نطاق ونوعية التدريب؛ إذ سيكون السؤال "هل كان باستطاعتنا إجراء هذا التدريب عبر الإنترنت؟" سؤالاً هاماً.
وهذا يعني أنَّه من المرجح أن يُركِّز التدريب وجهاً لوجه على المهارات العملية أو التقنية أو القدرات الأخرى التي تتطلب التواصل الشخصي؛ أي يجب أن يكون هناك مبرر مُقنع لقضاء الوقت بعيداً عن المكتب.
سيكون مقدمو الخدمات الذين سينجحون في الأشهر والسنوات القادمة هم أولئك الذين يمكنهم تلبية جميع هذه الاحتياجات، وتقديم أعلى جودة للتدريب عبر الإنترنت باستخدام أحدث التقنيات الموجَّهة للمستخدم، بالإضافة إلى التعلم الموجَّه وجهاً لوجه عندما يجلب قيمة أكبر.
كمتخصصين في مجال التعلم والتطوير، سيكون هذا المزيج من التدريب المباشر والرقمي ضرورياً للجدوى الاقتصادية وحلول التدريب الفعَّالة، ولكنَّ الأسئلة المطروحة على أي مزود خدمة تدريب ستكون حول كيفية ضمان جودة تدريبه وإدارة مشاركة المتعلم وقياس تأثير تدريبه المباشر والطويل الأمد، وستبقى هذه الاعتبارات حاسمة بصرف النظر عن أسلوب تقديم المحتوى الذي ستختاره، وستضمن استمرارك في تعزيز التطوير في مؤسستك.
أضف تعليقاً