فبدلاً من تعريض الطَّرف الآخر إلى عملية تلقين تستنزف كامل طاقته وأعصابه وتُوصِله إلى مرحلة النفور من المادة العلمية ومُدرِّسها؛ لذا ابتُكرِت وسائل إبداعية وطرائق مختلفة تجعل من الطرف الآخر أكثر مرونة وقابلية لاستقبال المعلومة.
فنحن اليوم نحتاج إلى التدريب أكثر بكثير من حاجتنا إلى التعليم التقليدي، فقد أثبت المدرِّب قدرته على التأثير الإيجابي في عقول المتدرِّبين وفي سلوكاتهم، وقد باتت الدورات التدريبية من أكثر الوسائل نجاعةً لخلق جيل يفهم ولا يحفظ، يتفاعل ولا يصمت، يستمتع ولا يسأم، يتغير ولا يثبت على عاداته، فكيف لها ألَّا تُحدِث هذا الأثر وهي تستخدم التطبيقات العملية، والفيديوهات، وعناصر الشد المميزة، والعروض التقديمية، والمادة العلمية القوية، مراعيةً الفروق الفردية وأنماط الشخصية المختلفة بين المتدرِّبين، محدِّدة أهدافاً ومعايير ثابتة يؤدي الوصول إليها إلى تحقيق النفع والقيمة.
ماهي مراحل إعداد وتنفيذ برنامج تدريبي أو حقيبة تدريبية؛ هذا ما سَنناقشه من خلال هذا المقال.
ما هي الحقيبة التدريبية؟
هي مجموعة من الخبرات التدريبية التي تُصمَّم من قِبل خبراء متخصِّصين تصميماً منهجياً ومنظَّماً ومنسَّقاً بحيث توفِّر للمتدرِّبين التوجيه والإرشاد وتنمية المهارات والقدرات وزيادة المعلومات وتحسين السلوك ورفع الأداء، وتشتمل الحقيبة التدريبية على مواد وأنشطة وفيديوهات وألعاب وعروض تقديمية ومراجع تتَّصل بموضوع التدريب.
ما هي مرحلة إعداد الحقيبة التدريبية؟
بدايةً على المدرِّب امتلاك القدرة على البحث والاطلاع على مصادر مختلفة، والرغبة في توسيع ذخيرته المعرفية في المجال الذي يرغب في التمكُّن فيه وإعطاء الدورات التدريبية فيه، كما من الهام امتلاكه للنية والسعي إلى تغيير سلوك وتوجُّهات الأشخاص المتدرِّبين، كما من الضروري امتلاك الشغف الحقيقي للموضوع الذي يطرحه، فلن يستطيع شخص على وجه الأرض إقناع غيره بما يقدِّمه إن لم يملك الرغبة والحب العارم للموضوع.
من المفترض ألَّا يتنازل المتدرِّب عن مسألة البحث الذاتي وتدوين المحتوى العلمي للمادة التدريبية بنفسه؛ وذلك لأنَّه سيكون القائد في الحقيبة التدريبية وسيتعرَّض لأسئلة مختلفة ومن سويات وعي مختلفة؛ لذا عليه أن يكون قادراً على إدارة حقيبته التدريبية بكامل الحكمة والتعقُّل.
يجب على المتدرب أن يتعرَّف جيداً إلى المتدرِّبين في أثناء إعطائه محتوى الحقيبة التدريبية؛ وذلك لكسر حاجز الجليد بينهم، والتعمُّق في أنماط شخصياتهم، من أجل تفاعلٍ وفائدةٍ أكبر.
من أهم الأساسيات لمرحلة الإعداد للحقيبة التدريبية هي:
1. الهدف:
وهنا يجب على المتدرِّب تحديد الهدف الأساسي للحقيبة التدريبية التي يقوم بها، هل غايته توعية الناس فيما يخصُّ العلاقات الزوجية الناجحة مع تقديم خطوات عملية لبناء علاقة زوجية واعية، أم غايته تدريب المهتمِّين على برامج المونتاج والتصميم، أم تدريب الفئة المستهدَفة على آلية صناعة مدرِّب ناجح؟ يجب على المدرِّب أن يعرف أسبابه الواضحة لاختيار المادة التدريبية وغايته من تقديمها إلى الجمهور.
2. الفئة المستهدَفة:
يتعيَّن على المدرِّب تحديد الفئة المستهدفة لبرنامجه التدريبي، لكي يستطيع تحديد الأنشطة التدريبية المناسبة لهم، ولكي يبني محتوىً تدريبياً يخاطب مختلف أنواع الذكاء للفئة المستهدَفة.
3. الموضوع:
يجب على المدرِّب أن يحدد تماماً الموضوع الذي يرغب في التطرُّق إليه، والمحاوِر التي يرغب في استعراضها، بحيث يكون الموضوع متناسباً مع حاجات الفئة المستهدَفة، فمن غير المنطقي أن يتناول المدرِّب موضوعاً له علاقة بالتقنيات والأمور التكنولوجية التخصُّصية مع أشخاص لا تعمل في مجال التكنولوجيا.
4. الأسلوب:
يتعيَّن على المدرِّب أن يبحث في الأساليب الأكثر ملاءمة لعرض المادة التدريبية، وذلك بناءً على طبيعة الموضوع وطبيعة الفئة المستهدَفة المقصودة؛ حيث يتطلَّب عرض بعض المواد أساليبَ متقدِّمة، على سبيل المثال البرنامج المقدَّم لفئة من الاختصاصيين التكنولوجيين، ومن الأمثلة لأساليب عرض المواد: السبورة، عروض البوربوينت (PowerPoint)، الشاشات المسطحة، الرسومات، الرسوم البيانية.
5. الأنشطة التدريبية:
وهي التطبيقات الداعمة للمحتوى النظري، من أنشطة لترسيخ فكرة معينة استعرضها المدرِّب، أو من تمرينات لإثارة حماسة المتدرِّبين وإثارة حافزيَّتهم، وهنا على المدرِّب التفكير من وجهة نظر الفئة المستهدَفة، بحيث يركز على المهارات التي تنفعها، وتتحدَّد الأنشطة التدريبية بناءً على المادة المطروحة والفئة المستهدَفة ومكان تقديم الدورة التدريبية.
ما هي مراحل تنفيذ الحقيبة التدريبية؟
1. مفتاح الحقيبة التدريبية:
لكي تصنع مفتاحاً للحقيبة التدريبية عليك بداية صنع:
غلاف الحقيبة التدريبية: وهنا على المدرِّب صنع غلاف تعريفي لحقيبته التدريبية يستعرض فيه عنوان الحقيبة التدريبية واسمه.
الفهرس: وهنا تُستعرَض منهجية الحقيبة التدريبية، ومكوِّناتها، على سبيل المثال: قد يكون الفهرس الخاص بالحقيبة التدريبية "إعداد المدرِّبين" على الشكل التالي:
- مكونات الحقيبة التدريبية.
- دليل البرنامج.
- المقدِّمة.
- نظريات ومفاهيم وقوانين في التدريب.
- مهارات العرض والإلقاء.
- مهارات لغة الجسد الفعَّالة في قاعات التدريب.
- أنماط المدرِّبين.
- صياغة الأهداف التدريبية.
- الأساليب التدريبية.
- مهارات تصميم الحقائب التدريبية.
- بناء الأنشطة التدريبية.
- التسويق الشخصي للمدرِّب.
- كتابة السيرة الذاتية للمدرِّب.
- المراجع.
2. دليل البرنامج:
وهنا يُعرَّف بالبرنامج وتقسيمه إلى وحدات أساسية (فصول) وجلسات تابعة لهذه الوحدات، على سبيل المثال: في الحقيبة التدريبية "إعداد المدرِّبين" تُحدَّد وحدة أساسية تسمَّى "التدريب" والجلسات التابعة لها هي: "مفهوم التدريب"، "أهداف التدريب"، "ما بين التدريب والتعليم"، وبعدها تُذكَر الوحدات التالية، مثل: "صناعة المدرِّب"، "أنماط المتدرِّبين"، وما إلى ذلك.
3. خطة المحتوى التدريبي:
تُذكَر هنا المدة الزمنية التي تستغرقها الحقيبة التدريبية؛ أي الوقت المخصَّص لكل جلسة من الجلسات التابعة لها.
4. المادة العلمية:
وتحتوي على الأنشطة والمهارات والمفاهيم والنظريات؛ حيث تُصمَّم الأنشطة من أجل كسر الجمود بين المدرِّب والمتدرِّبين وإيصال المعلومة وترسيخها، ويجب أن تكون الأنشطة مرتبطة بالواقع الذي تعيشه الفئة المستهدَفة، مثل: مراهقين، ناضجين، صغار.
ويجب تعزيز قسم المهارات لدى المتدرِّبين بالإضافة إلى طرح الجانب النظري من الحقيبة بحيث تكون المصطلحات واضحة وسهلة الفهم لدى المتدرِّبين، كما يجب أن تكون المادة العلمية سلسة بحيث يمكن إضافة وتعديل معلوماتها باستمرار.
5. المراجع:
يجب ذكر المصادر التي استند إليها المدرِّب في بحثه، وبكامل الأمانة، بحيث تكون مصادر موثوقة وغير خاضِعة لإمكان التعديل على معلوماتها من قِبل أي شخص مثل ويكيبيديا.
الخلاصة:
يحتاج إعداد الحقيبة التدريبية وتنفيذها إلى الكثير من البحث والشغف والاطلاع وصولاً إلى صنع مادة علمية تستحق الدراسة، وأنشطة تدريبية تستحق التفاعل، ممَّا يساعد على اكتساب المهارات وتعديل قناعات الجمهور نحو الأفضل.
أضف تعليقاً