مفاهيم خاطئة عن قلة التقدير الذاتي:
توجد نظريات عدة خاطئة ينبغي تصحيحها، أولها الأشخاص الذين يتباهون بذواتهم ولديهم تقدير عالٍ لأنفسهم، هم في الحقيقة خلاف ذلك ويتظاهرون بما ليس فيهم؛ لأنَّ الشخص الواثق بنفسه يعرف مكانته وقيمته ولا يهتم بآراء الآخرين؛ إذ تنتج قلة التقدير الذاتي عن المعتقدات السلبية، كأن يظن الشخص أنَّه ليس جيداً أو مؤهلاً أو هاماً بما يكفي ليستحق أشياء جميلة في الحياة.
إنَّها مشكلة شائعة حتى بين كبار الشخصيات الناجحة الذين يمتلكون معايير النجاح التقليدية من شركات خاصة وأموال طائلة بسبب معاناتهم من "متلازمة المحتال"، وهي صوت داخلي ينتقد أي إنجاز يجعل الشخص يشعر أنَّه لا يستحق النجاح ويجعله خائفاً من رفض الآخرين وحريصاً على موافقتهم.
إنَّ كفاءة الشخص تعتمد على عوامل عدة إلى جانب التقدير الذاتي، ففي دراسة أُجرِيت على مجموعة من السجناء وجدت أنَّهم يحملون نفس المعتقدات السلبية الموجودة عند كبار الشخصيات الناجحة، ولكنَّ الفرق أنَّ السجناء يعتقدون أنَّ تمرُّدهم على المجتمع ورفضهم للقوانين هو ما يجعلهم هامين أو مميزين، بينما يرى الناجحون أنَّ مكانتهم الاجتماعية تأتي من امتلاكهم لمعايير النجاح التقليدية.
لماذا يُعَدُّ تدنِّي تقدير الذات مشكلة شائعة؟
بمعنى آخر لماذا يمتلك معظم الناس معتقدات سلبية عن أنفسهم؟
تعود جذور تلك المعتقدات إلى الطفولة وتحديداً إلى السنوات الست الأولى؛ إذ تؤدي الأخطاء التربوية في تلك المرحلة إلى تشكيل معتقدات سلبية عند الأطفال على الرغم من حب الوالدين ورغبتهما بتقديم الأفضل دائماً، لكن ليس لديهم الوعي الكافي لإدراك تأثير تصرفاتهم ودورها في تشكيل معتقدات سلبية لدى أطفالهم بشكل غير مباشر، وحتى عند وجود الوعي، يواجه الآباء صعوبة في ضبط أنفسهم؛ لأنَّ رغباتهم وآمالهم لا تتوافق دائماً مع قدرة أطفالهم على فهمها أو تنفيذها.
على سبيل المثال، يحب الأهل الهدوء والترتيب، بينما الأطفال دائمو الحركة والنشاط، ولا يدركون معنى أن يكون المنزل هادئاً ومُرتَّباً ومدى أهمية ذلك بالنسبة إلى آبائهم، كما يحب الأهل الالتزام بمواعيد الطعام، ولكنَّ الأبناء دائماً ما يكونون منشغلين بما هو أهم بالنسبة إليهم.
بمعنى آخر، يريد الأهل من الأبناء أن يكونوا كالكبار في أفعالهم وتصرفاتهم، وهذا ما لا يقدرون عليه بسبب مرحلتهم العمرية، ولا يمكن القول إنَّ هذا عصيان أو عقوق للوالدين، وفي هذه الحالات تأتي أهمية التصرف السليم للآباء والابتعاد عن سوء المعاملة والغضب، أو إبداء الاستياء والانزعاج من أبنائهم من ردود الفعل السلبية.
شاهد بالفديو: كيف تبني تقدير الذات؟
تأثير الأهل في الأبناء:
ينظر الأبناء إلى آبائهم على أنَّهم قدوة ويعرفون كل شيء؛ لأنَّهم أشخاص بالغون، فالأطفال يدركون أنَّ إمكاناتهم محدودة وبحاجة دائمة إلى والديهم.
يدور حديث داخلي في ذهن الطفل كالآتي: "والداي أغلب الوقت غير راضيين عما أفعله، ولا بدَّ أنَّ لديهم سبباً وجيهاً، فربما لست جيداً بما فيه الكفاية"، أو "لستُ محط اهتمامهم لأنَّني لست هاماً بالنسبة إليهم"، أو "أظن أنَّني عاجز لأنَّني دائماً أفعل الأشياء التي يريدونها، ونادراً ما أفعل ما أرغب به".
أي إنَّ الطفل يحاول تفسير تصرفات وردود فعل والديه بناءً على نظرته لنفسه، فينشأ معتقد أو قناعة عند الطفل بعد تكرار تصرفات أو أقوال من أبويه لمرات عدة ولمدة طويلة وليس مجرد كلام أو مواقف عابرة.
أقوال تسبِّب تدنِّي احترام الذات لدى الطفل:
معظمها عبارات شائعة في المجتمع مثل:
"كم مرة يجب أن أخبرك؟"، "ألا تسمعني؟"، "ما هي مشكلتك؟"، "هل أنت غبي؟".
عندما يسمع هذه العبارات طفل في السنوات الست الأولى من عمره بشكل مستمر وبنبرة غاضبة، سيعاني عند الكبر من تدنِّي احترامه لذاته، وسيشعر أنَّه عاجز وسيئ وغير قادر على إنجاز شيء، وسيظهر ذلك واضحاً في تصرُّفاته مثل اهتمامه الشديد برأي الآخرين وخوفه من المخاطرة والتجارب الجديدة، إضافة إلى الصوت الداخلي الذي ينتقد كل شيء يفعله ويدمِّر ثقته بنفسه.
في الختام:
إنَّ شعور الإنسان بتقدير عال لذاته يتطلَّب منه معرفة جذور معتقداته السلبية عن نفسه، والعمل على تصحيحها وإزالتها بالطرائق الصحيحة والسليمة.
أضف تعليقاً