في الواقع، قد يتعلَّق الأمر بانخفاضٍ طبيعيٍّ في إشارة اليقظة لإيقاع ساعتنا البيولوجية.
دعنا نكتشف سويَّاً كيف يمكننا تجاوز فترة ما بعد الظهر دون الحاجة إلى تناول فنجانٍ من القهوة أو أخذ قيلولةٍ حتَّى نستعيد نشاطنا.
هل يحدث النعاس بسبب كمية الطعام التي تتناولها في وجبة الغداء؟
إنّه من الطبيعي أن تشعر بالنعاس قليلاً بعد تناول وجبة الغداء، وقد يعتقد بعض الأشخاص أنَّ هذا يتعلَّق بالكميَّة المستهلكة من الطعام، وهو اعتقادٌ خاطىء؛ بينما يرى آخرون أنَّ ذلك يعود إلى تحوُّلٍ كبيرٍ في كمية تدفُّق الدم من الدماغ إلى المعدة أو الجهاز الهضمي، للمساعدة في الهضم. قد يبدو هذا معقولاً، إلَّا أنَّه لا يقدِّم تفسيراً منطقياً.
فإذا كان هذا هو الحال، فلماذا لا نشعر بالنعاس بعد تناول وجبة إفطارٍ كبيرة، أو حتَّى بعد العشاء؟ سوف يتوقَّع المرء حدوث التغيير نفسه في تدفُّق الدم.
في الحقيقة، إنَّ هذا النعاس لا علاقة له بالوجبات، وإنَّما يعود إلى سببٍ آخر.
هل الميلاتونين الموجود في الغذاء مسؤولٌ عن حالة الخمول؟
قد يجادل آخرون حول أهمية وجود بعض العناصر داخل الطعام، والتي قد تسبِّب النعاس. على سبيل المثال: تواجد مستوياتٍ ضئيلةٍ من هرمونٍ يُدعَى الميلاتونين، والذي على الرَّغم من دوره الهامِّ في توقيت النوم، إلَّا أنَّه من المستبعد أن يكون للمستويات المنخفضة منه داخل الطعام أيُّ تأثيرٍ يُذكَر.
هناك بعض الأطعمة الأخرى التي قد تجعلك تشعر بالنعاس، ولا سيما الديك الروميُّ والأطعمة التي تحتوي على التربتوفان، وهو المسؤول عن تكوين الناقل العصبي المعروف بالسيروتونين، والذي يتحوَّل بدوره إلى الميلاتونين، وكما هو مذكورٌ أعلاه، فإنَّه من الممكن أن يُعزِّز الشعور بالنعاس؛ ولكن من المرجَّح أن يكون تأثيره طفيفاً.
بالإضافة إلى ذلك، قد يُعزِّز شرب الكحول الشعور بالخمول؛ وذلك لأنَّه يزيد من تأثير الأدينوزين.
ولكن لا يمكننا الافتراض أنَّ كلَّ ماسبق هو من الأسباب المباشرة والمسؤولة عن الشعور بالنعاس بعد الغداء.
ما هو دور إيقاع الساعة البيولوجية في الشعور بالنعاس في فترة الظهيرة؟
لا ترتبط نوعية الطعام الذي نتناوله، أو حتَّى عملية الأكل؛ بالشعور بالنعاس. بل إنَّها تتعلَّق بالتوقيت الطبيعي المسؤول عن تزايد الرغبة والميل إلى النوم، والتي يساهم فيها عاملان أساسيان هما: محرِّك النوم المتجانس، والساعة البيولوجية.
يرجع الدافع للنوم إلى التراكم التدريجي لمادةٍ كيميائيةٍ داخل الدماغ تسمَّى: الأدينوزين، والتي تصل إلى أعلى مستوياتها قبل وقت النوم مباشرة، وتكون أيضاً مرتفعةً في فترة ما بعد الظهر مقارنةً بالصباح.
فكلَّما طالت مدَّة استيقاظ الشخص، زاد تراكم الأدينوزين، وأدَّى بدوره إلى زيادة الرغبة بالنوم.
إنَّ الدافع الآخر للنوم: إيقاع الساعة البيولوجية، وهو نمط إشارات اليقظة، والتي تتزايد طوال اليوم لإبقائنا مستيقظين، ولمساعدتنا في مقاومة المستويات المتزايدة من الأدينوزين.
يحدث عادةً تراجعٌ أو انخفاضٌ في هذا النمط في فترة ما بعد الظهر، أي بعد 7 إلى 9 ساعات من الاستيقاظ؛ وعندما تنخفض إشارات اليقظة، تبدأ علامات الإرهاق والتعب بالظهور، ونشعر بالنعاس.
إنَّ الشعور بالخمول والرغبة بالنوم بين الساعة الواحدة والساعة الثالثة عصراً، ظاهرةٌ شائعةٌ للغاية، ويشترك فيها معظم البشر، وهي لا تقتصر عليهم فحسب، إذ أنَّنا نجد هذه الظاهرة عند الحيوانات والطيور أيضاً. إنَّ البوم الليلي، والذي قد ينام بشكلٍ طبيعيٍّ ويستيقظ لاحقاً في وقتٍ متأخر، غالباً ما تنخفض لديه الرغبة بالنوم نهاراً، ولا يشعر بالنعاس إلَّا بعد عدَّة ساعات.
نصائح متنوعة:
بالرغم من أنَّنا ذكرنا تفسيراتٍ عدَّةً لظاهرة الشعور بالنعاس بعد الغداء، إلَّا أنَّ هناك أوقاتٌ نشعر فيها برغبةٍ شديدةٍ في النوم نتيجة سلوكاتٍ أو ظروفٍ أخرى.
إنَّ عدم أخذ قسطٍ كافٍ من النوم ليلاً يزيد من فرص شعورنا بالنعاس بعد الغداء، بالإضافة إلى أنَّ بعض اضطرابات النوم، مثل: انقطاع النفس الانسدادي في أثناء النوم، قد تزيد الأمور سوءاً.
للتغلُّب على النعاس الذي يحدث في وقتٍ مبكرٍ من فترة ما بعد الظهيرة، يمكنك تناول المشروبات التي تحتوي على الكافئين، أو أخذ قيلولةٍ قصيرةٍ لمدة 10 إلى 20 دقيقة، فهي جديرةٌ بأن تقلِّل من مستويات الأدينوزين التي تساهم في شعورك بالنعاس، بالإضافة إلى عدَّة طرائق أخرى تساعدنا في البقاء مستيقظين بنشاط.
إذا تمكَّنت من مقاومة الشعور بالخمول والتعب، فستجد أنَّك تستعيد نشاطك وتنبُّهك مرةً أخرى في غضون ساعاتٍ قليلة، حيث يُعاوِد إيقاع الساعة البيولوجية الارتفاع مجدَّداً؛ ويحدث هذا عادةً بشكلٍ طبيعيٍّ دون اللجوء إلى تناول المنبهات مثل فنجان القهوة، أو حتَّى الحاجة إلى قيلولة.
أضف تعليقاً