تختلف نقاط القوة والضعف من شخص إلى آخر، فمثلاً تجد شخصاً ناجحاً مهنياً ويمتلك سمعة مميَّزة في مجال عمله، ولكنَّه فاشل عاطفياً لأنَّه مهمل لشريكه العاطفي ولا يحقِّق التوازن بين حياته الشخصية والمهنية، فالإنسان المتوازن عموماً هو الإنسان الذي يعرف مواطن الضعف لديه ويحاول تغييرها، وأهمُّ الأشياء المساعدة على التغلب على نقاط الضعف هي النقد الذاتي، لذلك سنتحدث اليوم في مقالنا عن كيفية مساعدة النقد الذاتي على تحويل نقاط الضعف إلى نقاط قوة.
ما هو النقد الذاتي؟
النقد الذاتي يمكن تعريفه بأنَّه تفكير الإنسان في نفسه بتركيز عالٍ جداً، بما يمتلكه من صفات فردية في مختلف الجوانب، وما يعتقد من معتقدات وما يمتلك من أفكار ورغبات وسلوكات سلبية، والتمكُّن من الإشارة إليها بقوة والتصالح مع النفس وكذلك مناقشتها مع أفراد العائلة أو مع الأصدقاء.
يشمل النقد الذاتي نقد الفرد للمؤسسة أو الشركة التي يعمل بها، وتحديد الأخطاء في أسلوب العمل لمنع تراكم الأخطاء ولتصحيح مختلف الجوانب السلبية بوصفها نوعاً من الحرص على الشركة ومحاولة ضمان استمراريتها.
كيف يساعد النقد الذاتي على التغلب على نقاط الضعف؟
النقد الذاتي هو من الطرائق الهامة المساعِدة على التغلب على نقاط الضعف، فيفيد الفرد بما يأتي:
1. النقد الذاتي أحد عناصر سلامة عقل الإنسان:
هذا هو تصور الفلسفة عن النقد الذاتي، لأنَّ النقد الذاتي يساعد على بناء شخصية تفكِّر في سلوكها وتصرفاتها وتنتقد نفسها عند ارتكاب الخطأ، والهدف هو التعلم من الأخطاء بالدرجة الأولى، وبعدها تغيير الجوانب السلبية والوصول إلى شخصية سليمة يُحتذى بها.
2. مراقبة الذات:
النقد الذاتي هو شكل من أشكال المراقبة الذاتية كما ذكرنا آنفاً، فهو يعزِّز هذه السمة لدى الإنسان فيصبح استخدامه للمنطق والعقل في أعلى درجاته، فيتحكَّم برغباته وعواطفه وسلوكه ويمتنع عن إظهار الأفكار غير المقبولة في المجتمع، ويتقيَّد سلوكه بالأخلاق والقيم الحميدة وكذلك بالقوانين، والسبب وراء تعزيز النقد الذاتي لمراقبة الذات أنَّه يُعزِّز الوازع الديني الذي يُجنِّب الإنسان السلوكات الخاطئة، ويمنع الانجرار مع تيار الفساد الأخلاقي الذي لا يخلو مجتمع من وجوده.
3. تحمُّل المسؤولية:
يعاني المجتمع عموماً من وجود شخصيات غير متحمِّلة للمسؤولية تجاه نفسها وتجاه الآخرين، وإذا نظرت حولك وفكَّرت تجد كثيراً من البشر يؤدون دور الضحية في الحياة العملية أو الشخصية أو غير ذلك، وتلقي اللوم دائماً على الآخرين أو تشتكي كثيراً من سوء الظروف المحيطة، وهنا يؤدي النقد الذاتي دوره فيُحرِّض الإنسان على التفكير في الحاضر والمستقبل ويجنِّبه الشكوى، سواءً على وسائل التواصل الاجتماعي أم أمام الآخرين فيجعله مكتفياً بالتحدث إلى صديق مقرَّب أو أحد أفراد العائلة.
كما أنَّه يُبعد الإنسان عن كثيري الشكوى والأشخاص السلبيين عموماً، وفي الوقت ذاته يبعد النقد الذاتي الإنسان عن أخذ المواقف على النحو الشخصي، لأنَّه يوضِّح فكرة هامة وهي أنَّ الكون لا يدور حول شخص واحد، وأي اختلاف في الآراء أو وجهات النظر لا يؤدي إلى نشوب خلافات، فهو ليس هجوماً شخصياً، فلا يمكن أن تكون الضحية إن بحثت عن سعادتك وركَّزت في اللحظة الحالية ووضعْتَ أهدافاً وأدركْتَ أنَّك الوحيد المسؤول عن تحقيقها.
شاهد بالفيديو: 8 طرق مهمة لتتخلّص من نقاط ضعفك بسرعة
4. تقبُّل المشاعر:
يحاول كثير من الناس تبرير المشاعر السلبية من حزن أو خوف أو عار، والتي يشعرون بها تجاه شخص معيَّن أو شيء ما على أنَّها مشاعر لا يجب أن تظهر، ولكنَّ رفضها يجعل الأمور أسوء، أمَّا النقد الذاتي فيشير إليها بوضوح ويساعد على تقبُّلها، وتقبُّل المشاعر أمر ضروري للتَّغيُّر نحو الأفضل واتِّباع مسار قويم، والقبول العاطفي هو التعرف إلى المشاعر والنظر إليها بواقعية، ثمَّ التحدث عنها مع العائلة أو الأصدقاء أو مع من مرَّ بتلك المشاعر نفسها ليُتعامَل معها على أنَّها أمر طبيعي يمكن تجاوزه بسهولة.
5. الوقاية من الوقوع في فخِّ اليأس:
الحياة مليئة بالصعوبات والتحديات المتنوعة، والتي تزداد صعوبتها في حال لم يعرف الإنسان مواطن الضعف لديه ويحاول التخلص من سلبياته ويحدِّد الأخطاء ويصحِّح مساره، لأنَّ الفشل المتكرر هو الطريق نحو اليأس والنقد الذاتي، ويساعد على إصلاح الطريق ومواجهة التحديات بالطريقة المثلى، فيقف في وجه الوقوع في اليأس والإحباط الذي يؤدي حتماً إلى ضياع الفرص الثمينة في الحياة.
مساوئ المبالغة في النقد الذاتي:
المبالغة في النقد الذاتي لها عدة مساوئ وأبرزها ما يأتي:
- الإنسان الذي يعتاد على نقد نفسه نقداً مبالغاً به، لا يبادر إلى اغتنام الفرص ويخاف من خوض أية تجربة جديدة.
- دفع الإنسان إلى توقُّع الأسوأ دائماً، لأنَّ النظرة للنفس تصبح سوداوية.
- يدفعُ النقد الذاتي غير الصحي الإنسان إلى إصدار أحكام مطلقة، إمَّا أسود أو أبيض دون النظر إلى التفاصيل الدقيقة في كل جانب.
- جلد الذات وعدم الغفران عند الوقوع في الأخطاء وتحمل مسؤوليات تفوق الطاقة الطبيعية.
- يؤدي النقد الذاتي غير الصحي إلى الشعور بالنقص والتقليل من قيمة الذات وما تملكه من مهارات مميزة.
- تؤدي المبالغة في النقد الذاتي إلى الوقوع في الإحباط واليأس والاستسلام للظروف السيئة وعدم محاولة تغييرها.
كيف يكون النقد الذاتي بنَّاء؟
يجب أن يكون النقد الذاتي بنَّاء ليتمكَّن الإنسان من التغلُّب على نقاط ضعفه، ويتم ذلك باتباع ما يأتي:
1. الابتعاد عن انتقاد السمات الثابتة وانتقاد سلوك محدد يمكن تغييره بدلاً عن ذلك:
أكَّد معظم خبراء علم النفس على وقوع معظم الناس في هذا اللغط، فينقدون الصفات السلبية الثابتة التي يملكونها، فبدلاً من أن تقول: "أنا لست ذكياً لذلك لم أنجح في الامتحان، كان عليك أن تقول: "لم أدرس جيِّداً ولم أستعد استعداداً مناسباً قبل الدخول إلى الامتحان".
ينطبق الأمر ذاته بالنسبة إلى العمل، فمعظم الناس تُحبَط عندما تفشل في مشروع وتنقد ذاتها، بدلاً من الانتباه إلى الأخطاء المرتكبة في الأسلوب ومحاولة تصحيحها، لذلك فرِّق جيِّداً بين الأمرين.
2. انتقاد ومحاولة تغيير الظروف المحيطة بدلاً من انتقاد السمات الشخصية:
تؤدي الظروف المحيطة دوراً هاماً في الوقوع في الأخطاء، فمثلاً قد تتسبَّب الظروف الخارجية مثل ازدحام المرور المفاجئ صباحاً تأخُّرك عن اجتماع هام أو مقابلة عمل، فبدلاً من انتقاد ذلك تنتقد نفسك على خسارة فرصة هامة، أو مثلاً صوت التلفاز العالي يمنعك من الدراسة، فيسبِّب تراجعك في التحصيل الدراسة، وهنا يكمن التصرف الصحيح بتهيئة الأجواء المناسبة للدراسة، بدلاً من لوم نفسك على نتيجة الامتحان.
3. التفكير بتأثير الآخرين في أنفسنا:
ينشغل الإنسان في إطلاق أحكام مختلفة على سلوكه وتفكيره ورغباته الإيجابية منها والسلبية، بدلاً من التفكير بالتأثير الذي يتركه سلوك الآخرين في أنفسنا، فمقارنة الإنسان بالآخرين تجعله يجلد نفسه بدلاً من انتقادها ويسعى إلى التغيير فقط من أجل منافسة الآخرين والتفوق عليهم، متناسين أنَّ الهدف الحقيقي هو تحقيق أهدافنا وإرضاء ذاتنا وليس الآخرين.
4. الاعتماد على الأسلوب اللين في الانتقاد:
إن لم تكن ليِّناً على نفسك، فلا يمكن للآخرين مساعدتك، فمعظم الناس توجِّه لنفسها انتقادات لاذعة عند الوقوع في الأخطاء، ولكنَّ التعامل مع النفس برحمة يؤدي لزيادة احترام الذات، وتحسين المستوى، وتقديم الدعم المعنوي القادر على دفع الإنسان للأمام.
في الختام:
امتلاك الإنسان لنقاط ضعف ليس بالأمر المعيب أو الغريب، ولكنَّ الاستسلام لنقاط الضعف وعدم محاولة تغييرها هو السلوك الخاطئ بحقِّ الذات، ومن الطرائق التي تساعد على التغلب على نقاط الضعف هي النقد الذاتي، فيدفع الإنسان إلى مراقبة نفسه بدقة بحيث يلاحظ سلوكه وطريقة تفكيره، فيمنعه من الانجرار وراء الخطأ ويساعده على تقويم مساره من خلال تجنُّب السلوكات الخاطئة.
إضافة إلى دور النقد الذاتي في زيادة تحمُّل المسؤولية بدلاً من رمي اللوم على الآخرين أو الظروف المحيطة، كما أنَّ النقد الذاتي يساعد الإنسان على تقبُّل المشاعر المختلفة، وكل الفوائد التي يعود بها النقد الذاتي على الإنسان تجعله يبتعد عن الوقوع في الأخطاء.
لكن لضمان الاستفادة من النقد الذاتي، يجب عدم المبالغة واتِّباع النقاط المذكورة في مقالنا عن النقد الذاتي البنَّاء، مثل مراعاة النفس والتعامل معها بلين والانتباه لتأثير الظروف المحيطة وتأثير الآخرين فينا بدلاً من لوم النفس في كل مرة يحدث فيها أمر مغاير لرغباتنا، ومحاولة تغيير الظروف بدلاً من تغيير السمات الثابتة.
أضف تعليقاً